عودة ميتشل: طحن الماء
رأي القدس
2010-12-13
تصدر عن الادارة الامريكية بين الحين والآخر تصريحات غير مفهومة، خاصة عندما يتعلق الامر بمنطقة الشرق الاوسط، والقضية الفلسطينية على وجه الخصوص.
السيدة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الامريكية قالت قبل ايام ان الدولة الفلسطينية المستقلة يمكن ان تقوم في موعدها، اي في نهاية شهر آب (اغسطس) المقبل، ولكنها لم تقل لنا كيف ستقوم هذه الدولة، وادارتها عاجزة كليا عن اقناع حليفها الاسرائيلي بتجميد الاستيطان لمدة ثلاثة اشهر، وبما يسمح باستئناف المفاوضات الفلسطينية ـ الاسرائيلية.
الشيء نفسه يقال عن الزيارة التي يقوم بها حاليا الى الاراضي المحتلة السناتور جورج ميتشل مبعوث السلام الامريكي الذي يقول انه يريد العودة الى المفاوضات غير المباشرة بين الجانبين، من خلال طرح افكار امريكية جديدة.
السناتور ميتشل لجأ الى مفهوم المفاوضات غير المباشرة من اجل تحقيق بعض التقدم الذي يمكن ان يقنع الفلسطينيين بالانتقال الى المفاوضات المباشرة التي كان يلح على عقدها بنيامين نتنياهو رئيس وزراء اسرائيل. فما هو المبرر حاليا للعودة مجددا الى هذه المفاوضات؟
ومن المفارقة ان لجنة متابعة السلام العربية مددت موعد انعقادها من يوم الاحد الى يوم الاربعاء، لاعطاء فرصة للسناتور الامريكي والتعرف على الافكار التي يحملها.
الامر المؤكد ان جميع الاطراف تكذب على بعضها البعض، وعلى الطرف الفلسطيني على وجه الخصوص. نحن امام لعبة كسب الوقت من خلال الايحاء تضليلا بان العملية السلمية ما زالت على ما يرام، وابقاء المفاوض الفلسطيني في قفص الوهم الذي انحشر فيه طوال السنوات العشرين الماضية، اي منذ الانخراط في مفاوضات اوسلو السرية.
الرئيس الفلسطيني محمود عباس تحدث عن بدائل، ونقل عنه انه في حالة شديدة من الاحباط لدرجة انه بات يبحث عن بدائل لمواجهة الفشل الامريكي في التعاطي بشكل جدي مع حكومة نتنياهو الاسرائيلية.
هناك من قال ان الرئيس عباس يبحث عن امكانية احياء المقاومة السلمية، مثل التظاهرات والعصيان المدني، وقال آخرون انه يدرس احتمالية حل السلطة الفلسطينية، واعادة الامور الى المربع الاول، اي اراض تحت الاحتلال الاسرائيلي الذي من المفترض ان يتحمل مسؤولية ادارتها وتوفير الاموال اللازمة للصحة والتعليم والامن وغيرها.
المشكلة ان الحديث عن البدائل يظل في اطار المجالس المغلقة، وغالبا ما يكون الهدف منه هو امتصاص حالة الغضب والاحباط السائدة حاليا في اوساط الشعب الفلسطيني نتيجة انهيار حل الدولتين، وتخلي الادارة الامريكية عن وعودها باقامة الدولة الموعودة.
الرئيس عباس يجب ان لا يتحدث عن البدائل، بل ان يبدأ في ممارستها فعليا، من خلال تعبئة الشعب الفلسطيني للتحرك ضد الاحتلال بكافة الطرق والوسائل، لاعادة الاهتمام العالمي بالقضية الفلسطينية وتحميل اسرائيل مسؤولية انهيار عملية السلام.
فاذا كان الرئيس باراك اوباما وادارته لا يريدان توجيه اي لوم الى اسرائيل في هذا الصدد، فان المطلوب من الرئيس الفلسطيني ان يأخذ زمام المبادرة، ويضع العالم امام مسؤولياته. اما الصمت، والخوف من الغضب الامريكي، او ردة الفعل الاسرائيلي في ظل الخلل في موازين القوى، فهذا سيلحق ضررا كبيرا بالحقوق الشرعية والتاريخية للشعب الفلسطيني.
المطلوب ان يتخلى الرئيس عباس عن حالة التردد الحالية التي تسيطر على قراراته وخطواته ويعطي الضوء الاخضر لابناء حركة فتح وباقي فعاليات الشعب الفلسطيني للنزول الى الشوارع في مظاهرات غاضبة ضد امريكا واسرائيل معا، فهذه هي الطريقة لاعادة القضية الفلسطينية مجددا الى دائرة الاهتمام العالمي، فالاعلام هو الذي يضع اجندات السياسيين، ومن المؤسف ان الاعلام انفض عن القضية الفلسطينية لانه لا يجد هناك ما يستحق اذاعته نظرا لحالة الجمود والتردد الفلسطينية الحالية على الصعيدين الرسمي والشعبي للأسف.