11 مايو 2013 بقلم
قسم التحرير قسم:
حجم الخط
-18
+ للنشر:ظهر استخدام مصطلح "ايديولوجيا" لأوّل مرّة بعيد الثورة الفرنسيّة مع الفيلسوف وعالم الاقتصاد الفرنسي دستوت دي تراسي (Destutt De Tracy) في كتابه "مشروع مبادئ ايديولوجيا" (Projet d’éléments d’idéologie) وحملت معنى علم الأفكار للتعبير عن محاولة التحليل التجريبي للعقل البشري وقد أقرّ دي تراسي بأنّ مشروعه امتداد لأعمال جون لوك وخاصة كوندياك (Condillac) الذي اعتبر الإحساس أصل جميع الأفكار.وكان الهدف منه إنشاء علم أفكار على أسس ديكارتيّة يكون دعامة فلسفيّة لسائر العلوم ويرشد إلى مقوّمات التفكير السليم عبر إصلاح المنطق وتخليص الفرد والمجتمع عامة من الأفكار البالية التي قد تحول دونهما وإظهار الحقيقة الواقعيّة في وجهها الصحيح. وهو المعنى الذي اشتغل عليه عدد من فلاسفة التنوير بفرنسا في أواخر القرن الثامن عشر وعرفوا من خلاله بالايديولوجيّين وأكّد هؤلاء الترابط المتين بين الأفكار والواقع التجريبي.
ثم صرف نابليون بونابرت هذا المصطلح لمهاجمة المدافعين عن قيم التنوير والديمقراطيّة فأصبح من ثمّ محمّلا بدلالات سلبيّة وينطوي على قدر من السخرية والتحقير إذ انحسرت دلالته لتعني مجمل الأفكار الجمهوريّة أو الثوريّة المعارضة لسياسة بونابرت.
ومع انتقال المصطلح إلى الفلسفة الماركسيّة اكتسب دلالات أخرى فأصبح يطلق على ضربين من الوعي: أولهما وعي زائف أو معرفة شوهاء غير مطابقة للواقع تصوغها مصالح الطبقة الاقتصادية الحاكمة وتحكمها، والثانية منظومة خاصة من الأفكار المعبّرة عن ظروف طبقة اجتماعيّة محدّدة ومصالحها المادية وتوفّر من ثمّ صورة منقوصة مجتزأة عن العالم.
ولم يتوقف هذا المفهوم عن التطوّر واكتساب معان متجدّدة أكّدت أهمّيّته خاصة مع لويس ألتوسير الذي عرّف الايديولوجيا بكونها "أنظمة التمثيل التي تعيش فيها الناس علاقتها بالشروط الفعليّة لحياتها" (غروسبيرغ، 2010، ص136) ومن ثمّ تصبح وسيلة لا غنى عنها للإنسان في إنتاج تجربته الحياتيّة.
والايديولوجيا عامة منظومة متّسقة من الأفكار والمبادئ والتصوّرات التي يعتقد أصحابها في كونها الحقّ وهي التي تحكم رؤية الفرد والمجموعة إلى الطبيعة والمجتمع والإنسان والكون.. وتوجّه سلوكهما وعلاقاتهما. ولكنّ استخدام مفهوم الايديولوجيا الشائع كاد ينحصر في تقديمه مقابلا للـ"واقع" و"العقل" و"الفلسفة" وحتّى "الحقيقة".