فدوى فريق العمـــــل *****
التوقيع :
عدد الرسائل : 1539
الموقع : رئيسة ومنسقة القسم الانكليزي تاريخ التسجيل : 07/12/2010 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 7
| | الحق والعقل والوعي الإنساني | |
منذ بداياتي الفكرية كنت أجاوب نفسي أو غيري عن إيماني بخالق عالم أنه بما عرفنا للطبيعة المحسوسة من نظامٍ متقنٍ يجري وفق قوانين فيزيائية وطبيعية محددة وغير عشوائية، فإن هذه القوانين هي في الحد الأدنى منها إرادة إله خالقٍ وعالم بذاته وبما يخلق. فتعاقب الليل والنهار ودورة فصول السنة والتغييرات المرافقة لها، وحياة النبات وحياة الحيوان، والقوانين الكهرومغنطيسية والقوانين التي تحكم تبعية ودوران الإلكترونات حول نواة الذرة، وووو...هي ظواهر ناتجة عن قوانين محكمة، وكنت أقول لمن يقول أنها المادة وفقط المادة باشكالها: أنت لا تستطيع أن تنكر شيئاً فالقوانين موجودة أنت تغير الأسماء فقط وتغير المصطلحات فقط لتسلخ نفسك عن عقائد آبائك، وفي حقيقة الأمر أنت تسلخ نفسك عن الشعائر أو العادات أو التقاليد ولكنك لم ولن تستطيع نكران القانون الذي بموجبه صلح خلق الكون وهذا القانون هو الحق الذي إن لم تكن تراه إرادة إلهية فهو إرادة شاملة، ويحق لي عندئذ أن أسئلك: إن لم تكن الإرادة الشاملة هي ما يفهمه الذهن البشري أنه الإله فأي إله هذا الذي تتصور نفسك أنك إستغنيت عنه في وجودك؟ نعم إن ما ألمح إليه هو أن القوانين الكونية إن كانت فيزيائية أو روحية هي الحق، ومن جهة الخالق هي إرادة الله التي بها خلق كل شيء ومن جهة المخلوق نرى بها كل شيء. فأعود لأوصِّف فقط فأرى أن معرفتنا نحن بالخلق أو بأجزاءٍ منه تكون حقّةً عندما تتطابق مع هذه الأجزاء، وما العلوم الفيزيائية إلا مثلاً مما قلت، ولا تكون معرفتنا حقّاً إلا إذا إنكشف لذهننا الحقُّ الذي به تم الخلق وحَسُنَ تماسكه وجرت عليه صيرورته. من طريق لغويٍّ آخر أرى أن الحقيقة تعني ما هو موجودٌ حقّاً، وبهذا فهي اي الحقيقة والمعرفة الحقّة ليسا شيئاً آخر غير الحق، والآن لنأت إلى مصطلح العقل موضوع البحث الرئيسي، مع الأخذ بالإعتبار الإستخدام اللغوي لهذا المفهوم عند الناس قدمائهم ومعاصريهم، فإني لا أجد فيه إلا مصدر المعرفة الحقة في شتى الأمور، فالعقل هو الحق والحق هو العقل، نعم أعترف أن الطرح بحاجة لتوضيحات أكثر وأمثلة أوفر وسأعمل فيما يلي على ذلك. أولاً يجب أن أذكِّر نفسي أولاً أن الحق بما سقته عنه من حديث هو واحد، وأعود لأغني فهمي بأنه إرادة الله التي بها كان كل شيئ فهذه الإرادة واحدة. فهل العقل واحد إن إضطررنا إلى إستخدام هذا المصطلح، أم أنه يوجد عقول كثيرة بمعنى أن لكل إنسان عقله الخاص المميز له؟ وما هو الذهن أو الوعي؟ ولما لا أطلق تسمية العقل على هذا الذهن الخاص بكل إنسان؟ لما أريد أن أرفع تسمية العقل فوق الإنسان وأجعله واحداً للجميع؟ وبما أنني اقول أن الحق والعقل هما تعبيران عن بعضهما فإذن لِمَ أستخدم كلمة عقل أصلاً؟ ألا تكفي كلمة الحق؟ أقول هي تكفي والله أعلم، فقد بحثت في القرآن كثيراً ولم أجد ذكراً لما يسمى العقل، إنما دائماً يُذكر الحق والحق فقط، ولا يُذكر من مصدر عقل إلا الفعل مثل "تعقلون". فإن قلت لي أن العقل إذن هو الملكة الخاصة بكل إنسان والتي بها يعقل الحق فقد أوافقك الرأي متساهلاً إنما على مضض، لأن هذه الملكة ما هي إلا الذهن وما هي إلا الوعي وهذا الذهن الوعي قد يعقل الحق وقد يكفر به فهو ليس عقلاً خالصاً إذن، هذا الوعي هو نحن، هو أنفسنا، من حيث لنا الخيرة في أن نتوجه قائمين لنشاهد الحق فنكون قد عقلنا بحسب درجة شفافية رؤيتنا، أو أن نكفر بالحق فنصبح من الظالمين. وأعود للقول أنه "أن نعقل فهذا يعني أن نستمد المعرفة من الحق" أو بتعبير آخر أن نشاهد هذه المعرفة بأذهاننا مشاهدةً خالصة، أو أيضاً ما نسميه حدساً فنقول أننا عرفنا هذا الأمر معرفةً حدسية، فليس الحدس إلا هذه الوظيفة من وظائف الذهن التي تصله بالحق ليشاهده، وهنا أرى أنك إن كنت تفتش عما تسميه عقلاً مميزاً لكل إنسان فها هو إنه الحدس أو أيضاً القلب واللب كما ورد في لغة القرآن. ويحق لك أن تستوقفني هنا لتقول لي "أنت سقتني في حديثٍ لتصل في نهايته إلى تقزيم دور العقل الإنساني وجعل دوره فقط المشاهدة" نعم قد تقول ذلك! وقد لا تقوله! ولكنني سأفترض أن هناك من يطرح هذا التشكيك وسأحاول التبيين قدر ما استطيع. هل يستطيع أحدٌ ما أن يبرهن لي مستخدماً جميع أدوات الذهن أن 1+1=2 ؟ أما أنها معرفةٌ بديهية وقبلية ولا تحتاج للبرهان أصلاً؟ وحتى عندما يستخدم الذهن البشري آلية الإستنتاج (والمنطق) كيف علِم أن هذه الآلية تعطيه نتائج مرتبطة بحقيقية المقدمات واطمئن إليها وأقام عليها علوماً كثيرةً. وعندما دلت التفاحة إسحق نيوتن على الجاذبية الحاصلة بين الاجسام، ماذا كان ذلك؟ أهو الإستنتاج فإذن ماذا كانت مقدمات هذا الإستنتاج؟ أم أنه استطاع أن يرى المثال المجرد؟ دون غيره كثيرين ممن قبله شاهدوا الأشياء تسقط ولكن حدسهم كان دون الدرجة التي تمكنهم من رؤية حقيقة الظاهرة، هم لم يستطيعوا أن يروا المثل المجرد إذا أردنا أن نستخدم التعبير الأفلاطوني بل وقف وعيهم عند المثل المحسوس، أو لم يستطيعوا أن يشاهدوا النموذج المجرد، أو أيضاً لم يستطيعوا أن يشاهدوا بحدسهم حقيقة ما شاهدوا بإحساسهم البصري، وأخيراً هم لم يستطيعوا أن يروا الحقّ، فتبقى المعرفة التي حصَّلوها متعينةً في مكان وزمان أي زائلة (ضد أزلية) ومفادها أن تفاحةً ما قد سقطت. ونفس المثل ينطبق على أرخميدس عندما قال أنه وجدها وهو في الحمام، ولن أدخل في تفصيل هذه الحادثة، وإن فتشنا جيداً في التاريخ وفي حياتنا اليومية حتى لسوف نجد أمثلةً كثيرةً تؤكد ما أرمي إليه. وعند هذه النقطة سوف أتقدم أنا نفسي من نفسي بهذا السؤال: أليست كل الأمثلة التي سقتها في ما علا تتحدث عن معارف تم التأكد منها بعد الحدس بها بالتجربة المباشرة من قبل الذهن البشري أو بالإستقراء الناتج عن تكرارها؟ أقول لنفسي نعم هو هذا ولا شيء غير هذا، إذن كيف نفهم ماذا يحدث؟ أقول أن الحق يزود النفس العاقلة عبر حدسها (قلبها) بالمثل التي هي حقيقة الأشياء، ومن ثم يعمل الذهنُ بما يملك من أدوات وحسب درجته لإلتقاط هذه الحقيقة فلا تصله كاملة إلا بمقدار كماله ومن هنا يتغير هذا الإلتقاط من إنسان إلى آخر لنفس الظاهرة. أكاد أسمعك تقول لي: "أهّا الآن عدت تتكلم اللغة التي نألفها سوى أنك ابدلت كلمة العقل بكلمة الذهن!"، أقول هذا الكلام المكرر مبتسماً وأنا أحاول إنهاء هذه الرسالة عند حدٍ ما معترفاً أنه ما زال واجباً علي بحث نقطتين مهمتين تكملان ما نحن بصدده وهما أولاً مصادر المعارف الأخرى للذهن وثانياً قضية التدرج الذي عبرت عنه في ما تتلقاه النفوس من الحق عبر المشاهدة أو الحدس، وهاتان النقطتان تحتاجان على ما يبدو لمقالات لاحقة. | |
|