حطب وعود ثقاب
جمال بدومة -
jamalboudouma@gmail.com
هناك سؤال لا بد أن نجيب عنه قبل
فوات الأوان: ما الذي يجعل المغاربة، هذه الأيام، «على سبة» بمجرد ما
تلمسهم يخرجون إلى الشارع، ويشرعون في إحراق السيارات، وتخريب الممتلكات
العمومية، والتعارك مع قوات الأمن، كأنهم يصفون حسابا قديما مع الدولة
ورموزها؟ صحيح أن النار لا يمكن أن تشتعل دون عود ثقاب، مهما كانت كمية
الحطب، وكما تناسلت التأويلات في أحداث العيون، يمكن أن نعثر على ما شئنا
من التفسيرات لما وقع في بوكيدارن بالحسيمة، بل نستطيع أن نلمح تلك
«الأيادي الخفية»، التي تقف وراء كل الكوارث التي تحصل، ويمكن أن نرى
إسبانيا والجزائر أو حتى إيران وفينزويلا في خلفية المشهد، بل يمكن أن نذهب
بعيدا في «التناوي» ونتساءل عن سر تصادف أحداث الحسيمة مع 14 دجنبر، التي
تعني ما تعنيه في تاريخ الاحتجاجات بالمغرب... لكن النتيجة، في النهاية، لن
تفيدنا في أي شيء. نظرية المؤامرة مشجب يمكن أن تعلق عليه جميع مشاكلك،
لكنك لا تحلها بكل تأكيد. ورغم اختلاف السياق، من الصعب ألا نربط بين أحداث
الحسيمة وأحداث العيون. في كلتا الحالتين، أدت مطالب اجتماعية إلى مواجهات
مع قوات الأمن، وتحول احتجاج سلمي إلى انتفاضة شعبية، ثم إن سوسة الانفصال
المستفحلة في الصحراء، تنخر الريف أيضا، بشكل أقل، ولا يتردد بعض الريفيين
في رفع شعارات تدعو إلى «الحكم الذاتي»، كلما سمحت لهم الفرصة، رغم أن
مطالب مثل هذه تبذل من أجلها تضحيات، والتضحيات حقيقية في الصحراء، وخيالية
في الريف، بلا شك. في نظام ديمقراطي عادي، كل هذه مطالب مشروعة، كما هو
الحال في فرنسا مثلا، مع الكورسيكيين الذين يعبرون عن أفكارهم الانفصالية
في التلفزيون والمنابر الرسمية، ويستفيدون من امتيازات المواطنة الفرنسية،
دون أن يزعجهم أحد. «يأكلون الغلة ويسبون الملة»، وذلك بالضبط ما يظهر
تناقضاتهم، ويجعلهم أقلية، يعرفون جيدا أنهم سيخسرون في حال تنظيم استفتاء
حول تقرير مصير الجزيرة، ويفقدون أعصابهم أحيانا، ويلجؤون إلى العنف. في
برشلونة أيضا، يعبر الكطالانيون عن نزعتهم الانفصالية بكل حرية. وإذا كان
المغرب قدم إجابات ديمقراطية متقدمة، لقطع الطريق أمام الطروحات
الانفصالية، من خلال مشروع الجهوية الموسعة، ومخطط الحكم الذاتي في
الصحراء، فإن الديمقراطية لا يمكن أن تعيش مع الرشوة، واستغلال النفوذ،
وتبديد أموال دافعي الضرائب. كل الانتفاضات التي تشهدها المدن المغربية،
تحمل مطالب اجتماعية، وثورة ضد الفساد. عندما يرى المواطنون كيف يتم رمي
أسرة في الشارع، في وقت يفرق فيه المسؤولون آلاف الهكتارات والبقع الأرضية
في ما بينهم، ويعلون في العمارات والأرصدة البنكية، لا يمكن إلا أن يصرخوا:
«اللهم إن هذا منكر». رغم أنني أضحك دائما من الطريقة التي يختم بها
الكاتب المصري علاء الأسواني مقالاته السياسة، إسمحوا لي أن أستعيرها منه
مرة واحدة: «الديمقراطية هي الحل»!