03 فبراير 2014 بقلم
إبراهيم غرايبة قسم:
الدين وقضايا المجتمع الراهنة حجم الخط
-18
+ للنشر:
"الدين ضروري للحكومة، لا لخدمة الفضيلة، ولكن لتمكين الحكومة من السيطرة على الناس"
مكيافيلي.
عندما أعلنت مجموعة من قادة ونشطاء الإخوان المسلمين في الأردن عن تأسيس مبادرة للإصلاح الوطني، سميت في وسائل الإعلام "زمزم" نسبة إلى اسم الفندق الذي أشهرت فيه المبادرة، دارَ جدل تنظيمي داخلي في جماعة الإخوان، وجدل سياسي عام؛ فقيادة الجماعة ضاقت بالمبادرة وعارضتها علنًا، وطلبت من أعضاء الجماعة عدم التعاون معها، وأعلن في الصحف عن نية الجماعة تقديمَ ثلاثة من قادرة المبادرة المؤسسين إلى محكمة تنظيمية! وفي الوقت نفسه، فقد أبدت السلطة التنفيذية ترحيبا بالمبادرة، والرأي العام والتفاعل الإعلامي كان منقسما حول المبادرة، فقد اعتبرها قطاع واسع من المواطنين والسياسيين مبادرة ضروية لإعادة صياغة العلاقة بين الدين والسياسة، ورآها آخرون تحالفا سياسيا جديدا لإضعاف جماعة الإخوان المسلمين وقدرتها على المعارضة والعمل العام.
والواقع أنها أزمة تصلح نموذجا لدراسة وفهم تفاعلات ومتواليات العلاقة بين الدين والسياسة، وكيف تمضي في مسارات تبدو معقدة ومختلفة عن رواية المنشأ، ومن ثم فإنها تعيد التذكير بضرورة فهم وتفكيك العلاقة بين الجماعات السياسية والاجتماعية والدين، والعلاقة بين السلطة والجماعات الدينية والاجتماعية، وكيف يؤدي توظيف الدين إلى سلسلة من الحالات السياسية والتشكلات الاجتماعية.
وفي تأمل وتفكيك العلاقة القائمة بين السلطة التنفيذية في الأردن وجماعة الإخوان المسلمين، وعلاقتها بمبادرة زمزم، ثم العلاقة بين الجماعة والمبادرة (زمزم)، يمكن ملاحظة الظروف التي تجبر الأطراف الثلاثة على العمل والبقاء معا، رغم اتساع الهوة وتناميها بين أطراف المثلث، أو القيام بمراجعة استراتيجية لهذه العلاقة والرواية المنشئة لها، .. إنها أطراف مثل توائم سيامية ترغب بالانفصال عن بعضها، ولكنها لا تستطيع أو تحتاج إلى عملية جراجية معقدة.
فجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، رغم الخلافات القائمة بينها وبين السلطة التنفيذية، تمثل لها مطلبا اجتماعيا وسياسيا ضروريا لا يبدو أنها قادرة على الاستغناء عنه؛ فالجماعة تمثل المظلة الرئيسية للمواطنين من أصل فلسطيني، بما يعني ذلك قدرتَها على توجيه فئة واسعة من المواطنين، وحشدهم في موقف سياسي واجتماعي يريح الحكومة ويطمئنها. وقد بدا ذلك واضحا في الربيع العربي، وعلى عكس ما يبدو للوهلة الأولى، فقد حيدت الجماعة جمهورها ومؤيديها، والذين يمثلون أغلبية الشارع الفلسطيني، وحضورا مؤثرا وغالبا في النقابات المهنية؛ حيدتهم في الحراك الإصلاحي، ودفعتهم بعيدا عن الضغط على الحكومة لتحقيق الإصلاح السياسي والاجتماعي الذي يطالب به الحراك الإصلاحي، والقائم على مواجهة الفساد، وعدالة الفرص والتوزيع، وإعادة إدارة وتنظيم الموارد العامة، بعيدا عن هيمنة نخبوية راسخة ومتراكمة منذ تسعين عاما، لتحرم الجماعة بذلك الحراك الاجتماعي الإصلاحي من مورد شعبي واسع وتدفعه، ومعها النقابات المهنية، إلى الاكتفاء بمعارضة المعاهدة الأردنية الإسرائيلية، والاحتفالات بالذكريات الدينية والتاريخية، بل إن الجماعة أبدعت مناسبات تاريخية لا تخطر على بال لأجل الاحتفال بها، مثل "الفتح الصلاحي"، حيث أجرت الجماعة احتفالات وعروضا بهذه المناسبة التي تقول إنها تُقام بمناسبة استعادة القدس من الصليبيين في العام 1187م، والاحتفال بالعهدة العمرية، إضافة بالطبع إلى مناسبات معروفة في العالم الإسلامي، مثل الهجرة النبوية والمولد النبوي والإسراء والمعراج،... وهكذا، فإن السلطة في غياب جماعة الإخوان سوف تجد نفسها أمام قواعد اجتماعية جديدة، مطالبة بالإصلاح من المهنيين الذين يشكلون العمود الفقري للطبقة الوسطى وتجمعات شعبية واسعة. وبقدرة الجماعة هذه على استيعاب وضبط النقابات المهنية والغالبية الكبرى من الفلسطينيين وتوجيهها، تقدم هدية كبرى لا تقدر بثمن إلى السلطة التنفيذية، ولا يتوقع أن تكون السلطة أو أي تيار سياسي واجتماعي قادرا على أداء هذه الوظيفة. وفي المقابل، فإن السلطة التنفيذية تغض الطرف عن برامج الجماعة ونشاطاتها السياسية والاجتماعية، وتتيح لها العمل والانتشار والتأثير في وسط التجمعات الشعبية والنقابات المهنية،... إن الطرفين يحتاج كل منهما للآخر، ولكن علاقاتهما قائمة على الضرورة ولا تعني شيئا آخر، (ربما).
وفي سلوكها الملتبس، والذي يدمج بين الانفصال الديني والاجتماعي، كانت القيادة والأغلبية العامة للإخوان المسلمين في حاجة إلى واجهة وطنية، تشكل لها حماية اجتماعية وحلقة اتصال وتواصل مع السلطة التنفيذية والمجتمع الأردني، وكان التيار المعتدل، والذي يغلب عليه أنه من الإخوان المسلمين الشرق أردنيين، يقدم هذا الدور لكل من الجماعة والسلطة التنفيذية؛ فقد كان صمام أمان يضبط الجماعة باتجاه الاعتدال، ويمثل نقطة أمان واطمئنان بالنسبة للسلطة التنفيذية في مواجهة المخاوف من أن تنزلق الجماعة إلى التشدد و/ أو العنف، ويحتاج التيار الوطني المعتدل في الجماعة إلى قواعدها الشعبية وقدراتها الانتخابية؛ فهم نخب وقيادات يملكون تأثيرا محدودا (غالبا) في أوساطم المهنية والاجتماعية، وتمنحهم الجماعة بتاريخها وتأثيرها الإسلامي والشعبي الثقة والشرعية التي تقدمها لمنتسبيها ومؤيديها. وهكذا ففي الانفصال بين الإخوان وزمزم، سوف تبدو جماعة الإخوان جماعة فلسطينوية متشددة دينيا ومعزولة سياسيا، وتبدو زمزم مبادرة قيادية أردنية نخبوية معتدلة من غير قواعد اجتماعية واسعة ومتماسكة.
اليوم تبدو هذه الرواية وكأنها تتعرض لمراجعة أو إعادة صياغة، ويبدو المثلث السيامي في حاجة إلى عملية فصل مهما كان ذلك مؤلما؛ فالربيع العربي وضع الحكومة في معادلة جديدة وفي مواجهة احتياجات جديدة، كأن تجري صيانة مهمة لعلاقتها بالمجتمعات والمحافظات الأردنية التي كانت تبدو قاعدة اجتماعية للسلطة، ولكنها بدت في الربيع غير ذلك، وهي في ذلك تحتاج إلى قيادات اجتماعية إسلامية أردنية تعيد الدفء والتفاهم إلى علاقة المجتمع بالدولة. كما أن السلطة تلاحظ أكثر من أي وقت مضى، أن التشدد الديني أصبح في وسط بيتها وليس حالة خاصة بالجماعات الإسلامية، ولكنه في المدارس والمساجد والمؤسسات الدينية الرسمية؛ فالمتشددون الدينيون من الموظفين الحكوميين والمؤيدين السياسيين للسلطة يتفوّقون في تشددهم وانتشاره على التشدد الديني الإخواني. وتتشكل ضرورة ملحة لإعادة توجيه وتنظيم التعليم الديني، والسلوك والاتجاه الديني، في المساجد والمحاكم الشرعية والوسط الشعبي العام، ولن تقدر الحكومة على ذلك من غير معونة ودعم التيار الإسلامي المعتدل الذي تمثله مبادرة زمزم!
ولكن تظل الأسئلة المستقبلية والاحتمالات مفتوحة على المغامرة؛ هل تغامر السلطة بعلاقتها ومصالحها مع الجماعة، وتجير النقابات المهنية والقواعد الاجتماعية الإخوانية إلى جماعة زمزم؟ وهل تقدر زمزم على سدّ الفراغ الإخواني أم أن مصير "زمزم" سيكون مثل المجموعات التي تركت الإخوان من قبل، وتحولت إلى شخصيات ومجموعات إسلامية محدودة التأثير الاجتماعي والسياسي؟ بالنسبة للحكومة فإنها لن تخسر شيئا، فإن نجحت في عملية الفصل السيامي، فإنها سوف تعيد ترتيب العلاقة بين الدين والدولة على نحو أكثر إيجابية، وفيما يخدم السياسة العامة للدولة، وتضعف تأثير الإخوان، أو تكسر احتكارهم للجماهيرية والشرعية الدينية، وإن لم تنجح فإن "حماس" بديل كفء ومتلهف لأداء هذا الدور؛ وبالطبع فإن السلطة التنفيذية لا تفضل هذا الخيار، لأنه برغم سهولته وديناميكيته يُبقي على العلاقة الدينية السياسية وعلاقة السلطة بالمجتمعات الفلسطينية والنقابات المهنية، عبر وسيط يمنع التشكل الاجتماعي السياسي في نسيج حقيقي للدولة والمجتمع.
وهذا بطبيعة الحال، يجعل تكييف الجماعة، وفق القوانين السائدة والمنظمة للعمل السياسي والطوعي، معقدا وملتبسا، فقد يقول قائل إن الحكومة تستطيع إذا أرادت، وﻓﻲ 24 ﺳﺎﻋﺔ، أن تكيف أوﺿﺎع ﺟﻤﺎﻋﺔ اﻹﺧﻮان اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ وﻓﻖ اﻟﻘﻮاﻧﯿﻦ اﻟﻤﻨﻈﻤﺔ ﻟﻠﻌﻤﻞ اﻟﻌﺎم، ﻟﺘﻨﺘﮫﻲ، وإﻟﻰ اﻷﺑﺪ، ﻗﺼﺔ اﻟﺨﻼف واﻟﺼﺮاع، وﻛﺬﻟﻚ اﻟﺘﺤﺎﻟﻒ واﻟﺘﻌﺎون ﺑﯿﻦ اﻟﺪوﻟﺔ و"اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ".
ﻓﺎﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ھﻲ ھﯿﺌﺔ إﺳﻼﻣﯿﺔ ﺗﻄﻮﻋﯿﺔ، ينتظمها اﻹطﺎر اﻟﻌﺎم ﻟﻤﻨﻈﻤﺎت اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻤﺪﻧﻲ، وﻳﻔﺘﺮض أن ﺗﻌﻤﻞ وﻓﻖ اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﻤﻨﻈﻢ لهذه اﻟﻤﻨﻈﻤﺎت. وﻳﺠﺐ أن ﻳﻜﻮن لها، ﺑﺒﺴﺎطﺔ، ﻗﺎﻧﻮن أﺳﺎﺳﻲ واﺿﺢ ﻣﻌﻠﻦ ﻳﻨﺴﺠﻢ ﻣﻊ اﻟﻘﻮاﻧﯿﻦ اﻟﺴﺎﺋﺪة، ولها ﻣﻮاردھﺎ وﻣﯿﺰاﻧﯿﺎتها وﻗﻮاﺋﻢ اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ اﻟﻤﻌﻠﻨﺔ، واﻟﺘﻲ ﺗﻨﻈﻢ أﻳﻀﺎ وﻓﻖ ﺗﺪﻗﯿﻖ اﻟﺤﺴﺎﺑﺎت وﺗﻨﻈﯿﻢ ﻋﻤﻞ اﻟﻤﻨﻈﻤﺎت وإدارتها. وﻣﻦ ﺛﻢ، ﻓﻼ ﺷﺄن ﻟﻠﺠﻤﺎﻋﺔ وﻻ وﻻﻳﺔ ﻗﺎﻧﻮﻧﯿﺔ أو دﻳﻨﯿﺔ لها ﻟﺘﻤﻨﻊ أو ﺗﺪﻓﻊ أﻋﻀﺎءھﺎ ﻟﻠﻌﻤﻞ اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ أو اﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ أو ﻋﺪم اﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ ﻓﻲ ﺣﺰب ﺳﯿﺎﺳﻲ. ﻓﺎﻹﺧﻮان اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻟﯿﺴﻮا ﺗﯿﺎرا ﺳﯿﺎﺳﯿﺎ، وﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺘﻌﺪد اﻧﺘﻤﺎءاتهم واﺗﺠﺎھاتهم اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ واﻟﻔﻜﺮﻳﺔ أﻳﻀﺎ.
وﻟﯿﺲ ﻓﻲ اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻷﺳﺎﺳﻲ ﻟﻠﺠﻤﺎﻋﺔ وﻣﺒﺎدﺋﮫﺎ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻣﺎ ﻳﻤﻨﻊ أو ﻳﻠﺰم اﻷﻋﻀﺎء ﺑﺈطﺎر ﺳﯿﺎﺳﻲ ﻣﻌﯿﻦ، وﻻ ﺗﻄﻠﺐ "اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ" منهم، وﻻ ﻳﺤﻖ ﻟﮫﺎ ذﻟﻚ اﺑﺘﺪاءً.
وﺑﺬﻟﻚ، ﻓﺈن "اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ" ﻓﻲ تأسيسها وﻣﺒﺎدئها اﻟﻌﺎﻣﺔ، وﻓﻲ ﻗﺼﺔ نشأتها وعلاقتها ﺑﺎﻟﺪوﻟﺔ واﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، ھﻲ ﺟﻤﺎﻋﺔ دﻋﻮﻳﺔ، تهدف إﻟﻰ اﻟﻌﻤﻞ واﻟﺘﺄﺛﯿﺮ ﺑﺎتجاه أھﺪاف وﻏﺎﻳﺎت اﻟﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ، وﻟﯿﺲ لها ﺑﺮاﻣﺞ وﻻ ﻣﻮاﻗﻒ ﺳﯿﺎﺳﯿﺔ، ولكن لماذا تركتها السلطة تعمل من غير وضوح ولا ولاية قانونية للدولة ومؤسساتها عليها؟
لقد دﺧﻠﺖ "اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ" ﻏﻤﺎر اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ ﺑﺘﺄﺛﯿﺮ واستدراج ﻣﻦ اﻟﺪوﻟﺔ، وﻟﯿﺲ ﺑﻨﺎء ﻋﻠﻰ أھﺪاﻓها وﻣﺒﺎدﺋها وأﻓﻜﺎرھﺎ اﻟﻤﻨﺸﺌﺔ لها. وأدى ذﻟﻚ، ﺑﻌﺪ ﻋﺸﺮ ﺳﻨﻮات ﻣﻦ ﺗﺄﺳﯿسها وﺗﺮﺧﯿصها ﻓﻲ اﻷردن، إﻟﻰ اﻧﻘﺴﺎم واﺳﻊ؛ ﻓﻘﺪ ﺗﺮﻛﮫﺎ ﻣﻌﻈﻢ، إن ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺟﻤﯿﻊ اﻷﻋﻀﺎء واﻟﻘﺎدة، اﻟﺬﻳﻦ ﺷﺎرﻛﻮا ﻓﻲ ﺗﺄﺳﯿسها في منتصف الأربعينيات، وﻓﻲ اﻟﻌﻤﻞ معها ﻋﻠﻰ أﺳﺎس ﻗﺎﻧﻮنها وﺗﺮﺧيصها اﻟﺬي ﺣﺼﻠﺖ ﻋﻠﯿﻪ ﺑﻘﯿﺎدة ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻄﯿﻒ أﺑﻮﻗﻮرة. وﻛﺎﻧﺖ "اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ"، ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﺑﺴﻨﻮات ﻗﻠﯿﻠﺔ، ﻗﺪ دﺧﻠﺖ ﻓﻲ ﺟﺪل داﺧﻠﻲ واﺳﻊ ﺑﺴﺒﺐ ﺗﻤﺴﻚ ﻗﺎدﺗها وﻣﺆﺳﺴيها بمنهجها ﻓﻲ ﻣﻮاﺟﮫﺔ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﺗﺆﻣﻦ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ اﻹﺳﻼﻣﻲ، ﻓﺨﺮﺟﻮا ﻟﯿﺆﺳﺴﻮا ﺣﺰب اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ اﻹﺳﻼﻣﻲ. ﻛﻤﺎ ﺧﺎﺿﺖ أﻳﻀﺎ ﺟﺪاﻻ واﺳﻌﺎ، أدى إﻟﻰ ﺧﺮوج ﻋﺪد ﻛﺒﯿﺮ ﻣﻦ ﻗﺎدﺗﮫﺎ وﻧﺸﻄﺎئها ﻟﻠﻤﺸﺎرﻛﺔ ﻓﻲ ﺣﺮﻛﺔ "ﻓﺘﺢ".
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺸﺎرﻛﺔ "اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ" اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ، إذن، ﺑﺘﺸﺠﯿﻊ ﻣﻦ اﻟﺪوﻟﺔ ﻟﻠﺘﺤﺎﻟﻒ معها ﻓﻲ ﻣﻮاجهة اﻟﻤﺪ اﻟﻘﻮﻣﻲ واﻟﯿﺴﺎري، ﺛﻢ اﻟﻤﻨﻈﻤﺎت اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﺔ. وﻗﺪ ظﻠﺖ "اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ"، ﺗﻤﺜﻞ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻠﺪوﻟﺔ واﻟﻨﺨﺐ اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ ﻹدارة وﺗﻨﻈﯿﻢ اﻟﺼﺮاع اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ اﻟﺪاﺧﻠﻲ واﻟﺨﺎرﺟﻲ؛ ﻓﻠﻢ ﺗﻜﻦ ھذه اﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ ﻣﻨﺴﺠﻤﺔ ﻣﻊ أھﺪاف "اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ" وروايتها اﻟﻤﻨﺸﺌﺔ وأﻓﻜﺎرھﺎ اﻟﻌﺎﻣﺔ، وﻟﻜنها ﻣﺸﺎرﻛﺔ ﺟﺎءت ﺑﺈﻏﻮاء اﻟﻤﻜﺎﺳﺐ اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ واﻟﺸﺨﺼﯿﺔ.
ﻻ ﻳُﺘﻮﻗﻊ أن ﺗﺒﺎدر اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ و ﻻ "اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ" إﻟﻰ ﺗﺴﻮﻳﺔ أوﺿﺎع ﻋﻤلها وﻋﻼﻗتها وﻓﻖ اﻷھﺪاف اﻷﺳﺎﺳﯿﺔ واﻟﻘﻮاﻧﯿﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة؛ ﻓﺎﻟﺤﻜﻮﻣﺎت كلها ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﺮﻳﺪ ﻏﺎﻟﺒﺎ ﻣﻦ "اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ" أن ﺗﺘﺤﻮل إﻟﻰ ﺟﻤﺎﻋﺔ دﻋﻮﻳﺔ اﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ ﻋﻦ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ، وإن ﻛﺎﻧﺖ "اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ" ﺗﺰﻋجها ﻓﻲ أﺣﯿﺎن ﻛﺜﯿﺮة. وﺟﺮت أﻳﻀﺎ ﻓﻲ ﻣﺴﺎر "اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ" ﻣﯿاه ﺟﺪﻳﺪة ﻛﺜﯿﺮة، وﻟﻢ ﺗﻌﺪ ھﻲ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺸﺄت ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻷرﺑﻌﯿﻨﯿﺎت، وﻻ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻮﻟﺖ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﺨﻤﺴﯿﻨﯿﺎت، وﻟﻜنها ﺗﻌﺒﯿﺮ ﻋﻦ ﺗﺤﺎﻟﻔﺎت وأﻓﻜﺎر اجتماعية ودينية وسياسية تشكلت في السبعينيات، ﺛﻢ ﺗﺤﻮﻟﺖ ﻓﻲ اﺗﺠﺎهات وأﻓﻜﺎر أﺧﺮى ﻓﻲ أواﺋﻞ التسعينيات.
السلطة التنفيذية في الأردن اليوم، في حاجة أكثر من أي وقت مضى إلى تصحيح علاقتها بالدين وبالمجتمعات، على النحو الذي يحميها من المفاجآت والكوارث،.. هذا هو درس الربيع العربي رقم 1 بالنسبة للدولة الأردنية.