[url=http://www.anfasse.org/images/stories/images russe2 -120/7567.jpg]
[/url]
0inShare
Share on Tumblrتقترح هذه المداخلة عرض رهانين اتجاه إدراك العلاقة ( فلسفة ـ تواصل ) وهما: الرهان المعياري والرهان التبليغي .
فالأول يتعلق بالعملية التواصلية والتي أثارها باحثون في حقول متعددة علوم الإعلام، بسيكولوجيا، سوسيولوجيا الخ….أما الثاني فيتضمن إمكانات تبليغ الفلسفة وتعليمها.
فالتواصل * كما يعرفه شارل كولي Charles Cooley، هو الميكانيزم الذي بواسطته توجد العلاقات الإنسانية وتتطور. إنه يتضمن كل رموز الذهن مع وسائل تبليغها عبر المجال وتعزيزها في الزمان. فالتواصل من خلال هـذا التعريف هو جوهر العلاقات الإنسانية ومحقق تطورها. مما يجعلنا نستشف منه جملة الوظائف والآليات والأنواع ..منه خاصة الوظيفة المعرفية المتتمثلة في نقل الرموز الذهنية وتبليغها زمكانيا بوسائل لغوية وغير لغوية؛ والوظيفة التأثيرية الوجدانيةالقائمة على العلاقات الإنسانية.
في الرهان المعياري أو في التواصل من المنظور الفلسفي:
لقد طُرح مفهوم الأنا والغير في الخطاب الفلسفي كثيرا من الإشكاليات التي تنصب كلها في كيفية التعامل مع الغير وكيف يمكن للأنا النظر إلى الغير؟!
يذهب الفيلسوف الألماني "هيجل" على أن العلاقة بين الأنا والغير هي علاقة سلبية قائمة على الصراع الجدلي كما توضح ذلك نظريته جدلية السيد والعبد. أما "جان بول سارتر" فيرى أن الغير ممر ووسيط ضروري للأنا إلا أن الغير جحيم لا يطاق لأنه يشيىء الذات أو الأنا. لهذا فهو يدعو إلى التعامل مع الغير بحذر وترقب وعدوان، وأنه يستحيل التعايش بين الأنا والغير أو التواصل بينهما مادام الغير يستلب حرية الأنا ويجمد إرادته. لذلك قال: " أنا والآخرون إلى الجحيم".في مقابل " ميرلوبونتي" الذي رفض نظرية سارتر التجزيئية العقلانية، واعتبر أن العلاقة بين الأنا والغير إيجابية قائمة على الاحترام والتكامل والتعاون والتواصل. وأساس هذا التواصل هواللغة. أما "ماكس شيلر" فيرى أن العلاقة بين الأنا والغير قائمة على التعاطف الوجداني والمشاركة العاطفية الكلية مع الغير ولا تقوم على التنافر أو البغض والكراهية. ويرى" جيل دولوز" أن العلاقة التواصلية بين الأنا والغير في المجال المعرفي البنيوي قائمة على التكامل الإدراكي.
Read Moreوإذن ومن خلال هذه الرؤى ..نتساءل ، هل الفلسفة في حاجة إلى التواصل؟، أو هل يجب على الفلسفة أن تتخذ، ، التواصل كموضوع للتفكير في المقام الأول؟ ، نظرا للمكانة وللدور الذين يميزانه داخل المجتمعات المعاصرة، وهل يجب على الفلسفة نفسها أن تصبح قابلة للتواصل، كمنظومة وكوظيفة معرفية؟.
تساؤلاتنا هاته ، ناجمة عن وجهة نظر الفلسفة التي لا يمكنها أن تختزل إلى أي وجهة من وجهات النظر التي توفرها الفروع المعرفية الأخرى كعلوم الإعلام والتواصل وكذا كل العلوم الاجتماعية، وبعناوين مختلفة أو لما أسماه هابرماس Habermas بالتأثيرات التواصلية . كما أنها ناجمة عن مدى إدراك العلاقة الموجودة بين الفلسفة والعلوم الإنسانية ، تحديدا إلى أي حد تتعاطى الفلسفة مع هذه العلوم ؟ في حين، نعتبر إن المقاربة الفلسفية ليست مقاربة خاصة من بين مقاربات أخرى.إنها، مقاربة شمولية ومقاربة أخلاقية Axiologique تأتي لاحقة للمقاربات الأخرى أو هكذا نريد لها.
إن التواصل يظهر قبل أي فحص فلسفي، باعتباره مجموعة من ظواهر الحياة الجماعية للكائنات البشرية، فإنه لكي يوجد (التواصل ) لا يحتاج بالضرورة إلى الفلسفة. وعلى العكس من ذلك، فإن الفلسفة أحوج إلى التواصل في هذا المستوى. ولتسوية أسئلة الحاجة (فلسفة ـ تواصل ) ينبغي الأخذ بعين الاعتبار طبيعة ما هو متبادل في التواصل بين الأفراد وكيفيات إجراء هذا التبادل.
ولأن الفلسفة بفحصها، بطريقتها الشمولية والأخلاقية، للسيرورات التواصلية ..فإنها تنشد التوق إلى تحرير التفكير الفلسفي من القيود التي تشله اليوم.
لكن الحادث فيما يعتقده الكثير منا اليوم، أنه ما دام بإمكان الفلسفة الاستمرار في الاشتغال كفرع متخصص، فإنها قد تخضع لانحطاط محتوم، كونها تعهد لعلوم الإعلام والتواصل والاجتماع .. بالدراسة التامة للسيرورات التواصلية. (أي لم تنزل من برجها العاجي بعد ) .لكنها إذا أرادت فعليها استخدام أسلحتها الخاصة لمواجهة الأشكال الأكثر حداثة للتواصل، أشكال في طريق التحول المستمر. ونعتقد أن أفلاطون Platon كان على حق عندما كان يقول، في استعارة الكهف، إن الفيلسوف وبعدما يرتقي إلى معرفة العالم العلوي، عليه العودة إلى الأسفل ليعلم الذين ليسوا بفلاسفة طرق الخير.
كان هذا التعليم يفترض أن الفيلسوف، إضافة إلى معرفته بعالم الأفكار، كان يمتلك معارف تلامس شروط حياة من يعاصرونه من الناس. أما اليوم، فالفيلسوف يفهم أنه لا ينبغي له أن يبقى سجين ما يسمى تخصصا، الذي قد يكون تخصصه، وأن عليه أن يتحدث مع الكائنات البشرية الأخرى وأن يتلمس معها الطريق، الذي يتحمل مسؤولية تعريفه. كذلك ينبغي له استيعاب معارف متعلقة بأنماط العيش المعاصرة وبالتواصل الاجتماعي الكامن في قلب هذه الأنماط وصياغتها بقوة. فليس من باب العشوائية أو التعسف أن نزعم أن الفلسفة في حاجة، أكثر من أي وقت مضى، إلى التواصل في كل أشكاله، خاصة في أشكاله الأكثر حداثة.
إنه الرهان المعياري للفلسفة، لأنه يخص آفاق العلاقة الإنسانية التي تتلخص في ضرورة بناء مجتمع حواري يوجهه مبدأ قبول الآخر المختلف. فالتواصل، وإن كان ينطلق من إستراتيجية تأكيد الذات والتأثير في الآخر، إلا أنه يهدف في العمق إلى بناء ما يسميه هابرماس Habermas بـ"الفضاء العمومي" كفضاء للعلاقات القائمة على الاختلاف والحوار وسيادة روح الديمقراطية والتسامح.
ويمكن تحقيق ذلك، إذا ما نحن شيدنا نموذجا آخر للتواصل، يعوض التعاقد الاجتماعي الكلاسيكي بين الفرد والمجتمع، بتوافق تبلوره المناقشة بين جميع الأفراد بهدف تحقيق "المواطنة الديموقراطية". ويؤكد "هابرماس" بأن هذا الأمر سيسمح بخلق علاقات تشاورية تشكل مستوى أرقى من الديموقراطية التمثيلية ، لأنها ستؤدي إلى تبادلات أوسع يتم فيها إعادة الاعتبار إلى الذات الفاعلة في فضاء المجتمع.
فالفيلسوف باستحواذه معرفيا على السيرورات التواصلية، باعتبارها عوامل فاعلة بامتياز في مصير المجتمعات والأفراد، سيعي دوره حيال هذا المصير والذي من دون تدخله فإن التواصل قد ينجز بطريقة ما خارجة عن أي تحكم إنساني. إن الفيلسوف بمحاولته صياغة مبادئ وقواعد تهم اشتغال التواصل الجديد، سيخرج تماما مما أسميناه سابقا "برجه العاجي" أو من تخصصه المتعالي ..من أجل مواجهة مسؤولياته الخاصة من بين أناس آخرين. وهذا لا يعني بأي حال ، تحويل الفيلسوف المحترف، الذي أشرنا إلى بعض من حدوده ..، أن يتحول إلى ما يشبه المبشر "أو الداعية" الذي يطالب الناس بالتكيف مع نصوصه..، . إنه، بالأحرى، متعلق بحثََ الفيلسوف على الاستحواذ فكريا على التواصل الاجتماعي ومن تم مساءلة الجمهور وحث كل فرد من الأفراد المكونة له على التفكير الشخصي حول طبيعة وسائل الإعلام وعلى أفضل استعمال لها في حياته.
لقد أثبتت الدراسات في مجال علوم الإعلام أن التواصل لا يتضمن فقط فعل الإخبار أو التبليغ، بل يبحث أيضا عن طرق التأثير في الآخر وإيهامه وإغرائه. يتضح إذن بأن التواصل عملية معقدة، توجب لنا الكشف عن طبيعة هذا التعقيد، وإبراز الرهانات والمفارقات لهذه العملية. بمعنى آخر، إذا كان الفيلسوف يدعو الجمهور، مثلا، إلى عدم الالتفات إلى وسائل الإعلام وإلى عدم مشاهدة التلفزة أو الاستماع إليها، مثلما تتمنى ذلك أقلية من المفكرين، ( بورديو مثلا في كتابه حول التلفزيون ) ..فليس لأنه ينطلق من مشروع معرض للفشل، لكن أيضا، قد يتخلى عن الميدان الذي يجرى فيه الجزء الأكبر من مصير إنسانية المستقبل. وهنا نشير إلى راهن الصورة وتأثيرها القوي والمتزايد على المتلقي في مقابل تأثير المكتوب و الشفوي.. وكذا مسألة استقبال المعلومة من طرف المتلقي الذي لا يمكن اعتباره سلبيا بأية حال، فهو يقوم بفك رموز الرسالة وتحليلها وتأويلها. بحيث تتحكم في ممارسته هاته مجموعة عوامل منها: مرجعيته الثقافية وحمولته المعرفية والمسافة القائمة بين مستواه الثقافي والمستوى المطلوب لفهم المعلومة.
سيكون على الفلسفة أن تبرز لأي نظام تشريعي ، لا يمكنه أن يجعل أي فعل للتواصل الإعلامي كاملا من كل الجوانب، كما يجب عليها أن تدعو إلى اليقظة والحذر من الكل، خاصة يقظة المواطنين، حول الواقع الفعلي باعتبارهم يتأثرون أكثر مما يؤثرون. ذلك هو حرص الفيلسوف على الفعل. حينئذ، يكون التواصل في حاجة إلى الفلسفة؛ في الواقع لأنها تمنح التواصل مكانة داخل الوضع الإنساني. و تقترح عليه التلاؤم مع قيم ما. فالتواصل قوة هائلة تفتقد التحكم في ذاتها مثلما تفتقد المراقبة الذاتية.
ولأن علوم الإعلام والاتصال وكذا العلوم الأخرى التي تدرس الظواهر الإنسانية، تأخذ بأحكام الواقع في حين صياغة أحكام القيمة من مهام الفلسفة. إن هذه العلوم تزودنا بمعرفة ضرورية حول السيرورات التواصلية لكن لا تحثنا على اكتساب تحكم أو مراقبة على هذه السيرورات التواصلية. إن هاته الرسالة موكولة بجلاء إلى الفلسفة. وإلا من أين تأتي المبادئ المسماة بأخلاق الإعلام infoéthique أو قواعد الأدبيات التي ينبغي أن يحترمها المتصرفون في الإعلام، إن لم تأت من فلسفة الأخلاق، المؤهلة لوحدها، نظرا لطبيعتها ولوظيفتها، في إظهار القيم الكونية التي بإمكانها أن تحمينا ضد كل أشكال الهمجية؟
إن الفكر الفلسفي يبين الطريق المؤدي إلى التحكم التدريجي في نفس الوسائط الإعلامية ويبين القيم والمبادئ والقواعد التي تبحث جادة في إخراج التواصل الاجتماعي إلى نوع من الاشتغال من دون مراقبة أخرى سوى مراقبة عقلانية تقنية وإن كانت محدودة النظر.. إن الفيلسوف بتحوله إلى رائد للتواصل، بصيغة جديدة، سيؤكد بريادته إلى أي حد سيمكن لتواصل بلغ مرحلة التداول الإعلامي الاستفادة من الفلسفة المتجددةوالتواصل كانا وما زالا وسيظلان في حاجة أحدهما للآخر. وسوف لن يكون من باب المبالغة التأكيد على أنه من دون مرجعية تواصلية فإن الفلسفة ستصبح تأملا محروما من مصلحة إنسانية أساسية، وأنه من دون ارتباط التواصل بالفلسفة، سيصبح غولا ينقلب ضد الكائنات البشرية التي أوجدته وطورته.·
في الرهان التبليغي أو في مدى إمكان الفلسفة :
استتباعا لما سبق الإشارة إليه في الرهان المعياري للفللسفة نتساءل عن كيف يتحدد فعل التواصل في درس الفلسفة؟ وما هي رهانات هذا الدرس؟ وكيف يمكن للفلسفة أن تكون فضاءا للحوار وللديمقراطية؟.، إن الأمر يتعلق هنا تحديدا بالحرية المتمثلة في فعل التفلسف، أي في ممارسة التفكير النقدي التساؤلي وبالضرورة المتمثلة في المؤسسة المدرسية ومختلف الإلزامات البيداغوجية التي يطرحها تعليم الفلسفة. بعيدا عن طروحات تنفي عن الفلسفة في نقاشاتها أي تواصل *
إن مسألة تبليغ الفلسفة وإيصالها إلى المتلقي، وهي مسألة وإن كانت راهنة، إلا أنها تحيل على نقاشات فلسفية قديمة، برزت بالخصوص مع أفلاطون ضمن مقولات النضج الفلسفي وسن التفلسف، واستمرت عبر تاريخ الفكر الفلسفي مع كانط، هيجل ونيتشه، وصولا إلى شاتلي، دولوز ودريدا. وقد أثيرت في إطارها علاقة الفلسفة بالمؤسسة [كإنتاج للمعارف وللحقائق ] وأيضا علاقة حرية الفرد في التفكير وفي إصدار الأحكام، بالضرورة البيداغوجية والديداكتيكية. وبعيدا مرة أخرى عن استراتيجيتين مختلفتين في تبليغ الفلسفة: تراهن الأولى على تعلم التفلسف (كانط )وتراهن الثانية على تعليم الفلسفة (هيجل) .
لقد أكد دريدا في نص شهير له بأن قسم الفلسفة في الثانويات هو الفضاء الذي يمكن فيه لنصوص حول الحداثة النظرية والماركسية والتحليل النفسي على الخصوص أن تؤدي إلى ممارسة القراءة والتأويل. مما يعني أن درس الفلسفة هو المجال الذي يمكن فيه الانفتاح على الشأن الإنساني، أي على كل ما له صلة بالفعالية الإنسانية: اجتماعيا وسياسيا وثقافيا وفكريا. فإن هذا الدرس يجب أن يراهن على مسألتين أساسيتين وهما: الحداثة والعقلانية.
وقد ارتبط مفهوم الحداثة، كما هو معلوم بمقولات العقل وتقدم العلوم أي بأهمية النشاط العقلاني للإنسان، الذي سيطال مختلف المجالات: تقنية كانت أو إدارية، سياسية أو اقتصادية. لذلك فإن المجتمعات الحديثة قد أسست لمفاهيم مركزية، عرفت انطلاقتها من فكر الأنوار وارتبطت بعد ذلك بفكرة الذاتية والنزعة الإنسانية والتقنية والمشروع الكوني. وتتجلى هذه المفاهيم عبر فكرة المواطنة والديموقراطية والمعرفة النسبية ومفهوم المثقف ومفهوم التاريخ ومفهوم الحق الخ. وهي مفاهيم ملازمة للعقل وللعقلانية. فالحداثة بهذا المعنى هي إقرار للتعدد والاختلاف ورفض للتجانس والتماهي والخضوع، ولذلك فإن مفاهيم الذاتية والفردية والحرية، تمثل مرجعيات المجتمعات الحديثة، حيث تعبر العلاقات الاجتماعية عن حرية الأفراد واستقلالهم الذاتي. وكما يؤكد ألان تورين A.Touraine فإن الفرد مواطن بسبب وجوده الفردي الحر، مثلما أنه حر بسبب المواطنة التي يتمتع بها.
من أجل هذا ، يمكن اعتبار الفلسفة كمجال لتجلي الفكر الحداثي، لأنها تنبني على الاعتراف بتعدد المواقف والرؤى، وتستند على مبدأ الإنصات والتحاور مع الآخر وعلى المساءلة والنقد، أي أنها تقوم على ما يدعوه كانط بـ"الحرية العقلية" التي لا يمكن للفلسفة أن توجد بدونها. لذلك، يمكن الإقرار بأن فعل التفكير كاستخدام لملكة العقل، يقوم أساسا على مبدأ الحرية. وشرط التفلسف هو تفعيل الحوار والتخلي عن كل نزعة دوغمائية أو إقصائية، والتأكيد بالتالي على أن الفكر الفلسفي هو وجه من وجوه "الثقافة الديموقراطية".
ولأن التفلسف هو بمثابة ممارسة نقدية، فهو يستدعي خوض غمار المساءلة والدخول في معترك الأسئلة، عبر تتبع مسارات الفكر الذي ينادينا ويدعونا للقيام بفعل التفكير، فهو إذن دعوة للابتكار والخلق ولخلخلة الثوابت والبديهيات والمطلقات وتفكيكها من الداخل. فعبر عملية التفكيك، تصبح كل القضايا عرضة للمساءلة والنقد والحوار وهذا هو الهدف الأساسي من كل ممارسة فلسفية. إذ لايمكن الحديث عن حرية الراي والتعبير داخل قاعات الدرس ، دون ربطها بوضع الحريات بمختلف مؤسسات المجتمع ومن ضمنها المؤسسات التعليمية . إنه رهان الفلسفة سياسيا وثقافيا وخاصة تواصليا . من ثم كان درسها ملزم بخلق فضاء حواري قائم على الاستفهام والاستشكال، بغية بعث روح النقد والمساءلة لدى متلقي المعرفة الفلسفية. مما يستوجب بطبيعة الحال، توفر فضاء مؤسساتي منبن على الحرية واحترام الآراء المعارضة والمغايرة وإمكانية الإبداع.
*- نود الإشارة هنا إلى أننا سننطلق من فرضية مفادها أن الفلسفة تواصلية، متجنبين الخوض في النقاش الذي أثاره جيل دولوز وفليكس غاتاري عبر المصادر القائلة بأن الفلسفة لا تتأمل ولا تفكر ولا تتواصل.
-----------------------------
د.عبدالله موسى
قسم الفلسفة / جامعة وهران
تقترح هذه المداخلة عرض رهانين اتجاه إدراك العلاقة ( فلسفة ـ تواصل ) وهما: الرهان المعياري والرهان التبليغي .
فالأول يتعلق بالعملية التواصلية والتي أثارها باحثون في حقول متعددة علوم الإعلام، بسيكولوجيا، سوسيولوجيا الخ….أما الثاني فيتضمن إمكانات تبليغ الفلسفة وتعليمها.
فالتواصل * كما يعرفه شارل كولي Charles Cooley، هو الميكانيزم الذي بواسطته توجد العلاقات الإنسانية وتتطور. إنه يتضمن كل رموز الذهن مع وسائل تبليغها عبر المجال وتعزيزها في الزمان. فالتواصل من خلال هـذا التعريف هو جوهر العلاقات الإنسانية ومحقق تطورها. مما يجعلنا نستشف منه جملة الوظائف والآليات والأنواع ..منه خاصة الوظيفة المعرفية المتتمثلة في نقل الرموز الذهنية وتبليغها زمكانيا بوسائل لغوية وغير لغوية؛ والوظيفة التأثيرية الوجدانيةالقائمة على العلاقات الإنسانية.
في الرهان المعياري أو في التواصل من المنظور الفلسفي:
لقد طُرح مفهوم الأنا والغير في الخطاب الفلسفي كثيرا من الإشكاليات التي تنصب كلها في كيفية التعامل مع الغير وكيف يمكن للأنا النظر إلى الغير؟!
يذهب الفيلسوف الألماني "هيجل" على أن العلاقة بين الأنا والغير هي علاقة سلبية قائمة على الصراع الجدلي كما توضح ذلك نظريته جدلية السيد والعبد. أما "جان بول سارتر" فيرى أن الغير ممر ووسيط ضروري للأنا إلا أن الغير جحيم لا يطاق لأنه يشيىء الذات أو الأنا. لهذا فهو يدعو إلى التعامل مع الغير بحذر وترقب وعدوان، وأنه يستحيل التعايش بين الأنا والغير أو التواصل بينهما مادام الغير يستلب حرية الأنا ويجمد إرادته. لذلك قال: " أنا والآخرون إلى الجحيم".في مقابل " ميرلوبونتي" الذي رفض نظرية سارتر التجزيئية العقلانية، واعتبر أن العلاقة بين الأنا والغير إيجابية قائمة على الاحترام والتكامل والتعاون والتواصل. وأساس هذا التواصل هواللغة. أما "ماكس شيلر" فيرى أن العلاقة بين الأنا والغير قائمة على التعاطف الوجداني والمشاركة العاطفية الكلية مع الغير ولا تقوم على التنافر أو البغض والكراهية. ويرى" جيل دولوز" أن العلاقة التواصلية بين الأنا والغير في المجال المعرفي البنيوي قائمة على التكامل الإدراكي.
Read Moreوإذن ومن خلال هذه الرؤى ..نتساءل ، هل الفلسفة في حاجة إلى التواصل؟، أو هل يجب على الفلسفة أن تتخذ، ، التواصل كموضوع للتفكير في المقام الأول؟ ، نظرا للمكانة وللدور الذين يميزانه داخل المجتمعات المعاصرة، وهل يجب على الفلسفة نفسها أن تصبح قابلة للتواصل، كمنظومة وكوظيفة معرفية؟.
تساؤلاتنا هاته ، ناجمة عن وجهة نظر الفلسفة التي لا يمكنها أن تختزل إلى أي وجهة من وجهات النظر التي توفرها الفروع المعرفية الأخرى كعلوم الإعلام والتواصل وكذا كل العلوم الاجتماعية، وبعناوين مختلفة أو لما أسماه هابرماس Habermas بالتأثيرات التواصلية . كما أنها ناجمة عن مدى إدراك العلاقة الموجودة بين الفلسفة والعلوم الإنسانية ، تحديدا إلى أي حد تتعاطى الفلسفة مع هذه العلوم ؟ في حين، نعتبر إن المقاربة الفلسفية ليست مقاربة خاصة من بين مقاربات أخرى.إنها، مقاربة شمولية ومقاربة أخلاقية Axiologique تأتي لاحقة للمقاربات الأخرى أو هكذا نريد لها.
إن التواصل يظهر قبل أي فحص فلسفي، باعتباره مجموعة من ظواهر الحياة الجماعية للكائنات البشرية، فإنه لكي يوجد (التواصل ) لا يحتاج بالضرورة إلى الفلسفة. وعلى العكس من ذلك، فإن الفلسفة أحوج إلى التواصل في هذا المستوى. ولتسوية أسئلة الحاجة (فلسفة ـ تواصل ) ينبغي الأخذ بعين الاعتبار طبيعة ما هو متبادل في التواصل بين الأفراد وكيفيات إجراء هذا التبادل.
ولأن الفلسفة بفحصها، بطريقتها الشمولية والأخلاقية، للسيرورات التواصلية ..فإنها تنشد التوق إلى تحرير التفكير الفلسفي من القيود التي تشله اليوم.
لكن الحادث فيما يعتقده الكثير منا اليوم، أنه ما دام بإمكان الفلسفة الاستمرار في الاشتغال كفرع متخصص، فإنها قد تخضع لانحطاط محتوم، كونها تعهد لعلوم الإعلام والتواصل والاجتماع .. بالدراسة التامة للسيرورات التواصلية. (أي لم تنزل من برجها العاجي بعد ) .لكنها إذا أرادت فعليها استخدام أسلحتها الخاصة لمواجهة الأشكال الأكثر حداثة للتواصل، أشكال في طريق التحول المستمر. ونعتقد أن أفلاطون Platon كان على حق عندما كان يقول، في استعارة الكهف، إن الفيلسوف وبعدما يرتقي إلى معرفة العالم العلوي، عليه العودة إلى الأسفل ليعلم الذين ليسوا بفلاسفة طرق الخير.
كان هذا التعليم يفترض أن الفيلسوف، إضافة إلى معرفته بعالم الأفكار، كان يمتلك معارف تلامس شروط حياة من يعاصرونه من الناس. أما اليوم، فالفيلسوف يفهم أنه لا ينبغي له أن يبقى سجين ما يسمى تخصصا، الذي قد يكون تخصصه، وأن عليه أن يتحدث مع الكائنات البشرية الأخرى وأن يتلمس معها الطريق، الذي يتحمل مسؤولية تعريفه. كذلك ينبغي له استيعاب معارف متعلقة بأنماط العيش المعاصرة وبالتواصل الاجتماعي الكامن في قلب هذه الأنماط وصياغتها بقوة. فليس من باب العشوائية أو التعسف أن نزعم أن الفلسفة في حاجة، أكثر من أي وقت مضى، إلى التواصل في كل أشكاله، خاصة في أشكاله الأكثر حداثة.
إنه الرهان المعياري للفلسفة، لأنه يخص آفاق العلاقة الإنسانية التي تتلخص في ضرورة بناء مجتمع حواري يوجهه مبدأ قبول الآخر المختلف. فالتواصل، وإن كان ينطلق من إستراتيجية تأكيد الذات والتأثير في الآخر، إلا أنه يهدف في العمق إلى بناء ما يسميه هابرماس Habermas بـ"الفضاء العمومي" كفضاء للعلاقات القائمة على الاختلاف والحوار وسيادة روح الديمقراطية والتسامح.
ويمكن تحقيق ذلك، إذا ما نحن شيدنا نموذجا آخر للتواصل، يعوض التعاقد الاجتماعي الكلاسيكي بين الفرد والمجتمع، بتوافق تبلوره المناقشة بين جميع الأفراد بهدف تحقيق "المواطنة الديموقراطية". ويؤكد "هابرماس" بأن هذا الأمر سيسمح بخلق علاقات تشاورية تشكل مستوى أرقى من الديموقراطية التمثيلية ، لأنها ستؤدي إلى تبادلات أوسع يتم فيها إعادة الاعتبار إلى الذات الفاعلة في فضاء المجتمع.
فالفيلسوف باستحواذه معرفيا على السيرورات التواصلية، باعتبارها عوامل فاعلة بامتياز في مصير المجتمعات والأفراد، سيعي دوره حيال هذا المصير والذي من دون تدخله فإن التواصل قد ينجز بطريقة ما خارجة عن أي تحكم إنساني. إن الفيلسوف بمحاولته صياغة مبادئ وقواعد تهم اشتغال التواصل الجديد، سيخرج تماما مما أسميناه سابقا "برجه العاجي" أو من تخصصه المتعالي ..من أجل مواجهة مسؤولياته الخاصة من بين أناس آخرين. وهذا لا يعني بأي حال ، تحويل الفيلسوف المحترف، الذي أشرنا إلى بعض من حدوده ..، أن يتحول إلى ما يشبه المبشر "أو الداعية" الذي يطالب الناس بالتكيف مع نصوصه..، . إنه، بالأحرى، متعلق بحثََ الفيلسوف على الاستحواذ فكريا على التواصل الاجتماعي ومن تم مساءلة الجمهور وحث كل فرد من الأفراد المكونة له على التفكير الشخصي حول طبيعة وسائل الإعلام وعلى أفضل استعمال لها في حياته.
لقد أثبتت الدراسات في مجال علوم الإعلام أن التواصل لا يتضمن فقط فعل الإخبار أو التبليغ، بل يبحث أيضا عن طرق التأثير في الآخر وإيهامه وإغرائه. يتضح إذن بأن التواصل عملية معقدة، توجب لنا الكشف عن طبيعة هذا التعقيد، وإبراز الرهانات والمفارقات لهذه العملية. بمعنى آخر، إذا كان الفيلسوف يدعو الجمهور، مثلا، إلى عدم الالتفات إلى وسائل الإعلام وإلى عدم مشاهدة التلفزة أو الاستماع إليها، مثلما تتمنى ذلك أقلية من المفكرين، ( بورديو مثلا في كتابه حول التلفزيون ) ..فليس لأنه ينطلق من مشروع معرض للفشل، لكن أيضا، قد يتخلى عن الميدان الذي يجرى فيه الجزء الأكبر من مصير إنسانية المستقبل. وهنا نشير إلى راهن الصورة وتأثيرها القوي والمتزايد على المتلقي في مقابل تأثير المكتوب و الشفوي.. وكذا مسألة استقبال المعلومة من طرف المتلقي الذي لا يمكن اعتباره سلبيا بأية حال، فهو يقوم بفك رموز الرسالة وتحليلها وتأويلها. بحيث تتحكم في ممارسته هاته مجموعة عوامل منها: مرجعيته الثقافية وحمولته المعرفية والمسافة القائمة بين مستواه الثقافي والمستوى المطلوب لفهم المعلومة.
سيكون على الفلسفة أن تبرز لأي نظام تشريعي ، لا يمكنه أن يجعل أي فعل للتواصل الإعلامي كاملا من كل الجوانب، كما يجب عليها أن تدعو إلى اليقظة والحذر من الكل، خاصة يقظة المواطنين، حول الواقع الفعلي باعتبارهم يتأثرون أكثر مما يؤثرون. ذلك هو حرص الفيلسوف على الفعل. حينئذ، يكون التواصل في حاجة إلى الفلسفة؛ في الواقع لأنها تمنح التواصل مكانة داخل الوضع الإنساني. و تقترح عليه التلاؤم مع قيم ما. فالتواصل قوة هائلة تفتقد التحكم في ذاتها مثلما تفتقد المراقبة الذاتية.
ولأن علوم الإعلام والاتصال وكذا العلوم الأخرى التي تدرس الظواهر الإنسانية، تأخذ بأحكام الواقع في حين صياغة أحكام القيمة من مهام الفلسفة. إن هذه العلوم تزودنا بمعرفة ضرورية حول السيرورات التواصلية لكن لا تحثنا على اكتساب تحكم أو مراقبة على هذه السيرورات التواصلية. إن هاته الرسالة موكولة بجلاء إلى الفلسفة. وإلا من أين تأتي المبادئ المسماة بأخلاق الإعلام infoéthique أو قواعد الأدبيات التي ينبغي أن يحترمها المتصرفون في الإعلام، إن لم تأت من فلسفة الأخلاق، المؤهلة لوحدها، نظرا لطبيعتها ولوظيفتها، في إظهار القيم الكونية التي بإمكانها أن تحمينا ضد كل أشكال الهمجية؟
إن الفكر الفلسفي يبين الطريق المؤدي إلى التحكم التدريجي في نفس الوسائط الإعلامية ويبين القيم والمبادئ والقواعد التي تبحث جادة في إخراج التواصل الاجتماعي إلى نوع من الاشتغال من دون مراقبة أخرى سوى مراقبة عقلانية تقنية وإن كانت محدودة النظر.. إن الفيلسوف بتحوله إلى رائد للتواصل، بصيغة جديدة، سيؤكد بريادته إلى أي حد سيمكن لتواصل بلغ مرحلة التداول الإعلامي الاستفادة من الفلسفة المتجددةوالتواصل كانا وما زالا وسيظلان في حاجة أحدهما للآخر. وسوف لن يكون من باب المبالغة التأكيد على أنه من دون مرجعية تواصلية فإن الفلسفة ستصبح تأملا محروما من مصلحة إنسانية أساسية، وأنه من دون ارتباط التواصل بالفلسفة، سيصبح غولا ينقلب ضد الكائنات البشرية التي أوجدته وطورته.·
في الرهان التبليغي أو في مدى إمكان الفلسفة :
استتباعا لما سبق الإشارة إليه في الرهان المعياري للفللسفة نتساءل عن كيف يتحدد فعل التواصل في درس الفلسفة؟ وما هي رهانات هذا الدرس؟ وكيف يمكن للفلسفة أن تكون فضاءا للحوار وللديمقراطية؟.، إن الأمر يتعلق هنا تحديدا بالحرية المتمثلة في فعل التفلسف، أي في ممارسة التفكير النقدي التساؤلي وبالضرورة المتمثلة في المؤسسة المدرسية ومختلف الإلزامات البيداغوجية التي يطرحها تعليم الفلسفة. بعيدا عن طروحات تنفي عن الفلسفة في نقاشاتها أي تواصل *
إن مسألة تبليغ الفلسفة وإيصالها إلى المتلقي، وهي مسألة وإن كانت راهنة، إلا أنها تحيل على نقاشات فلسفية قديمة، برزت بالخصوص مع أفلاطون ضمن مقولات النضج الفلسفي وسن التفلسف، واستمرت عبر تاريخ الفكر الفلسفي مع كانط، هيجل ونيتشه، وصولا إلى شاتلي، دولوز ودريدا. وقد أثيرت في إطارها علاقة الفلسفة بالمؤسسة [كإنتاج للمعارف وللحقائق ] وأيضا علاقة حرية الفرد في التفكير وفي إصدار الأحكام، بالضرورة البيداغوجية والديداكتيكية. وبعيدا مرة أخرى عن استراتيجيتين مختلفتين في تبليغ الفلسفة: تراهن الأولى على تعلم التفلسف (كانط )وتراهن الثانية على تعليم الفلسفة (هيجل) .
لقد أكد دريدا في نص شهير له بأن قسم الفلسفة في الثانويات هو الفضاء الذي يمكن فيه لنصوص حول الحداثة النظرية والماركسية والتحليل النفسي على الخصوص أن تؤدي إلى ممارسة القراءة والتأويل. مما يعني أن درس الفلسفة هو المجال الذي يمكن فيه الانفتاح على الشأن الإنساني، أي على كل ما له صلة بالفعالية الإنسانية: اجتماعيا وسياسيا وثقافيا وفكريا. فإن هذا الدرس يجب أن يراهن على مسألتين أساسيتين وهما: الحداثة والعقلانية.
وقد ارتبط مفهوم الحداثة، كما هو معلوم بمقولات العقل وتقدم العلوم أي بأهمية النشاط العقلاني للإنسان، الذي سيطال مختلف المجالات: تقنية كانت أو إدارية، سياسية أو اقتصادية. لذلك فإن المجتمعات الحديثة قد أسست لمفاهيم مركزية، عرفت انطلاقتها من فكر الأنوار وارتبطت بعد ذلك بفكرة الذاتية والنزعة الإنسانية والتقنية والمشروع الكوني. وتتجلى هذه المفاهيم عبر فكرة المواطنة والديموقراطية والمعرفة النسبية ومفهوم المثقف ومفهوم التاريخ ومفهوم الحق الخ. وهي مفاهيم ملازمة للعقل وللعقلانية. فالحداثة بهذا المعنى هي إقرار للتعدد والاختلاف ورفض للتجانس والتماهي والخضوع، ولذلك فإن مفاهيم الذاتية والفردية والحرية، تمثل مرجعيات المجتمعات الحديثة، حيث تعبر العلاقات الاجتماعية عن حرية الأفراد واستقلالهم الذاتي. وكما يؤكد ألان تورين A.Touraine فإن الفرد مواطن بسبب وجوده الفردي الحر، مثلما أنه حر بسبب المواطنة التي يتمتع بها.
من أجل هذا ، يمكن اعتبار الفلسفة كمجال لتجلي الفكر الحداثي، لأنها تنبني على الاعتراف بتعدد المواقف والرؤى، وتستند على مبدأ الإنصات والتحاور مع الآخر وعلى المساءلة والنقد، أي أنها تقوم على ما يدعوه كانط بـ"الحرية العقلية" التي لا يمكن للفلسفة أن توجد بدونها. لذلك، يمكن الإقرار بأن فعل التفكير كاستخدام لملكة العقل، يقوم أساسا على مبدأ الحرية. وشرط التفلسف هو تفعيل الحوار والتخلي عن كل نزعة دوغمائية أو إقصائية، والتأكيد بالتالي على أن الفكر الفلسفي هو وجه من وجوه "الثقافة الديموقراطية".
ولأن التفلسف هو بمثابة ممارسة نقدية، فهو يستدعي خوض غمار المساءلة والدخول في معترك الأسئلة، عبر تتبع مسارات الفكر الذي ينادينا ويدعونا للقيام بفعل التفكير، فهو إذن دعوة للابتكار والخلق ولخلخلة الثوابت والبديهيات والمطلقات وتفكيكها من الداخل. فعبر عملية التفكيك، تصبح كل القضايا عرضة للمساءلة والنقد والحوار وهذا هو الهدف الأساسي من كل ممارسة فلسفية. إذ لايمكن الحديث عن حرية الراي والتعبير داخل قاعات الدرس ، دون ربطها بوضع الحريات بمختلف مؤسسات المجتمع ومن ضمنها المؤسسات التعليمية . إنه رهان الفلسفة سياسيا وثقافيا وخاصة تواصليا . من ثم كان درسها ملزم بخلق فضاء حواري قائم على الاستفهام والاستشكال، بغية بعث روح النقد والمساءلة لدى متلقي المعرفة الفلسفية. مما يستوجب بطبيعة الحال، توفر فضاء مؤسساتي منبن على الحرية واحترام الآراء المعارضة والمغايرة وإمكانية الإبداع.
*- نود الإشارة هنا إلى أننا سننطلق من فرضية مفادها أن الفلسفة تواصلية، متجنبين الخوض في النقاش الذي أثاره جيل دولوز وفليكس غاتاري عبر المصادر القائلة بأن الفلسفة لا تتأمل ولا تفكر ولا تتواصل.