من لدعه الحريق
صحف عبرية
2010-12-06
يفضل متخذو قراراتنا علاجا محدودا لكل ما يتعلق بتحديد الحرائق، وازمة الماء، وأمن الطيران والزلازل وما أشبه من الموضوعات التي تحتاج الى تخطيط بعيد الأمد. ما اعتيد أن يُسمى 'اطفاء الحرائق'.
بيّنت الكارثة في غابات الكرمل أن اسرائيل بعيدة في اطفاء الحرائق ايضا عن لقب بطلة العالم. إن اليدين اللتين أشعلتا غابات الكرمل وسلطات الدولة التي أهملت حماية المواطنين لم تُسبب موت عشرات الاسرائيليين وضياع بيوت آلاف فحسب. لقد أحرقت طبقة اخرى من أسطورة أن دولة اليهود قوة عظمى عسكرية ـ تكنولوجية، لا يجدر التحرش بها. يُسمون هذا في أدبيات الأمن 'القدرة على الردع'.
إن قافلة طائرات الاطفاء التي جاءت من الغرب، ذكّرت بـ 'القطار الجوي' المليء بالسلاح الذي استحثته الادارة الامريكية الى اسرائيل في ايام حرب يوم الغفران الفظيعة. كان ذلك في ذروة الحرب الباردة التي شقّت الشرق الاوسط بين الكتلتين الكبيرتين. واليوم يستطيع رئيس حكومة اسرائيل أن يتصل في مساء سبت بموسكو وفي السبت صباحا تهبط طائرة اطفاء روسية في مطار بن غوريون. من كان يخطر في باله في تلك الايام أن تهب الاردن ومصر والسلطة الفلسطينية الى سباق اطفاء نحو عين حوض؟.
صحيح، ليس عارا طلب مساعدة العالم لوقف حريق أو وباء أو فيضان. فان دولا كبيرة غنية ايضا تحتاج الى مساعدة خارجية في الطوارىء. وقليلات هي الدول التي سبق أن رفعت للعالم كله الاصبع الوسطى واشتكت أنه يسلبها الشرعية. وكي لا يُغرينا الايمان للحظة بأنه يمكن الاعتماد على الجيران المسلمين، بادر وزير الخارجية افيغدور ليبرمان الى التصريح بأن الالمان ـ لا نحن والعياذ بالله ـ هم الذين توجهوا الى الأشرار في أنقرة. كان اسحق رابين يقول في ذلك إن النار نفس النار والعرب نفس العرب.
في الوقت الذي بدأنا نشعر بالدفء واللذة في غيتو الشعب الذي يسكن وحده خاصة، أصر كارهو اسرائيل على تخليصنا منه.
لماذا كان يجب أن يحدث لنا هذا خاصة عندما كشف 'ويكيليكس' عن السبق الصحافي الذي يقول إن محمود احمدي نجاد ليس كأس الشاي للزعماء العرب البراغماتيين وأنهم ينامون نوما لذيذا من غير أن يكون للفلسطينيين دولة ايضا؟ ولماذا نسي الأهوجان اطفاء الموقد عندما بدأ الجمهور خاصة يعتقد أن مصر والاردن لا يهمهما أن تبني حماس وحزب الله قوتهما على أنقاض اوسلو؟ هل ربما يوجد شيء ما فيما قاله الحاخام عوفاديا يوسيف من أن كل هذا عقاب لتدنيس السبت؟ عندما يُخمد لهب بيوت كيبوتس بيت أورن، سنعاود مساومة الامريكيين في بناء عدة بيوت اخرى في عوفرا، وتُجيز الكنيست قانون ضم اريئيل (وقع على ذلك 35 عضو كنيست) ونطرد فلسطينيين آخرين في الشيخ جراح. وسيقترح بنيامين نتنياهو على الفلسطينيين، كما قال لاعضاء كونغرس امريكيين (بحسب وثائق 'ويكيليكس')، دولة ـ بلدية منزوعة السلاح، تسيطر اسرائيل على حدودها وعلى مجالها الجوي وعلى أمواجها الأثيرية. وسيظل حزب العمل يؤيد رئيس حكومة سكّن اعضاء كتلة الليكود البرلمانية قائلا إن رؤياه هي أن يُسلم الفلسطينيين 'ادارة المجاري في جنين'.
عندما يحقق الرئيس محمود عباس تهديده بأن يُسلم نتنياهو مفتاح مجاري جنين ويضع حدا لتسويف السلام، فان الائتلاف الدولي ـ الاقليمي الذي هب لاطفاء الحريق في الكرمل، سيكون ملك يدي اسرائيل زمن السلام. لكن عندما تنقض حماس على المقاطعة لن ترسل أي دولة وحدات اطفاء للتحقق من أن النار في رام الله لن تصل مستوطنة بسغوت. ليس الاحتلال كارثة طبيعية بل فعل يدي الانسان وهو في الأساس فعل أيدينا. ستظل اسرائيل تواجه الامر وحدها مع الأضرار المحلية ومع آثاره الاستراتيجية ـ وفي مقدمة ذلك استغلال ايران الساخر لذلك.
ثمة مكان لاقامة لجنة تحقيق تحقق في الاخفاقات في غابات الكرمل وجهاز الاطفاء في اسرائيل. وأهم من ذلك أن نستعد للنار الكبيرة التي ستشب بسبب عدم وجود تخطيط سياسي لأمد أبعد من نشرة الأنباء التالية. هذا أهم بأضعاف مضاعفة بعد أن تبين مرة اخرى أن مصيرنا متروك لقيادة لا تعرف أن تُطفىء حتى الحرائق. من لذعه الحريق لا يجوز له أن يلعب بالثقاب.
هآرتس 6/12/2010