أنا يسارية وسأنضم لداعش في طوشة عرب … اليازجي: نوبل للمسيحيين وحق السعودية محرم!
لينا أبو بكر:
April 1, 2015
أقر وأعترف أنني تلقيت صفعة حامية من أبي رحمه الله بسبب إذاعة البي بي سي العربية خلال تغطيتها لحرب الخليج الثانية، والتي كانت تنقل لنا أخبارا تخض دماءنا وتناقض أخبار الصحف والتلفزيون الأردني، تكبدت على إثر (الكف الساخن) خسائر فادحة أدت إلى تمزيق صور صدام جميعها، وحرق كل « الكاسيتات» الوطنية وأغاني أمل عرفة وجوليا بطرس وتحديدا أغنية «وين الملايين الشعب العربي وين»، وانتهت ببيان عسكري حازم: يمنع تداول السياسة بعد نشرات الأخبار وقبل ذهاب أبي إلى العمل، مما يعني أن لدينا فقط ثلاث ساعات يوميا للثرثرة قبل إعلان حظر التجول الهاتفي والذي كان وقتها وسيلة التواصل اليتيمة بيننا وبين جيراننا ومعارفنا!
لم يفك هذا الحصار سوى الدعوة التي تلقيتها من الفنانة الأردنية قمر الصفدي لإلقاء قصيدة شعرية في أمسية خيرية لصالح أطفال العراق وضحايا ملجأ العامرية بحضور زوجة السفير العراقي في العاصمة عمان، ضمن برنامج إذاعي يُبث على أثير الإذاعة الأردنية… والآن وبعد رحيل أبي يظل السؤال قائما: لماذا كنا نؤيد صدام حين احتل الكويت، وناهضنا تدخل الجيوش العربية مع قوات الحلفاء لتحريرها وتدمير العراق؟
ألم يدمر صدام الكويت وأكثر من 1073 بئرا نفطيا أحرق منها ما يفوق ال 727 بئرا، مما أدى إلى انبعاث كميات هائلة من الغازات السامة التي استغرق إطفاؤها ما يزيد عن الثمانية أشهر؟ ألم ينتج عن هذا الحرق تلويث للبيئة وتغيير للمناخ وانبعاث لثاني أكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين والسخام وغيرها من الغازات الضارة، التي كونت غيمة سوداء وصل مداها إلى دول خليجية محيطة لا بل إلى الهند والصين واليابان وطبقة الأوزون؟ وهي سياسة داعشية أودت بحقول النفط الثلاثة في كركوك والتي تضم مئات من آبار النفط هناك!
لماذا تعاطفنا مع صدام إذن؟
الجواب سهل وبسيط: صاروخ الحسين الذي بدأت رؤوسه تنهمر على الصهاينة وقد رأيناهم يفرون مذعورين إلى الملاجئ في حفلة قيامة لم نكن لنحلم بمشاهدة عروضها المجانية على مدار الساعة قبل صدام!
لقد حظينا باستعراض خنفسائي لبني اسرائيل لم نكن لنتوقعه حتى في أفلام الخيال العلمي أو أفلام الرعب أو الكوميديا الإلهية لدانتي! وهو ما حدا بعضهم لإطلاق شائعات تغذي وتلهب حماس الشارع الأردني الذي سارع لتلقفها والهتاف لها وأهمها بل أطرفها على الإطلاق: أن أحد الأردنيين رأى صدام حسين يظهر جليا في وجه القمر وهو مستلق على ظهر السطوح، في إحدى ليالي (الشوب) العمانية! والمصيبة ليست بالشائعة إنما بمحاولتي لمنطقتها حينها كي لا أكذبها، فكيف أغفر لشر البلية!
السؤال بعد هذا كله: ما وجه الشبه بين «عاصفة الحزم» و»عاصفة الصحراء» يا ترى؟
تناقضات إعلامية… مشهد «1»
كان علينا أن نصدق ما لم نكن نريد تصديقه، لأنه الحقيقة الوحيدة في رياضة الدغدغة الإعلامية التي مارسها التلفزيون الأردني والإذاعة المحلية، والتي لم تكن سوى نسخة مستنسخة من إذاعة صوت العرب في نكسة الـ67 التي كان أحمد سعيد بطل فشلها وبطل أكاذيبها الأبرز!
لم يتغير الوضع كثيرا ، في هذه العاصفة الأخيرة، فمن يدين حق السعودية ودول الخليج في مقارعة الحوثيين وردعهم، للتصدي لإيران، تعمد غض البصر عن البادئ الأظلم، لأن الحوثيين الذين أحرقوا ودمروا المنازل في أرحب وصنعاء، واقتحموا دور التعليم والعبادة ونهبوا وذبحوا وانتهكوا ما اعتبره بعض المراقبين يرقى إلى جرائم الحرب، لم يستحقوا من قناة الميادين أو قناة المنار توبيخا أو تبرؤا أو حتى استعطافا للكف عن إراقة دماء اليمنيين والاستخفاف بكرامة حرماتهم، ولم تكلف هذه القنوات نفسها بشن حملة أعلامية واحدة جادة وصريحة تتصدى بها لكرة النار الحوثية في اليمن! و كل هذا ولم تزل قناة «الميادين» تعتبر أن الحرب على الحوثيين العرب الأقحاح عدوانا وتنفيذا لأجندة تدميرية وطائفية ووووووووو غيرها من العبارات التي «تمسح جوخا» لكبرياء العروبة التي أهدرها الحوثيون تحت أقدام نعالهم وفوق مجاري الأرصفة وهم الأكثر حظوة عند الأمريكيين والقوى الدولية التي دللتهم حسب ما يرى فيصل القاسم في «الاتجاه المعاكس» ولم ينل أحد ما نالوه من تغنيج وطبطبة!
رأينا صور عبد الملك الحوثي مرفوعة كالرايات في شوارع طهران، على اعتباره بطلا شيعيا لا عربيا، يتولى مهمة بعث المجد الفارسي في عقر دارنا، فهل هذا عربي يغار على العروبة وينتصر لها يا «ميادين»؟
هل تغفر العروبة جنحة العمالة للغرباء؟
هل يقبل أي عربي بعقاب أقل من السحل في الشوارع لكل الخونة والمأجورين الذين يدينون بالولاء لأعداء الأمة؟ ورغم هذا فإننا مع حق الدول العربية بالتصدي لهؤلاء بشرط واحد ووحيد هو: الامتناع عن استخدام هذا الحق لأنه محرم ما دام عسكريا! فالفخ الذي ينصب للجيوش العربية للإيقاع بها في معركة هزيلة مع الذيل الإيراني لن يؤدي في نهاية المطاف سوى إلى الإبقاء على رأس الأفعى!
مشهد 2
روحاني رجل مفاوضات، ولكنه ليس رجل سلام، وهناك فارق كبير وعريض بين اللعبتين، قبل «عاصفة الحزم» تسربت إلى الإعلام تصريحات عن مد فارسي يجتاح الأرض العربية، بأذرع الأقليات الشيعية المدججة بالسلاح من حزب الله في لبنان وسوريا إلى شيعة العراق ثم الحوثيين في اليمن، إلى ما شاء الله من خلايا نائمة، أو قنابل فارسية موقوتة، في خطة إعلامية مدروسة لبث الرعب في نفوس العرب، وأمريكا، التي تصلها الرسائل الإيرانية جيدا خلال معركة المفاوضات التي انفرجت أخيرا هذا المساء، ولم تزل أمريكا تلعب على الحبلين فتمد يدا للفرس وباليد الأخرى تحمل مطرقة عربية لتسديد اللكمات إليهم، تماما كما تفعل إيران، فمن يقع بين البصلة وقشرتها غير الغساسنة والمناذرة!
الخطاب الإعلامي بدأ يتخذ منحى آخر، فتركيا تميل للمعسكر السعودي مع بعض المرونة المشدودة العصب مع بعض حلفائه، وانحياز واضح لحلفاء بوتين الإيرانيين والسوريين من فرقة حسب الله الإعلامية في مصر وعلى رأسها إبراهيم عيسى، الذي كشف ما تحت الغطاء في وصلة تحرش سياسي بالمملكة السعودية أدت إلى محاولات رتق أو ترقيع إعلامية تشيد بالحليف السعودي وتتمسك بأواصر المصالح المشتركة معه، وكل هذا يعيدك إلى تجنب حزب الله الوقوع في محاظير المغامرة العسكرية في مواجهة اسرائيل، ليكتفي بشراكته بالجريمة البعثية في سوريا، في الوقت الذي ناصر ثورة الشيعة في البحرين وتنكر لثورة الشعب السوري، فهل من تناقض!
الأمر إذن لا يتعلق بالحقيقة، ولا الحق، لأنه يتخذ من فلسطين «كوبري» إعلامي للصعود فوقه لا أكثر!
الحوثيون القتلة العملاء يصبحون ضحايا عربا، بكبسة زر واحدة تنقلك من صحن «العربية» إلى صحن «الميادين» لتتغير مقادير الطبخة برمتها، بحيث لا يبقى أمامك سوى أحلى المرين: إما أن تمتنع عن تناول جميع الوجبات بلا استثناء وتنضم إلى كتيبة الأمعاء الخاوية، و إما أن تأكل من كل طبق لقمة فتصاب بتلبك معوي حاد!
مشهد 3
الطائفية الإعلامية التي هزت عرش مصر جاءت على لسان السياسي مصطفى الفقي في برنامج بصراحة مع زينة اليازجي الذي تبثه «سكاي نيوز»، حيث طالب بعد جريمة إعدام داعش للأقباط المصريين بجائزة نوبل تكريما للمسيحيين في مصر، ونحن إذ نتعاطف مع الضحايا وندين الجريمة الداعشية، نرفض هذه الطائفية التي تشدق بها الفقي، لأن هؤلاء المسيحيين عرب ومصريون يتقاسمون معنا المعاناة من الإرهاب سواء بسواء، ولا يمكن لطائفتهم أن تكون برزخا تفريقيا في الوقت الذي لا تفرق فيه داعش بين الطوائف لأنها تجز رقاب المسلمين وغيرهم، وما هذه المطالبة سوى تملق رخيص وإدانة للمسلمين لا لداعش، فيا أيها الفقي: هُسْ!
قمر الهوت بيرد هو الأكثر شيوعا في هذا المنفى الذي ولد وترعرع فيه أبناؤنا، الذي تعج سلته الفضائية بالنقيضين: أطباق إما داعشية أو شيعية، فإلى أي منهما سينحاز بنوك؟
أنت بين شبهتين لا خلاص منهما، فإن لمست في ابنك ميولا داعشية لتهديم الأصنام أطلعه على حقيقة الخدع البصرية في الإعلام الداعشي، الذي قام أبطاله ببيع الأصنام حسب أحد التقارير الواردة من لندن – والإستفادة من مردودها المادي بعدة أوجه منها التسلح ، فهل يمكن أن يتسلح جيش يقاتل في سبيل الله بمال حرام هو حصيلة ما يعبد من دون الله ؟! في هذا المنفى سأعلن يساريتي، أي سأتحول إلى معارضة إعلامية وأنضم لداعش في حملة هدم الأصنام الإعلامية مبتدئة بالدواعش أنفسهم بإمضاء شعري: ويلاه ما ظلَّ بين سرايا مجدنا بطلٌ /مأساتنا: وثنٌ يسْطو على وَثَنِ!
كاتبة فلسطينية تقيم في لندن
لينا أبو بكر: