محمد بوشيخي - ذواتيؤكد الباحث المغربي، الطيب بوعزة، على تضمن فكر ميكيافيللي لما سماه "وحدة موضوعية"، رغم حدة المفارقات البادية بين ما ورد في كتابه الشهير "الأمير" وكتابه الأقل شهرة الموسوم ب"أحاديث على المقالات العشر الأولى في تاريخ تيتو ليفيو"
وقد أضاف الباحث في دراسة بعنوان "مفارقات ميكيافيللي: نحو قراءة جديدة"، نشرها موقع مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، بأن "الأطروحة المحورية لفيلسوف إيطاليا؛ أي أطروحة استبداد الأمير، التي تؤسس للصورة التي اشتهر بها" في كتاب "الأمير"، دون اعتبار لأي معيار أخلاقي، تمثل صورة مغايرة لتلك الصورة التي نقلها عبر صفحات كتابه "أحاديث على المقالات العشر الأولى في تاريخ تيتو ليفيو"، حيث عبر فيه بخلاف ما سبق أن أورده في الأمير عن "نزوع تحرري، وتوكيد على الحقوق السياسية للشعب".
النزعة العامة التي تحكم نص "الأمير" هي نزعة توكيد الاستبداد، بينما يتجلى ميكيافيللي في كتابه "أحاديث على المقالات العشر الأولى في تاريخ تيتو ليفيو"، بمظهر المدافع عن الحرية
وللخروج من هذه المفارقة، يرى الباحث ضرورة الحاجة في مقاربة فلسفة ميكيافيللي السياسية إلى الإحالة "إلى خارج متنها، أي إلى الشرط الثقافي والمجتمعي الذي اكتنف ميكيافيللي ورافق تبلور وعيه السياسي".
وقد أكد الباحث في نفس الوقت بوجود "صعوبة بالغة في التجرّد من المسبقات والرأي الشائع حول الميكيافللية"، مستدركا القول باحتواء المتن الميكيافللي ذاته على نوع من الميوعة الدلالية التي تبرّر "تناقض التأويل وتضاد الفهم الذي أنتج عنه، فهو نص مليء بالمفارقات"، ويذكر من هذه المفارقات أن"النزعة العامة التي تحكم نص "الأمير" هي نزعة توكيد الاستبداد، بينما يتجلى ميكيافيللي في كتابه "أحاديث على المقالات العشر الأولى في تاريخ تيتو ليفيو"، بمظهر المدافع عن الحرية، الشيء الذي أوقع المؤرخين المتخصصين "في حيرة بالغة، حيث انتصب أمامهم سؤال مستفز: ما هو موقفه الحقيقي هل هو الموقف الذي بلوره في كتاب "الأمير"، أم موقفه في كتاب "أحاديث"؟.
وفي هذا السياق، يرى الباحث المغربي بأن ما "يبدو فخاخًا وتعارضًا، بين كتابي "الأمير" و"أحاديث على المقالات العشر الأولى في تاريخ تيتو ليفيو"، هو مجرد إسقاط ناتج عن قراءة متسرّعة لا تأخذ بعين الاعتبار السياق التاريخي"؛ مبيناً أن مدخله "في معالجة هذا السؤال هو تاريخية النص الميكيافللي بقراءته من خلال السياق الإيطالي بإشكالاته وإخفاقاته وأحلامه"؛ فميكيافيللي كان "مفكراً قومياً يطمح إلى معالجة الأزمة السياسية الإيطالية المتمثلة في تشرذمها السياسي بتوحيدها في إطار قومي موحَّد".
يرى الباحث المغربي بأن ما يبدو فخاخًا وتعارضًا، بين كتابي "الأمير" و"أحاديث على المقالات العشر الأولى في تاريخ تيتو ليفيو"، هو مجرد إسقاط ناتج عن قراءة متسرّعة لا تأخذ بعين الاعتبار السياق التاريخي
وكان يعتقد بأن "إيجاد هذا الإطار يحتاج إلى حاكم قوي قادر على محو التجزئة"، مما يفسر انشغاله في كتابه "الأمير" بتقديم النصائح التي "تمكّن الحاكم من أن يسود ويؤسس لإطار سياسي قوي قادر على التمدد والهيمنة على كل إمارات إيطاليا". لذلك فموقفه الايجابي من الاستبداد في نص "الأمير"، كان "مسوغ ومؤقت" لأنه شرط لتأسيس دولة قومية إيطالية. أما في كتاب "أحاديث"، فهو ينظر إلى هذه الدولة بعد أن تستوي وتكون؛ أي دولة جمهورية تمتثل لقيمة الحرية لا لقيمة الاستبداد".
كما أكد الباحث في الختام، أن "الفكر الميكيافيللي فكر ليبرالي سعى إلى علمنة السلوك والمشروع السياسي". وبأنه "يؤشر في سياق الصيرورة التاريخية للحداثة الأوروبية على إرهاص بنقلة نوعية في فهم وتأويل الحياة السياسية، وهي ما سيسميه ماكس فيبر لاحقا بـ "نزع السحر عن العالم"؛ لأن "الحداثة من حيث هويتها السياسية الليبرالية تعطي الأولوية للمصلحة على القيم"، كما أن "قيمة القيم مرهونة بمدى معيار المنفعة تحديداً".
الفكر الميكيافيللي فكر ليبرالي سعى إلى علمنة السلوك والمشروع السياسي، وهو يؤشر في سياق الصيرورة التاريخية للحداثة الأوروبية على إرهاص بنقلة نوعية في فهم وتأويل الحياة السياسية
وبذلك كانت فلسفة ميكيافيللي "مناغمة للتحول الحداثي الذي شهدته أوروبا"، كما أن توكيدها على الحرية - بمدلولها كحكم جمهوري - شكل "إرهاصاً بالنظرية السياسية التي سيتم التأسيس لها لاحقاً؛ أي في القرن الثامن عشر في إطار ما سيسمّى بفكرة العقد الاجتماعي".
الرابط: