بن عبد الله مراقب
التوقيع :
عدد الرسائل : 1537
الموقع : في قلب الامة تعاليق : الحكمة ضالة الشيخ ، بعد عمر طويل ماذا يتبقى سوى الاعداد للخروج حيث الباب مشرعا تاريخ التسجيل : 05/10/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 8
| | ويكيليكس والآذان الصاغية | |
يبدو أن موقع ويكيليكس قد أثار حساسية كل الكبار في أنحاء العالم حين تعرض إلى الكثير من الموضوعات بالغة السرية بالنسبة للمحادثات الدبلوماسية في مختلف دول العالم، وكشف بعض من الخبايا التي تتم في كواليس السياسيين التي تحجب الرؤيا الواضحة عن شعوب هذه الدول، وقلب لهم ظهر المجن وفاجأهم ولكن أيما مفاجأة. مما تسبب في إرباك وصل مداه إلى قمة الهرم السياسي في الولايات المتحدة والقمم الأخرى، وقاد موقع ويكيليكس في الأسبوع الماضي حملة تسريبات ضخمة حيث نشر الموقع 250 ألف برقية مرة واحدة أماطت اللثام عن كثير من المعلومات التي يصل بعضها إلى حد الفضائح السياسية. أما بعضها الآخر فهو يهدف إلى وضع النقاط فوق الحروف فيما يتعلق بالسياسات الخارجية لبعض الدول وعلاقاتها شديدة الخصوصية ببعضها البعض والتي تتم جميعها عبر بوابة الولايات المتحدة. إلا أن هذه المكانة قد وضعتها محط أنظار الجميع وحنقهم وهدفا واضحا أمامهم لكسر طوق السرية التي تغلف السياسات الأميركية تجاه العالم بأجمعه. وكما قال توماس فريدمان في مقاله بنيويورك تايمز» بأن برقيات ويكيليكس كانت فيها مادة جذابة للبعض، لكن قراءة ما بين السطور فيها توصل إلى رسالة تنبيه مفادها أن أميركا قوة متسربة». وتأكيدا لهذه الحقيقة فإن التحركات التي قامت بها أميركا لردع هذا الموقع المستفز قد تغيّب الاسترالي جوليان أسانغ صاحب موقع ويكيليكس طويلا بخاصة بعد إلغاء ترخيص موقعه من على الشبكة، وتحريك قضية ضده من السويد، إضافة إلى تهديده بالقتل. فهذا الرجل الذي بدأ بإطلاق موقعه قبل ثلاث سنوات بطموح يهدف إلى كشف واقع الفقر والمرض وشظف العيش في أنحاء العالم وصل إلى نتيجة أن سلسلة الفقر والجوع محكمة بحلقات أخرى لا بد من التعريف بها حتى تكتمل السلسلة الطويلة التي لا تخلو من الفساد. وعليه كان من المهم أن يتبنى هذا الموقع كثير من الحقوقيين المدافعين عن حقوق الإنسان في شتى العالم، ومن هذا المنطلق رأى القائمون على الموقع أن أفضل طريقة لوقف هذه الانتهاكات هو كشفها وتسليط الضوء عليها. إن الحقائق الكثيرة التي كشفها ويكيليكس حتى الآن حققت نجاحا غير مسبوق في موضوع كسر الرقابة التي تفرضها الدول على الإعلام، ولاسيما الذي يخاطب شعوبه بأسلوب أقرب ما يكون للسذاجة والاستغفال، فالذي يعلنه في الجهر مغاير تماما لما يتم في الخفاء، والتنطع بالتصريحات في الخطب السياسية الرنانة مخالفا تماما لصيغة التذلل التي تتم في الكواليس. ورغم ذلك تبقى هذه الكشوفات لا تقدم ولا تؤخر أمام جرافة القبضة الحديدية للحكومات، ولا توجد محكمة حتى اللحظة تجرم الزعماء على مشاركتهم في تزوير التاريخ، أو تلاعبهم بعواطف شعوبهم وكسب قضاياهم السياسية بالضحك على الذقون. ولن تلجمهم مستقبلا عن مزيد من الكذب لكسب قضاياهم، ومن المستغرب أن ينبري بعض الزعماء للإشادة بهذا الموقع وتسريباته والدفاع عن مشروعيته، ومنهم الرئيس الليبي معمر القذافي والرئيس الفنزويلي شافيز اللذان اتفقا على أن الموقع ينزع القناع عن الحقائق ويفضح النفاق العالمي، ولا ندري بعد من هم السعداء أيضا بهذه التسريبات. من ناحية أخرى فإن قيام الشركات المضيفة لموقع ويكيليكس بسحب رخصته وإلغائه وحجبه قد يساهم في مزيد من شهرته والتي لا تقف عند بلد بعينه. ولعل هذه سابقة في التاريخ الإنساني أن تكون عملية التغيير عالمية القيادة وعالمية الأهداف وعالمية حتى في قيودها، وهذا التحوّل الجديد في النظرة للقضايا اليوم قد انتزع صفة الخصوصية من قضية ما أو من مكان ما. فالكل أصبح تحت دائرة الضوء ولن يوجد مستقبلا من هو بمعزل عن إمكانية تعرضه لما يتعرض له اليوم العديد من القادة والدبلوماسيين. ويمكن التأكيد على أن هذه الشهادات التي خرقت المحظور وقدمت تفاصيل الحاضر والماضي قد تساهم مستقبلا في تغيير قواعد اللعبة السياسية بين الحاكم والمحكوم، وربما نشهد لغة جديدة تفسر هذه «الشيزوفرينيا» التي تقول ما لا تفعل، أو تفعل ما لا تنادي به. والأهم من هذا وذاك أن الهدايا التي يقدمها موقع ويكيليكس تجعل البعض غير مبتهج بها، بل تتولد في نفسه مشاعر الحزن والحنق، وهو انطباعا لا يتناسب مع مفهوم الهدية بشكل عام. فالقنابل التي تتفجر في نفوس البعض تتركه في مواجهة دائمة مع احباطاته وكأنه كان يستبشر خيرا بالبعض فصدمته الحقائق بعكس توقعاته، مما يؤدي إلى أزمات نفسية قد تزيد من عدد المرضى على مستوى العالم ولا سيما العالم الذي يسمى بالنامي. المتتبع لردود الفعل الرسمية التي خرجت من عواصم العالم والتي طالبت بتوقيف ويكيليكس عند حده وعدم المبالغة في تفسير تسريباته تعبر بشكل ما عن مدى الخوف الذي يشعر به المفضوح والإحراج الذي يأكل وجهه الذابل أمام الرأي العام والأصابع التي تشير له بالكذب وتستهزئ من صموده لمواصلة الزيف. وإذا كنا لا نزال نتذكر الصحاف أشهر وزير عراقي اتصف بالقدرة على إدارة الحرب الإعلامية وتنميق القدرات العسكرية العراقية وتهويلها بامتياز فإن ما يقوم به البعض في الخفاء لهو أدعى بالإشادة والشهرة من الصحاف نفسه. ولكن قد يأتي اليوم الذي ينصفهم ماذا لو ظهر ويكيليكس جديد في الأفق. كما يقال دوما ما خفي أعظم، إلا أن التفاؤل باستمرار هذا الموقع يظل مكبلا في عقلية العرب بتشاؤم الإرادة، فهل يصمد؟ | |
|