مؤسس شركة أرامكس فادي غندور للاقتصادي: قررت التفرغ لدعم رواد الأعمال
5 نوفمبر 2013 10:56 م
صندوق ومضة يبدأ من الأردن وفلسطين ومصر ولبنان
أحد أبرز رجال التكنولوجيا في العالم.. استخدم الحمير ذات مرة لكي يستمر بخدماته البريدية
غندور هو أحد مؤسسي موقع مكتوب والرئيس التنفيذي لأرامكس الذي قرّر التفرغ لدعم الشباب العربي عبر صندوق "ومضة" بمبلغ 75 مليون دولار
الاقتصادي – مقابلة خاصة:
أجراها رئيس التحرير: حمود المحمود
وصفه الكاتب الأميركي الشهير توماس فريدمان في كتابه العالم مسطح The World Is Flat بأنّه مثال لرجل الأعمال الناجح في عصر التكنولوجيا الحديثة.
فادي غندور شاب عربي أردني من أصل لبناني درس في "جامعة جورج واشنطن" في الولايات المتحدة الأميركية، فقرر العودة إلى بلده ليؤسس شركة "أرامكس"، أحد المزودين العالميين لخدمات النقل والحلول اللوجستية في منطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا.
قرر أن ينافس شركة "فيدكس" الأميركية الشهيرة حين أسس "أرامكس"، لتكون نموذجاً ريادياً عربياً، فغدا فيما بعد خامس أكبر شركة على مستوى العالم في خدمات النقل والبريد.
تحكي سيرة غندور قصة بناء هذا الاسم بالإصرار، برغم كل الصعوبات وضعف البنية التحتية في المنطقة، إذ لاتخلو سيرته التي أصر فيها على إيصال الخدمة تحت أي ظرف كان في مختلف انحاء العالم، أن شركته استخدمت الحمير ذات مرة لإيصال البريد بأمان إلى الضفة الغربية في فلسطين.
استحوذ في البداية على شركات بريد صغيرة في كل من مصر وتركيا والسعودية، ثم انتقل ليشتري مؤسسات في الهند وباكستان وإيران بهدف خلق شبكته الواسعة في المنطقة.
وفي عام 1997 كانت "أرامكس" أول شركة عربية تدرج في سوق "ناسداك" النيويوركي، لتحقق نمواً سنوياً بحوالي 200 مليون دولار، مع 3 آلاف موظف حول العالم.
وفادي غندور أيضاً هو شريك مؤسس في شركة "مكتوب دوت كوم" والتي تعتبر من أكبر الشركات العربية العالمية على الانترنت قبل أن تستحوذ عليها شركة ياهو العالمية، كما عمل في الفترة بين العامين 2003-2005، رئيساً لـ"منظمة الرؤساء الشباب" في الشرق الأوسط، وتولى أيضاً رئاسة "البنك الوطني للتنمية والمشاريع الصغيرة" في الأردن، كما أنه مؤسس الرواد للتنمية وهي مبادرة لتعزيز مساهمة القطاع الخاص في تنمية المجتمعات، ويعمل كعضو لـ"مجلس أعمال المسؤولية الاجتماعية" وعضو في مجلس "مصرف التمويل الأصغر الوطني" في الأردن.
في مقابلة خاصة مع "الاقصادي"، يقدم غندور خلاصة نصائح للشباب ورواد الأعمال العرب كان قد وصل إليها بعد أن سطر قصص نجاح متعددة، وبعد أن قرر التقاعد من إدارة أرامكس والتفرغ لتأسيس صندوق بقيمة 75 مليون دولار لدعم مشاريع الرواد العرب في مجال التقنية والبرمجيات والبيع الالكتروني ، فإلى الحوار التالي:
رحلة مليئة بالتجارب
+ بعد ثلاثة عقود من العمل في أرامكس والتي أوصلتها للعالمية، ماهي العبر ومبادئ النجاح التي استخلصتها من تجربتك، وتود أن يعرفها الشباب من وراد الأعمال العرب؟
++ رحلة العمل مليئة بالتجارب والأخطاء التي نتعلم منها، ولا يوجد أفضل من التجربة كأداة للتعلم، ولعل أهم العبر هي:
منذ البداية، نضع نصب أعيننا، أننا نسعى لنجاح طويل الأمد وقابل للاستدامة، نحن لا نسعى إلى نجاح آني أو فوري وغير مستدام.
فريق العمل أهم من رائد الأعمال نفسه، أهم الأشياء التي نُسأل عنها في سعينا لطلب الاستثمار في أفكارنا أو مشاريعنا هي من هو فريقك؟ يجب اختيار فريق عمل يشارك رائد الأعمال الثقة والقيم والطموح، علينا الإيمان بفكرتنا وبأهدافنا وبفريق العمل، وعلينا العمل بجد لبلوغ النجاح.
الحفاظ على السيولة النقدية أمر أساسي، من المهم أن نتعلم كيفية استثمار المال وإدارته، علينا الاستفادة القصوى من بيئتنا المحيطة، يجب أن نتعلم من أقراننا، ومن تجاربهم، ومن تجارب الشركات الأخرى.
يجب أن لا تقيدنا المخاوف من الفشل، حيث أن ريادة الأعمال تعني المخاطرة، والمخاطرة تحتمل الفشل، لكن لابد من بذل جهدٍ للنجاح، والتعلم من الإخفاق ومعرفة أسبابه، والفشل لا يُفترض أن يمنع تكرار المحاولة والتعلم من التجربة، إذا توقفنا عن المحاولة، نكون قد فشلنا حتماً.
علينا كرواد أعمال توفير خيار امتلاك أسهم في الشركة لفريق العمل، فذلك سيعزز روح الشراكة، ويحفز من حس المبادرة لديهم كما سيعمق إنتماءهم للشركة و يزيد عطاءهم.
+ وأنت تتحدث عن المبادرة والريادة وفريق العمل، يطرأ هنا سؤال عن فكرة المشروع الرائد، هل هو بالضرورة جديد كلياً أم يمكن أن يستلهم تجارب عالمية أخرى؟
لا ضرر في تقليد نماذج عالمية وإعادة تطبيقها على صعيد محلي، بعد تكييفها وملائمتها مع أهدافنا ومحيطنا، فالعديد من الشركات تتبع هذا الأسلوب وتبتكر في التطبيق وتتكيف مع المعطيات المحلية، والاستفادة من التجارب الغير الناجحة والابتكار في التكيّف الصحيح مع البيئة أمر مهم و ضروري .
فالمعرفة قضية محورية ومستمرة، لذلك علينا إيلاء الأولويّة دائماً لبناء المعرفة واكتساب المهارات لدى فريقنا وشركتنا. المعرفة تختلف عن المعلومة، وتتصل بالكيفيّة والطريقة في توظيف واستخدام المعلومة المتاحة للإفادة منها بالطريقة المثلى في بلوغ الأهداف بالسرعة القصوى والكلفة المناسبة، فقيمة المعرفة تكمن في تطورها الدائم وفي كيفية استخدامها، المعلومة التي نتعلمها اليوم ستصبح بعد أيام بلا قيمة لتقدمها، لذلك علينا الاهتمام بتنمية المعرفة بالبحث والتعلم والتدريب وتوظيفها بشكل صحيح وسريع، والمعرفة عملية مستمرة ومتواصلة، ويجب ألا نتوهم بامتلاكنا المعرفة الكاملة، وهناك الكثير الذي يمكن أن نتعلمه من الفريق الذي يعمل معنا ومن الذين يحيطون بنا.
لذا علينا أن نكون صبورين، فالصبر لا يقل أهمية عن الإرادة والعزم والإصرار، غير أنه يتوجب علينا إيجاد التوازن الضروري، بحيث لا يغلبنا الحماس والاندفاع بشكل يؤثر سلباً على قراراتنا، ولا يمنعنا التباطؤ من تفويت فرص جيدة، وكذلك إيلاء الاهتمام الضروري للمجتمع الذي نعمل في إطاره، فالمجتمع هو الحاضن للنجاحات والضامن بدعمه لاستدامتها.
سرعة الاستجابة
+ يلاحظ من تجربة فادي غندور أن للقرارات الجرئية دور في إحداث نقلات نوعية في حياته المهنية، كالقرار الجريء بتأسيس شركة تنافس "فيدكس" في الشرق الأوسط رغم عدم توفر الامكانات المالية، ثم القرار الجريء بفتح باب الاكتتاب والإدراج في بورصة "ناسداك"، إلى أي مدى ترى أن القرار الجريء مهم، وبم يختلف عن القرار المتسرع المخاطر، وماذا تقول لمن يفضل التدرج في الصعود؟
++ من طبيعة الأسواق أنها دائمة التغيّر، وأن المعطيات فيها تختلف بشكل دائم وسريع، وبالتالي سرعة الاستجابة لهذه المعطيات والجرأة في اتخاذ القرار المناسب أمران ضروريان للبقاء وللاستمرار، فقراراتنا يجب أن تكون سريعة لا متسرعة، جريئة ولكن مدروسة بعناية ومحسوبة بدقة.
علينا أن نكون دائماً يقظين، بمعنى، علينا كمتخذين للقرارات أن نكون مطّلعين وعلى معرفة بجميع العوامل المتعلقة بالقرار، ويجب أن نكون على دراية صحيحة متمكنة بالسوق، وبالبيئة المحيطة، فالمعرفة وحب التعلم، واللامركزية وقلة البيروقراطية، مع وجود فريق كفؤ سيساعد على تعزيز المرونة الضرورية التي ستمكننا من الاستجابة بسرعة واغتنام الفرص حال ظهورها، والقدرة على تمييز الفرص والاستعداد، وسرعة الاستجابة هو ما سيسمح لنا بالنمو والتطور.
عملي مع أرامكس مستمر
+ ماهي مبررات قرارك بالتقاعد عن العمل في أرامكس في عز مرحلة العطاء من عمرك، وكيف تتصور أن يكون مسار الشركة دون فادي غندور على المديين القريب والبعيد؟
++ لطالما آمنت وحافظت على مبدأ أن أفضل جانب في عملية بناء شركة هو أن تبنيها مع وللآخرين وأن تجعل منها منصة للطموح والابتكار الجماعي.
لقد عملنا جاهدين لبناء مؤسسة، والعمل المؤسسي بطبيعته المجردة لا يقوم على فرد واحد، بل يقوم على عمل فريق ومجهود جماعي، ويقوم البناء المؤسسي أيضاً على قيم جوهرية مهمة تقود العمل المؤسسي وتوجه مساره وهذه هي آلية العمل في "آرامكس"، وأنا على ثقة تامة بفريق "أرامكس" القيادي، وبقدرته على التطور وقيادة "أرامكس" من نجاح إلى نجاح أكبر.
ما زلت أعمل مع "أرامكس" بصفتي المؤسس ونائب رئيس مجلس الإدارة، وذلك للتركيز على عدة أمور كالتوسع الإستراتيجي، وإيجاد استثمارات جديدة، والاستدامة، وهي أمور اعتبرها مهمة وأساسيّة لنمو وتطور "آرامكس"، ولدعمها في سعيها لتعزيز موقعها كواحدة من أهم شركات العالم المزودة لخدمات النقل والحلول اللوجستية، بالإضافة إلى أنني أردت التفرغ لأمور قريبة جداً إلى عقلي وقلبي، وهي ريادة الأعمال والتنمية المستدامة، حيث أنني سأستمر في مواصلة فعل ما أحب وأستطيع: التوجيه والإرشاد، والإستثمار بدعم الروّاد وتعزيز ريادة الأعمال في العالم العربي.
ومضة
+ أسس فادي غندور بعد تقاعده من "أرامكس" صندوقاً بـ100 مليون دولار لدعم مشاريع الرواد في مجال التقنية والبرمجيات والبيع الالكتروني، لماذا اخترت هذه المجالات لتكون هدفا لدعم الصندوق، وكيف ترى فرصتها في النجاح؟
++ يسعى صندوق "ومضة" الاستثماري لجمع ما يعادل 50 إلى 75 مليون دولار للاستثمار في شركات تعمل في مجال التقنية والبرمجيات، الشركات الداعمة للتجارة الإلكترونية والدفع الإلكتروني، إضافة إلى شركات المحتوى العربي الإلكتروني وشركات التطبيقات والبرامج الخلوية، وذلك لأن هذه القطاعات ما تزال في المراحل الأولى من تطورها، ولأن إمكانيات النجاح والتوسع فيها كبيرة.
ويستطيع قطاع التكنولوجيا عموماً التنافس عالمياً بغض النظر عن الموقع الجغرافي، إضافة إلى قدرته على ابتكار حلول للأعمال ولمشاكل المجتمع، فنحن نرى دور التكنولوجيا في التجارة، حيث تشير الإحصائيات الأخيرة إلى أن القيمة الحالية لسوق التجارة الإلكترونية في الشرق الأوسط تبلغ 9 مليار دولار، ومن المتوقع مع حلول عام 2015 أن تصل هذه القيمة إلى ما يعادل 15 مليار دولار، نحن نرى أيضاً أهمية دور التكنولوجيا في مجال التعليم، ونقل المعلومات والإعلام.. الخ، فالفرص التي تتيحها التكنولوجيا تمثل مستقبل الأعمال.
الصندوق سيدخل لدول الخليج
+ لماذا استهدف الصندوق كل من الأردن وفلسطين ومصر ولبنان، وهل لديكم خططاً للتوسع في دول أخرى، كيف ترون مستقبل الصندوق خلال خمس سنوات؟
++ استهدف صندوق الاستثمار هذه البلاد، لأننا نرى الكثير من القدرات والمواهب الشابة القوية وريادي الأعمال، ولأن هناك عطش كبير لتأسيس الشركات من قِبل الشباب.
ويسعى صندوق الاستثمار لجمع رأس مال استثماري ما يعادل 50 إلى 75 مليون دولار، مع التركيز بشكل أساسي على الاستثمار في الأردن ومصر، ولبنان وفلسطين، ولكننا نسعى أيضاً إلى التوسع إلى دول مجلس التعاون الخليجي.
+ ماهي الآلية التي سيتم من خلالها قبول رواد الأعمال الراغبين بالحصول على دعم من الصندوق، وهل يمكن أن تساهم معكم شركات أخرى في دعم الصندوق؟
++ نعم، نحن نسعى لبناء شراكات مع المؤسسات والشركات المؤمنة برسالة صندوق "ومضة" الاستثماري ودوره في دعم الريادة، وسيستهدف في استثماره الشركات التقنية التي تسعى إلى التوسع في المنطقة أو دولياً.
+ تشير الدراسات العربية إلى أن التمويل ليس هو المشكلة الوحيدة التي تواجه رواد الأعمال العرب، فهل لديكم خطط أخرى للمساهمة في تأهيل رواد الأعمال، ليحولوا أفكارهم إلى مشاريع ناجحة؟
++ نحن على علم أن التمويل ليس هو المشكلة الوحيدة التي تواجه رواد الأعمال، وأنه جزء صغير من منظومة أكبر، هناك عناصر أخرى لا تقل أهمية عن التمويل، وهناك البيئة المحفزة، والبيئة القانونية والتعليم، وهناك أيضاً التوجيه والإرشاد، وتعزيز قدرة دخول الرواد إلى الأسواق، وربطهم بشبكات العلاقات.
لهذا كانت مبادرة ومفهوم "المسؤولية الريادية للشركات" والتي نرتكز عليها في سعينا لحشد التأييد وتحفيز القطاع الخاص وتنظيم جهوده نحو بناء بيئة داعمة للريادة والرواد، وذلك من خلال مساهمة القطاع الخاص برأسماله ومعرفته ومهاراته وشبكاته، من أجل تمكين جيل جديد من الرياديين.
+ ما الذي سيختلف فيه صندوق الدعم الذي قدمه فادي غندور عن باقي الصناديق والمشاريع الناشطة في المنطقة مثل أواسيس 500 وغيرها؟
++ أواسيس 500 يختلف عن صندوق "ومضة" الاستثماري، بأنه يقدم رأس مال تأسيسي لشركات ناشئة، بينما صندوق "ومضة" الاستثماري يُعنى بالشركات التي تعدت مرحلة الإنشاء، ولديها خطط هدفها التوسع إلى المنطقة ككل أو حتى دولياً، وهنا يأتي دور صندوق الاستثمار بتقديم رأس المال الذي سيساعد في خطط التوسع التي تهدف لتحقيقه.
الفأرة ستحل محل الفيل
+ مما نقله عنك الكاتب الشهير توماس فريدمان في كتابه العالم مسطح The World Is Flat قولك أنّ "الفأرة ستحل محل الفيل"، مالذي تقصده بهذه المقولة؟
++ قصدت أن أقول أن الحجم الصغير للشركات يجعلها تتميز بالمرونة، وتتحرك بخفة لتستجيب بسرعة لما يطرأ من تغييرات وتحديات، إضافة إلى أن الحجم الصغير للشركات يجعل القدرة على التكيّف أسهل والرغبة في التعلم أكبر، كما أن خاصية اللامركزية التي تتمتع بها بعض الشركات الصغيرة، تكسبها ميزة التنافسية، وتحفز بذلك الإبتكار والإبداع بين موظفيها، إلا أن هذا لا يعني أننا لا نشجع على النمو والتوسع، ولكننا في نفس الوقت نشدد على أهمية المرونة، سرعة التعلم، واللامركزية.
+ هل تؤمن بتوسع اهتمامات رواد الأعمال بعد تجربة عملك في "أرامكس" و"مكتوب" واستثمارك في Yemeksepeti.com وهو أكبر مزود للاطعمة بطريقة الديلفري في تركيا، مالذي تقوله عن هذا المبدأ في التوسع، ومتى يجب أن يبدأ به رواد الاعمال؟
++ التوسع أمر جيد، ولكن يجب أن لا يكون على حساب نوعية وجودة المخرجات، سواء كانت سلعية أو خدمية، نحن نبني أولاً ما نريد تقديمه لزبائننا أو عملائنا سواء خدمة أو سلعة، ونطوّر فيه قدر الإمكان، ويجب أن نتفوق في هذا الجانب، وفي نفس الوقت نبحث دائماً عن الفرص التي ستحسن وتطور من قيمة المخرجات، وعند ترتيب الأولويات، نضع زبائننا أو عملائنا في المقام الأول ولا نخاطر أبداً في تلبية وعودنا لهم، وفي إيصال ما يتوقعون أو ينتظرون منا.
منطقتنا تعاني من أعلى نسب البطالة في العالم
+ يتصدر الشباب العربي بعد الأحداث التي تشهدها الدول العربية المجال السياسي، فكيف ترى تأثير هذا الحراك على دور الشباب في الاقتصاد في مستقبل الدول العربية؟
++ حراك الشباب العربي هو في أساسه من أجل حياة أفضل، من أجل فرص أفضل وسعياً لأوضاع اقتصادية واجتماعية وسياسية أفضل، الموضوع هو في الحقيقة موضوع "تمكين الشباب"، كما أنني أرى أنه مع مطالبة الشباب بالتغيير على كل الجبهات، سوف نرى مزيداً من بروز رواد الأعمال الذين سوف يتكفلون بأنفسهم بصنع مستقبلهم ودعم مجتمعاتهم وإيجاد الحلول للتحديات التي يواجهونها.
تعتبر "ريادة الأعمال"، وأن يكون هناك جيل معنيّ بخلق فرص عمل، لا بالبحث عن فرص العمل المتاحة، أحد أهم السبل لمواجهة تحديات قضية الإنتاج في الوطن العربي، لهذا أعتبر "ريادة الأعمال" أمر جوهري ولا بد منه.
الشباب العربي يملك صوتاً، وهو صوت متفائل حسب ما تشير إليه دراسة عن الشباب العربي، حيث بينت الدراسة أن الدخل المادي العادل، وامتلاك مكان للسكن ومواجهة مسألة ارتفاع تكاليف العيش، هي أهم ما يشغل فكر الشباب العربي.
كما أشارت الدراسة إلى أن 74% من الشباب العربي يؤمن أن القادم أفضل، وبالإضافة إلى ذلك 90% من الشباب العربي من ذوي الدخل المحدود يعتقدون أن العمل الجاد ممكن أن يقودهم إلى أوضاع أفضل.
لكن الواقع هو أن منطقتنا تعاني من أعلى نسب البطالة في العالم، لذلك علينا أن نعلم أن طموحات وتطلعات الشباب العربي ستتحول إلى إحباط إن لم نعمل بجد لخلق فرص عمل ومساحة للريادة والابتكار لشبابنا، وذلك لا يمكن أن يحدث بدون قطاع خاص قوي متمكن ومبادر، ولا يمكن أن يحدث من غير مشاركة حقيقية وفعالة من القطاع الخاص في مجال التعليم خصوصاً، لتمكين الشباب وإكسابهم مهارات تؤهلهم لخلق الفرص، وتمكنهم من المنافسة في سوق عمل مترابط عالمياً.
ومن هنا أرى أن على القطاع الخاص التركيز على دعم ريادة الأعمال، ليس لأنها تخلق فرص عمل جديدة فحسب، بل لأنها أيضاً تشجع على الابتكار، وتعمل على مضاعفة حجم الأسواق، ولأنها في النهاية تؤدي إلى خلق قيمة مضافة وتولِّد ثروات جديدة، إذ يستطيع القطاع الخاص اليوم مع ما يملكه من موارد - رأس مال، وخبرات و شركاء أن يكون ممثلاً كفؤاً ليقود مبادرات يعالج بها بعض أهم القضايا الملحة التي تواجه شباب المنطقة وأهمها البطالة.
هذا ما ندعو إليه من خلال مفهوم "المسؤولية الريادية للشركات"، وأنا أتوجه بندائي إلى القطاع الخاص لأخذ دور فعّال ومحوري في بناء مستقبل أكثر إشراقاً.
نحن ندعو لبناء مجتمعات ريادية شاملة، حيث لكل فرد ومؤسسة فيها دور يقوم به للمساهمة في بناء بيئة محفزة للريادة، فهذا جهد جماعي يقوده فريق متكامل: الرياديون، القطاع الخاص والقطاع العام والمجتمع المدني والحكومات، وإن صعوبة التحديات التي تواجهها المنطقة العربية اليوم لا يمكن حلها بدون قطاع خاص قوي، وبدون شراكات قوية فاعلة بين القطاعات كافّة الخاص والعام والحكومي والمجتمع المدني، فهذا لم يعد خياراً بل بات ضرورة ملحة، وعلى شركات الأعمال أن تكثف جهودها وأن تشارك وتتفاعل مع مجتمعاتها، من أجل نجاحها وتطورها وضمان استدامتها وتحقيق رفاهيتها ورفاهية المجتمع.