مقدمة:
يستخدم المؤمنون عادةً الحجج الجهلية لإثبات وجود الخالق، فارتأينا أن نكتب هذا المنشور لنفسر وجود الكون دون الحاجة لوجود الخالق. العلم لا يقول أن الخالق غير موجود، لكن العلم ببساطة يقول أن الكون ليس بحاجة لخالق، والسؤال الذي يطرح نفسه بعد إثبات عدم حاجة الكون إلى خالق هو: إذا كان الكون ليس بحاجة لخالق، لماذا علينا أن نقتنع بوجود الخالق؟
سنستخدم في هذا الطرح المقالات العلمية الموثقة والروابط من ناسا التي تدعم ادعاءاتنا العلمية، وهناك معلومات لن ندلل على مصادر لها لأنها من البديهيات منذ عام 1920 كالنسبية العامة وميكانيك الكم. يمكنك الرجوع لأي كتاب يتحدث عن ميكانيك الكم لتعلّم هذه الأمور والتأكد منها. وإذا كان لديك أي سؤال أو اعتراض راجعنا في الصفحة وسنجيبك.
وأحب أن أنوّه أن كاتب هذا المقال ليس شيخاً في جامع إسلامي وليس قسيساً في كنيسة ولا أي نوع من هؤلاء الناس. كاتب هذا المقال حاصل على الدكتوراة في فيزياء الجسيمات الأولية والذرية من جامعة زيورخ في سويسرا، وطبعاً أقولها بلا فخر، لأن فخري بكوني إنساناً مفكّراً يعلو درجتي العلمية بكثير، لكن نحن معتادون على التعليقات السخيفة من المسلمين التي تبدأ بكلمة “يا جاهل”… والمضحك في الأمر أن الذي يسمع المسلمين يرمون اتهامات الجهل على الناس يفترض أنهم بروفيسورات في جامعات عالمية، لكن كالعادة وكما نعلم، المسلمين هم عبارة عن لا شيء في الوسط العلمي، فلم ينتجو أي علم يفيد البشرية منذ 1000 عام وأكثر.
يحق لأي شخص الاعتراض أو تصحيح أشياء كُتبت في هذه المقالة إن لم تكن صحيحة، لكن التصحيح يجب أن يكون مبنياً على العلم وعلى المقالات العلمية الموثقة والمعلومات الصحيحة، وليس على الجهل.
ما هو تعريف الجملة الفيزيائية؟ وما هو اللاشيء؟
لنتكلم قليلاً عن بعض المصطلحات في الفيزياء. فكيف نعرّف أي جملة فيزيائية نريد دراستها؟ الجملة الفيزيائية حسب أول دراسة في الفيزياء كانت تتكون من مادة وطاقة، فنيوتن مكتشف الجاذبية قدّم في القرن السابع عشر آراءه الأولى في الفيزياء الكلاسيكية وربط الفيزياء بالرياضيات بحيث أنه قال أن الأجسام التي لها كتلة تتغير سرعتها أو تكتسب تسارعاً عندما تبذل قوة عليها. فإذا كان لديك كرة على سطح، فهذا الكرة ستتغير سرعتها وتبدأ بالحركة عندما تضربها بيدك، ولن تتوقف إلا إذا أوقفتها بيدك مرة أخرى، أو اصطدمت بشيء آخر يوقفها، أو تتوقف بسبب قوى الاحتكاك.
الدرس الأول الذي علّمنا إياه نيوتن هو أن الرياضيات لغة الطبيعة، ومنذ ذلك الحين بدأت الفيزياء تتطور بشكل أسّي وسريع بدرجة مذهلة، وتم اكتشاف ميكانيك الموجات والعبقري ماكسويل وضع معادلات الموجات الكهرومغناطيسية التي تفسّر سلوك الشحنات الكهربائية في كل مكان ولاغرانج وهاملتون أعطو الصورة الأوضح لكل الميكانيك بالتفصيل باستخدام التفاضل والتكامل وارتباط كامل مع الطاقة.
القفزة التي حدثت في العلم فعلها أينشتاين في أوائل القرن العشرين، عندما أثبت رياضياً أن المادة هي شكل من أشكال الطاقة عن طريق معادلته المشهيرة:
باستخدام النسبية الخاصة والتي تقول أن الطاقة تساوي الكتلة مضروبة بمربع سرعة الضوء، وعندها بدأ العلم يتجه إلى ما يسمى “نظرية كل شيء”، فبدأنا نفهم أن هذا الكون له أساس واحد. وبعدها جاء أينشتاين بالنظرية النسبية العامة التي فسّرت العلاقة الحقيقية بين المادة والجاذبية أو بعبارة أخرى الطاقة والجاذبية وتم إطلاق المصطلح المسمى الزمكان Spacetime بحيث تم توحيد مفهوم الزمان والمكان رياضياً.
ملاحظة: استنتاجات أينشتاين تم تأكيدها تجريبياً، يعني لا حدا يقول مجرد نظريات.
إذاً المادة شكل من أشكال الطاقة، فما هو اللاشيء؟
اللاشيء هو عبارة عن فراغ خالي من الطاقة وأيضاً خالي من المادة. ورياضياً هو جملة طاقتها تساوي الصفر. فإذا كان لدينا جملة فيزيائية طاقتها تساوي الصفر، فهذا يعني أنها عبارة عن لا شيء ولا تحوي أي شيء.
إذاً ما هو الخلق؟
بعد أن فهمنا ما هو اللاشيء، كيف نستطيع تعريف الخلق؟ إذا فرضنا وجود خالق فسنقول أن هذا الخالق صنع الشيء من لاشيء. أي أنه كان لدينا جملة فيزيائية طاقتها صفر وليس فيها مادة وليس فيها أي شيء، وقال كلمته السحرية “كن” أو فعل أي فعل آخر مهما كان فأنشأ طاقة من لاشيء. فإذا كانت هذه هي حقيقة الكون فذلك يعني أن الخالق موجود، وإذا لم تكن تلك حقيقة الكون إذاً الكون لا يستدعي وجود الخالق أو وجود كائن أعلى منا، فقد يكون موجوداً وقد لا يكون موجوداً، لكن أكرر سيكون هناك لا داعي لوجوده إذا كانت الحقيقة هي أنه لم يتم إنشاء طاقة أو مادة عند نشوء الكون.
إذاً هل الكون مخلوق؟
كي نتخذ هذا القرار علينا أن نفهم نتيجة كون الكون مخلوق. معنى أن الكون مخلوق هو أن الخالق أضاف فيه كمية من الطاقة ليجعله يبدأ. فنحن نسمع دوماً حجة أصحاب الأديان أن الله خلق الكون عند الانفجار العظيم، وجعل النقطة الأولى تنفجر، وطبعاً هذه الحجة لأصحاب الأديان هي حجة جهلية بحتة مغزاها باختصار: بما أننا لا نعرف من أين جاءت هذه النقطة، إذا الله خلقها… وهي نفس الأخطاء التي ارتكبها البشر مراراً وتكراراً عبر التاريخ قبل وجود العلم.
سأتكلم الآن عن النظرية النسبية العامة باختصار كي نشرح فيما إذا كان الكون مخلوق:
ما هو الفضاء الرباعي؟ الفضاء الرباعي هو جملة الأبعاد الثلاثة التي تعبر عن الطول والعرض والارتفاع في الفضاء مضافاً إليها البعد الرابع والذي هو الزمن. هذه الجملة من الفضاء تتأثر بالمادة، بحيث أن المادة تحني فضاء الزمن على المكان، كأن يكون لديك قطعة اسفنج وتضع عليها كرة حديدية، فتكون النتيجة أن شكل الاسفنجة يتغير بسبب الكرة وينحني، وبنفس الطريقة تحني الكرة الأرضية الزمان حولها، وتحني الشمس الزمان حولها، ونتيجة هذا الانحناء هو حدوث الجاذبية. ففي مثال الكرة الحديدية على قطعة الاسفنج الذي تحدثنا عنه، إذا أحضرت كرة حديدية أخرى أصغر من الأولى بكثير، ووضعتها بجانب الكرة الكبيرة، فستقع الكرة الصغيرة في الانحناء الذي أحدثته الكرة الكبيرة، وبهذه الطريقة تحدث الجاذبية لكن في الفضاء الرباعي، وتخيله صعب جداً.
انحناء الزمكان بسبب كتلة الأرض يؤدي إلى نشوء الجاذبية، تماماً ككرة حديدية موضوعة على قطعة من الاسفنج.انحناء الزمكان بسبب كتلة الأرض يؤدي إلى نشوء الجاذبية، تماماً ككرة حديدية موضوعة على قطعة من الاسفنج.
ولا ننسى أيضاً أن الضوء له سرعة، وسرعته هي 300 ألف كيلومتر في الثانية. فالضوء يأخذ وقتاً كي يسافر من نجم بعيد أو أي منطقة بعيدة. فإذا كان الزمن الذي يحتاج الضوء للوصول إلينا من نجم معين هو 1000 سنة، نقول أن النجم يبعد عنا 1000 سنة ضوئية. وإذا كان الضوء من جرم سماوي يحتاج إلى ساعة ليصل إلينا نقول أن الجرم يبعد عنا ساعة ضوئية، والضوء يحتاج إلى 8.3 دقيقة كي يصل من شمسنا إلى اللأرض، لذلك نقول أن الشمس تبعد عن الأرض 8.3 دقيقة ضوئية.
وليست فقط المادة تستجيب لانحناء الزمكان -أو الجاذبية بعبارة أخرى- بل أيضاً الضوء خلال سفره في الفضاء، فالضوء ينحرف مساره عندما يمر بجانب نجم كبير أو ثقب أسود، الضوء ينجذب بالجاذبية، ومثال على ذلك انحناء الضوء حول الثقوب السوداء بسبب الجاذبية العالية. هذه الظاهرة تنبّأ بها أينشتاين من رياضيات النسبية العامة قبل اكتشافها عملياً وتسمى Black-hole lensing effect أي مفعول العدسة للثقوب السوداء (ضع المصطلح في جوجل لترى بعض الصور المتعلقة)، وسبب تسميتها كذلك لأنها تلوي الضوء وتغير مساره كما تفعل العدسات المحدبة والمقعرة تقريباً (طبعاً ليس تماماً، لأن الضوء في العدسات يأخذ مساراً مستقيماً في المادة لكن يتغير اتجاهه بسبب اختلاف معامل الانكسار… ليس موضوعنا على العموم. هذه الدراسة موجودة فيما يسمى البصريات الهندسية Geometrical optics).
مفعول العدسة حول الثقوب السوداءبما أن وجود الطاقة أو المادة يحني الزمكان، وبما أن مرور الضوء في الزمكان يتأثر بهذا الانحناء، فيمكننا دراسة مسار الضوء الصادر من منطقة بعيدة كثيراً ودراسة فيما إذا كان الضوء الصادر منها ينحني خلال الزمكان.
هذه الدراسة قامت بها ناسا عن طريق القمر الصناعي WMAP والدراسة مشروحة بالتفاصيل على الرابط التالي:
NASA – Shape of the universe
ما هو الضوء الذي درسته ناسا؟ الضوء هو عبارة عن الإشعاع الصادر بعد الانفجار العظيم، وهذه الإشعاع يسمى إشعاع خلفية الميكروويف Cosmic Microwave Background radiation وبما أن الكون يتوسّع، وبما أننا نرى المجرات متوزعة بكثافة ثابتة في الفضاء، فهذا يعني أننا أمام ثلاث خيارات: (لن أدخل في تفاصيل الأسباب لكن يمكنكم الاطلاع على التفاصيل في موقع ناسا)
1- لو كان الكون منحني بشكل إيجابي أي لو تمّت إضافة طاقة لإنشاء الكون، فيجب أن تكون البقع في خلفية الميكروويف صغيرة
2- لو الكون منحني بشكل سلبي -أي لو تم سحب طاقة من الكون لإنتاجه- فستكون البقع في خلفية الميكروويف كبيرة
3- لو كان الكون مسطح وغير منحني بين الزمان والمكان -أي لم تتم إضافة أو سحب أي طاقة لإنتاجه- فستكون البقع في خلفية الميكرويف موزعة بانتظام وزاوية انفراجها درجة واحدة
وما هي النتيجة لهذه الدراسة؟ النتيجة هي أن الكون مسطح، أي أن الكون ليس منحني وأن الضوء لا ينحني إذا عبر كل الكون، وهذا يعني أن مجموع طاقة الكون الكلي يساوي الصفر، أي أنه لم تتم إضافة أي طاقة لإنشاء الكون.
المقالة العلمية التالية تناقش تفاصيل كون مجموع طاقة الكون يساوي الصفر، وهي من مجلة نايتشر الشهيرة:
A flat Universe from high-resolution maps of the cosmic microwave background radiation
إذاً الكون ليس مخلوق! الكون قد يكون ناتج عن عملية فيزيائية. لأن الكون هو صورة أخرى من صور العدم، فالمادة التي فيه طاقتها موجبة، والجاذبية طاقتها سالبة (لأنها تجذب فقط وليس فيها تنافر مثل قوى الكهرباء مثلاً)، والمجموع صفر!!!
الآن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا علينا أن نؤمن بوجود الخالق إذا كان الكون هو صورة من صور العدم ولا يحتاج إلى إضافة أو سحب طاقة لينشأ؟
انحناء الضوء في الفضاء يجعلنا نعرف شكل الكون ونسبة الطاقة للمادة فيه
كيف يمكن أن ينشأ الكون من العدم دون مسبب؟ ولماذا نشأ ولم يبقى ببساطة عدماً؟
حاولت في الأقسام السابقة تجنب الدخول في التفاصيل العميقة كي يستطيع الجميع قراءة المقال وفهمه، لكن للأسف لا يمكن تجنب هذا الوضع الآن. العلم شيء راقي وأعلى بكثير من فرضية “كن فيكون” الجاهلة. لذلك عزيزي القارئ، أتمنى أن تضيّع بعض الوقت لفهم كيف وُجد الكون الذي نعيش فيه.
البحث ما زال جارياً في طريقة نشأة الكون من لا شيء، وهناك الكثير من النتائج المرضية، لكن الجواب النهائي لم يتم إطلاقه بعد وما زال قيد البحث. لكن سأحاول أن أتطرق إلى تفسيرات غير مغلوطة علمياً ويمكن أن تكون السبب، والهدف منها تقريب القارئ للفكر العلمي، لعل وعسى أن يُعلّم أولاده هذا الفكر، فقد يكون أولاده أحد العلماء الذين سيكتشفون سر نشوء الكون.
كي نفهم كيف يمكن أن ينشأ الكون من لا شيء، علينا أن نفهم طبيعة العالم الكمي، وهو عالم الجسيمات الذرية وعالم الإلكترونات والجسيمات الأولية. هذا العالم لا يسلك أو يتبع أي نوع من المنطقية التي نراها في عالمنا، وهو عالم عشوائي لدرجة أن عشوائيته هي سبب أفعاله. لنحاول فهم العالم الكمي معاً.
ما هي الذرة؟ وما هو سلوك مكوناتها؟
ذرة أي عنصر من عناصر الجدول الدوري Periodic table مكونة ببساطة من نواة موجبة الشحنة، وهذه النواة تدور حولها جسيمات سالبة الشحنة تسمى إلكترونات. النواة نفسها تتكون من بروتونات ونيوترونات. البروتون الواحد يحمل شحنة موجبة مساوية لشحنة إلكترون واحد.
كيف تكونت العناصر في الكون؟
أبسط ذرة في الكون هي ذرة الهيدروجين، وهي ذرة تتكون من إلكترون وبروتون. وعند نشوء الكون نتجت كمية كبيرة من غاز الهيدروجين، وتكاثفت هذه السحابات من الهيدروجين بسبب قوى الجاذبية واشتعلت بسبب الضغط العالي وبدأت التفاعلات النووية الاندماجية Nuclear fusion التي تؤدي إلى اندماج كل ذرتين هيدروجين لتكوين الذرة التي تلي الهيدروجين بالبساطة -الهيليوم- والتي تحتوي على بروتونين ونيوترونين وإلكترونين عن طريق تفاعل يسمى تفاعل سلسلة البروتون-بروتون.
وبنفس الطريقة وبتفاعلات اندماجية مختلفة تكونت العناصر الأخرى من الجدول الدوري مثل السيليكون والنيتروجين والحديد.
مكونات النجوم من الداخل
ميكانيك الكم وسلوك مكونات الذرة
تاريخياً، عندما كان العلماء يحاولون فهم مكونات الذرة ومكونات الضوء، كان نيوتن يعتقد أن الضوء عبارة عن جسيمات، وللمفاجأة أيضاً كان حسن ابن الهيثم (العالم العربي اللاديني، لا تفرحو فلم يكن مسلماً، وهذا مذكور في المراجع الإسلامية) لديه نفس الاعتقاد وأكّد اعتقاده عن طريق رمي كرات حديدية على الأرض للتأكد أن زاوية السقوط تساوي زاوية الانعكاس كما في الصورة.
الأحد فبراير 28, 2016 7:03 am من طرف نابغة