سنوات الجمر والدم
كارلو شترنغر
2010-12-10
أوقفت الولايات المتحدة بتفضلها الكبير الآن المساومة المحرجة في تجميد المستوطنات. تقول ادارة باراك اوباما رسميا انها ستستمر في البحث عن سبل لتجديد المسيرة السلمية، لكن ينبغي أن نفترض انهم أدركوا هناك ما كان واضحا تماما منذ اللحظة التي اختار فيها نتنياهو انشاء ائتلاف مع شركائه 'الطبيعيين'، من 'اسرائيل بيتنا' وشاس: فهذه الحكومة غير قادرة ولا تريد التوصل الى اتفاق مع الفلسطينيين.
هذه هي لحظة الفلسطينيين الحاسمة، فهم يشعرون منذ مائة سنة بأنهم ضحايا التاريخ وليسوا لاعبين فعالين فيه. الآن تنقلب الامور رأسا على عقب، لانه في هذه النقطة توجد استراتيجية عملية واحدة فقط تستطيع أن تخرق الطريق المسدود ألا وهي خطة سلام فياض لاعلان دولة فلسطينية في 2011، تحظى باعتراف دولي، عن تطبيق فعلي لسيادة على الاراضي التي أصبحت تحت سيطرة الفلسطينيين.
بدأ الفلسطينيون يتقدمون في هذا الاتجاه، وحصدوا نجاحين أولين. فعلى اثر البرازيل تعترف الارجنتين الآن ايضا بالدولة الفلسطينية في حدود 1967. بيّنت الدولتان انهما خطتا هذه الخطوة آملتين أن تُسهم في أمن اسرائيل في الأمد البعيد، ولست أرى سببا للشك في صدقهما.
من شبه المؤكد أن دولا اخرى في الغرب ايضا، ستنضم الى البرازيل والارجنتين وثمة احتمال جيد لأن يستطيع الفلسطينيون احراز أكثرية في الجمعية العامة للامم المتحدة ويكرروا الانجاز التاريخي للحركة الصهيونية في التاسع والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر 1947. اذا حدث هذا فسينشأ بديلان: الاول أن تلائم اسرائيل نفسها تحت الاحتجاج والجماعة الدولية، وتبدأ مسار تفكيك المستوطنات مع اجراء تفاوض مع الحكومة الفلسطينية في تبادل اراضٍ وإبقاء كتل المستوطنات الكبرى تحت سيطرة اسرائيل. والبديل الثاني أن تتخندق اسرائيل في مواقفها المواجهة للجماعة الدولية وأن تصبح بذلك رسميا محتلة لدولة اخرى. وقد تكون النتيجة قطيعة وعقوبات وتدهورا الى عزلة لم يسبق لها مثيل.
هل يمكن فعل شيء ما لمنع تحقق الخيار الثاني الذي لن يُجدي أحدا ولا حتى الفلسطينيين؟ يتعلق هذا بكون الفلسطينيين مستعدين للانتقال من وضع الضحايا الى وضع مشاركة فاعلة في الأحداث، وهذا انتقال ضروري اذا أراد الفلسطينيون وقف اضاعة الفرص.
إن السبب الذي يجعل أكثر الاسرائيليين يخافون التوقيع على اتفاق سلام مع الفلسطينيين هو أنهم لا يؤمنون بأن يضمن هذا الاتفاق أمن اسرائيل وقدرتها على البقاء أمدا طويلا. وهم يخشون أن يكون حل الدولتين عند الفلسطينيين جزءا فقط من حل في مرحلتين؛ وأن يتابع الفلسطينيون حتى بعد أن تنشأ دولة فلسطينية في حدود 1967 طلب تحقيق حق العودة الى داخل دولة اسرائيل.
وعلى ذلك، يجب على الفلسطينيين أن يخطوا خطوة مركزية واحدة. فعليهم بتوجههم الى الامم المتحدة طالبين أن تعترف بدولة فلسطينية في حدود 1967، أن يعلنوا بصراحة بأن انشاء هذه الدولة يعني انهاء الصراع، وانه لن تُثار في المستقبل مطالب اخرى. هذا هو الشرط الذي سيُمكّن حكومة اسرائيلية في المستقبل من التعاون مع خطة السلام الفلسطينية.
أعلم ان احتمالات هذا ضعيفة، وأشك في أن يكون لمحمود عباس سلطة اعلان انهاء الصراع والتخلي عن حق العودة الفلسطيني. يؤمن فلسطينيون كثير انه لا يجوز لهم الحصول على 22 في المائة فقط من فلسطين التاريخية، لانهم يستطيعون الحصول عليها كلها. لهذا يهدد عباس بحل السلطة الفلسطينية خطوة اولى لتحقيق حل دولة واحدة.
مع ذلك يجب أن يكون واضحا للفلسطينيين انهم اذا فعلوا ذلك فسيحكمون على انفسهم وعلى اسرائيل وعلى المنطقة كلها بعشرات السنين من العنف والفظاعة والمعاناة العظيمة. ونظريتهم التي تقول إن اليهود في اسرائيل سيتخلون في نهاية الامر عن فكرة الوطن اليهودي مخطوءة. على خلفية تاريخ القرن العشرين، ستقاتل اسرائيل عن وجودها حتى النهاية المُرة.
لا أتوقع من الفلسطينيين عطفا على التاريخ اليهودي، ولا حاجة لأن يُشايعونا كي يدركوا انه يوجد امكانان: حل الدولتين أو التدهور نحو اضطراب ستبدو الجولات السابقة من سفك الدماء لعبة أولاد قياسا به.
يجب أن يفهم الفلسطينيون أن الجهاز السياسي في اسرائيل والوعي الجماعي فيها في شلل. فبرغم قوة اسرائيل العسكرية وإبداعها المدهش في مجالي التكنولوجيا والثقافة، لا يتوقع منها جرأة سياسية كبيرة. ومن المفارقة الكبيرة انه في حين يرى العالم ان اسرائيل هي الجانب القوي في النزاع، فان تقرير مصير المنطقة ومستقبلها في هذا الوقت تحديدا موكل الى الفلسطينيين.
هآرتس 10/12/2010