تاريخ التسجيل : 13/09/2010 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 4
07112018
لك أنت، يا من تصدق التكيف وتستبسل في تكذيب التطور
[rtl]العديد من الكتب المدرسية العربية لا تجد أي مشكلة في تدريس ما يسمى ”التأقلم/التكيّف“، وترى الكثير من الأشخاص لا يمانعون تصديق الأدلة عليه، ولكن عندما تذكر لهم الأدلة على التطور لن تسمع الرد نفسه، الكتب تُحرق والآراء يتم تجاهلها ويعلو صوت التكفير والنعت بالجهل وترديد: ”منآمن بالتأقلم بس التطور مجرد نظرية تم تكذيبها!“… تمهّل عزيزي…[/rtl]
[rtl]هذا المقال سيحاول إزالة الفاصل الوهمي بين التأقلم والتطور، مع التطرّق للموضوع من وجهة نظر منطقية وعلمية.[/rtl]
[size=36][rtl]ما هو التطور:[/rtl][/size]
[rtl]يعرّف الكثيرين التطور على أنه تغيّر الكائنات من نوعٍ إلى آخر، لكن هذا ليس تعريفاً دقيقاً، التطور كما عرّفه داروين هو التغيير الحاصل في الكائنات بمرور الزمن نتيجة التغييرات في الموروثات العضوية والسلوكية التي تساعد الكائن على الاستمرار.[/rtl]
[rtl] تطور الأنواع[/rtl]
[rtl]نعم قد ينتج عن هذا التغيّر أنواعا* جديدة لكن ليس بالضرورة.[/rtl]
التطور بالمفهوم العلمي الحديث هو التغيير الحاصل في الحوض الجيني للكائنات. أي تغيير الجينات السائدة ضمن فصيلة معينة.
[rtl]تقريباً هذا هو نفسه التعريف الشائع عن التأقلم… هل بدأت برؤية المشكلة؟ المشكلة في المقام الأول هي مشكلة تعاريف، التطور يعني التغيير الحاصل بالكائنات، وكذلك التأقلم.. هل هما مرادفان لمفهوم واحد؟[/rtl] [rtl]في الحقيقة نعم، علمياً يطلق عليها اسم تطور قد يكون هذا التطور صغيراً أو كبيراً وذلك بحسب الفترة الزمنية ويتطرّق المقال لهذه النقطة لاحقاً.[/rtl]
[size=36][rtl]الإصرار:[/rtl][/size]
[rtl]إذاً بما أن داروين مكتشف النظرية لا يعرّف التطور على أنه تغيير بالنوع فمن أين أتى هذا التعريف؟ التعريف أتى من الفهم الخاطئ لآلية عمل التطور وكذلك التدليس من قبل مكذّبي التطور كالخلقيين، وذلك لصعوبة رؤية التغيير الحاصل بالكائنات خلال حياة الفرد القصيرة نسبياً، فتمّ وضع فاصل بين ما أسموه التأقلم الذي بالطبع يمكن رؤيته وملاحظته وبين التطور الذي برأيهم يستحيل مشاهدته بالعين المجردة.[/rtl]
[rtl] سفينة نوح – النظرية الخلقية[/rtl]
[rtl]لكن مهلاً! ما هو تعريفك للنوع؟ داروين في كتابه أصل الأنواع 1859 أجاب عن هذا السؤال، الأنواع مجرد تسمية بشرية، ليس هناك حد فاصل بين الأنواع وهذه أبرز النقاط التي رفعت التساؤل عند داروين، ففي الفصل الأول من كتابه شرح داروين الفاصل الهش بين الكائنات والتغيير داخل الكائنات وبين الأنواع والأنواع الفرعية وخاصة مع إضافة الحلقات من الكائنات المنقرضة اختفى هذا الفاصل تماماً وهذا ما وجّهه نحو نظريته المعروفة، أن كل المسماة أنواع تتشارك مع بعضها وراثياً.[/rtl]
[rtl] غلاف كتاب اصل الأنواع[/rtl]
[rtl]التعريف المتداول للأنواع هو مجموعة كائنات تتشارك فيما بينها الجينات وكذلك القابلية على التكاثر.[/rtl] [rtl]هل هذا يعني أن الكلبة التي لا يمكنها التزاوج من كلاب من فصيلة أخرى أصبحت نوع جديد وعلينا أن نخترع اسم جديد لها؟ مجدداً هل رأيت هشاشة فكرة الأنواع؟ مثلاً كلما فقد الكائن القابلية على التزاوج من أقاربه نطلق عليه اسم جديد ونقدمه كمثال على التطور الذي تطلبه وهو التحول في النوع، تفضل عزيزي.. هذا نوع جديد، هل تصدق التطور الآن؟[/rtl]
[size=36][rtl]المنطق:[/rtl][/size]
[rtl]المقال أظهر المشكلة بالتعريفات والتسميات، لكن لنفترض جدلاً أن التطور هو التغير بالكائنات بالمفهوم السائد، إذا أنت لا تجد مشكلة بالتأقلم وهو تغيّر الكائن بصورة طفيفة للتناسب مع بيئته لكن ترفض أن تتحول السمكة لسحلية مثلاً… لكن لماذا؟[/rtl] [rtl]إذا أنت اقتنعت بحصول التغيير الطفيف ليس لديك خيار سوى تقبّل التطور الكبير عندما يضاف للوقت لهذه العملية، فما بالك بملايين السنين![/rtl]
[rtl] مبنى متصدع[/rtl]
[rtl]مثال على هذا، تخيّل هناك بيت لا يتم ترميمه وأنت تمر بسيارتك يومياً بجانب هذا البيت وتراه يتصدأ ويخسر لونه وبدأ بالتصدع بأكثر من زاوية، لو تم سؤالك عن توقعك لهذا البيت بعد ألف سنة ماذا سيكون جوابك؟ بالطبع سيكون الجواب هو أن البيت سيكون مجرد كومة تراب! لكن كيف توصّلت لهذا الاستنتاج؟ ببساطة أنت رأيت التغييرات الصغيرة وقمت بإضافة عامل الوقت حيث تتراكم هذه التغييرات شيئاً فشيئاً لينتهي الأمر بتشققات كبيرة ودمار شامل.[/rtl]
[rtl]لماذا تتجاهل نفس المنطق عند الحديث عن التأقلم؟ ما هو المانع الذي يحدّ الكائن من التطور بصورة صغيرة على ملايين السنين فيصبح ”منطقياً“ التغيير كبيراً؟[/rtl] [rtl]عزيزي القارئ، حاول أن تقرأ بتجرّد المثال القادم.. تخيّل لديك قطيع يشبه الغزلان وضرب المنطقة زلزال وفصل القطيع فصيلتين، فصيلة انتهى بها الأمر في السهل وأخرى في الجبل، ولتكن أنت المراقب وبيدك آلة الزمن… سترى أن كل فصيلة ستبدأ تحدث بها التغييرات الصغيرة فمن لديه القدرة على التأقلم والتغير حسب المنطقة سيتم انتخابه من قبل الطبيعة والباقي سيواجه الموت حتماً.[/rtl] [rtl]في السهل من يملك رقبة أطول سيكون له الأفضلية على الباقي وسينجو ويتكاثر وسيحدث طفرات عند الأطفال وتستمر التغيرات الصغيرة جداّ، الآن استعمل آلة الزمن وتقدم مئة ألف سنة منطقياً رقاب الغزلان ستكون تغيرت نتيجة تراكمات طفيفة لمئة ألف سنة، فلن تستغرب كشخص منطقي أن تجد أن جينات الرقبة الطويلة قد سيطرت على كامل غزلان السهل لأن أصحاب جينات الرقبة القصيرة لم يتمكنوا من الوصول لأوراق الأشجار وماتوا دون تمرير جيناتهم… إذاً لدينا الآن كائن برقبة طويلة سنسميه زرافة يمكن أن تسميه Fts 21 التسمية غير مهمة.[/rtl]
[rtl] اسلاف الزرافة[/rtl]
[rtl]لننتقل الآن إلى فصيلة الجبل، في الجبل الأرض وعرة و يتخلّلها صخور والطقس أبرد لهذا ستنجو الغزلان ذات الأرجل الأقوى والشعر الأكثف للتدفئة، مع الوقت اشباه الغزلان التي تمتلك جينات أفضل وبسبب الصراع على الطعام ستبقى وهكذا سيزداد الشعر كثافةً وتزداد الأرجل قوةً وتكبر القرون، الآن أصبح لدينا كائن سنسميه الرنّة أو dtj 65 مجدداً الاسم لا يهم.[/rtl] [rtl]الآن لنقارن بين الفصيلتين، عندما تضعهم جنباَ إلى جنب ستجد أنه لا يمكننا وضعهم تقليدياً تحت مسمى نوع واحد. وهكذا بسبب تغيرات صغيرة تأقلمية متراكمة أصبح لدينا تأقلم كبير متعارف عليه باسم التطور.[/rtl]
[size=36][rtl]علمياً:[/rtl][/size]
[rtl]حتى لا يفقد المقال الطابع العلمي سيتم التطرق لطريقة حدوث التغيرات الطفيفة وشرح بشكل مختصر دون تفاصيل دقيقة لمن لم يتمرّس بالبيولوجيا.[/rtl] [rtl]التغييرات عند صغار الكائنات سببها الرئيسي هو الطفرات، تحدث الطفرات بشكل رئيسي بسبب الأخطاء الناجمة عن نسخ الشيفرة الوراثية من الأهل.[/rtl]
[rtl]هناك عدة طرق للطفرات للحدوث نركز على أبرزها:[/rtl]
[rtl]• الطفرة عند نقطة معينة Point Mutation[/rtl]
[rtl]وهي الطفرة التي تحدث لجزء واحد من الجينات على مستوى النيوكليوتيدات nucleotides. الجينات هي عبارة عن سلسلة من النيوكليوتيدات التي تشكل الجينات ونوع البروتينات التي يفرزها الجسم.[/rtl] [rtl]مثال عن هذه الطفرات هو الطفرة على مستوى النقطة وهي تبديل ال G ب T عند الكلاب وهذا التغيير الوحيد أدى إلى ظهور الشعر الطويل عند الكلاب، الطفرة حصلت بالجين FGF5. هذه العملية لا تؤدي إلى ازدياد بالشيفرة الوراثية.[/rtl]
[rtl] النيوكليوتيدات[/rtl]
[rtl]• التضاعف Duplication[/rtl]
[rtl]وفي هذه العملية يحصل الخطأ بالنسخ، يتم نسخ الجين كاملاً أو قسم منه مرتين، فيمتلك الكائن نسخة إضافية من الجين، هذا الجين عبر عدة أجيال يحصل له العديد من الطفرات النقطية (عملية 1) ليتحول مع مرور الأجيال إلى جين مختلف عن الجين الذي تضاعف منه وهكذا أصبح أسلاف الكائن يمتلكون شيفرة وراثية إضافية.[/rtl] [rtl]مثال على ذلك هو سم الأفعى، فقد نشأ من خلال تضاعف الجين المختص بإفراز اللعاب، هذا الجين ينتج بروتين ال Factor 10 الذي يساهم بإغلاق الجروح من الداخل، هذا الجين لا يُفعّل إلا عند الاقتراب من الجرح حيث يتم تفعيله وينشأ شيء شبيه بالشبكة، التضاعف لهذا الجين مع طفرات نقطية أدت لإنتاج عدد هائل من هذا البروتين عند الأفعى فعندما تلدغك تنشره في جسمك فينشأ شبكات مضاعفة عن الحد الطبيعي ويحصل تجمد الدم.[/rtl]
[rtl] بروتين Factor 10[/rtl]
[rtl]هذا دليل بسيط كيف لتغييرٍ بسيطٍ جداً إحداث تغيير جذري قد يصل لكونه سلاح قاتل عند الكائن.[/rtl]
[rtl]الإنسان لعب دور الطبيعة لآلاف السنين، فبدلاً من كون الطبيعة هي من تختار (بدون وعي) من يستمر ومن يموت من خلال موت الكائن الغير مناسب للبيئة، قام الإنسان بتسريع العملية التطورية بما يهدف مصلحته، ومن دون تعديل جيني أو تلاعب بأي من جزء من الشيفرة الوراثية، فقط عن طريق تحديد التزاوج وقتل غير المرغوب فيهم أنتج الكثير من الكائنات الجديدة.[/rtl] [rtl]فالكلاب مثلاً تطورت من الذئاب، حدث التدخل البشري بتزاوج الكلاب لآلاف السنين لإنتاج أنواع جديدة في مختلف أنحاء العالم دون أي تكنولوجيا حديثة، مجرد تقمص لدور الطبيعة، فقام البشر بتزويج الذئاب ذات الصفات التي يرغبون فيها وعند الإنجاب يقومون بقتل الذئاب غير المناسبة ويبقون على الذئاب التي تظهر صفات أفضل من الأبوين وهكذا حتى أصبحت هذه الذئاب بعيدة جينياً عن الأبوين الأصليين الذين ابتدأ منهم الانتقاء، ولهذا أطلق عليهم اسم كلاب. كان من الممكن تسميتهم ذئاب مطورة ولكن الاسم لن يغير شيئاً طالما تعرف العملية التي تم من خلالها تحويلهم من ذئاب إلى الشكل الحالي.[/rtl] [rtl]كذلك الموز الذي تعرفه هو نتاج التدخل البشري، وكذلك البطيخ والتفاح وكل الخضار والفاكهة التي تشتريها اليوم من الأسواق.[/rtl] [rtl]مثال على ذلك هو نبتة الخردل التي حوّلها البشر حديثاً إلى بروكلي وملفوف وقرنبيط[/rtl]
[rtl] كيف تطور البروكلي[/rtl]
[rtl]فالتدخل البشري دون تغيير الجينات فقط التلاعب بالحوض الجيني عبر الأجيال بدلاً عن الطبيعة دليل واضح للقدرة على التغيير بالكائنات لتتحول لما نسميه نوع جديد.[/rtl]
اقتباس :
[rtl]اذا كان بمقدرة الإنسان خلق أنواع جديدة خلال مئات السنين، ما الذي يمنع الطبيعة من ذلك عبر ملايين الأجيال، داروين. —(أصل الأنواع، بتصرف)[/rtl]
[size=36][rtl]رياضياً:[/rtl][/size]
[rtl]إذا قمت بسؤال أي طفل في مراحل دراسته الأولى عن 1+1 سيجيب 2. أضف لذلك واحد سيجيب 3، اسأله لو أضفنا مئة مليون ”1“ لل 3 سيجيب ببساطة مئة مليون وثلاثة.[/rtl] [rtl]العملية رياضياً أسهل مما تتوقع، إذا اعتبرنا كل تأقلم/تكيف طفيف هو مجرد رقم 1، والآن عند كل جيل نضيف رقم 1، أضف إلى المعادلة الوقت.. أي مئة ألف جيل مثلاً، ماذا سيكون الحاصل؟ 5؟ 6؟ 50؟ أم مئة ألف وواحد؟[/rtl] [rtl][/rtl] [rtl]بما أنك لا تصدق التطور تريد أن تقنع نفسك أن 1+1+1+ مئة الف= 7. هذه ببساطة مشكلة رياضيات ومنطق، توجّه لأقرب طفل واسأله هذا السؤال:[/rtl] [rtl]لدينا كائن يشبه السلحفاة عاش على الأرض، كل سنة يحصل لأطفاله تغيير صغير، بعد آلاف السنين من التغيير كيف سيكون شكل الكائن؟[/rtl] [rtl]لن تتفاجئ إذا وصفوا هذا الكائن بشيء يشبه التنين أو الديناصور أو مجرد تضخيم للكائن من مخيلتهم البسيطة.[/rtl] [rtl]هل تقبل أن يكون الطفل في الابتدائي أكثر منطقيةً منك؟[/rtl]
[size=36][rtl]ماذا يعني كل هذا:[/rtl][/size]
[rtl]باختصار المقال يريد أن يسلّط الضوء على عملية منطقية حسابية بسيطة ألا وهي:[/rtl] [rtl]التطور (بالمفهوم السائد) = التأقلم (بالمفهوم السائد) × الوقت[/rtl] [rtl]كل تغيير صغير إذا أعطيته وقتاً كافياً سيتحول إلى تغيير أكبر وأكبر وأكبر، لن تستطيع مشاهدة التغيير الكبير لأنه ببساطة حياتنا نحن البشر قصيرة نسبياً، فمثلاً نحن لم نشاهد تحرك القارات لكن بالأدلة نعرف أن القارات كلها كانت قارة واحدة.[/rtl] [rtl]هل تنفي ذلك لأنك لم ترها؟ هل تطالب برؤية فيديو للصفيحة تنقسم لعدة أجزاء؟ أم تطلع على الأدلة المنطقية والجيولوجية الموجودة؟. هل تنفي العصر الجليدي لأنك لم تره؟ هل تنفي كل الجرائم التي لم تصوّر؟ أم الاطلاع على الأدلة كافٍ.[/rtl]
[rtl]سأختم بتساؤل طُرِح سابقاً في المقال؟ ما الذي يحدّ التغيّر الصغير ليتراكم بمرور ملايين السنين ويتحول لتغيير أكبر وأكبر؟[/rtl]