سر الدنيا
بشرى ايجورك -
bouchra_ijork@yahoo.fr
كلنا
نفزع من هذه السرعة الغريبة التي يمضي بها العمر، إلى أن يلتقطنا الموت من
الزحام.. الزمن فقط لا أحد يجرؤ على صده أو معارضته أو تغيير سرعة ركضه..
من منا لا يتذكر تفاصيل حياته كأنها حدثت يوم أمس، يكفي أن تنبش في الماضي
ليُفتح كتاب ضخم بأوراق صفراء متآكلة، مليئة بصفحات خطت بمداد من الدمع
والفرح والأمل والألم والطموح والانتصارات والإخفاقات.
أحيانا أختلي بنفسي، أسائلها، أؤنبها، ألومها، أبوح لها بأحلامي وأماني..
وعند عتبة كل سنة جديدة، أجدني وجها لوجه مع الزمن.. رقم جديد وعمر جديد
وخطوة أخرى، نحو الأمام أو إلى الخلف.. لست أدري
فالزمن امتحان عسير، ظل قنطرة، عراء صحراء قاحلة..
الزمن وصية غامضة، بنودها ألغاز محيرة.
أحيانا، تتطلع من شرفة حياتك لترقب مستقبلك، فلا يظهر لك سوى ماضيك
بألوانه وفصوله ووجوه بعضُها رحل وبعضها ظل محفورا في ذاكرتك، فمن شدة
رغبتك في نسيانها تتذكرها عند أول موعد.
سنة جديدة تأتي وأخرى تمضي، وبين حضور الأولى وغياب الثانية عمر يتجدد
وأسئلة تتولد وأنت تقلب صفحات أيامك لتراجع نفسك وتتفقد لائحة أصدقائك،
منْ منهم مازال على العهد ومنْ منهم طعنك بسلاح الغدر، تتحسس دقات قلبك إن
كان لازال يفيض حنينا وحبا أم إنه قد أصبح قطعة رخام باردة صماء، وتمرر
يدك على جراحك تعاينها إن كانت قد التأمت في انتظار أخرى..
وتهز ضميرك بقوة حتى يظل دائما نقيا صاحيا متيقظا..
وتتساءل إن كنت لازلت تفرح أم فقدت القدرة على الابتسام، إن كنت لازلت
تصلي أم نسيت نصف «الفاتحة»، إن كنت تصل الرحم أم يتـّمت نفسك عن قصد
وقتلت في ذاكرتك عمدا كل قريب..
إن كانت عيناك لازالتا تدمعان، ويدك ترتعش وحواسك تثور..
كل سنة جديدة يجب أن نقوم بجرد كامل لأحاسيسنا فأشياء كثيرة جميلة ورقيقة
تتغير بداخلنا في غفلة منا في رحلة الركض نحو النهاية، العام الجديد فرصة
لنسترجع تفاصيل عذبة أهملناها أو تناسيناها فيما هي أساس وجودنا في هذه
الدنيا وأساس علاقتنا ببعضنا.. الحب والإحسان والصبر والصدق والمودة
والوفاء..
يكفينا غضب الطبيعة وقسوة الزمن ومفاجآت القدر، لسنا في حاجة إلى حروب
يومية مفتوحة على شتى الواجهات، ولا إلى خلق أسباب أخرى للعيش كلها أرقام
وأموال وحسابات..
إنها ليست رؤية مثالية ووهمية للحياة، إنه سر الدنيا الذي يكتشفه العباد
متأخرين، حينما لا ينفع مال ولا جاه ولا سلطة ولا وهم الخلود.
لقد اختار العالم أن يمضي نحو الهاوية وهو يبحث دون جدوى عن سر السعادة، فيما السعادة حب وعطاء وعمل وعبادة واقتسام ومشاركة..
أنا وأنت وليس أنا وحدي.. والدنيا والآخرة وليس الدنيا وحدها..
سنة سعيدة، أتمناها سنة الضمير والأمل والتوازن..
سنة الحب لكل من لازال يحيا بحب، ويعمل بحب ويعامل الناس بحب..
سنة العودة.. إلى الصواب.