2015/07/09 - 20:51
جميل مطر: باليونان يتجدد الأمل2015-07-09T20:51:14+00:00
أقلام وآراء بدون تعليقات
نقلا عن صحيفة الشروق
أيا كانت الأسباب الموضوعية وراء النتيجة التى أسفر عنها استفتاء اليونان، يبقى سرا معلنا أن الشعب اليونانى كان على امتداد الأزمة يتحدى ألمانيا. شعب فقير يرفض ابتزاز الأغنياء ويحاول استرداد كرامته. ففى يوم الاستفتاء جرى تشبيه موقف حكومة اليونان من عجرفة الدائنين ومن الحلول المطروحة من جانبهم لأزمة الديون ومن الشروط المهينة المقترحة لإصلاح بعض مواقع الخلل فى الاقتصاد اليونانى بالوضع خلال الحرب العالمية الثانية عندما نشبت مقاومة شرسة ضد القوات الألمانية سجلت وقائعها وثائق جيوش الحلفاء التى كانت تستعد لتحرير أوروبا.
فى ذلك اليوم ومنذ الصباح الباكر عمت البلاد مظاهر عدم الرضا، ولا أقول الكره أو العداء، لألمانيا والشركات الألمانية الكبرى والمؤسسات المالية الأوروبية الخاضعة للنفوذ الألمانى فى الوقت نفسه كان المزاج الشعبى، كما ظهر من تقارير المراسلين ومقالات المعلقين، يعكس تفاؤلا وأملا فالتغيير قادم والفرصة متاحة لبناء اقتصاد أقوى بإرادة مستقلة.
تلك كانت الصورة فى اليونان صباح يوم الاستفتاء بينما كانت التصريحات الصادرة من ألمانيا ومن موظفين كبار فى فرنسا والمفوضية الأوروبية تعبر عن نفاذ صبر المسئولين عن سلامة اليورو واستقرار الأوضاع الاقتصادية الأوروبية. كانت التصريحات تجاهر بالغضب، وبعضها بعث رسالة تحمل النية فى الانتقام لو لم يصوت الشعب اليونانى لصالح العرض الأوروبى.
جاء وقت خلال الأيام السابقة مباشرة على عقد الاستفتاء حين ظن الأوروبيون أن النتيجة ستكون فى صالحهم لو أنهم ضاعفوا الجهد الإعلامى الخارق الذى بذلته المؤسسات الإعلامية الأوروبية لحث اليونانيين على التصويت بنعم. وبالفعل ضاعفوا الجهد وأضافوا إليه ضغوطا من أنواع شتى وصلت إلى حد التركيز على احتمالات طرد اليونان من منطقة اليورو كخطوة نحو فرض العزلة عليها. قاموا أيضا بحشد طاقة المصارف اليونانية والأوروبية جميعا للضغط على الشعب اليونانى فى إدارة حياته اليومية، توقفت السياحة وضرب الشلل معظم الأسواق.
وفى حمأة الغضب العارم وقع المسئولون الأوروبيون فى الخطأ المعهود الذى يقع فيه عادة المتغطرسون من الحكام والنخب السياسية، اعتمدوا على كراريسهم المدرسية وتجاربهم فى حكم الدول الأضعف والأفقر، فتجاهلوا حقيقة انه حين تتساوى تضحيات المستقبل، فإن الشعوب غالبا ما تتبنى البديل الذى يضمن لها على الأقل احتفاظها بكرامتها الوطنية.
لا أعرف بالدقة اللازمة إن كان بعض أصدقائنا فى اليونان تداركوا حقيقة أو مصادفة أن تكون حرب التجويع المفروضة على شعبهم على امتداد السنوات الأربع الماضية، هى صيغة أخرى من صيغ حرب فرضت فى الفترة نفسها ضد خمسة شعوب عربية اختارت ذات يوم من أيام الربيع أن تثور لاستعادة كرامتها. هذه الحرب ما تزال مستمرة، وهى فى حالتنا المصرية اخذت شكل ترهيب الشعب باستخدام اساليب قمع داخلية وإثارة فزع وعدم استقرار باستخدام قوى إرهابية متوحشة مدربة وممولة من الخارج والداخل على حد سواء كان الهدف فى الحالين، وقف تمدد الحالة الثورية، هناك فى أوروبا خافوا على مؤسساتهم المالية وعلى امتداد العدوى من إسبانيا واليونان إلى البرتغال وأيرلنده وإيطاليا، وهنا خافوا على مواقعهم الاحتكارية ومصادر قوتهم المادية فى الخليج.
لم يتوقف الناس فى اليونان عن طلب استعادة كرامتهم من بين انياب المصارف والنخب السياسية والمالية الحاكمة فى برلين وباريس ولندن وواشنطن وهنا فى بلادنا العربية، مازالت الحرب فى بدايتها، وما تزال الشعوب فى غالبيتها، كغالبية الشعب اليونانى، متمسكة بمطالبها التى أعلنتها عندما ثارت فى ربيع 2011 .