دروس مصر.. السلاح واللاعنف
سيفر بلوتسكر
2011-02-16
الثورة في مصر لم تندلع بسبب الاقتصاد. وضع الاقتصاد
المصري تحسن في العقد الاخير. مدى الفقر تقلص ومعدل العاملين في الزراعة
انخفض. بطالة الشباب وان كانت احبطتهم ودفعتهم الى الشوارع، ولكن الدافع
الجوهري للثورة كان مغايرا: الاحساس بان القيادة منقطعة عن الجمهور. لا
تنصت له. لا تدير معه أي حوار. منغلقة على نفسها، بعيدة عن مشاكل الطبقة
الوسطى، ولا سيما في طرفها الاسفل.
الدرس الاول للثورة المصرية: انعدام
الحوار مع الجمهور يسقط في النهاية الحكام، حتى أكثرهم قوة. لا ضرورة
للموافقة على المطالب، التي قد تكون احيانا غريبة ومتنوعة، التي تصدر عن
الميادين، بما في ذلك الميادين الانتخابية. ولكن توجد ضرورة للانصات لها
بآذان صاغية وبرأس مفتوح. ايها المنقطعون عنا مللناكم.
الدرس الثاني
للثورة: اللاعنف مجدٍ. قادة الاحتجاج في القاهرة تبنوا، سواء علنا أم
بالخفاء، نظرية الثورة غير العنيفة التي طورها المفكر الامريكي ابن الـ 82
جين شارب. فمنذ السبعينيات من القرن السابق بدأ د. شارب يصيغ قواعد عملية
لاسقاط الدكتاتوريات بوسائل غير عنيفة، بعد ذلك أقام 'مؤسسة البرت
اينشتاين' التي تقع في شقة من غرفتين في بوستون ولكنها تبث تأثيرها على
حركات العصيان والاحتجاج في كل ارجاء المعمورة. طلائع الثورة غير العنيفة
استندوا بقدر كبير الى دليل القضاء على الطغيان دون استخدام العنف، الدليل
الذي وضعه ونشره شارب ابتداء من اسقاط النظام العسكري في اليونان، عبر
الانتقال الى الديمقراطية في اسبانيا والبرتغال، عبر انهيار الشيوعية في كل
ارجاء اوروبا، عبر اسقاط حكم ميلوشفتس، في الصرب وحتى تمرد الطلاب في
طهران في 2009 والثورات الاخيرة في تونس وفي مصر. ليس صدفة ان شارب يشكل
هدفا دائما لهجمات عديمة الجماح من الناطقين بلسان الانظمة في ايران،
فنزويلا، كوبا، ومؤخرا الصين وسورية ايضا.
انتصار الطريق الثوري غير
العنيف في تونس وفي مصر ليس فقط اساسا مستقرا لديمقراطية مستقبلية، بل ايضا
ضربة قاضية للقاعدة ولمنظمات الجهاد العالمي التي ترفع علم الحرب المقدسة
العنيفة. تبين أنه لا يوجد نظام منيع امام الجماهير غير العنيفة.
الدرس
الثالث: الانتقال من قمع حرية التعبير وحرية التنظيم الى السماح التام بها
يمكن أن يقع في غضون يوم واحد. النظام القديم يطرد، الحاكم ينفى، والناس
يكفون عن الخوف، والرقابة تحل وتبدأ المساومة الديمقراطية العادية. السهولة
التي تتفتت فيها اسوار السجون السياسية (كان يكفي عشرون يوما من
المظاهرات!) تثبت ضعفها.
الديمقراطية تبدأ بالعمل فور ولادتها، والثورات
التالية تأتي بالتالي الى الشرق الاوسط في غضون وقت قصير. الحكام في
سورية، في ليبيا، في المغرب، في ايران وفي السودان فهموا منذ الان بأن
المسيرة لا مرد لها. وهم ينهون اعداد مسار الهرب.
ولكن المسار السريع
للديمقراطية ليس أيضا مسارا سريعا للازدهار الاقتصادي والاجتماعي. انظروا
الى مصر: القوى السياسية التي ستتنافس في الانتخابات الديمقراطية سيتعين
عليها ان ترد على سلسلة من الاسئلة الصعبة: ما العمل مع جيش حجمه وميزانيته
ضعف اللازم؟ كيف تحل الاتحادات الحكومية غير الناجعة ونظام الامتيازات
والرخص الفاسد؟ ما العمل بالملايين الذين عملوا في أجهزة حزب السلطة هل
يرسم خط سميك على الماضي او الاستسلام للتطهير الجماهيري؟ كيف تكافح
البطالة المستشرية ولا سيما للشباب المتعلم؟ كيف تصبح مصر اقتصادا حديثا،
ليبراليا، تنافسيا، ينخرط في الاقتصاد العالمي وينمو، دون تعميق لا يطاق
للفوارق.
الاضرار الاقتصادية للدكتاتوريات طويلة المدى غير قابلة
للاصلاح الا في شفاء طويل المدى. اليونان، اسبانيا والبرتغال تعاني حتى
اليوم من آثار انظمة القمع الفاشية. في تشيكيا، بولندا، هنغاريا وسلوفانيا،
الثورة الاقتصادية الاجتماعية استغرقت عقدا من الزمان. في روسيا البيضاء
وفي الصرب لم تنجح بعد.
وهذا هو الدرس الرابع من الثورة المصرية: سكان
الشرق الاوسط، الذين تمنوا جدا الديمقراطية، لن ينتظروا بصبر لا نهاية له
ثمارها الاقتصادية. هذا خطر، وهنا توجد حاجة لمساعدة عاجلة من الغرب.
يديعوت 16/2/2011