الوزيرة المتكرشخة جمال بدومة -
jamalboudouma@gmail.com لا أعرف شيئا عن أرقام «ماروك
ميتري» في ما يتعلق بنسبة مشاهدة جلسات الأسئلة الشفوية في البرلمان، لكنني
متأكد من أن لهذه الحصة التلفزيونية الطريفة عشاقا ومتتبعين، لا يقلون عن
مشاهدي بعض السيتكومات الهزلية، لأن الفرجة مضمونة تحت القبة والقفشات لا
تخلف الموعد، إلى درجة صار معها البعض يترقب يومي الثلاثاء والأربعاء بشوق،
كما لو كان ينتظر حلقات سلسلة كوميدية تقتل بالضحك. ولو طلب مني أن أختار
بطلي المفضل في هذه الفرجة الهزلية لما ترددت: ياسمينة بادو، وزيرة الصحة،
التي كلما حاولت أن «تـَطـْمَئِنـُّنا» (بفتح التاء وتسكين الطاء وفتح
الميم، الله يستر) على أوضاع المستشفيات، تقلقنا على مصير اللغة العربية.
إنها شخصية مسرحية تتوفر على كل مقومات «البطلة الكوميدية». قبل أيام فقط،
صعدت «بطلتنا» إلى المنصة كي ترد على سؤال أحد النواب حول تدابير وزارتها
لحماية المواطنين من وباء ينقله نوع من الحشرات في منطقة تافيلالت، لكنها
لم تستطع أن تمسك «الفورير» وأطلقت العنان لضحكة هستيرية اهتزت لها جنبات
مجلس النواب، دون أن تفلح تدخلات رئيس الجلسة في إعادة الوزيرة المحترمة
إلى صوابها. وبمجرد ما جمعت الضحكة، حدثتنا عن الجرذان والفئران
و»البُعوض»، بضم الباء من فضلكم، ولا حول ولا قوة إلا بالله. ويبدو أن
وزيرتنا من النوع الذي يضحك عندما يسمع أن بعض أبناء الشعب مازالوا
يتقاتلون مع القمل والبق والبرغوث، بسبب ظروف العيش القاسية وغياب شروط
النظافة، لذلك لم تستطع أن تمسكك الضحك وهي ترى برلمانيا يعطي الكلمة
لـ»الحشرات» كي تشتكي من «الحشرات»، «بحال يلا كلتي الدبان كيشكي من
الناموس»! لا أعرف لماذا تذكرت ماري أنطوانيت التي رأت الشعب الفرنسي غاضبا
في أكتوبر 1789، وعندما قيل لها إنهم يتظاهرون لأنهم لم يجدوا الخبز، ردت
باستغراب: «ياكلو القراشل»! وزيرة الصحة أيضا في واد والشعب المغربي في واد
آخر، وضحكها على معاناة مغاربة بسطاء تحت قبة البرلمان، تـُغـْني عن كل
كلام. بعد 85 عاما على رحيل أول مقيم عام فرنسي من بلادنا و64 عاما على
استقلال البلاد، ما زال التقسيم الاستعماري الذي وضعه ليوطي ساري المفعول،
ومازال المغرب مغربين: نافع وغير نافع، يسكنه أسياد وعبيد، محظوظون
ومسحوقون، ألبة وخوشبيش... مازالت الجغرافيا تقسو على عدد كبير من المغاربة
وتحنو على فئة من المحظوظين، في غياب لأبسط شروط العدالة الاجتماعية.
وبخلاف ما قد يعتقده البعض، فإن ضحكة ياسمينة على سكان تافيلالت لم تأت
بشكل عفوي، لأن «الوزيرة الناجحة في الحكومة الناجحة» تتقن فن التواصل،
تعرف متى تضحك ومتى تسكت ومتى تبتسم ومتى تقطب جبينها ومتى ترفع سبابتها
عاليا. ولا شك أنكم تذكرون كيف «خرّجت» عينيها، على بلاطو برنامج «نقط على
الحروف»، عندما سئلت عن سر احتكار المناصب السامية بين أفراد «قبيلتها» كأن
أمهات المغاربة عاقرات ما عدا الفاسيات الفهريات. لماذا لم تضحك ساعتها
كما ضحكت على سكان الراشيدية وتافيلالت، وكادت تخرج من التلفزيون وهي تصرخ
في أذن من يريد أن يسمع: «علاش حنا وليداتنا ما يخدموش؟»... «لا حاشا
وليداتكم يخدمو ووليدات الشعب ياكلهم البخوش»!