على خلفية الانتخابات الرئاسية المصرية التي أجريت مؤخرا في الأسبوع الأخير من شهر مايو، عقدت المقارنات فيما بينها وغيرها من الاستحقاقات الأخرى في بعض البلدان العربية كالجزائر والعراق ولبنان وسوريا، وتم وضع الجميع في سلة واحدة في منطق مسطح للغاية لحقائق الأمور (انظر مقالة بول سالم الحياة )، لأن كل استحقاق انتخابي في هذه البلدان التي أجريت فيها الانتخابات او سوف تجرى فيها لها سياقها المختلف تماما عن الحالة المصرية. فالانتخابات الرئاسية الجزائرية التي فاز بها عبد العزيز بوتفليقة في شهر ابريل الماضي لها السياق المجتمعي والأمني المختلف بشكل ما عن سياق الثورات العربية، فهناك ميل مجتمعي الى الاستقرار حتى لو كان الرئيس بوتفليقة مريض ويحكم من خلال مؤسسات الدولة، وهذا السياق ناتج عن كارثة التغيير المفاجئ بالأدوات الديمقراطية لمجتمعات عقليتها لم تهضمها بعد، عندما وجد الجزائريون انفسهم سوف يحكمون عن طريق الإسلاميين فألغيت الانتخابات في بداية التسعينيات من القرن الماضي، وتبع ذلك نتائج كارثية، عشر سنوات من الارهاب والقتل الوحشي للمدنيين من قبل الإسلاميين في منطق يكشف حقيقة عقليتهم الاستئصالية فكريا وبدنيا، ومن هنا جاء انجاز بوتفليقة الذي يحسب له انه أوقف ارهاب الاسلاميين حتى لو كان بمنطق المصالحة التي اضاعت حقوق من تم قتلهم اغتيالا، وهذا المطلب بعدم المغامرة بالتغيير الثوري كان الدرس الذي تعلمه الجزائريون من الماضي الأليم، وهنا قد يلامس الواقع الجزائري الواقع المصري الآن في بعض النقاط مع اختلاف أن الإسلاميين تم تجريبهم في الحكم …
كما لا يمكن وضع الانتخابات المصرية في نفس سياق الانتخابات النيابية العراقية التي تعكس نتائجها الحالة التي يوجد بها المجتمع العراقي المشتت طائفيا ما بين السنة والشيعة والاكراد والعرب، وهذا الإرث الأليم من القبلية وهذا الوضع الطائفي سهل الاقتتال الطائفي وصعب الثورة على حكم المالكي على غرار ما حدث في دول الربيع العربي..، فما يحدث في مصر للأسف جعل الكثيرين يسطحون الحقائق الموجودة على الأرض لكونهم لا يدركون حقيقة المتغيرات التي تحرك الثورة والتي مازالت متفاعلة على الارض والتي كانت الانتخابات الاخيرة أحد تجلياتها، وهي هنا ليست بمفهوم الثورة وفق عقلية الماركسيين واليسار بان يكون هناك فوضي وانما الثورة في اطار تغيير قواعد اللعبة التقليدية ومحاولة بالفعل للبناء وفق اسس ديمقراطية عن طريق المؤسسات، فالانتخابات الرئاسية المصرية جاءت بعد ان استطاع الشارع ان ينهى حكم ال مبارك الاستبدادي وعندما أجريت انتخابات رئاسية وسط تحفظ الكثير من القوى الثورية صعد الاخوان الى الحكم بأغلبية بسيطة جدا، وكانت سنة حكمهم اكبر انتصار للثورة في كونها عرتهم من الناحية العملية، ففي حالة مبارك احتاج المصريون ثلاثين سنة ليكشفوا سيناريو توريثه للحكم، لذلك كانت ثورة المصريين عليهم تفوق بشكل كبير ما حدث في 25 يناير، ويمثل سقوط حكمهم الانتصار الثاني للثورة بقدرتها على إلغاء أسطورة الحكم باسم الدين وتوظيفه في استبداد العقول، وكان الانتصار لدولة المؤسسات هو المكسب الثالث للثورة، ففي سنة حكم الإخوان كانت هناك حرب على المؤسسات وبخاصة القضاء الذي واجه محاولات لاختراق هذه المؤسسة بطرق مختلفة سواء بالتدخل السافر فيها بتعيين نائب عام تفصيل او التهديد بالخروج على المعاش مبكرا بوضع قانون يتوافق مع ذلك وبتحريك فرقهم لمحاصرة مؤسساتها مثلما حدث مع المحكمة الدستورية العليا عندما اصدرت أحكام لا تتوافق مع مصالحهم..، الا أنها صمدت واستطاعت ان تواصل تحديها، ولم تحد سواء في محاكمتها لنظام مبارك او حتى بعد ذلك لمحاكماتها لنظام الاخوان .. رابعا كشفت الثورة ان المجتمع المصري ليس كتلة تصويتية ثابتة ما يعنى أنها متحركة وفقا للقناعات المجتمعية فضلا عن الأغلبية الصامتة غير المسيسة التي تتحرك وفقا من تشعر انه سوف يحقق لها مصالحها وكانت هذه الكتلة أول من يستغله الإخوان الا ان هذه الكتلة هي نفسها التي جعلت من السيسي بطلا شعبيا بعدما ساهم في إنهاء حكمهم… ونفس الامر ينطبق على كتلة الطبقة الوسطى التي كانت في جزئ منها لها تحفظاتها على ثورة 25 يناير الا انها كانت بين من ثار ضد الاخوان عندما شعرت بالتهديد والمخاطر المحدقة على مكونات المجتمع وعن مكاسبها ومؤسسات الدولة، فساهمت بالرفض لاستمرارية مرسي في نهايات 2012 وفي يونيو 2013. خامسا أن الانتخابات في مصر تجرى في ظل حالة وعي بأهمية وجود الدولة والحفاظ على مؤسساتها عكس ما كان يفعل الاخوان، وهنا قد يصبح هناك تشابه مع الحالة الجزائرية، خصوصا بعد عمليات العنف والإرهاب التي يقوم بها الاخوان والتنظيمات الموالية لهم تجاه جنود وضباط مؤسسة الجيش والشرطة بجهل هذه العقلية في طبيعة التكوين الذي تتسم به هذه المؤسسات التي هي مثال للوحدة وعدم التمييز ما بين افراد المجتمع وتذوب فيها كافة الفوارق الاجتماعية والطائفية ، وبالتالي فمقتل جندي او ضابط بطريقة فيها غدر يخلق حالة من السخط والكره على هؤلاء..، ويجب قراءة الأرقام التي صوتت في الاستفتاء على الدستور مؤخرا في مصر20 مليون والاصوات التي صوتت في الانتخابات الرئاسية24 مليون في هذا الإطار، وألا يتم الاستهتار بها لكونها هي بالفعل مؤشر عن حالة التحول التي تحدث للثورة والمجتمع في مصر… فهناك على الارض متغيرات ومكاسب تجعلنا نقول أن الانتخابات الرئاسية مختلفة ولا يجب ان نحللها في سياق غيرها من الانتخابات الأخرى في المجتمعات العربية. كما انها لا يمكن ان توضع في نفس سلة انتخابات نظام تسبب في جعل 6 مليون من شعبه لاجئ في دول الجوار وقتل ما يقرب من المائتي الف سوري، ودمر مدنه بطائراته الحربية في لعبة قذرة تداخلت فيها الأوراق الدولية والإقليمية والجماعات الجهادية على الارض السورية، وباتت السيادة لمن يستطيع ان يقتل اكثر ويهجر ويستأصل في مأساة سوف تفوق مأساة الشعب الفلسطيني… لذلك مجرد ان توضع انتخابات أجريت في سياق مجتمع حاول ان يوقف سيناريو مشابه كان مخطط ان تسير في الأوضاع في مصر بكل تفاصيلها مثل الذي يحدث في سوريا، فهذا ظلم بين وتسطيح من المحللين الذين يتعاملون مع الواقع على الارض المصرية من رؤية القنوات الفضائية التي عممت الاستثناء، هذا فضلا عن القنوات التي تتعمد قلب الأكاذيب الى حقائق.
*كاتب وصحفي مصري
منبر الحرية، 25 يونيو/حزيران