الشاعرة كيم أدونزيو
Kim Addonizio
نبذة عن الشاعرة
كيم أدونيزيو
امرأة وحيدة، مطلقة، تعيش مع ابنتها، تعيل نفسها من خلال إعطاء دروس خاصة في الكتابة، وتكتب الشعر. مواصفات تقليدية لامرأة من الطبقة الوسطى في أميركا، وهذه المواصفات تعبّر عنها أدونيزيو، القاصة والشاعرة، في قصائدها، لتنتمي إلى سلالة الشعراء الاعترافيين من أمثال روبرت لويل وسيلفيا بلاث وغيرهما، أي إلى الشعراء الذين يتمحور عالمهم الشعري على البوح الذي يتجاوز المشاعر العامة بالحزن والأسى والخسارة وما إلى ذلك، إلى تفاصيل الحياة اليومية والذكريات الخاصة. حين تتحدّث أدونيزيو عن (الإناء) مثلاً، في القصيدة التي تحمل هذا العنوان، فهي لا تقصد الترميز بل إناء محدد، أُهدي إليها ولزوجها قبل أن تتخرب علاقتهما ويضيّعان الحب، قبل أن يضيّعا الزواج. الزوج الضائع حاضر باستمرار، سواء حين تتذكر الشاعرة لحظات معينة معه كما في (لحظات مختلسة) و(قرب بحيرة هيرون)، أو حين تسرد مشاعرها الحالية بعد انتهاء الزواج كما في (عمليات جراحية) و(قل لي). لا تلعب أدونيزيو في هذا المحور الأساسي، وإن لم يكن الوحيد، من شعرها، لعبة المرأة الضحية، ولا تحوّل شعرها خطاباً ضد الزواج أو المؤسسة، فهي لا تبدو معنية لهذه الجهة بميراث أدبي نسوي إيديولوجي. تروي ببساطة فشلها الخاص، وأشواقها، وغرامها الذي لا يزال قائماً لزوجها السابق، ولا تجد حرجاً في الإعلان عن كل ذلك.
****
القصائد
ما تريد النساء ؟
أُريد فستاناً أحمر.
أريده رخيصاً ومهلهلاً،
أريده ضيقاً جدّاً، أريد أن ألبسه
حتى يمزّقه أحدهم عني.
أريده بلا ظهر ولا كمّين،
بحيث لا يضطر أي كان إلى أن يُخمّن
ما تحته.
أريد أن أع
بر الشارع
قرب (ثريفتي) ومتجر الخردوات
مع كلّ تلك المفاتيح تلمع في الواجهة،
قرب مقهى السيد والسيدة وونغ
اللذين يبيعان الدونتس البائتة،
قرب الأخوين غويرا
اللذين يخرجان الخنازير من الشاحنة إلى الدُلية (*)
حاملين الصغيرة منها على كتفيهما.
أريد أن أسير كما لو أني المرأة
الوحيدة على الأرض وأستطيع اختيار من أشاء.
أريد ذاك الفستان الأحمر بقوة.
أريده لأؤكّد لك أسوأ مخاوفك عنّي،
لأريك كم ضآلة مبالاتي بك
أو بأي شيء سوى ما أريد.
حين أجده سأسحبه من العلاقة
كما لو أني أختار جسداً
يحملني إلى الأرض
عبر صرخات الولادة
وصرخات الحبّ أيضاً،
وسأرتديه كالعظام،
كالجلد،
سيكون الفستان اللعين
الذي سيدفنونني فيه.
___________
* الدلية: شاحنة خفيضة ذات عجلات صغيرة لنقل الأثقال التي لا يمكن حملها باليد
2
لحظات مختلسة
ما حدثَ حدثَ مرّة.
لذا هو الآن أجمل
في الذاكرة ـــ البرتقالة التي شرّحها: القشرة
التي أبقاها كاملة، ثم السكين، الشفرة الباردة
التي رُفعَت إلى فمي، وفمه، الغشاء
الرفيع بيننا، البرتقالة الفاتنة،
لسان، برتقالة، عريي وعريه،
وكيف لزّني إلى البراد ــــ
الآن أريد الإحساس بيديه ثانية، القبلة
التي لم تدم، لكنها أرسلت وميضاً مزدوجاً
من الأعصاب إلى عضوينا. الحب
بلا رحمة، كيف ينتقل ويظل
مشعّاً باستمرار. قرب المَوْقد
أكلنا برتقالة.
وكان ثمة أزهار قرمزيّة
على الطاولة.
لحظة من ساعات.
*
3
الإناء
حيث السمكات الموشّاة
تهبطُ لولبيّاً،
حيث الأوراق المعقودة
ترتفع إلى الشفة
الضيقة والزهور
الزاهية تزهر:
ذكّرني ثانية
كيف فتحت
العلبة ورفعتك
إلى نظر زوجي الجديد،
كيف وضعناك
بين الهدايا الأخرى.
أتذكّر دائماً
رجلاً يرمي ثياباً
في حقيبة،
امرأة
تتأرجح واضعة
رأسها بين ركبتيها.
إنهما يفعلان ذلك
باستمرار، شكلان صغيران
خلف زجاج سميك
يحول دون أن أصل إليهما،
وأن أطلب إليهما الكفّ عن ذلك
وأن يدعاني وشأني
خفيفة ووحيدة من جديد.
لذا أخبرني أرجوك
كيف جرت الأمور: فتحتُ
العلبة الضائعة
ورفعتك. وضعناك
على المستوقَد كشاهد.
أخبرني مرة بعد
قصة الزواج
وكيف كان لنا أن نجعله رائعاً.
*
4
فتاة صالحة
أُنظري إلى نفسك،
جالسة هناك، فتاة صالحة.
سنتان مرّتا مُذ أقلعتِ عن التدخين وما زلت (تموتين) على سيكارة.
وأقلعت عن الخمر حتى في عطل الأسبوع،
من كان ليصدّق ذلك؟
ألا ترغبين الآن في الركض إلى زاوية الشارع
لاحتساء كأس فودكا خامسة مع عصير الكرانبري
وشرائح الحامض؟ ألن تبدو الباحة الخلفية
التي يقرفك منظرها، أجمل؟ الباحة الصغيرة التي يعتني
بها المالك ليل نهار ـــ السياج حديث الطلاء،
الأسلاك الشائكة الملمّعة، الباحة المرصوفة التي نُظّفت من الأماليد الصغيرة ـــ
ألا ترغبين في العبث فيها كلها، في أن تدوسي
ككلبة هائجة على أحواض زهوره؟
ألست كلبة بأية حال،
تدبّين دائماً بحثاً عن الحب وتستعطين أن يرعاك أحدهم كحيوان أليف؟
يجدر بك الدخول إلى المرآب ولعق صفيحة القمامة من الداخل،
والأغطية المشحمة، والعظام المنقّاة من اللحم،
يجدر بك أن تقودي خطمك إلى ثقل القهوة.
آه، القهوة! لم لا تتجرّعي بعضاً منها مع أربع سكائر
ثم تخرجين عارية إلى الشارع،
وتثبين على أول رجل وسيم تصادفينه؟
كلمة (خرّبني) تقولينها لرجل،
ألم تكن محبوسة في حلقك أربعين عاماً،
ألم يحن الوقت لأن تطلقيها في فساتين فاسقة
وجوارب مشبّكة ممزّقة،
لأن تتمايلي بكعبين عاليين وتكحّلي رموشك بفجور؟
.
آن الأوان حتماً.
لقد كنت مركونة منذ زمن بعيد.
أربعون، واحد وأربعون عاماً.
في نهاية ذلك كله
ليس هناك سوى بسكويتة واحدة رديئة وطعمها أردأ.
لذا انطلقي.
إسمعي: إنهم ينبحون من أجلك الآن:
من أول الشارع إلى آخره كلاب جيرانك
انفجرت في نباح مسعور ولن تسكت.
5
إيكو (*) ونرسيس
إيكو المسكين المضروب بالحبّ عالقٌ بتكرار
كل ما يقول. ربما
ظن أنه استحق ذلك،
أن تكون صاحبته حوريّة تكرّر
.
كلّ ما يقول؛ ربما
أحبّ كيف تعكسه كمرآة،
تقول له أنت جميل
حين يقول لها أنت جميلة،
.
صاحبةٌ تحبّه أكثر من مرآتها.
ليس أنه كان لديهم مرايا في تلك الأيّام؛
تلك كانت المشكلة. كانت جميلة بأية حال،
لكنه لم يكن مهتمّاً بالحوريّات.
.
لو كانت لديهم مرايا في تلك الأيام
لما غرق في تلك البحيرة العاكسة،
إذ وجد صورته أكثر روعة من الحوريّات.
لكنه ربما كان ضرب نفسه في المرآة
.
وقتلها في كلّ الأحوال، ببحيرة أم من دون بحيرة.
لم يكن من إرادة حرة في تلك الأيام، الإرادة للآلهة وحدها.
تستطيع ضرب رأسك بقدَرك، ورغم ذلك،
إذا كنت نرسيس، فستنتهي كزهرة بيضاء
ملتصقة بالأرض عديمة الإرادة، تقطفها أو تدوسها الآلهة،
وربما يقول أحدهم هذا ما كان ينبغي أن يكون،
أن يتحوّل الجمال إلى زهرة بيضاء،
إلى صدى مسكين، ليصير حبّ أحدهم الملتصق
.
بالأرض، الأرض، الأرض، الأرض.
_____________
* إيكو أي الصدى: وهي الحورية التي أحبت نرسيس في الأساطير اليونانية وتلاشت لصدى
6
الحظ الحسن
أنت محظوظة.
هذا يحدثُ لهم وليس لك.
العائلة التي علقت في النار،
السكرتيرة التي ذُبحت في المرآب
حاملة قهوتها والــ (إيغ ماكوفين)،
أولئك الذين سيقوا مسمّمين إلى الطوارئ.
محظوظة لأنك لم تلمسي كسرولة الطون
واخترت الدجاج المشوي بدلاً منه.
صديقتك المصابة بسرطان الثدي الذي اكتُشف متأخّراً وانبثّ
في المفاصل والرئتين، والتي بقي أمامها بضعة أشهر.
محظوظة إذ لم ترثي شيئاً
من ذلك من عائلتك.
خطيب صديقة أخرى أصيب بنوبة قلبية في السابعة والأربعين.
تستلقين في سريرك ليلاً،
رأسك على صدر حبيبك، وتشعرين بالامتنان.
ابنتك المراهقة، لم تصبح، على عكس صديقاتها،
عنيدة أو مشاكسة،
لم تدمن الخمر أو السكائر.
ليست الآن في الحمّام
تضع إصبعها في حلقها لتتقيّأ.
أنت وعائلتك بحال جيدة.
أنت سعيدة.
كما لو أنك تبحرين وحيدة
في قاربك الذي لا يرشح ولا يعاكسه التيار.
ترين القوارب الأخرى حولك تنقلب وتنجرف وتغمرها المياه.
إذا نظرتِ إلى المياه تستطيعين رؤيتها تغرق وتبتعد ببطء.
قريباً إن لم يحصل شيء لك،
إذا استمرّ الحظّ الحسن،
إذا استمرّ حقاً،
فسينتهي بك الأمر وحيدة تماماً.
* 7
إلى آيا في الخامسة عشرة
نديّة الشعر من بعد الاستحمام، تكوّرين نفسك
على الكنبة رأساً على عقب. تقرئين.
وإحدى يديك غاطسة بكسل في وعاء
البسكويت الذي رسم على أغلفته سمكات ذهبية تبتسم.
أظنّ أنها أسماك تنمو وتسبح
في الهواء لتصل إليك.
فتاتي الصغيرة،
معجزتي الصغيرة، السمكات تتضاعف.
في الساعات السوداء حين أستلقي مؤرقة،
على حافة الغرق، ثقيلة الرأس،
وجهك هو الطُعم الساطع الذي أصبو إليه،
صنّارة الحبّ تخزني،
تجذبني،
نظيفة، إلى أعلى.