عبث الإسبان بشرى ايجورك -
bouchra_ijork@yahoo.fr قصة الحب المغربية الإسبانية قصة
أليمة جريحة ودامية، حب من طرف واحد لا تفسير له ولا حكمة فيه، علاقات
متناقضة وأحاسيس مرتبكة وغموض وترقب وعبث.. ربما لأننا لازلنا نحمل في
عروقنا ذاك الدم الموريسكي الذي يذكرنا، كلما عبر قلوبنا، بأن لنا أرضا
هناك بالأندلس وبأننا طردنا ذات مساء تاركين، في الضفة الأخرى، جذورا مهما
سعى الإسبان إلى اقتلاعها لن تندثر.
ربما لهذا السبب نشعر بغصة في الحلق وانقباض في الروح كلما ذكر الفردوس
المفقود، وربما لهذا السبب أيضا يحمل «رجالنا» الأعلام الإسبانية سعداء
منتشين بفوز الفريق الإسباني بكأس العالم، يجوبون الطرقات ويغنون ويصفقون..
ولو كنت مسؤولة أمن بالبلاد، لألقيت القبض عليهم بتهمة التحرش بعلم المملكة
وبتهمة تشجيع شبيه بالموالاة لفريق ينتمي إلى دولة أجنبية، لأن هؤلاء
السذج هم أنفسهم من يقفون متذمرين أمام القنصلية الإسبانية ينتظرون الصفح
للحصول على تأشيرة مرور إلى الضفة الأخرى.
ولو كان هذا الحب المتأجج متبادلا لعامل الإسبان المغاربة كجيران وكأهل
وكمساندين ومشجعين لا كأعداء مزعجين ومهاجرين متطفلين.
وقد عشت شخصيا تجربة الوقوف أمام القنصلية الإسبانية بالدار البيضاء،
اختفيت خلف نظاراتي السوداء وتسللت وسط الحشد المتراص أمام المدخل وأخذت
أرقب ما يحصل بعد يوم واحد من فوز الإسبان بالكأس الكروية العالمية وخروج
المشجعين المغاربة إلى الشوارع محتفلين، هناك أمام باب السفارة لا احتفال
ولا فرح.. فقط وجوه متجهمة مترقبة تنتظر الفرج، رجال ونساء وأطفال من كافة
الجهات والمستويات لا يجمعهم سوى ذاك الجواز «الأخضر» والرغبة في العبور
بسلام إلى أرض كانت لنا ولم تعترف لنا بعد كتب التاريخ لم ضيعناها وأصبحنا
نتسول تأشيرة بائسة لدخولها.
وقفت أمام سيدة تحتسي القهوة بعصبية طلبت مني وثائق إضافية، فالدعوة
الرسمية التي يضمها ملفي للسفر إلى برشلونة لتقديم فيلم «الثوار الجدد» لا
تكفي، وبطاقة الفنان طبعا نكرة، وجواز سفري المليء بالتأشيرات شرقا وغربا
وشمالا وجنوبا لا يكفي.. لا بأس، إذن، عدت في الغد بما طلبته وبنسخة لتذكرة
الطائرة تأكيدا لموعد السفر والعودة، استقبلتني نفس السيدة بهدوء نسبي
وبنفس النظرة..
تلك النظرة التي يعرفها كل المغاربة فلا حاجة بي إلى وصفها..
عدت في الموعد لتسلم التأشيرة، انتظرت طويلا، فجيراننا يشتركون معنا في عدم
احترام المواعيد، فالسفارة الوحيدة التي تعطيك موعدا لا تحترمه هي السفارة
الإسبانية، وبالتالي طلبوا مني العودة يوم الغد، وهذا معناه أن السفر أصبح
مستحيلا والتذكرة ستضيع والفيلم سيعرض دون وجودي، وهذا فعلا ما حصل.
عدت لاسترجاع جوازي، وتطلب الأمر دخولي إلى مكاتب القنصلية، فكان أول جواب
أن الجهاز المعلومياتي للسفارة معطل ويصعب تسلمي وثائقي. وطبعا، اختفى
الموظف ليبحث «يدويا» عن ملفي، وعاد بالجواز مرفوقا بوثيقة تخبرني برفض
طلبي للتأشيرة. طبعا، مادامت أجهزة السفارة معطلة فكيف سيتم طبع التأشيرة،
إذن الأسهل والأيسر والأفضل رفضها.. أليس كذلك؟
إنه العبث الإسباني الذي لم أر مثيلا له في كل السفارات والقنصليات العربية
والأجنبية التي أخذتني الأقدار إليها.. إنها الصورة الحقيقية لذاك الحب
المستعصي العنيد والقاسي.. إنه الاستعمار في شكله السلمي، أشد ظلما وقسوة
ومهانة لأن عدوك لامرئي متخف في أزياء مدنية وخلف أبواب محروسة بعناية.
لم أكن مطمئنة إلى هذه السفرية، فقد سبقها ذاك الإحساس الغريب الغامض الذي
يسري بداخلك وأنت ماض إلى مكان أو مقبل على عمل أو تصافح غريب.. ذاك النبض
المختلف الذي يجعل روحك تفزع فتحمل نفسك وتبتعد هاربا دون أن تتردد، دون أن
تلتفت ودون أن تأسف..
هكذا فعلت وأنا أغادر أسوار الإسبان، لكنني أزلت نظارتي وألقيت التحية على
رجال وحراس الأمن المغاربة المنتشرين في المدخل والذين أحيي تعاملهم الراقي
مع العباد، فقد تلصصت عليهم وسرني ودهم وصبرهم وتعاونهم مع طالبي
التأشيرات، خصوصا كبار السن والأمهات..
عطب بالجهاز المعلومياتي في سفارة دولية محترمة..
هل من متطوع لإصلاحه؟