نظام عسكري
دافيد بكعي
2011-02-14
يقال إن الورق يحتمل كل شيء. يقال ان صحيفة اليوم يلف
بها السمك الذي يشترى غدا. يقال انه توجد فجوة بين عناوين المقالات
ومضمونها وذلك لخلق معدلات نشر عالية. كله على ما يبدو صحيح. ومع ذلك، فان
نشوى وسائل الاعلام بالنسبة للاحداث في مصر تثير افكارا لاذعة. في مصر لا
تجري أي ثورة اجتماعية سياسية، ولا يوجد أي ميل للتحول الديمقراطي
والحريات، بل العكس تماما. في مصر كان نظام عسكري في سياقات التحول المدني
والآن الحكم هو نظام عسكري مباشر، معناه المس بالحريات القليلة التي كانت.
وسائل الاعلام لا ترسم فقط واقعا وهميا، بل ان دينامياتها محملة بالمصائب عقب تأثيرها على تصميم جدول الاعمال.
تنشر المزيد فالمزيد من البحوث التي تعنى بالدور المركزي لوسائل الاعلام
العالمية في تضخيم وتعظيم الاحداث في مصر. هذه ليست 'ثورة بابيروس' بل
'ثورة الجزيرة'. البرادعي ممثل فاسد بتكليف من نفسه والمسؤول الاساس عن
مواصلة انتاج القنبلة الذرية في ايران، اصبح رئيس مصر التالي بتكليف من
السي.ان.ان.
وسائل الاعلام (والاساس الجزيرة) ضخمت بشكل مفزع عدد
المشاركين في المظاهرات؛ وسائل الاعلام (ولا سيما العالمية) التي صورت تونس
قبل الاحداث كوطن الحرية والتقدم العربي، ومبارك كحاكم معتدل ومحب للسلام،
جعلتهما بين ليلة وضحاها دكتاتوريين ظلاميين ومتعطشين للحكم؛ وسائل
الاعلام (ولا سيما الاسرائيلية) تجاهلت تماما مظاهر اللاسامية الشديدة التي
كانت في أوساط المتظاهرين؛ ووسائل الاعلام بأسرها جعلت المتظاهرين متطلعين
للديمقراطية والتقدم، وان الحرية فقط هي أمام ناظريهم، في ظل تجاهلها
لأنماط العمل والشعارات التي يرفعونها.
كما أن هذه كانت الاستراتيجية الواضحة للاخوان المسلمين، الذين بقوا خلف الكواليس.
ما حصل في مصر ليس ثورة اجتماعية. مصر، مثل العالم العربي بأسره، تجتاز ثورة اخرى: تحطم حاجز خوف الجماهير من النظام.
هذه ثورة هائلة بمعانيها بالنسبة لسلوك الأنظمة. ولكن حتى هنا. في مصر وقع
انقلاب عسكري داخلي برئاسة طنطاوي، الذي سعى الى منع مبارك من توريث الحكم
الى ابنه جمال.
صراعات القوى هذه، التي دارت داخل النخبة العسكرية خلف الكواليس، بلغت النضج الى جانب المظاهرات الجماهيرية.
الجيش
قرر تنفيذ انقلاب داخلي و 'المجلس الاعلى للقوات المسلحة' في مصر برئاسة
وزير الدفاع طنطاوي يوجد الآن 'في انعقاد دائم' مثلما في وقت الحرب، لادارة
شوؤن مصر. هذا بالضبط ما يحصل ايضا في تونس. من نظام مدني فاسد، أخذ الجيش
صلاحيات الحكم.
رجاء لا تخطئوا. الجيش في مصر سيعد للانتخابات العامة،
بل وستكون ايضا انتخابات للرئاسة. وسيفرض النظام وسيعيد الحياة الى
مسارها. ولكن من يتوقع مظاهر الديمقراطية والحريات، لا يفهم الواقع. الجيش
لن يسمح للاخوان المسلمين بالانتصار، وهم سينتصرون اذا ما كانت حقا
انتخابات حرة حسب قواعد الديمقراطية الغربية، وهم سيقيمون في مصر صيغة سنية
لإيران. في أفضل الاحوال، الجيش سيسمح للاخوان المسلمين بأن ينالوا 20 في
المائة من الاصوات، التي كانوا حصلوا عليها في الانتخابات في 2005.
قادة
الجيش في مصر يذكرون ما حصل لنظرائهم في ايران بعد ثورة الخميني، وهم لن
يكرروا الخطأ الجسيم. نشوى رجال وسائل الاعلام لا تتطابق ابدا والواقع، بل
هي مثابة تفكير تحركه الأماني المسيحانية.
' د. محاضر في مدرسة العلوم السياسية، جامعة حيفا
معاريف 14/2/2011