[size=34]فهم الاقتصاد السياسي للربيع العربي[/size]
إسحاق ديوانعرض : مروة صبحي منتصر - معيدة في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية تاريخ النشر: 28 يونيو 2015 [ltr]Understanding the Political Economy of the Arab Springs (Singapore: World Scientific Publishing Company, 2014)[/ltr]
منذ اندلاع ثورات الربيع العربي، وهناك اهتمام أكاديمي غربي بتحليل أسبابها السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية. ومن الكتب التي تحلل الأسباب الاقتصادية للثورات العربية كتاب "فهم الاقتصاد السياسي للربيعات العربية"، الذي يتألف من عشرة فصول، حررها إسحاق دايون، أستاذ السياسة العامة بجامعة هارفارد، ومدير برنامج إفريقيا والشرق الأوسط بمركز التنمية الدولية.
تنبع أهمية الكتاب من رصانته النظرية في استعانته بمنهج الاقتصاد السياسي، الذي يركز منهجيته علي التفاعل بين الأبعاد السياسية والاقتصادية لتفسير الثورات العربية. ويناقش الكتاب ثلاث قضايا رئيسة، هي: الأسباب الرئيسية للثورات العربية، وعقبات الانتقال العربي من أنظمة سلطوية وديكتاتورية إلي أنظمة ديمقراطية، واستخلاص الدروس من خبرات أخري غير عربية.
أسباب الثورات العربية: تنطلق دراسة إسحاق ديوان، المعنونة بـ "فهم الثورة في الشرق الأوسط: الدور المركزي للطبقة الوسطي"، عن أسباب الثورات العربية من حجة، مفادها أن الثورات العربية اندلعت، لأن تجربة التحرير الاقتصادي التي شهدتها أغلب الدول العربية منذ ثمانينيات القرن المنصرم، بدون عملية موازية للتحرير في المجال السياسي. ويوضح كيف غذَّت "رأسمالية المحسوبية" عملية اغتراب الطبقة الوسطي، والتي عاني شبابها الاستياء لتمتع الطبقات العليا المتصلة جيدا بالنخبة السياسية بفرص اقتصادية وسياسية لم تتوافر لهم، مما قادهم لحالة الانفجار الثوري. وقد استخدم ديوان في تحليله بيانات من مسح القيم العالمي World Value Survey من أجل تعزيز تحليله عن كيفية حدوث الثورة المصرية.
يتناول تحليل ديوان سؤالين رئيسيين، مفادهما: ما هي أدوار الطبقة الوسطي في الدعم الشعبي للديمقراطية؟، كيف تمكن الائتلاف الثلاثي المكون من الحكام المستبدين، والنخبة الاقتصادية، وقطاع الأمن، من الاستفادة، واستغلال إصلاح السوق الحر الرأسمالي لتحقيق مصالح خاصة؟. وفي سياق الإجابة علي هذين التساؤلين، أشار ديوان إلي أنه بالرغم من إصلاحات السوق الحر التي بدأت في ثمانينيات القرن الماضي، لم يشاهد تأثيرها. وبدلا من ذلك، تجمد التوظيف الحكومي، وحدث تحول تجاه الاستراتيجيات القائمة علي الريع (مثل العقارات، والغاز، والبترول ... إلخ)، والمحصورة علي فئة محددة بسبب علاقات الوساطة والمحسوبية. وفي هذا السياق، يجادل دايون بأن هذا التحول يفسر جزئيا من قبل تصاعد نخبة المحسوبية المتمركزة علي الحصول علي فوائد الإصلاح الاقتصادي، من خلال شبكات المحسوبية والامتيازات، مما أدي في نهاية المطاف إلي تقليص حجم الطبقة الوسطي.
وفي دراسته "الاقتصاد السياسي للرؤساء العرب"، يذهب روجر أوين لأبعد من ذلك لبلورة كيف يمكن لأصحاب المحسوبية في المجال السياسي أن تتضافر مصالحهم مع ديكتاتوريات الأسر الحاكمة، خاصة في الجمهوريات، حيث يكون الحكام العرب منتخبين ظاهريا. وفي المستقبل، يورث أبناؤهم الحكم، مع احتفاظهم بامتيازات وصلاحيات ما أطلق عليه "رئيس مدي الحياة".
بينما تقدم دراسة Fadhel Kaboub التي حملت عنوان "صنع الثورة التونسية" تحليلا ثاقبا حول الثورة التونسية، وهي التجربة التي أثبتت حتي الآن أنها الأكثر نجاحا في الحفاظ علي الإصلاح السياسي. إذ يركز تحليله علي الديناميات الكامنة وراء الثورة التونسية، بما في ذلك المركزية المتزايدة للفساد، والاستياء الشعبي من النخبة المتحكمة، وانهيار العقد الاجتماعي، وظهور الإسلام السياسي في تونس كمعارض فعال وفاعل مؤثر في الائتلافات المؤيدة للإصلاح علي حد سواء.
عقبات الانتقال إلي الديمقراطية: يحلل كل من Caroline Freund and Melise Jaud في دراستهما "في عقبات الانتقال إلي الديمقراطية" محددات التحول الديمقراطي باستخدام قاعدة بيانات تتكون من تسعين دولة من التي شهدت تجربة تغيير نظامها السياسي بين عامي 1965 و.2005 وخلصت الدراسة إلي أن 39٪ من الدول التسعين في طريقها إلي الفشل، وأن دول منطقة الشرق الأوسط كانت الأقل احتمالا في بدء عملية التحول الديمقراطي من أي منطقة أخري، خلال تلك الفترة.
توصلت الدراسة إلي نتيجة مفادها أن ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي نسبيا يقف عائقا في طريق عملية التحول الديمقراطي، إذ تكون الأنظمة الاستبدادية التي تحقق ناتجا محليا إجماليا مرتفعا للفرد أقل عرضة لتجربة الانتقال إلي الديمقراطية. إذ يفضل المجتمع النمو الاقتصادي، وارتفاع مستوي المعيشة علي المطالبة بالحقوق السياسية. كذلك، يتسبب الاعتماد الهائل علي الموارد الطبيعية كالنفط في عرقلة بدء عملية الانتقال إلي الديمقراطية، أو نجاحها. وعلي النقيض من ذلك، يزيد التحضر من فرص الانتقال الديمقراطي.
ولعل النتيجة الأكثر إثارة للاهتمام في الدراسة هي عدّ حجم الفجوة في مستوي التعليم بين الإناث والذكور هو أحد المحددات القوية لنجاح عملية الانتقال إلي الديمقراطية، وذلك الاستنتاج لا يبشر باحتمال نجاح الانتفاضات العربية، نظرا للفجوة الكبيرة نسبيا في مستوي التعليم بين الذكور والإناث في العديد من البلدان العربية (مصر 66٪ من الإناث البالغات، مقابل 81٪ من الذكور البالغين، الجزائر 64٪ مقابل 81٪، المغرب 58٪ مقابل 76٪، اليمن 49٪ مقابل 82٪). إذ استخلصت الدراسة أنه كلما تقلصت الفجوة بينهما، زاد احتمال بدء عملية الانتقال إلي الديمقراطية، وفرص نجاحها علي المدي القريب، وإعطاء دفعة إضافية للذين يدافعون عن قدر أكبر من المساواة للنساء والفتيات في الشرق الأوسط.
يتناول تحليل Jillian Schwedler في دراستها "الإسلاميون في السلطة: الإدماج، الاعتدال والربيعات العربية" دور الاندماج السياسي للقوي والفواعل السياسية في عملية التحول الديمقراطي في دول الربيع العربي. فتشير الدارسة إلي أنه مع الأحداث غير العادية للثورات العربية، اندمجت مجموعة واسعة من الفواعل السياسية مباشرة في عمليات التحول الديمقراطي من أي وقت مضي. وفي ذلك، تبحث الدارسة عن كيفية إدماج واستبعاد الفواعل السياسية بعد عمليات الانتقال السياسي، ومن يقرر عمليات الاستبعاد والإدماج. وتخلص الدراسة إلي أنه في ظل سياقات مؤسسية غير مستقرة، يصبح منطق فرضية الاعتدال والاندماج أقل احتمالا، خاصة عندما تتحدي جماعات المعارضة الأكثر تطرفا الإسلاميين لإثبات التزامهم الأساسي بالرؤية السياسية الدينية المحافظة.
تجارب أخري غير عربية: بالإضافة إلي ما سبق، يعرض الكتاب تجارب أخري غير عربية من العالم الإسلامي في تحليل الاقتصاد السياسي لعملية الانتقال إلي الديمقراطية. إذ تحلل دراسة Hasan Ersel "التطورات السياسية والاقتصادية في تركيا وتحول الإسلام السياسي 1950 - 2010" إشكاليتين، مفادهما: كيف توافقت حكومة حزب ذي جذور إسلامية مع السياق العلماني الذي يميز النظام السياسي التركي. والأخري متعلقة بقدرة الحزب الحاكم علي التعامل مع أكثر المشاكل الاقتصادية والاجتماعية تعقيدا في ظل بيئة ديمقراطية عالمية.
وتتمثل الفرضية الأساسية للدراسة في مقولة، مفادها أنه خلال العقد الماضي، نتجت التطورات الاقتصادية والسياسة، نتيجة عملية تطوير وليست قفزة كمية. وخلال تلك الفترة، لم يتغير فحسب هيكل الاقتصاد والمجتمع التركي، ولكن حدث تحول كبير في الساحة السياسية، وهي تغيير الطريقة التي ينظر بها للإسلام السياسي. ويتمثل تركيز الدراسة الأساسي علي تفسير نجاح حكومة حزب العدالة والتنمية في التعامل مع المطالب المتنوعة للتنمية الاقتصادية والسياسية.
بينما تقدم دراسة Hadi S Esfahani & Esra C Grakar المعنونة "تطور النظام الاقتصادي والاجتماعي في إيران في أوائل القرن العشرين" تحليلا لتطور المؤسسات الاقتصادية التي تشكلت في إيران، منذ أوائل القرن العشرين، وأثرها المتبادل علي تطور بنية النظام الاجتماعي. وتري أن فهم المؤسسات الاقتصادية وتأثيرها في البنية الاجتماعية يتطلب فهم ديناميكيات موازين القوي السياسية.
تعريف الكاتب:
أستاذ السياسة العامة بجامعة هارفارد