الانتفاضة على الأبواب
يونتان لفين
2010-12-09
إني أشم شيئا، أفلا تشمون أنتم؟ لحظة، أنا لا أتخيل، حقا توجد هنا رائحة... محروقة. شيء ما يحترق، وأنا لا اقصد الحرائق التي اندلعت الاسبوع الماضي، هذا احتراق آخر. يخيل لي ان هذه رائحة حريق لا نراها بعد، بل حتى لم يشتعل بعد. رائحة الحرائق الخفية عن العين، إذ يدور الحديث على ما يبدو عن الفي ثلاثة، حد اقصى أربعة آلاف بؤرة احراق متأخرة.
هذه رائحة نكراء على نحو خاص، فكيف لا تشمون؟! ليست رائحة مواد كيماوية ولا بلاستيكية. ربما ورقية. نعم، ورق تطبع عليه الكتب، هذا هو. حريق كتب، وبالاساس نشر كتب، وبعض اللحم، الذي يشوى كما اعتقد مع هذه الكتب. ولا بد أن هذه شعلة هائلة لأني اشم انهم يحرقون هناك الثقافة بشكل عام (على نار هادئة، كيفما اتفق). ليس فقط الثقافة التي نستهلكها (المسرح، السينما، الموسيقى)، بل بشكل عام الثقافة الاجتماعية الاساسية. نعم، هذه ليست فقط رائحة أرض مشتعلة، بل ورائحة نمط حياة مشتعل.
أنا أشم الانتفاضة الثالثة، ربما الرابعة، التي تشتعل منذ الان. رائحة شديدة من الخوف، من الباصات المتفجرة، من النار الحية والمواطنين العرب الموتى. رائحة احتراق الادارة السليمة تحت رعاية جبابرة المال. ومرة اخرى رائحة الورق. آه، ذاك الذي طبعت عليه استنتاجات لجان التحقيق. الكثير من الورق، الكثير من اللجان. ومزيد من الورق. المال. لا، ليس ذاك الذي يغلف فيه البطاطا بل المال الحقيقي، الضرائب التي تحترق على شيء لا أنجح حقا في معرفته. آه، واضح: قانون التسويات وقانون الطلاب الدينيين وكل أنواع القوانين المتذاكية الاخرى.
أشم احتجاجا هائلا من سليلي اثيوبيا، ولكن هذا سيحصل فقط بعد 15 سنة، بحيث أنه يمكن الجلوس لنيل الدفء امام شعلة الترهات. أشم الابخرة الخانقة للجهل، الغباء والسطحية، العفن الذي يأتي من الجيش الاسرائيلي المتبجح، الصفقة في الحزب، الرشوة في الانتخابات التالية، الاتفاق الائتلافي الذي سيحرقنا جميعنا مستقبلا، رائحة المطاط المحترق التي ستخلفها اطارات سيارات الوزراء في الحكومة المنتفخة التالية ورائحة الاطارات المشتعلة للمتظاهرين المقالين.
أشم السجائر الرخيصة للطلاب الفقراء الذين يضطرون الى دفع الضريبة كي لا يتمكن مستغلو الدولة ومتبطلوها، لا سمح الله من تحريك ساكن والمساهمة بنصيبهم. أشم رائحة الرعاع الذين يأتون الى الكنيست، يطالبون برؤوس متدحرجة (ولكن هذا سيستغرق زمنا، حين لن يكون لنا ما نأكله). أشم الثورة، الحرب الاهلية، النظام العسكري، الطاغية. أمل جلعاد شاليط يتبدد.
أشم كل شيء. الاطفائية البيروقراطية العتيقة، منشآت التأهيل المهجورة جراء هوس التجميد وازالته. أشم مئات آلاف الاسرائيليين الذين يهاجرون من البلاد، ليورثوها الى فقرائها، أشم كل هذا. من حظنا أنه توجد سوبر تانكر.
يديعوت 9/12/2