الهزل في موضع الهزل.. والانتخابات عندما تتحول إلى مسخرة!
سليم عزوز
2010-12-03
أحدث نكتة سمعتها أن المصري يطلق على زوجته لقب (الحكومة)، لأنه يعجز عن تغييرها.
يطيب لي في هذه المرة، أن أبدأ هذه الزاوية 'بنكتة'، تليق بالمشهد الهزلي الذي تعيش فيه مصر منذ يوم الأحد الماضي، وهو اليوم الذي شهد الانتخابات البرلمانية، التي كانت مسخرة بامتياز.
من قبل قلت ان المصريين في الحضر يطلقون على زوجاتهم (الحكومة)، وكنت أظن أن هذا راجع الى ما تتمتع به من غطرسة واستبداد، إلى أن استمعت إلى هذه النكتة، وعليه فإذا كان قومنا في الريف يطلقون على زوجاتهم لقب (الجماعة) فهذا نسبة إلى (الجماعة المحظورة) وهو الوصف الخاص بجماعة الإخوان المسلمين في الإعلام الرسمي، وفي كثير من الأحيان يذكرون اللقب من دون الاسم فيقولون (المحظورة)، حتى بات اللقب معروفا عن الجماعة بالضرورة.
ما علينا، فلما كان يوم الأحد 28 ايلول/ ديسمبر سنة 2010 من ميلاد السيد المسيح عليه السلام، الموافق 22 من ذي الحجة سنة 1431 من الهجرة النبوية، استيقظت مبكراً وتبوأت مقعدي أمام التلفزيون.
شعرت بأهمية هذه الانتخابات عندما شاهدت عدداً من المذيعين في مقاه وسط القاهرة قبلها بيومين، ومن عدد من الفضائيات الكبرى وقد جاءوا من كل فج عميق، وشاهدت للمرة الأولى عباس ناصر وجهاً لوجه وهو الذي يملك صوتاً ذهبياً، يتحول في نقل المأسي إلى لحن جنائزي بديع، كانت عيناه تائهتين، فقلت: لقد أدركته الغربة، لكن عندما غادر القاهرة علمت انه يواجه مشكلات مع (الجزيرة).. يبدو أن السياسة المعتمدة فيها هي التخلص من كل نجومها، ليكون القوم في حكم من 'نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً'.
عندما رأيت الوفود قلت انهم يصدقون ما يبثه تلفزيون الريادة الإعلامية من ان مصر ستشهد انتخابات فارقة في تاريخها، وربما عززت أحزاب المعارضة من هذه الدعاية، التي شارك ممثلوها في برامج التلفزيون المذكور، وعادوا وزادوا في أنهم يخوضون هذه الانتخابات استناداً الى وعد الرئيس!
مبارك كان قد وعد بانتخابات نزيهة، ولو فكروا لوقفوا على ان الرئيس وعد بأن انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى، التي جرت قبل عدة شهور ستكون نزيهة، ومع هذا شهدت تزويراً لإرادة الناخبين غير مسبوق.. التزوير الذي حدث في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة لم تعرفه البشرية منذ بدء الخليقة، لأنه هبط من مرحلة الجرأة إلى حضيض الوقاحة.
السيد البدوي شحاتة رئيس حزب 'الوفد' أضحك الثكالى في مؤتمر صحافي عقده عقب الانتخابات البرلمانية عندما قال ان قيادات الحزب الحاكم تسببت في اتلاف وعد الرئيس.. طيب السيد البدوي هذا، وبدت طيبته متناهية وهو يعلن انه شكل هيئة قانونية تعكف على إعداد ملف بالتزوير وتقديمه للرئيس مبارك، وودت أن يؤجل ذلك حتى اعياد الميلاد، لتكون اجمل هدية. هذا اذا صدقنا ان كل ما جرى كان من وراء ظهر سيادة الرئيس.
الرجل شديد الأدب، إلى درجة أنني شاهدته يصافح عمال الحزب بتواضع شديد، لكني حسدته لأنه ظل هكذا، مع أن معه رخصة بالغضب، فالله لا يحب الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم، والقوم جعلوه في وضع لا يحسد عليه، عندما أنفق 18 مليون جنيه على الحملة الدعائية لحزبه ثم تكون النتيجة أن ينجح له اثنان من المرشحين، ويُمارس التزوير ضد مرشحيه، مع ان التسريبات القادمة من الحزب الحاكم كانت تشير إلى ان التزوير سيكون فقط من نصيب مرشحي الإخوان المسلمين، وعليه فقد احتشدت أحزاب المعارضة ونصبت حلقة ذكر ضد الجماعة المحظورة.. اشربوا!.
ذبح القطة
لم أعول كثيراً على أداء الوفود الإعلامية، فقد ذبح لهم أنس الفقي 'القطة' قبل أن يتوافدوا على القاهرة، وكانت الرسالة لا تخطئ العين دلالتها!.
ثقافة 'ذبح القطة' معروفة في التراث المصري، وينصح بها في المناطق التي تعرف وصف (الجماعة) للزوجة لا لقب (الحكومة) ويكون من ليلة الدخلة، حتى تمشي على العجين بعد ذلك فلا تترك عليه أثراً.. عباقرة أجدادنا يا شباب!.
انس الفقي وزير الإعلام المصري قام بالتضييق على فضائية الـ 'بي بي سي'، وألغى لهم حجزاً في احد الاستوديوهات، وكانوا قد اعدوا العدة لبث برنامج على الهواء عن الانتخابات، وأخذ سيادته يهاجمها، وتبين ان هذا بسبب ظهور صديقنا عبد الحليم قنديل وحديثه عن الرئيس مبارك بشكل انتقل من النقد المباح، الى التجريح الشخصي!.
أنا أقف في المساحة ما بين السيد البدوي، وعبد الحليم قنديل.. احسد الأول على أدبه، واحسد الثاني على شجاعته وان كان يصدمني عندما يدفعه الغضب إلى ان يقوم بتجريح الآخر، رئيساً أو ضيفاً معه في برنامج.
ومع هذا فالقاعدة ان كل إنسان معلق من 'عرقوبه'، ولا تزر وازرة وزر أخرى، ولا يجوز ان تتحمل فضائية ما، كل ما يقال عبرها، إلا لجاز لنا أن نعاقبها على الكلام ونقيضه، ولجاز لنا أن نطالب بإغلاقها لأنها تنشر الدجل والشعوذة، عندما تستضيف متحدثين عن الحزب الحاكم، فيقولون كلاماً لا ينطق به عاقل رشيد، وأحدهم شاهدته وهو يصف المهازل التي يندى لها الجبين في يوم الأحد إياه، بقوله: 'عرس الديمقراطية'، وهو كلام يجعلنا نتشكك في السلامة العقلية لهؤلاء، ولو مددنا الحبل الى اخره لقلنا والسلامة العقلية لمن يستضيفونهم.
كنت قد عقدت العزم على المرور الخاطف على عموم الفضائيات في هذا اليوم ليستقر بي المطاف عند شاشة 'الحرة'، وكانت ماري زعرب قد بثت خبراً وصلني عبر بريدي الالكتروني يفيد بأن 'الحرة' ستقوم بتغطية شاملة في هذا اليوم، ولم أكد أهنأ بذلك حتى فوجئت بوزير الإعلام حماه الله، يذبح القطة لـ 'الحرة'.. كما لو كانت تلفزيون السودان.
سيغضب الأشقاء هناك، ممن يعتقدون ان التلفزيون السوداني يعبر عن كبرياء الشعب وشموخه.. لا بأس!.
اختراق يوم الصمت
الفقي اتهم 'الحرة' باختراق يوم الصمت، بأن أذاعت برنامجاً شاركت فيه ممثلة عن الحزب الحاكم، وجميلة إسماعيل المرشحة بدائرة قصر النيل.. أهل الحكم يكرهون جميلة كراهية التحريم، وبحسب مصادرنا فقد كان شرطهم لاستمرار حزب 'الغد' مع جبهة أيمن نور، ان يتم فصل جميلة، ولأن أحداً في هذه الجبهة لم يكن يستطيع اتخاذ هذا القرار، لذا فقد استقر الحزب عند من كان قد تم فصلهم في السابق، وبموالسة من لجنة شؤون الأحزاب، المملوكة للحزب الوطني الحاكم.
يوم الصمت هو اليوم السابق ليوم الفصل، وكانت اللجنة العليا للانتخابات قد قررت وقف الدعاية الانتخابية في منتصف الليلة السابقة لهذا اليوم، وليس في البرنامج ما يمثل دعاية انتخابية، لكن الوزير كان يريد ان يذبح 'القطة' لـ 'الحرة'، وللفضائيات الاخرى!.
كنت اعتقد ان الاستبداد العربي، على جبروته، لا يستطيع الاقتراب من رحاب 'الحرة' الأمريكية، لان العين لا تعلو على الحاجب، لكن في ظل ولاية عبد الله الضعيف باراك أوباما، يمكن لوزير الإعلام المصري ان يصدر قراراً بضبط وإحضار السيدة حرمه، وقد يرسل فريقاً امنياً يقتحم البيت الأبيض ويحملها إلى مصر في صندوق. والرجل منذ ان انحنى وقبل يد الملك عبد الله بن عبد العزيز، أيقنت انه العار بشحمه ولحمه.. الحمد لله اننا نعيش في معية انس الفقي، الذي يبدو هذه الأيام كالفك المفترس، وليس في معية أوباما، الذي هو في حكم الولايا، جمع (ولية)!
السيد الوزير أبلغ رئيس اللجنة العليا بجريمة 'الحرة' وتم ابلاغ النائب العام ليتخذ الإجراءات القانونية حيال اختراقها يوم الصمت، مع ان جريدة 'الأهرام' نفسها اخترقت هذا اليوم بإعلان مدفوع الآجر، وفي يوم الانتخابات كانت 'نايل كوميدي' المملوكة لتلفزيون الريادة الإعلامية تبث إعلانات انتخابية، ولم يقل احد انها اخترقت الصمت الرهيب!.
في زيارة عابرة لتلفزيون البلاد، شاهدت الرئيس مبارك يدلي بصوته، كما شاهدت جمال مبارك، وظل هذا هو الخبر الأول طوال اليوم، وكان لافتاً دخول الكاميرات لنقل هذه اللحظة الفارقة في تاريخ الأمة، وهو ما يعد انتهاكاً لقرار لرئيس اللجنة العليا، الذي حظر دخول الكاميرات الى داخل اللجان، باعتبار انها عورة، وقد أمرنا ان نستر عورة اخواننا ولو بطرف الثياب!.
على 'الحرة' شاهدت أكرم خزام مبتسماً على غير العادة، فتشاءمت، وظل صاحبنا اليوم كله متبهجاً.. معنا من الإسكندرية أكرم خزام.. فيطل أكرم مبتسماً، وهذه من المعجزات التي تحققت في هذا اليوم، وهو الذي كان يتعامل عندما كان يراسل 'الجزيرة' من موسكو على انه من نفس فصيلة جميلة عازر.
وتبين ان تشاؤمي في محله، ففي هذا اليوم شهدنا ذبح إرادة الناخبين على النصب، وقد اختفت الدولة المصرية وظهرت دولة العصابات، وجرى التزوير بشكل فاضح، ونجح للمعارضة الرسمية ثلاثة نواب، في الجولة الاولى، ولم ينجح للاخوان احد.
على احدى الفضائيات المصرية الخاصة شاهدت احد رجالات الحزب الحاكم وهو يفسر هذا، بأن الشعب كان يختبر الإخوان طوال الخمس سنوات الأخيرة، وقد سقطوا في الاختبار.. وقتها أيقنت ان الحياء انتزع من الأرض، ولهذا فانا انتظر الساعة، او ان تنزل صاعقة من السماء تبدد شملهم، وتنكل بهم، وتجعلهم عبرة لمن يعتبر.
اختطاف الجزيرة مباشر
'الجزيرة مباشر' نقلت مداخلات المصريين في الداخل والخارج، وكان الشعور بالمأساة هو سيد الموقف، لم يكن بإمكان جنود الاستبداد أن يشوشوا عليها لأنها تبث على أكثر من قمر، وهم من تدخلوا بقطع أكثر من برنامج على الهواء لـ 'بي بي سي' من القاهرة احتجاجا على بعض الضيوف، وكنا إزاء تصرفات صغيرة تليق بأصحابها، وقد عطلوا الموقع الالكتروني في يوم الانتخابات لجماعة الإخوان المسلمين، ثم عطلوا موقع جريدة 'الوفد' عندما تردد ان رئيس الحزب اتخذ قراراً بالانسحاب من الجولة الثانية.
وزير الإعلام بسلامته قال ان 'الجزيرة مباشر' مختطفة من قبل قوى اخرى، ولا نعرف ما هي القوى غير الاخرى. وأشاد بأداء قناة 'العربية'.. ليذكرنا بهذه القناة، وكنت قد نسيتها تماماً، ولو كنت مكان القائمين عليها لقمت بمقاضاة الوزير على تصريحه، لان شهادته تفقد الثقة والاعتبار.
لقد كان يوماً عصيباً، جلعنا نفقد الامل في الاصلاح عبر صناديق الانتخاب.. الامل في عزرائيل!