** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 في الحكمة - أندري كومت سبونفيل حسن أوزال

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
حمادي
فريق العمـــــل *****
حمادي


عدد الرسائل : 1631

تاريخ التسجيل : 07/12/2010
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 8

في الحكمة - أندري كومت سبونفيل حسن أوزال Empty
10072015
مُساهمةفي الحكمة - أندري كومت سبونفيل حسن أوزال

في الحكمة - أندري كومت سبونفيل
في الحكمة - أندري كومت سبونفيل حسن أوزال T%C3%A9l%C3%A9chargement_%2825%29



لعلّ المعنى الاشتقاقيّ واضح بما فيه الكفاية. فالفلسفة عند الإغريق تعني حبّ الحكمة أو البحث عنها. لكن ما معنى الحكمة؟ هل هي المعرفة؟ وهذا هو المعنى العامّ بالنسبة لهذا اللفظ، سواء عند الإغريق(sophia)أو عند اللاتينيين(sapientia)، ومافتئ معظم الفلاسفة بدءا من هيراقليطس يؤكّدونه. إنّ الحكمة لفي ارتباط بالفكر كما بالعقل والمعرفة، وباختصار، بنوع خاصٍّ من المعرفة، لا عند أفلاطون وسبينوزا ولا عند الرواقيين وديكارت وكانط ولا عند أبيقور ومونتاني وألان. لكنها معرفة أكثر خصوصية لا يمكن الكشف عنها بواسطة أيّ علم ولا إثباتها بواسطة أيّ برهان، ولا التحقّق منها أو تأكيد صحّتها بواسطة أيّ مُختَبَر، ولا أخيرا، دحضها بواسطة أيّة شهادة. ذلك لأنّ الأمر لا يتعلّق بنظرية بل بممارسة. ولا ببراهين بل بتجارب، ولا باختبارات بل بتمارين، ولا بعلم بل بحياة. وإذا كان الإغريق يقابلون أحيانا ما بين الحكمة النظرية أو التأملية(sophia) والحكمة العملية (phronésis)، فالأولى لا يقوم لها مقام دونما الثانية، حتى أنّ الحكمة الحقيقية بالأحرى ستغدو هي ما يجمع ما بين الحكمتين. وهذا ما يعطي الحقّ للفرنسيّ الذي لا يفرّق بينهما أبدا.
كان ديكارت يلحّ “من اللازم أن نقرِّر جيّدا، من أجل إتيان فعل جيّد” وتلكم هي الحكمة عينها. إذ لا فرق بين أن يكون البعض عبقريا في التأمّل والبعض الآخر في الفعل. لكنّ التمتع بملكة ما غير كافٍ لبلوغ الحكمة: ينبغي على أولئك أن يتعلّموا أن ينظروا، وعلى هؤلاء أن يتعلموا أن يريدوا. وعليه فالعقل وحده لا يكفي، الثقافة لا تكفي، المهارة لا تكفي، فـ“الحكمة لا يمكنها أن تكون علما ولا تقنية” يؤكد أرسطو: إنها أقلّ ارتباطا بما هو حقيقيّ وناجع، منه بما هو خير بالنسبة للمرء كما بالنسبة للآخرين. فهل تكون معرفة؟ أكيد، لكنّها معرفة أن نحيى. وهذا ما يميّز الحكمة عن الفلسفة التي هي بالأحرى معرفة أن نتأمّل/ نفكّر. لكنّ الفلسفة لا معنى لها إلا بقدرما تقرّبنا من الحكمة: يتعلّق الأمر بأن نفكّر جيّدا كي نعيش جيّدا، وهذا هو وحده ما يستوجب التفلسف حقّا “فالفلسفة هي ما يهيّئنا للحياة” بتعبير مونتاني. وهذا ما نجهله إذن. أكيد وبطبيعة الحال، فطالما لسنا حكماء فنحن أحوج ما نكون للتفلسف. فالحكمة هي الهدف، بينما الفلسفة الطريق. أتذكّر أراغون حيث يقول:“إننا في تأخّر دائم عن اللحظة المناسبة لتعلّم الحياة...” ونلفي مثل ذات العبارة عند مونتاني (لا يعلّموننا أن نحيى إلا عندما تمضي الحياة). وبشكل أكثر وقعا فذلك ما يعزوه صاحب مؤلّف“محاولات”إلى قدر الشرط الإنساني أقل مما يعزوه إلى خطأ تربوي بوسعنا ومن الواجب علينا تصحيحه:إذ لماذا علينا أن ننتظر وقتا ما حتى نتفلسف مادامت الحياة لا تنتظر؟“فها قد أصيب مائة تلميذ بداء السفلس، يقول مونتاني بأسف عميق، قبل أن يصلوا إلى درس الزهد لأرسطو...” فهل من علاقة ما بين السفلس والفلسفة؟ بالتأكيد لا، لكنّ ثمّة ارتباطا ما بينهما يخصّ مسألة العلاج والوقاية من المرض. موازاة مع ذلك، فالجنس أيضا في علاقة بالفلسفة، وكذلك الحيطة والحذر، اللذّة والحبّ والموت... فكيف يمكن الاكتفاء بالطبّ أو بالوقاية من الأمراض؟ وهل بوسعهما أن يغنيانا عن الحكمة؟ نقرأ في إحدى صفحات كتاب“محاولات”ما يلي:“إنك لا تموت جرّاء ما أنت مصاب به من مرض، بل جرّاء ما أنت تحيى به” ينبغي إذن أن نتعلّم أن نموت، أن نتعلّم أن نحيى، وهذه هي الفلسفة ذاتها. ويواصل مونتاني قائلا :“كم أخطأنا عندما صوّرناها بعيدة المنال بالنسبة للأطفال، ورسمناها لهم بوجه عبوس ومرعب. فمن ذا الذي رسمها بهذا الوجه البشع، باهت اللون والسيئ؟ إنّه ليس سعيدا ولا فرحا ولا لعوبا إنه ليس مرحا حتى”.
لا شأن لي بأولئك الذين يخلطون ما بين الفلسفة وسعة الفهم، ما بين الصرامة والهمّ، ما بين الحكمة والضبابية. فأن تكون الحياة إلى هذا الحدّ صعبة أو سهلة، خطيرة أو غالية مثلما هي واقعيا، فذلكم داع آخر للتفلسف منذ وقت مبكّر(للطفولة درسها كما الشأن بالنسبة لباقي فترات العمر) وعلى نحو آخر نقول إنّه لكي نتعلّم أن نحيى علينا أن نقوم بكل ما نستطيعه قبل فوات الأوان. هذا ما تصلح له الفلسفة، ولذلك فهي قد تصلح لكل فترة من فترات العمر، وعلى الأقل حالما نكون قد تمكنّا من آليات التفكير بها وتحكّمنا في لغتها. فلماذا يمنع هؤلاء الأطفال الذين يتعلمون الرياضيات والفيزياء، التاريخ والصولفيج من تعلُّم الفلسفة؟ وهؤلاء الطلبة الذين يتهيّؤون ليصبحوا أطباء ومهندسين، لماذا لا يتهيّؤون لما هو أهمّ من ذلك؟ وهؤلاء الراشدون المهووسون بأشغالهم وهمومهم، متى سيجدون الوقت للتعاطي لها والانخراط فيها؟ لا عيب في أن يسعى المرء كسبا لقوته اليوميّ، لكنّ ذلك لن يمنعه من أن يحيى حياته. فكيف يمكن للمرء وحده أو بمعيّة آخرين، أن يقدم على ذلك، بذكاء ودونما حاجة إلى وقت للتأمّل ولا إلى التفكير أو البرهنة بالطريقة الأكثر أصالة وصرامة، وأخيرا دونما الاكتراث بما يشغل الآخرين الأكثر علما وذكاء؟ سأستشهد فيما يتعلق بمجال الفنّ بملاحظة لـ“مالرو”يؤكّد فيها أننا:“في المتاحف فحسب، نتعلّم أن نرسم”. وعلى منواله أمضي إلى القول بأننا في كتب الفلسفة فقط، نتعلّم أن نتفلسف. لكنّ الهدف ليس هو الفلسفة ولا أن نؤلف كتبا، أكثر مما هو أن نلوذ بحياة أكثر هناء وحرية وسعادة؛ حياة أكثر حكمة. فمن يستطيع أن يزعم وهو على هذا النهج عدم قدرته على التطور؟ يورد مونتاني في “تربية الأطفال”(من كتابه محاولات الجزء الأول،26)عبارة أشبه ما تكون بتلك التي نلفيها عند هوراس، والتي سيتبنّاها كانط شعارا للأنوار (Sapere aude ,incipe ) “كن شجاعا على اكتساب المعرفة، كن جريئا على بلوغ الحكمة، خذ المبادرة”. فلماذا علينا إذن أن ننتظر أكثر من اللازم. لماذا نؤجّل السعادة. فالوقت دائما مناسب للتفلسف كما يؤكّد أبيقور، مادام كلّ وقت جدير بالسعادة. فليكن، لكن المنطق نفسه يثبت بشكل أوضح أنّ التعاطي للفلسفة مبكّرا أفضل بكثير. لكن أية حكمة نقصد؟ سيما وأنّ الفلاسفة كثيرا ما اختلفوا عند تعريفهم لها مثلما هو حالهم مع كلّ شيء. هل نقصد حكمة المتعة كما هو الشأن عند أبيقور؟ أم حكمة الإرادة كما هو الشأن عند الرواقيين؟ أم حكمة الشك كما هو الشأن عند الارتيابيين؟ أم حكمة المعرفة والحبّ كما هو الشأن عند سبينوزا؟ أم حكمة الواجب والأمل كما هو الشأن عند كانط؟ فلكلّ واحد أن يحدّد موقفه بناء على الآراء المتباينة لمختلف هذه المدارس. لكن اعتبارا لذلك أيضا، وجب على المرء أن يتفلسف هو بذاته: مادام لا أحد بوسعه أن ينوب عنا في التفكير ولا في الحياة. ومع ذلك يبقى المتّفق عليه من لدن الفلاسفة، وعلى الأقل معظمهم، إنما هو فكرة كون الحكمة موصولة بنوع من السعادة كما بنوع من الصرامة، ولنقل بنوع من السلم الباطني، لكن المرح والصافي الذي لا يتحقّق إلا بإعمال حازم للعقل. فالحكمة عكس الهمّ ومخالفة للحمق والألم. لذلك فهي ضرورية وليس علينا من ثمة إلا أن نتفلسف ما دمنا لا نعرف أن نحيى، ومادمنا مضطرين لأن نتعلم، لأنّ الهمّ والحمق وكذا الألم، كلها أشياء لا تني تهدّدنا.
إنّ الشرّ الأكثر تناقضا مع الحكمة، على حدّ تأويل ألان، هو الغباء؛ وفي هذا القول نعثر ضمنيا على المسعى الذي علينا نشدانه: إنّه مسعى الحياة الأكثر عقلانية. لكنّ العقلانية لا تكفي مثلما الكتب لا تكفي. فما جدوى التفكير إذن، إذا كان ذلك من أجل حياة بئيسة؟ فكم أنّ العقلانية حاضرة في العلوم والاقتصاد والفلسفة! وكم أنّ الغباوة أكثر حضورا في حياة العلماء ورجال الاقتصاد والفلاسفة. فالعقلانية لا صلة لها بالحكمة إلا بقدرما تغيره من وجودنا وتضيئه وتوجّهه. فالأمر ليس يتعلق إذن باختراع أنساق، كما لا تكفي صناعة المفاهيم، باعتبار أن المفاهيم ليست إلا مجرد وسائل، بينما الهدف الوحيد إنما هو أن نفكّر وأن نحيى بشكل أفضل وأقل بؤسا. لنستأنس بهذه العبارة المدهشة لـمارك أوريل:“إذا ما تداولت الآلهة فيما يخصني وحول كل ما سيطرأ لي،فستفعل ذلك بحكمة. لكن مادام أنها بعكس ذلك لم تخضِع للتداول أي شيء يخصني ومادام لربما لا وجود لها حتى، فمن الموكول إلي أن أقرّر فيما يخصني، وأن أسعى إلى ما هو مُجْد لي” فالحكمة ليست هي الطهارة كما الفلسفة ليست دينا ولا أخلاقا. وكل ما يستدعي الأمر إنقاذه إنما هو حياتي لا حياة الآخرين. يستدعي الأمر الدفاع عن مصلحتي الخاصة لا مصلحة الله أو الإنسانية. وتلكم على الأقل نقطة البدء. وإذا كان بوسعي أن أصادف الله في طريقي، فذلك ممكن؛ مثلما هو محتمل أيضا أن أصادف الإنسانية. لكن ينبغي عليّ أخيرا، ومهما كان الحال، ألا أتخلى عن هذه الحياة الموهوبة لي، ولا عن حرّيتي أو وعيي ولا عن سعادتي.
ويبقى هكذا السؤال:كيف علينا أن نحيى؟ بمثابة السؤال الذي مافتئ يواجه الفلسفة منذ نشأتها. قد تكون الحكمة هي الجواب، لكنها الحكمة المجسَّدة، الحكمة المعاشة، الحكمة العملية:ولكلّ واحد أن يبتكر حكمته. إنها حيث يتمّ الفصل ما بين الإيتيقا التي هي فنّ العيش والأخلاق التي تخصّ واجباتنا. إلا أنه من الممكن إن لم نقل من اللازم الربط ما بين الطرفين، وهذا واضح للغاية، فأن نتساءل كيف علينا أن نحيى، هو ما يعني أيضا أن نتساءل عن مدى علاقتنا بواجباتنا والمكانة التي ينبغي أن نوليها لها. والمنظوران لا يختلفان هنا في شيء. إذ بقدرما تجيب الأخلاق عن سؤال:“ماذا عليّ أن أفعل؟” تجيب الإيتيقا عن سؤال:“كيف عليّ أن أحيى؟”، فالأخلاق تصبّ في الفضيلة والطهارة، بينما الإيتيقا تصبّ في الحكمة والسعادة. لا تقتل، لا تسرق،لا تكذب...أشياء متفق عليها، لكن من سيعمل بها؟ من سيجد فيها ما يكفي من السعادة؟ وما يكفي من الحرية؟ وما يكفي من الخلاص؟ ألا تصاب بمرض الإيدز، يقول لي أحد الأصدقاء، ليس بغاية كافية في الوجود. ومعه الحقّ بطبيعة الحال، وكذلك الشأن عندما نقول لا تقتل، لا تسرق أو لا تكذب. إذ لا واحدة من هذه اللاءات بكافية، من ثمّة فنحن أحوج ما نكون للحكمة:لأنّ الأخلاق لا تكفي،
ولأنّ الواجب لا يكفي ولأنّ الفضيلة لا تكفي. ولئن سادت الأخلاق فمن يرضى بالخضوع لها؟ الأخلاق تقول “لا” لكن من سيرضى بنواهيها؟ الحبّ أفضل بكثير. المعرفة كذلك أفضل والحرية أفضل. وعليه يقتضي منا الأمر أن نقول “نعم”للعالم، أن نقول نعم لكل شيء، وهذا ما تعنيه الحكمة. أي “أن نحبّ القدر”على حدّ تأكيد نيتشه من بعد الرواقيين:"ألا نرغب ماعدا فيما هو موجود راهنا، لا فيما هو ماض أو مستقبل أو في غابر العصور؛ ألا نجهد أنفسنا على تحمّل القدر لا على التنكّر له- فكلّ تعالٍ إنما هو طريقة للكذب على الذات أمام الضرورة-لكن أن نحبّه. وهذا ما لا يحول دون التمرد
ولا دون الصراع. فأن نقول “نعم” للعالم يعني أن نقول نعم لتمرّدنا ذاته الذي هو جزء من هذا العالم كما لفعلنا الذي هو طرف منه. لنتذكّر “كامي” و“كافاييس”: فأن نغيّر الواقع أمر يفترض أوّلا أن نتعامل معه كما هو. ولاستحضار ما لم يوجد بعد، الأولى قبل أي شيء آخر أن نشتغل على ما هو موجود. فلا أحد بوسعه أن يتصرف بشكل مغاير؛ لا أحد بوسعه أن يصل بطريقة مغايرة؛ فالحكمة ليست يوتوبيا؛ وليس ثمة من يوتوبيا حكيمة. والعالم ليس هو ما ينبغي أن نحلم به أكثر مما هو ما ينبغي أن نغيره. لذلك هي الحكمة قبل أي شيء آخر، نوع من الارتباط بالحقيقة والممارسة؛ إنها وضوح في القرار ومعرفة قيد التطبيق، ناجعة. فالحكمة تقتضي أوّل ما تقتضيه أن ننظر إلى الأشياء مثلما هي وأن نكون على دراية بما نرغب فيه. أي ألا نتخبط في الأوهام، وألا نقع ضحية الإدعاء، وألا نلعب دور الممثل التراجيدي بتعبير مارك أوريل. علينا أن نتعرّف الأشياء وأن نقبل بها. أن نفهم وأن نغيِّر. أن نقاوم وأن نتجاوز. لأنّ لا أحد يمكنه أن يتجاوز من الأشياء إلا تلك التي هو بالأحرى، يقبل بوجودها سلفا. فكيف لنا أن نعافى طالما لسنا نقبل وندرك بأننا مرضى؟ كيف نحارب الظلم طالما لا علم لنا بوجوده؟ فالواقع هو ما يستوجب إما الأخذ به كما هو أو تركه، ولا أحد يستطيع تغييره دونما الأخذ به أولا كما هو. إنها فكرة الرواقية:أن نقبل بكل ما لا يتوقف علينا، وأن نقدم على كل ما يتوقف علينا. وهي الفكرة السبينوزية أيضا:أن نتعرف، أن نفهم، أن نتصرف. وهي فكرة حكماء الشرق كذلك، إذ علينا على حدّ توصيف Prajnanpad:“أن نبصر وأن نقبل بما هو موجود، وأن نعمل إذا ما اقتضى الحال على تغييره”. وإذا كان الحكيم رجلا عمليا فنحن لسنا نعرف إلا أن نأمل أو أن نستاء. وبقدر ما هو من يتجاوز ما هو موجود، بقدرما نحن لا نعرف كالعادة إلا ما لم يوجد بعد والندم على مالا يوجد أو ما لم يعد له وجود. ويضيف Prajnanpad في عبارة أخرى:“إن الذي اكتمل قد صار ماضيا، ولا وجود له الآن؛ أما الذي ينبغي أن يحدث فهو طيّ المستقبل ولا وجود له الآن. فما الذي يوجد إذن؟ الذي هو هنا والآن، ولا شيء غير ذلك. تشبّثوا بالحاضر: تصرفوا، تصرفوا، تصرفوا”. مما يعني أن على المرء أن يحيا حياته بدلا من أن يبقى يأمل أن يحيى وأن يقدم على إنقاذ حياته كلما كان قادرا على ذلك بدلا من الانتظار.
ما الحكمة إذن إن لم تكن هي قمة السعادة في قمة الوضوح. إنها الحياة الجميلة على حدّ تعبير الإغريق، لكنها حياة إنسانية وبمعنى آخر حياة مسئولة وفاضلة. هل يعني ذلك أن نفرح؟ أكيد. أن نبتهج؟ أجل، وبأقصى ما نستطيع. لكن ليس بأيّ شكل كان، ولا بأيّ ثمن.
سبينوزا كان يلحّ“كلّ ما يمنحنا الفرح مستحبّ”، كان يلحّ؛ لكن ليست الأفراح كلها ذات قيمة واحدة. وأبيقوركان يقول:“كلّ متعة خير”. وهذا ما لا يعني أنها تستحقّ النشدان كلها ولا أنها كلها مقبولة. ينبغي إذن أن نحسن الاختيار وأن نقارن الإيجابيات بالسلبيات كما كان أبيقور يوثر أن يقول؛ مما يعني أنه علينا أن نقرّر؛ وهذا ما تصلح له الحكمة بله هو ما تصلح له الفلسفة أيضا، وبناء عليه فنحن لا نتفلسف تمضية للوقت ولا من أجل التباهي أو اللعب بالمفاهيم:إننا نتفلسف لنخلِّص أنفسنا وحيواتنا. فالحكمة هي هذا الخلاص، ليس من أجل حياة أخرى، بل من أجل هذه الحياة ذاتها. فهل نستطيع ذلك؟ هذا ما قد لا يحصل كليا على ما يبدو، مادام لا أحد حكيما بالتمام. لكن من بوسعه أن يسلِّم بحمقه كليا؟ إذا ما رغبت أن تتقدم إلى الأمام، عليك بحسب الرواقيين، أن تعرف إلى أين أنت ذاهب. فالحكمة هي الغاية: الحياة هي الغاية، لكنها الحياة الأكثر مرحا وجلاء؛ السعادة هي الغاية، لكنها السعادة المعاشة واقعيا. لكن حذار مع ذلك من مغبّة جعل الحكمة مثالا آخر يقتدى أو أمنية ويوتوبيا أخرى تحرمنا من الواقع. فالحكمة ليست حياة أخرى ينبغي انتظارها أو نشدانها أكثر مما هي حقيقة، هذه الحياة التي ينبغي التعرّف عليها وحبّها. هل لكونها جديرة بالحبّ؟ ليس بالضرورة، ولا دوما، لكن كيما تكون محبوبة. فمن بين السمات الأكثر تعبيرا عن الحكمة على حدّ قول مونتاني كونها مفرحة على الدوام؛ فهي أشبه ما تكون بتلك الموجودات ما فوق القمر:دائما مشرقة وصافية. وهل بوسعي كذلك أن أستدلّ بسقراط وأبيقور اللذين مافتئا يؤكدان أنه“علينا أن نضحك ونحن نتفلسف...”، كذلك الشأن بالنسبة لـديكارت وسبينوزا وديدرو وألان، فكلهم أكّدوا أنّ الحكمة مع المتعة والفرح، العمل والحبّ، وأن الصدفة وحدها لا تكفي لبلوغها. فليس الحكيم محبّا للحياة لأنه أكثر سعادة منّا، بل هو أكثر سعادة لأنّه محبّ للحياة. أما فيما يخصنا نحن، نحن الذين لسنا بحكماء، نحن الذين لسنا غير تلامذة في الحكمة أي فلاسفة، فما علينا إلا أن نتعلّم أن نحيى، أن نتعلّم أن نفكر، أن نتعلّم أن نحبّ. وهو ما لن ننتهي منه أبدا، مما يجعلنا دوما أحوج ما نكون إلى الفلسفة. وذلك ما لن يتحقق دونما مجهودات مشمولة لا محالة بالمسرات، فنحن على حدّ قول أبيقور:“نكاد لا نحصل على المتعة في باقي الانشغالات الأخرى إلا بعد انتهائنا من تلك الأعمال الشاقة، لكن في الفلسفة المتعة تساوق في خطواتها المعرفة، لأنه ليس بعدما نكون قد تعلمنا، نستمتع بما تعلمناه، بل التعلم والاستمتاع يحصلان في آن واحد.” كن إذن واثقا من نفسك: فالحقيقة ليست منتهى الطريق بل هي الطريق ذاته
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

في الحكمة - أندري كومت سبونفيل حسن أوزال :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

في الحكمة - أندري كومت سبونفيل حسن أوزال

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» الإنسان - أندري كومت سبونفيل حسن أوزال
» أندري كومت سبونفيل وسؤال ما الأخلاق؟
» في الأخلاق/ أندريه كومت سبونفيل/ ترجمة حسن أوزال
» مفهوم الحرية ترجمة: حسن بيقي الخميس 6 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 بقلم: أندري كومت سبونفيل André Compte Sponville
» أندري كونت سبونفيل A. C. Sponville: نحو "روحية دون إله"

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: دراسات و ابحاث-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: