لماذا لا تمتحنون الاسد؟
صحف عبرية:
2010-12-07
إن وحدات اطفاء الحريق الدولية التي جاءت لاخماد الحريق في غابات الكرمل، صبّت ماء باردا على حملة 'يسلبوننا شرعيتنا' الدعائية. حتى ان النرويج التي لها قناة مفتوحة، والويل لها، مع حماس وهي موضوعة على رأس قائمة مُنتقدي حكومة اسرائيل، قد عرضت مروحيتين.
يصعب أن نجد دبلوماسيا يُجسد الفرق بين تأييد اسرائيل وبين سلب الاحتلال الاسرائيلي شرعيته أكثر من سابين سابييه، سفير النرويج في اسرائيل. في 1968 بعد بضعة اشهر من حرب الايام الستة وبعد أن أنهى الثانوية العامة، استجاب سابييه لإعلان دعا شبانا نرويجيين الى التطوع للعمل في الكيبوتسات، وحضر الى مشمار هعيمق. حافظ على صلة بأصدقائه الجدد وبعد ثلاث سنين عاد الى الكيبوتس وانضم الى نادٍ لتعلم العبرية.
يقول سابييه انه لم يكن مُحتاجا الى المساعدة السخيّة لمكافحة الحريق، لرد زعم أن دول اوروبا وفيها النرويج تُحرض على شرعية اسرائيل. إن غير الشرعي، كما أكد سابييه في مقابلة صحافية في بيته الواسع في هرتسليا، هو الاحتلال والمستوطنات اللذان يناقضان القانون الدولي وقرارات الامم المتحدة. ويذكر السفير أن انتقاد اوسلو على الاحتلال أشد اعتدالا من ذاك الذي يصدر عن غير قليل من الاسرائيليين. ويقول في ابتسام إن النرويج لم تتحدث قط بمصطلحات ما بعد الصهيونية.
يعارض سابييه بشدة كل صورة من صور القطيعة مع اسرائيل. ومع ذلك لا يدهشه أن نرويجيين يمتنعون عن شراء منتوجات اسرائيلية، بعد أن سمعوا أن اسرائيل تلتف على التزام اعلام مصدر سلع تُنتج في المستوطنات. ولن يُفاجىء سابييه أن يزيد الجمود في المسيرة السياسية والازمة الاقتصادية العالمية الضغط العام الداخلي على الدول المانحة للسلطة الفلسطينية وفيها حكومته، لتطرح على اسرائيل النفقة على الخدمات الحيوية في المناطق المحتلة (منحت النرويج السلطة حتى اليوم أكثر من ملياري دولار).
برغم أن سابييه دخل في المدة الاخيرة فقط أبواب مكتب السفير في تل ابيب، فانه يُحسن العوم في مستنقع الصراع الاسرائيلي العربي. إن سيرته الذاتية مملوءة بنقاط ذِكر في الشرق الاوسط: ففي النصف الثاني من التسعينيات عمل مندوبا أول للنرويج في السلطة الفلسطينية وسفيرا في اسرائيل بالفعل ايضا. وقد بشَّر اسحق رابين بفوزه بجائزة نوبل للسلام، وكان في المقاطعة عندما أبلغ محمود عباس ياسر عرفات أن رابين مات من جراحه، وسمع الزعيم الفلسطيني يتنبأ بأن 'الخطوط الحمراء كلها سيتم اجتيازها الآن'. قبل أن يعود الى المنطقة سفيرا في سورية ولبنان (كان في بيروت عندما قصفت طائرات سلاح الجو المدينة)، كان سابييه مسؤولا عن قسم الشرق الاوسط في وزارة الخارجية في اوسلو. وكان منصبه التالي قبل ارساله الى اسرائيل، مبعوثا خاصا للمسيرة السلمية.
يعرف سابييه نظرة الاسرائيلي في الشارع الى ماركة 'اوسلو'، التي أصبحت، وهذا مما يأسف له الدبلوماسي القديم، ضحية تنكيل معارضي المصالحة والزعماء المترددين. وتحديه هو أن يُعيد شيئا من الدفء الى نظرة المجتمع الاسرائيلي الباردة الى بلد الفيوردات. في نطاق الجهود لتعزيز العلاقة بين الدولتين، نظّمت السفارة عرض موسيقيي جاز معروفَين من النرويج. وهذا هو السبب الذي يهمه بيانه في أنه لماذا تحافظ النرويج على علاقتها بحماس.
'منذ 1993 أصبحت حماس قوة سياسية، تعارض عقيدتها ايماننا بدولة علمانية باحثة عن السلام'، يقول سابييه. 'لكنكم اذا تجاهلتموها فلن تختفي'. انطبع في نفسه بمحادثاته مع قادة حماس انه كانت فرص ضائعة للتوصل الى تسوية مع الحركة للاعتراف الفعلي باسرائيل في حدود 1967. كانت واحدة منها في المدة القصيرة لحكومة الوحدة الفلسطينية. ويتساءل: أما يزال أحد في اسرائيل يؤمن بأن سياسة الحصار على غزة تحرز هدفها؟ لا شك عنده في أن الحصار لا يمس بمكانة حماس.
برغم أن السلطة في رام الله تنقل الى حكومة غزة جزءا كبيرا من اموال الدول المانحة، لا تنقل حكومته الى حماس حتى تاجا نرويجيا واحدا. وبرغم أن اسرائيل لم تطلب من النرويج أن تُسهم بصلاتها في التفاوض في صفقة شاليط، بُحث الموضوع في الاتصالات بأنه قضية انسانية. يقول سابييه في ثقة إن الزمن الطويل الذي مر لم يُغير قيد أنملة الثمن الذي تطلبه حماس مقابل اطلاق سراح شليط.
اسرائيل تصمت
يصعب على سابييه اعتمادا على تجربته السورية أن يُصدق أن سورية 'بواسطة حماس' ستنظر مستريحة عن جنب الى الاتفاق الدائم الذي يُخرج اسرائيل من الضفة وشرقي القدس في حين تظل متمسكة بالجولان. في مقابلة ذلك، انطبع في نفس سابييه أن الرئيس الأسد ملتزم بمبادىء مبادرة السلام العربية (الاعتراف والتطبيع مقابل الانسحاب الى حدود 1967 وحل عادل متفق عليه لمشكلة اللاجئين على أساس قرار الامم المتحدة 194). كان في بيروت في آذار (مارس) 2002 في اليوم الذي تبنت فيه الجامعة المبادرة ويتساءل: لماذا لم تُجهد أي حكومة اسرائيلية نفسها الى اليوم في بحث هذا الاقتراح الثوري؟ 'اذا لم تكن اسرائيل تُصدق السوريين'، يقول، 'فلماذا لا تُعرّضهم لامتحان وتكشف عن الحيلة؟'.
قبل أن أودع سابييه سألته هل تثير اسرائيل التي يعيش فيها اليوم والتي تكره الاجانب والعرب، في نفسه الشوق الى اسرائيل التي عرفها قبل اربعين سنة. فأجاب بدبلوماسية: 'أصدقائي في الكيبوتس قلقون جدا من هذا التوجه'. 'اذا كانت اسرائيل تريد أن تكون دولة طبيعية متجهة الى الغرب فيجب أن تحترم القيم الكُليَّة'.
هآرتس 7/12/2010