انقشاع لعنة داء ألزهايمر(*)
مجموعة من العائلات في كولومبيا، ممن يحمل أفرادها طفرة جينية نادرة تسبب الإصابة
بداء ألزهايمر، أصبحت هذه المجموعة مركز اهتمام الباحثين عن علاج المرضى بهذا الداء.
باختصار
وجد طبيب كولومبي مختص بالأمراض العصبية 26 عائلة موسّعة يصاب أفرادها بشكل جيني نادر من داء ألزهايمر، ويقيم كثير منهم في المناطق الريفية القريبة من مدينة مدلين.
يحمل أكثر من ألف شخص من هذه الفئة طفرةّ جينية تجعلهم معرضين عمليا للإصابة بالمرض. والحجم الكبير لهذه الفئة يجعلها مثاليّة لإجراء اختبار سريري مبتكر.
يتلقى المشاركون في الاختبار الذي يُجرى في مدلين عقّارا تجريبيا، وقد يبدأ ذلك قبل خمسة عشر عاما من الموعد المتوقع لبدء أعراض المرض.
إن نجاح تجربة في الوقاية من المرض، بدلا من معالجته بعد تشخيصه، قد يغيّر جذريا طريقة تطوير أدوية داء ألزهايمر. |
[rtl]في عام 2007 عندما كانت <أليخاندرا> مراهقة في السادسة عشرة من العمر، كانت لها طموحات أية فتاة في مثل هذا العمر. وكانت طالبة في مدرسة ثانوية في مدينة مدلين(1) وهي من أكبر مدن كولومبيا. لقد كانت ساعات الدوام في المدرسة موزعة بشكل يتيح لهذه الطالبة عدة ساعات من الفراغ تقضيها في التسكع مع أصدقائها في الأماكن المفضلة لديهم من المدينة.
[/rtl]
[rtl]بعد ذلك بدأت أمها <يولاندا> تفقد ذاكرتها. فقد تقوم أمها الهادئة والحريصة على الدقة في تصرفاتها بتحية أحد الزوار ولا تلبث أن تكرر التحية نفسها عدة مرات بعد ذلك. فقد أصيبت الأم <يولاندا> وهي في منتصف الأربعينات من عمرها بالشكل المبكر من داء ألزهايمر وهو ما عنى بالنسبة إلى <أليخاندرا> أن مرحلة مراهقتها قد أشرفت على نهايتها، وأصبح من واجبها، سواء رغبت في ذلك أم لا، أن تتحمل كامل المسؤولية عن العناية بأمها العاجزة.
[/rtl]
[rtl]منذ ذلك الوقت، انتقلت <أليخاندرا>، التي تبلغ الآن الرابعة والعشرين من عمرها، إلى بلدية كوپاكابانا(2)حيث تسكن في شقة بالطابق العلوي من كتلة من الأبنية الخرسانية، يشاركها فيها خالتها واثنان من أخوالها وابنتها <لونا> وعمرها تسع سنوات وأختها <كارولينا> التي يبلغ عمرها سبعة عشر عاما والتي انقطعت بدورها عن دراستها الثانوية لمساعدة أختها. ولم تعد أمها قادرة على الكلام أو المشي، وتمضي معظم وقتها محنية في كرسيها. أما أحد أخوالها البالغ من العمر 51، عاما، فهو مصاب أيضا بالخرف dementia.
[/rtl]
[rtl]وكل يوم، تُعدّ الفتاتان الطعام لكلا المصابين بداء ألزهايمر، كما أنهما تغسلانهما وتحملانهما إلى الفراش، وتكرر الفتاتان هذا العمل يوما بعد يوم من دون توقف بالمناسبات كأعياد الميلاد أو أيام العطل. وتقول <أليخاندرا>: «كانت لديّ آمال ومشاريع، كنت أرغب في متابعة الدراسة وأن أصبح ممرضة، فهناك مشاريع كثيرة لم أستطع تحقيقها... أشعر الآن بأنني هرمة.»
[/rtl]
[rtl]كانت لدى <أليخاندرا> هواجس تنذر بما يخبئ لها المستقبل حتى قبل أن تتأكد إصابة أمها بالمرض. وهي تتذكر في طفولتها كيف كانت أمها تعتني بجدتها التي كانت مصابة أيضا بداء ألزهايمر. وفي هذه المنطقة من العالم، يعاني كثير من الناس ما تعانيه <أليخاندرا> من صعوبات. فهي وعائلتها تعدّ واحدة من أكثر من5000 فرد ينتمون إلى 26 من العائلات الكبيرة القاطنين في ولاية أنتيوكيا(3) المعرضين للإصابة بشكل جيني genetic form نادر من داء ألزهايمر. يطلق اسم پيسا Paisa على الطفرة التي تسبب مرض ألزهايمر، وقد أصبحت هذه الكلمة لقباً يشير إلى سكان مقاطعة أنتيوكيا. وتتوضع الطفرة على الكروموسوم (الصبغي) 14(4)التي أمكن تتبع آثارها إلى زمن الفاتحين the conquistadors الإسبان في القرن السادس عشر. فعندما يرث طفل نسخة من الجين المتبدل عن طريق أحد أبويه، فمن المؤكد أنه سيصاب بالمرض في عمر مبكر.
[/rtl]
|
الأم والبنت: تركت <كارولينا>، 17 عاما، المدرسة لتساعد على رعاية أمها <يولاندا>، 53 عاما، التي أصيبت منذ سنوات بالشكل المبكر من داء ألزهايمر. |
[rtl]ويُدعى هذا الشكل من المرض داء ألزهايمر العائلي(5)، وهو يشكل نحو واحد في المئة من عدد المصابين بالداء في العالم الذين يتجاوز عددهم 35 مليونا. (وقد حظي هذا الداء حديثا بشهرة واسعة بعد أن قامت الممثلة <جوليان مور> التي حازت على جائزة الأوسكار عن دورها في فيلم «مازالت أليس»(6) وأدت فيه دور المرأة التي أصيبت بداء ألزهايمر في عمر مبكر.) إلا أن هذا الشكل المبكر من المرض شائع بشكل مثير للقلق في العائلات الموسَّعة(7) بالقرب من ميدلين. والطفرة پيسا توجد عند أكثر من عشرين في المئة من أفراد ست وعشرين عائلة موسعة يزيد عددهم على خمسة آلاف إنسان. ومن المرجح أن يصاب حامل الطفرة بالمرض قبل أن يبلغ الخمسين من العمر.
[/rtl]
[rtl]إن إمكانية التنبؤ المرتفعة بحدوث الإصابة بداء ألزهايمر بين سكان أنتيوكيا بدأت الآن تلفت انتباه الاختصاصيين في جميع أنحاء العالم. وخلال السنوات الماضية، أخفقت المحاولات المتكررة في تطوير معالجة فعالة لداء ألزهايمر. وقد أصيب العلماء بالإحباط بعد أن رأوا هذه الإخفاقات المتتالية؛ مما دفعهم إلى الاعتقاد أن كبح تقدم المرض قد يكون متأخرا أكثر مما ينبغي إذا بدأ تناول العلاج بعد ظهور الأعراض، لذلك بدؤوا تركيز اهتمامهم على الوقاية من المرض. فبدلا من معالجة الأشخاص الذين ظهرت لديهم أعراض الخرف، قد يكون من الضروري إعطاء الأدوية المقترحة إلى الأشخاص السليمين ومن ثم مراقبتهم بشكل متواصل لمعرفة ما إذا حافظوا على سلامتهم أم ظهرت لديهم أعراض هذا الداء.
[/rtl]
[rtl]وإن إجراء مثل هذه التجارب السريرية على عامة السكان قد يكون مضيعة للوقت ومرتفع التكاليف بسبب صعوبة التنبؤ بحدوث الداء وبموعد حدوثه، وهي عوائق لاتصادف عند العائلات الكولومبية. فالعائلات التي تحمل الطفرة المشؤومة تم اختيارها للمشاركة في التجارب السريرية لاختبار الدواء ومعرفة ما إذا كان قادرا على الوقاية من داء ألزهايمر. وهذه العائلات التي عاشت عدة قرون مع الحقيقة المؤلمة لهذا الداء أصبحت عنصرا أساسيا في البحث عن علاجات وقائية.
[/rtl]
الرؤية(**)
[rtl]إن التحول إلى التركيز على الوقاية في الكفاح ضد داء ألزهايمر يقوم على أهم تقدم أُحرز في بحوث هذا الداء بالسنوات الأخيرة. فالتجارب السريرية الجارية حاليا تستخدم التصوير بالرنين المغنطيسي (MRI)ا(8)والتصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني (PET)ا(9)، وهي تفاريس scans للدماغ إضافة إلى البزل القطني spinal tap، تهدف إلى الكشف عن العلامات الدالة على الإصابة بداء ألزهايمر. ويستطيع الباحثون باستخدام هذه التقنيات مراقبةَ التبدلات التي تحدث في دماغ أحد الأشخاص الذي قُدرّ له الإصابة بالداء قبل عدة عقود أحيانا من تشخيص الداء بشكل مؤكد.
[/rtl]
[rtl]وتساعد هذه الوسائل الحديثة على معرفة ما سيحدث إذا جُرِّب استعمال أحد الأدوية، حتى ولو كان من الأدوية التي ثبت فشلها في اختبارات سابقة عند المرضى قبل سنوات من إصابتهم بكثرة النسيان. وإذا لم تظهر التبدلات الدماغية المرافقة لداء ألزهايمر على التفاريس - ولم يبد المريض تبدلات معرفية - فقد يساعد هذا الدواء على درء خطر الإصابة بالمرض. وإن إمكانية التنبؤ بحدوث المرض عند متوسطي العمر من سكان أنتيوكيا الذين يحملون الطفرة پيسا عزز الاهتمام المتزايد باختيارهم للمشاركة في التجارب السريرية الهادفة إلى اختبار الاستراتيجيات الوقائية.
[/rtl]
[rtl]إن الشخص المحوري في هذه الأبحاث هو <F. لوپيرا>، وهو طبيب اختصاصي بالأمراض العصبية يبلغ من العمر 63 عاما، بدأ بدراسة عائلات أنتيوكيا قبل أن يفكر أحد في أن هذه العائلات ستصبح مهمة للبحث العلمي في داء ألزهايمر. لقد قضى <لوپيرا> سنوات مراهقته في يارومال Yarumal، وهي مدينة تعود إليها أصول العديد من العائلات التي تحمل طفرة پيسا. ويذكر <لوپيرا> أن بعض جيرانه في طفولته كانوا مصابين بالخرف وهم في أواسط العمر. وبعد أن أنهى <لوپيرا> دراسته بعد الدكتوراه في بلجيكا أواخر الثمانينات، أصبح مقتنعا بأن بإمكانه القيام بأبحاث علمية في كولومبيا بشكل أفضل مما لو بقي في أوروبا وتابع عمله في إحدى المؤسسات البحثية فيها. وفي ذلك الوقت عثر على أول عائلة يشك بإصابتها بالشكل الجيني من داء ألزهايمر. وفي عام 1987 عاد <لوپيرا> إلى كولومبيا حيث حصل على عمل كطبيب اختصاصي بالأمراض العصبية في جامعة أنتيوكيا، واستأنف دراسة العائلات المصابة بشكل مبكر من داء ألزهايمر.
[/rtl]
[rtl]وحاليا يرأس <لوپيرا> مجموعة العلوم العصبية في الجامعة. وقد أنشأ سلاسل أنساب genealogies تمتد عدة عقود عند ست وعشرين عائلة مصابة بالمرض. وقد واجه بحثه عوائق ما كان ليواجهها لو أنه بقي في أوروبا، ذلك أن المحافظة على الاتصال بتلك العائلات كان يتطلب أحيانا الاستعانة بقافلة عسكرية للمرور عبر المناطق التي يستعر فيها القتال بين الجيش الكولومبي وجماعات الثوار. وقبل نحو خمسة عشر عاما كان القيام بمثل هذه الرحلات في بعض الأوقات أمرا بالغ الخطورة.
[/rtl]
[rtl]إن حب الاستطلاع الأولي الذي أثارته العائلات التي بدا أنها مصابة بالشكل الجيني من داء ألزهايمر، تطور ليصبح بحثا علميا كامل الشروط. فقد توصل <لوپيرا> بالتعاون مع <S. كوسيك>، الذي كان حينذاك في جامعة هارڤرد، و<A. گوت> [من جامعة واشنطن في سانت لويس] وغيرهما من الباحثين الأمريكيين، إلى تحديد موقع الجين الطافر بدقة على الكروموسوم (الصبغي) 14.
[/rtl]
[rtl]إن التركيز على الوقاية من المرض نجم عن النسبة الساحقة من الفشل الذي أسفرت عنه التجارب السريرية التي أجريت على مرضى داء ألزهايمر باستخدام علاجات مختلفة. فمن أصل 403 تجربة سريرية أجريت بين عامي 2002-2012، كانت النتائج فاشلة في أكثر من 99% منها. أما العلاجات القليلة التي حصلت على الترخيص باستعمالها تحت المراقبة، فقد أدت في بعض الأحيان إلى تحسن مؤقت في الأعراض، إلا أنها لم تؤد في نهاية الأمر إلى وقف فقد الذاكرة وغيره من القدرات المعرفية.
[/rtl]
|
|
كدح يومي: تقضي <أليخاندرا>، 24 عاما، أيامها في العناية بأمها <يولاندا>، بينما تخصص جزءاً زهيدا من وقتها للاهتمام بابنتها <لونا> التي تبلغ تسع سنوات. وتقف <لونا> في هذه الصورة إلى جانب جدتها لالتقاط صورة بمناسبة تناولها العشاء السري لأول مرة (في الأسفل). |
[rtl]وقد أجبر هذا الفشل شركات الصناعة الدوائية والباحثين الأكاديميين على التفكير في إجراء تجارب سريرية على المرضى الذين كانوا بحالة سليمة. ومن المعتقد أن العصبونات (النورونات) neurons تبدأ بالانقراض، وتتوقف الاتصالات بين الخلايا الدماغية عن العمل، قبل أن تبدأ بالظهور أعراض داء ألزهايمر. ومتى بدأت اضطرابات الذاكرة بالظهور لم يعد بإمكان أي علاج إنقاذ المريض من هذا الداء.
[/rtl]
[rtl]إن العائلات الموسعة الست والعشرين هي الأفضل من أجل دراسة العلاجات الوقائية لأن ما يزيد على ألف فرد من أعضائها يحملون الطفرة پيسا، وهذا عدد كبير يوفر مجموعة كافية من المرضى للمشاركة في تجربة سريرية والحصول على نتائج ذات دلالة. والتنبؤ بالإصابة بداء ألزهايمر العائلي أمر ممكن في هذه الفئة من المرضى؛ لذلك يستطيع الباحثون العمل على فترة زمنية تمتد من 10 إلى 15 سنة إلى الوراء وحساب الوقت الذي يجب عنده البدء بإعطاء العلاج حتى يمكن إيقاف تطور المرض.
[/rtl]
[rtl]لقد انتشر صيت تلك العائلات الموسعة ما لفت إليها نظر معهد بانر لداء ألزهايمر(10) بمدينة فونيكس الذي حثّ شركات الأدوية الكبرى عام 2010 على الاهتمام بالموضوع وشجعهم على إجراء تجارب سريرية تهدف إلى الوقاية من المرض. وقد باشر معهد بانر بالاشتراك مع الشركة Genentechوجامعة أنتيوكيا بالعمل على تجربة سريرية مستخدمين دواء كرينيزوماب crenezumab، وهو ضد وحيد النسيلة(11) يقصد منه الارتباط بشدفة(12) سامة من البروتين النشواني البيتائي(13) - وإزالتها من الدماغ. وقد تلقى هذا المشروع أكثر من مئة مليون دولار من قبل الشركة Genentech ومعهد بانر والمعاهد الوطنية للصحة في الولايات المتحدة.
[/rtl]
الاختبار(***)
[rtl]دُعي هذا الاختيار المبادرة الوقائية لداء ألزهايمر(14)، وهو اختبار غير معتاد من عدة نواحٍ. فهو يُجرى خارج الحدود الآمنة لمركز طبي مهم في بوسطن أو في سان فرانسيسكو. كما أن <لوپيرا> وجامعة أنتيوكيا ليس لديهما اختبارات سابقة في إجراء تجارب سريرية من أي نوع - هذا إذا تجاوزنا موضوع تطبيق البروتوكولات الاختبارية التي لاتزال قيد التطوير لتحديد ما إذا كان الدواء المستخدم فعالا في وقف تطور الداء الذي يوصف في بعض الحالات قبل خمسة عشر عاما من ظهور أعراض المرض. ويقول <لوپيرا>: «عادة، لايعتقد أحد أن بالإمكان إجراء مثل هذا الاختبار في أمريكا اللاتينية». إن معهد بانر كان واثقا بنا، ومن حسن الحظ أننا أثبتنا أن بإمكاننا العمل معهم بشكل جدّيّ، وكانت بداية هذا المشروع ناحجة بسبب هذه الثقة.
[/rtl]
[rtl]وفي نهاية عام 2013 بدأ فريق الباحثين بإعطاء الدواء إلى الأشخاص المشاركين في الاختبار وكان معظهم في الثلاثينات أو الأربعنيات من العمر. ولايزال العمل جاريا لاختيار مزيد من المشاركين، والهدف النهائي هو إعطاء الدواء حقنا تحت الجلد لمئة شخص من حاملي الطفرة پيسا. (وهنالك أيضا فريقان آخران من المشاركين يعطون دواء غفلا placebo يتألف أحدهما من مئة شخص من حاملي الطفرة پيسا، ويضم الفريق الثاني مئة شخص ممن لا يحملون هذه الطفرة). ويخضع كل فرد من المشاركين لفترة اختبار مدتها خمس سنوات. وستحدد تفاريس الدماغ والبزل القطني ما إذا كان الدواء قد أوقف تزايد النشوان البيتائي(15) أم لا. وستبحث الاختبارات النفسانية عن تدنٍ معرفي.
[/rtl]
|
دواء حقيقي أم دواء غفل؟ تستعد <أورفا> البالغة 36 عاما، لتلقي أحد هذين الدواءين. وتحصل <أورفا> دوريا على إجازة من عملها في حقول القهوة كي تذهب إلى جامعة أنتيوكيا حيث تشارك في المبادرة الوقائية لداء ألزهايمر. |
[rtl]وإذا تبين أن الكرينيزوماب قد عدَّل مسيرة الداء، فإن ذلك سيعد اختراقا في معالجة داء ألزهايمر. وستبدأ حنيئذ التجارب لتحديد ما إذا كان الدواء ينجح في معالجة الأشخاص المسنين السليمين الذين لايحملون الطفرة پيسا, لكن تفاريس أدمغتهم تكشف وجود تبدلات باثولوجية(16) بدأت بالظهور حديثا جدا.
[/rtl]
[rtl]والعلاقات الطويلة الأمد التي أقامها <لوپيرا> وزملاؤه على مدى عدة عقود مع الست وعشرين عائلة المصابة بالمرض، كان لها دور رئيسي في اختيار المشاركين في الاختيار واستمرارهم بالتعاون مع المشرفين عليه. وقد أعطى وجود <لوپيرا> بشعره الطويل الأشيب المفروق من منتصفه صبغة عائلية على تعامله مع أفراد هذه الأسر. ففي الشهر 11/2015 الماضي عندما علم بأن بعض الصحفيين الذين زاروا <مدلين> يخططون لنشر أسماء أسر المرضى الذين قابلوهم، عارض بإصرار مخطط الصحفيين على الرغم من أنهم حصلوا على ترخيص بذلك. وقد أوضح <لوپيرا> أن مثل هذا العمل قد يلطّخ اسم الأسرة ويسيء إلى أفرادها بمن فيهم أولئك الذين لايحملون طفرة المرض، وقد يصبح من الصعب على أفراد هذه الأسر الحصول على تأمين صحي أو إيجاد رفيق للزواج.
[/rtl]
[rtl]لقد تقبلت العائلات الكولومبية التي تمتد ذكرياتها عن أقاربها المصابين بالمرض على مدى عدة أجيال، فكرةَ الاختبار السريري بكل ارتياح. وتتوقع <شاهناز سليمان> [رئيسة المشروع في الشركة Genentech] أن يحضر المشاركون في المشروع إلى المستشفى لتلقي الحقن العلاجية بنسبة أعلى من المعتاد في الاختبارات التي تجرى في الولايات المتحدة وأوروبا، مع العلم أن كثيرا منهم يضطرون إلى السفر مسافات طويلة للوصول إلى مكان الاختبار.
[/rtl]
[rtl]وقد أكد المقيمون في أنتيوكيا اعتقاد السيدة <سليمان> ومنهم السيد <هوگو> الذي يبلغ من العمر أربعين عاما وكان يتولى في الشهر 11/2014 العناية بالأحصنة العائدة لبعض الأغنياء في بلدة الريترو(17). وكان <هوگو> يذهب كل أسبوعين إلى مدلين التي تبعد عشرين ميلا عن مكان إقامته كي يتلقى العلاج الذي يتألف إما من كرينيزوماب أو من دواء غفل. ولم يكن <هوگو> ولا الأشخاص الذين يعطون الحقن على علم بنوع الدواء المحقون.
[/rtl]
[rtl]ويقول <هوگو> إنه يدرك أهمية هذه الاختبارات السريرية حتى ولو اتضح له أن الدواء الذي يتلقاه هو دواء غفل. فقد توفي أبوه وجدّه من داء ألزهايمر وكذلك أربعة من أعمامه. ويتذكر <هوگو> أنه عندما أصيب والده بالداء كان هاجسه تلميع أحذية جميع أفراد عائلته طيلة اليوم، وكيف كان يهتاج بشدة إذا غابت زوجته عن نظره ثانية واحدة. إن هذا المرض صعب الاحتمال، وهو إرث يعود إلى زمن بعيد جدا وعلينا مواجهته ببسالة.
[/rtl]
[فحص الدماغ]
انتظار يقظ(****)
لقد أصبح من الممكن إجراء اختبارات سريرية للوقاية من داء ألزهايمر بسبب توافر تقنيات حديثة - تفاريس الدماغ، بزل السائل الدماغي الشوكي، اختبارات نفسية فائقة الحساسية – لتحديد ما إذا كان الداء يتطور قبل أن يصبح الشخص كثير النسيان. ويكشف شكل متخصص من التصوير المقطعي PET وجود تراكم نموذج مؤذٍ من البروتين النشواني البيتائي في أدمغة الحاملين للطفرة پيسا (النواحي الملوثة في الصورة العلوية) في أعمار مختلفة على مرِّ الزمن عند مصاب بداء ألزهايمر. ولا تشاهد ترسبات من النشواني البيتائي في أدمغة أفراد تلك العائلات من العمر نفسه إذا لم يكونوا حاملين للطفرة پيسا. ويكشف التصوير MRI المستخدم في الاختبار الكولومبي ما إذا كان تكمش الدماغ قد حدث قبل عشر سنوات من وضع التشخيص (في الأسفل).
|
[rtl]لقد منحت الاختبارات <هوگو> وأقرباءه بصيص أمل. «نحن مرتاحون جدا لأننا نأمل مع الدكتور <لوپيرا> بالحصول على نتائج إيجابية باستعمال هذه العلاجات، وقد تتوصل في نهاية الأمر إلى علاج شافٍ لأطفالنا.» وكان <هوگو> عندما نطق بهذه الأقوال جالسا على معقد في ناحية نزهة قربيا من الإسطبل. وكانت الكلاب تنبح بشدة، وكان <هوگو> يشبك ذراعه بذراع إحدى بنات أخيه التي أمسكت بذراع أختها من الطرف الآخر.
[/rtl]
[rtl]وعلى الرغم من العبء الثقيل الذي يكشفه التاريخ الطبي للعائلة، فإن <هوگو> والعديد من أفراد عائلته، الذين اجتمعوا في يوم كئيب من شهر 11، بدوا وكأنهم نموذج للمرونة النفسية. وكان أحدهم يذكِّر الآخر بأحد التفاصيل المنسيّة التي يمكن أن تكون علامة باكرة على الإصابة بالمرض. وقد سألتُ <گوديلا> شقيقة <هوگو> التي تبلغ من العمر 47 عاما، عما إذا كانت قلقة من احتمال إصابتها بالخرف، فأجابت: «في الحقيقة، لست قلقة.» وقد قالت ذلك دون تردد وأضافت: «إن الشخص الذي يجب أن يقلق هو الذي عليه أن يعتني بي.» وقد أثارت هذه الإجابة ضحك الآخرين.
[/rtl]
[rtl]إن أول الدلائل عما إذا كانت الاختبار الكولومبي سيفيد الأشخاص الذين يحملون الطفرة پيسا، لن تظهر قبل عام 2018 - وسينتهي الاختبار في عام 2021. ولا توجد أية ضمانة على فعالية كرينيزوماب. فقد سبق أن فشل، في منتصف عام 2014، في تجربة سريرية في الولايات المتحدة عند مرضى مصابين بأشكال خفيفة إلى معتدلة من داء ألزهايمر. وقد بيِّنت تحاليل إضافية للنتائج أن الاختبار ربما كان مفيدا بعض الشيء للمرضى في المراحل الباكرة من إصابتهم. ولهذا السبب يتابع الباحثون العمل على الاختبار الكولومبي ليروا ماذا سيحدث فيما إذا أعطي الدواء قبل مدة طويلة من ظهور أول أعراض المرض.
[/rtl]
[rtl]وإذا فشل كرينيزوماب في الاختبار الكولومبي، فلا يعني ذلك أننا فقدنا كل شيء. فهذا الاختبار هو أفضل اختبار أجري حتى الآن خلال السنوات الثلاثين التي انقضت من عمر نظرية البروتين النشواني البيتائي(18)القائلة إن أجزاء سامة من هذا البروتين هي السبب في التبدلات الباثولوجية التي تحصل في داء ألزهايمر. فإذا لم يبين هذا الاختبار أي فائدة ل<هوگو> و<كوديلا> وغيرهما من أفراد العائلات الست والعشرين - وإذا أخفقت الاختبارات الوقائية الأخرى الجارية الآن في الولايات المتحدة، فعلى المؤسسات البحثية العلمية أن توجه اهتمامها إلى بدائل محتملة لنظرية البروتين النشواني البيتائي. وقد نحتاج إلى اختبار علاجات تقاوم إنشاء بروتينات سامة أخرى غير النشواني البيتائي، وقد نبحث أيضا عن عوامل كيميائية تقي العصبونات أو ندرس موضوع العمليات الكيميائية الكائنة خلف التهاب الدماغ.
[/rtl]
|
|
راغبون في المشاركة في الاختبار: <هوگو> البالغ 40 عاما (في الأعلى) و<كوديلا> البالغة 47 عاما (في الأسفل) يتقبلان بسرور الاختبار الوقائي. وحتى إذا لم يكن الاختبار مفيداً لهما، فإنه قد يساعد الجيل القادم من عائلاتهما الذين يحيط بعضهم ب<كوديلا>. |
[rtl]ومع ذلك، فإن البنية التحتية التي تم إنشاؤها في مدلين من أجل تنفيذ اختبار الكرينيزوماب لاتزال صالحة لخدمة هدفها الأصلي عن طريق اختبار مقاربات جديدة للوقاية من الداء. وإن القدرة على التنبؤ بموعد حصول الداء عند أحد الحاملين للطفرة پيسا يعد مكسبا ثمينا للباحثين عند إجراء الاختبارات السريرية المقبلة. وتعد مدلين الآن مركزا عالميا رئيسيا للبحث في داء ألزهايمر - ومقرا محتملا لاختراق مهم - وقد يستمر وضعها كذلك لسنوات عديدة.
[/rtl]
[rtl]وقد تكون المدينة قادرة على تحمل عبء العائلات الوافدة إليها لأن البنية الاجتماعية لهذه العائلات – وحقيقة إصابة الآباء والأجداد والأعمام والعمات بالخرف – ستستمر باجتذاب مشاركين للاختبارات السريرية. وإضافة إلى ذلك، يبدي أفراد العائلة ميلا فطريا إلى العناية بالمرضى، خلافا لما هو سائد في الولايات المتحدة وأوروبا حيث تسود في أغلب الحالات ممارسة الطب غير الشخصاني(19). ويذكر <هوگو> كيف كان يصحب والده في مسيرات قصيرة على امتداد المجمّع السكني وهو ممسك بيده للتأكد من أنه لن يتوه ويصبح غير قادر على معرفة طريق العودة إلى منزله.
[/rtl]
[rtl]إن بنية الشبكة العائلية الحميمة تضمن قيام كل عامل زراعي، وغالبا برفقة بعض أقربائه، بمراجعة موثوقة للمستشفى كل أسبوعين ليتناول العقّار المختبر أو ليتعرض لتفاريس دماغية. واللعنة التي جلبها الفاتحون الإسبان قد تنقلب وتصبح نعمة مقنعّة بتحقيقها تقدما طبيا محوريا يستفيد منه الملايين في العالم ممن كُتب عليهم الإصابة بداء مُروِّع.[/rtl]
[rtl]المؤلف[/rtl] | Gary Stix |
<ستيكس> هو محرر رئيسي في مجلة ساينتفيك أمريكان. | |
مراجع للاستزادة