04 نوفمبر 2013 بقلم
محمد الغيلاني قسم:
الدراسات الدينية حجم الخط
-18
+ للنشر:(يوجد الجنون بداخل العقل)
(يوجد الجنون حيث يوجد المجتمع)
*- الجنون بوصفه ظاهرة اجتماعية:
- التمثل الاجتماعي للمرض: الجنون وتعدد الهويات
ما طبيعة علاقة الجنون، كحالة سيكولوجية، بالمجتمع؟ وما هو نمط هذه العلاقة؟ هل يعد الجنون نتاجا لاختلالات اجتماعية أكثر منها لاختلالات نفسية؟ من أين تبدأ حدود الفردي في حالات الجنون وأين تنتهي؟ ومتى يبدأ دور العوامل الاجتماعية، ومتى ينتهي في حالة الإصابة بالجنون؟ ما هي القيم الاجتماعية والأخلاقية والثقافية التي تحدد سلوك ومواقف المجتمع إزاء الجنون؟ كيف يمكن وضع حدود السيكولوجي والسوسيولوجي لتحديد وتعريف الجنون تعريفا معرفيا، يستند على قواعد المنهج السوسيولوجي؟
ما هو دور الروابط الاجتماعية في صوغ شخصية المجنون؟ وما تأثير المواقف الاجتماعية في تصنيف حالة الجنون؟ هل الجنون له معنى اجتماعيا محددا ومتفقا عليه؟ أم هناك تقييم متنوع ومتعدد الأبعاد لتوصيف حالات الجنون؟
للجنون عدة توصيفات، فهو في منظور التحليل النفسي: يعتبر مرضا عقليا. وفي المقاربة القانونية يتم التعاطي معه على أساس ما يعرف بالمسؤولية القانونية؛ إذ يبقى التساؤل قائما حول حدود تدخل الموقف النفسي في التأثير على الأحكام القانونية، ومدى شرعية الموقف القانوني إزاء رأي التحليل النفسي وخلاصاته.
هناك، في الواقع، إعادة نظر أساسية في التعريف القانوني والتعريف الطبي والنفسي لهوية المجنون، حيث الجدل مستمر حول ما إن كان المجنون ضحية أم جانيا، مريضا أم مسؤولا؟
تحاول السوسيولوجيا مساءلة البديهيات المتعلقة بالجنون، والتي تواضع المجتمع ومؤسساته على تبنيها وتلقينها لأعضائه، وإعادة النظر في مضمونها وأحكامها وتعريفاتها، وعيا منها بأهمية الصحة النفسية والعقلية في الأوضاع الاجتماعية للأفراد، وإدراكا منها لحجم الرهانات المجتمعية والسياسية والمعرفية التي تحيط بكل أنماط التوظيف في اتخاذ القرار المتعلق بتحديد مصير الكائن البشري، بصفته كائنا اجتماعيا.
هل الجنون مظهر من مظاهر السلوك المضاد في مجتمع انسدت فيه كل وسائل التعبير والإبداع والحرية؟ هل الجنون حقيقة مرضية أم هو نوع من الرفض والتحايل على الرقابة الاجتماعية والثقافية والسياسية؟ هل الجنون رد مرضي على الإقصاء والتهميش اللذين يقع الفرد ضحية لهما في مجتمع انغلقت فيه قنوات الارتقاء الاجتماعي؟هل الجنون صيغة تضحي بامتلاك الإرادة للتخلص من رقابة وسطوة منظومة القيم المهيمنة؟ ما هي علاقة الجنون بعدم تكافؤ الفرص في مجتمع توقف عن الاعتراف بالكفاءة والتنافس النزيه، لتحل محلها قيم معادية للأخلاق والعقل؟الأكيد أن الجنون هو محصلة علاقة غير طبيعية بين الفرد والمجتمع، ونتاج ديناميات اجتماعية تحت تأثير توترات حادة وعنيفة أصابت العلاقات الاجتماعية ومنظومة القيم في عمق نسقها بالإعاقة والأعطاب؛ فالجنون من المنظور السوسيولوجي تعبير عن سيرة مجتمع تعرضت فيه الروابط للتهشيم والتفكك، أو كما يحاول ميشال فوكو توضيح ذلك من خلال أبحاثه عندما يربط بين المرض العقلي والبنيات الاجتماعية.