28 أغسطس 2013 بقلم
سمية المحفوظي قسم:
الدراسات الدينية حجم الخط
-18
+ للنشر:إنّ التنبؤ بالآتي سمة من سمات العرافين والناظرين في حركة الأفلاك والنجوم، بيد أنّ أسفار "العهد القديم" نسبت إلى جملة من الأنبياء نبوءات كثيرة قائمة على الإنباء بالآتي، سواء تعلّق ذلك بالأفراد أم بالجماعة، وتعدّ هذه السمة مميزة لأنبياء ما قبل السبي، وقد انقسمت نبوءاتهم إلى قسمين:
· قسم يخبر بالخراب والدمار الذي يلحق بأورشليم
· قسم فيه تفاؤل بالآتي، إذ يأتي "يوم الرب" الذي ينتصر فيه الرب الإله للمخلصين من بني إسرائيل.
وفي هذا المبحث، نقف على جملة من النبوءات قصد تبيّن مدلولات رؤى النبي وما تضمنته من رموز، وما احتوته من إحالات على الواقع المعيش للنبي ولجماعة بني إسرائيل. وقد نظرنا في تحليلنا لدلالات "يوم الرب" في جملة من تجارب أنبياء ما قبل السبي أمثال (حزقيال ويوئيل وحبقوق وناحوم وعوبديا وإرميا وزكريا وملاخي وحجي)، وقد تعاملنا مع تجاربهم النبوية باعتبارها نبوّة واحدة، وذلك لكثرة القواسم بينها، مركّزين على تجربة كلّ من حزقيال Ezekiel([sup][1][/sup]) (حوالي 593ـ570 ق.م) وإرميا Jeremiah (حوالي 626-586 ق.م).
ويعدّ حزقيال أهم أنبياء فترة ما قبل السبي، وذلك بالنظر إلى طبيعة نبوءاته ومضامينها، إذ أخبر بخراب أورشليم ودمارها[sup][2][/sup] وقد قسّم الدّارسون نبوته إلى فترتين:
-الأولى كانت في القدس قبل السّبي،
-والثّانيّة تمّت في بابل؛ أي أثناء السّبي من593 ق.م إلى 570 ق.م
ففي فترة إقامته في القدس، وجّه أصابع الاتّهام لليهود ساكنيْ المملكة الجنوبيّة لارتكابهم الشّرور، ولثقتهم المفرطة في نجاتهم من السّبي البابليّ، وقد اقتبس حزقيال من نبواءت هوشع صورة "الزّنا" محمّلاً إيّاها دلالات مجازية جديدة، فتاريخ الشّعب منذ الخروج إلى السّبي، تاريخ عصيان وتمرّد على اللّه[sup][3][/sup]
ولا تخرج نبوءات كل من إرميا[sup][4][/sup] وملاخيMalachi (حوالي 450 ق.م)[sup][5][/sup] عن هذا الأفق، إذ ركّزا على مسؤولية بني إسرائيل عن كل ما يحلّ بهم، فلقد تنبّأ الأول بالسّبي وبالعودة منه، إذ أعلن أنّه سيأتي يوم تسقط فيه أورشليم بيد البابليين، وقد عرفت دعوته معارضة شديدة من قبل أوساط اجتماعيّة يهوديّة مختلفة، بالنّظر إلى مضامينها الإصلاحيّة الّتي كانت تروم ترك عبادة الآلهة الأخرى. أمّا الثاني فلقد تميّز بأمرين؛ أوّلهما تنبؤه بقدوم المسيح وإيليا[sup][6][/sup] وثانيهما توبيخه للكهّان على تراخيهم في تنفيذ أوامر الشّريعة فيما يتعلّق بطقس القربان وشروط العشور، فالكهّان يقدّمون إلى اللّه ذبائح بها عيوب ويُؤثرون أنفسهم بالسّليمة، وهم لا يطبّقون الشّريعة، وإنّما ينشرون التّعاليم الخاطئة بين النّاس. أضف إلى ذلك دعوته إلى تجنّب الزّواج بالأجنبيّات.
من الواضح أنّ التنبؤ بقدوم المسيح قد انطوى على نفس تفاؤلي من مظاهره الإخبار بالعودة، وقد وظّف النبي حزقيال ذلك لشدّ أزر المتّقين؛ فكثرت عنده الرّؤى المبشّرة بقرب الخلاص، ويتحقّق ذلك في "يوم الرب" الذي يقطع فيه يهوه عهداً جديداً مع شعبه، إذ يكتب يهوه الشريعة على القلوب بدلاً من الألواح الحجرية، مؤسساً بذلك أورشليم الجديدة.[sup][7][/sup]
وفي هذا المجال نشير إلى أنّ الفكر الديني قد قام على قاعدتين متوازيتين، هما:
1. الإقرار بخراب ديار الأعداء، إذ تدمّر أدوم في نبوءات عوبديا Obadiah (حوالي 450ق.م)لأنّها لم تسارع إلى مساعدة "أورشليم" ساعة محنتها، وعند ناحوم[sup][8][/sup] Nahum (حوالي 633ق.م) تدمّر مدينة طيبة المصريّة وتسقط نينوى، عادًا الرّبّ الإله هو الّذي يتحكّم في التّاريخ، فهو المُسيّر له وفق إرادته.
2. ضرورة إعلان التوبة، من ذلك أنّ النّبي صفنيا Zephaniah(حوالي 630ق م)[sup][9][/sup] قد أكّد أنّ الفقراء هم من سيرثون الأرض، وأنّ كلّ الأمم سـتعود إلى الإله وفي مقدّمتهم بقيّة جمـاعة إسرائيل، وآنذاك تصبح هذه الجماعة مقدَّسة، لأنّه سيجمعهم ويصيِّرهم تسبيحةً في الأرض كلّها، ويحكم وسطهم ملكاً في وسط شعبه.[sup][10][/sup] بذلك جمع الأنبياء - لاسيما حزقيال - بين تحقّق الخلاص ومسؤوليّة الفرد عن أفعاله[sup][11][/sup].
وقد فسَّر حزقيال الغرض الإلهي من شتات اليهود بأنّه نشر العدالة في العالم، وقد توسّع في البعد الكوني لـ "يوم الرب" النبي إرميا الذي نادى إلى تبنّي قيم عامة مثل التّقوى، متجاوزاً بذلك البعد القوميّ الضيق الّذي ميّز أغلب الأنبياء من اليهود، أمثال يونان. وقد غلب على نبوّاته الفواجع والكوارث.
وما يلفت الانتباه في هذا المجال، أنّ نبوّته تجاوزت فكرة الإله القوميّ الخاص ببني إسرائيل، إلى الحديث عن إله عالمي؛[sup][12][/sup] فالأمم الأخرى ستعرف بأنّ آلهتهم كاذبة لا قيمة لها، حينئذ يهرعون إلى عبادة يهوه.[sup][13][/sup]
وفي المقابل نجد أنبياء آخرين، مثل حبقوق[sup][14][/sup] Habkuk(حوالي 605ق.م) وصفنيا اللذين اتخذا مواقف سلبية من الآخر، إذ كثرت عند الأول الشّكوى إلى اللّه، إذ لا معنى عند حبقوق لمعاقبة إسرائيل على يد البابليين، فهل البابليون أفضل البشر؟ أمّا الثاني، فقد وصف يوم الإله باعتباره يوماً ساخطاً، وفيه تتمّ الدّينونة ومعاقبة الأشرار، وهو عقاب شامل لليهود وغيرهم[sup][15][/sup] وفيه تسقط الوثنيّة.
من البيّن أنّ الفكر الديني اليهودي قد صوّر "يوم الرب" تصويراً يعبّر عن الواقع السياسي والاجتماعي والنفسي لجماعة إسرائيل من جهة، ومن جهة أخرى أخـبر عـن مواقف هـذا النـبي أو ذاك من الآخر، على أنّ ما يجمع بين تلك النبواءت أنّها لم ترَ في "يوم الرب" يوم يقع في زمن أخروي. أضف إلى ذلك أنّ المسيح الذي تحدّثت عنه بعض الأسفار النبوية لم يكن إلاّ مخلّصاً مرتقباً يعيد إلى الجماعة بريقها المفقود.
* سمية المحفوظي باحثة تونسية