ومع ذلك لم تقع السماء
درور إيدار
2010-12-09
اعلان الولايات المتحدة مؤخرا برجوعها عن طلب تجميد البناء في المستوطنات اليهودية في يهودا والسامرة صيغ في عدة مواقع عندنا بعبارة: 'فشل التفاوض بين اسرائيل والولايات المتحدة'، وكأن الحديث عن محادثات السلام. لكن يتبين أن السماء لم تقع فوق رؤوسنا برغم الجرافات التي تعمل بجد كبير لاتمام عشرة اشهر التجميد. امتنعت الولايات المتحدة عن القاء التهمة على أحد الطرفين، لكن الحكماء عندنا يعلمون كما هم دائما من المذنب: حكومة اسرائيل ونتنياهو على رأسها بطبيعة الامر، وكيف لا؟
يجدر أن نكرر الأولويات حتى لاولئك الذين تخونهم ذاكرتهم: قدّمت حكومة اولمرت للفلسطينيين دولة فوق طبق من البلاتين. وقد أثبت اولمرت أن التائبين قد يكونون أكثر تطرفا من البابا؛ والتفت خريطة تنازلاته من اليسار على مبادرة جنيف. بل لقد اشتملت على تسليم أجزاء من القدس القديمة ومصالحة على شأن طلب عودة الفلسطينيين الى داخل اسرائيل. ومع ذلك كله، تهرب أبو مازن ورجاله وخلّفوا اولمرت مع تركة بلا مسؤولية لمن يخلفونه.
عبّر الجمهور في الانتخابات الاخيرة عن رأيه في تنبؤات المسيحانيين من اليسار الاسرائيلي العبثية فبعد 15 سنة من المراودة اليائسة، والتراجعات، وهدم المستوطنات والتعرض لخطر الحرب الأهلية، حصلنا على دم ونار ودخان تباكٍ من جيراننا. وازدادت مكانة اسرائيل تدهورا، لانه يصعب بعد التخلي عن خطاب حقوق اليهود في بلادهم، اقناع العالم بعدل دعاوانا بخطاب أمني فقط.
مع ذلك كله خطت هذه الحكومة خاصة خطوة لم يسبق لها مثيل: فقد أعلن نتنياهو الحل المطلوب للصراع، 'دولتين للشعبين' (مع تحديده للسقف الصحيح مصطلح 'الشعبين' يشتمل على الشعب اليهودي، أي الاعتراف الفلسطيني بأن دولة اسرائيل الوطن القومي للشعب اليهودي والاعتراف بانهاء الصراع)، والتجميد مدة عشرة اشهر للبناء في المستوطنات اليهودية. وذلك لاجتذاب الفلسطينيين الى التفاوض. لم يأت الفلسطينيون بتعلاّت مختلفة، (دعمها اعلام مشايع لهم مُعاد لحكومة اسرائيل). في شهر التجميد الاخير فقط بعد طائفة من الضغوط والتهديدات تفضل الفلسطينيون بالمجيء الى التفاوض العالق بطبيعة الأمر. ماذا يمكن أن يتم في عدد من اللقاءات ولم يتم في مئات اخرى منذ اتفاق اوسلو؟.
آنذاك جاءت الفكرة الخلاقة الآتية ('خلاّقة' مصطلح اعلامي مغسول لضغط سياسي آخر على اسرائيل): وهي تجميد آخر لثلاثة اشهر وآنئذ ينتهي الصراع. بتّ نتنياهو الامر مؤيدا ذلك مخالفا بعض وزرائه لكن على ألا يكون ذلك في القدس. عارض الفلسطينيون بطبيعة الامر (متى وافقوا على شيء ما؟)، وهكذا انتهى هذا الفصل في هذا الدوار الذي لا ينتهي المسمى 'مسيرة السلام'. ارتقبوا حلولا خلاّقة اخرى في الاسبوع القادم.
يمكن قول الحقيقة: فبخلاف الضجيج الاعلامي لليسار الاسرائيلي، لم ينوِ الفلسطينيون قط التوصل الى سلام مع اسرائيل. إن تغيير اوباما لتوجهه نحو اسرائيل كان في مصلحتهم ونفخ الريح في أشرعتهم المثقوبة، وجعلهم يعتقدون انه قد جاء المسيح الذي سيحرز لهم دولة مقابل لا شيء. وذلك في الأساس بعد أن أحرج اوباما نتنياهو وقدّم لكارهيه مادة كثيرة عن الكارثة السياسية التي توشك أن تحل باسرائيل اذا لم تستجب لمطالب وزارة الخارجية الامريكية.
اقتُبس من كلام موظف امريكي إذ قال إن الولايات المتحدة ترى أن 'الهدف لم يكن التجميد بل التوصل الى تسوية دائمة'. ربما. إن الواضح هو أن الجهات المشايعة لما يُسمى 'معسكر السلام' في اسرائيل كانت معنية خاصة بالتجميد أكثر من السلام. كما أن أعمدة توم فريدمان الصحفية تُهيئ لنا نظرا الى الرواية غير الرسمية لجماعة اوباما، يمكن عندنا ان نقرأ محللي اليسار، الذي يأمل دائما أن يفعل الآخرون العمل بدلا منه (يصعب اقناع الجمهور..). فما هو أمل الجماعة المذكورة من أكثر محللي اليسار؟ اعتزال وزراء العمل بسبب فشل التفاوض السياسي كي 'يُزال القناع عن وجه الحكومة اليميني ويصبح من الممكن منحها العلاج المناسب'. ربما عندما يتغلغل صحافيون مخصوصون حقا الى أسرار التفاوض، سيتبين لهم بما يفاجئهم ما أصبح كثيرون يعرفونه وهو أن الفلسطينيين غير قادرين على التوقيع على انهاء الصراع ولا حتى مقابل انسحاب اسرائيل الكامل الى خطوط 1967، مشتملا على تخريب جميع المستوطنات اليهودية وترحيل نصف مليون يهودي الى داخل الخط الاخضر.
اسرائيل اليوم 9/12/2010