** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

  السلطة ومسرح التعذيب : دراسة للخطاب السياسي للجسد - الميادين المصرين نموذجاً ياسمين كامل منصور الحوار المتمدن-العدد: 4255 - 2013 / 10 / 24 - 14:58 المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
free men
فريق العمـــــل *****
free men


التوقيع : رئيس ومنسق القسم الفكري

عدد الرسائل : 1500

الموقع : center d enfer
تاريخ التسجيل : 26/10/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 6

 السلطة ومسرح التعذيب : دراسة للخطاب السياسي للجسد - الميادين المصرين نموذجاً        ياسمين كامل منصور     الحوار المتمدن-العدد: 4255 - 2013 / 10 / 24 - 14:58     المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية  Empty
26102013
مُساهمة السلطة ومسرح التعذيب : دراسة للخطاب السياسي للجسد - الميادين المصرين نموذجاً ياسمين كامل منصور الحوار المتمدن-العدد: 4255 - 2013 / 10 / 24 - 14:58 المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية

السلطة ومسرح التعذيب : دراسة للخطاب السياسي للجسد - الميادين المصرين نموذجاً


تمهيد :
كشفت الثورات العربية ومازالت عن طبيعة العلاقة الكامنة بين السلطة والجسد ، بل أن الجسد – في حقيقة الأمر- يقع ضمن حيز السلطة تسعى إلى احتكاره وتطويعه وفق آليات مختلفة وفي خضم علاقات متحركة ، وقد اتخذت منه عبر مراحل عديدة خطاباً ترهيبياً تضمن به استمرار سيطرتها على المجتمع ، إلا أنها عكست في المقابل ما أشار إليه فوكو ، من أن الاستبداد يولد التمرد وأحدهما يستدعي الآخر . فالغضب المكبوت في نفوس الشعب نتيجة الجور والتجاوز من قبل أذرع السلطة الحاكمة تدفع إلى التعطش للأخذ بالثأر ، فيكون الظلم والتعذيب باعثاً للثورة . والثورات العربية شأنها شأن العديد من الثورات التي ارتبطت عبر مسارات التحول بالعنف كطابع مميز سواء تم ممارسته من قبل السلطة أو من جانب الشعب ، فظلم السلطة الحاكمة واستبدادها يدفع بالجماهير إلى الحشد والمطالبة بالتغيير مما يستدعي قيام السلطة بمحاولة استعادة إحكام قبضتها على المجتمع وفرض سيطرتها بمزيد من العنف ، مما يجعل العنف طابعاً مميزاً للمرحلة الثورية من قبل الجانبين (السلطة والشعب) : فالشعب بعد أن تعود رؤية سيلان الدم يتعلم بسرعة أنه لا يستطيع الانتقام إلا بالدم .
وما يلفت النظر في الثورات العربية وبخاصة حالة الثورة المصرية 25 يناير أنها برغم من إعلانها لشعار السلمية منذ اللحظات الأولى إلا أنها شهدت من الأحداث الدموية التي أودت بحياة العديدين من أبناء الوطن وهو مشهد أخذ يتكرر عبر ساحات التجمع الجماهيري الثوري ، بل أن الشهيق الأول لهذه الثورات جاء في ظل لحظة دموية تمثلت في احتراق جسد (محمد البوعزيزي) المواطن العربي التونسي الذي مثل بجسده خطاباً عالمياً يندد بالظلم والفقر والحرمان والمعاناة نتيجة استبداد الأنظمة الحاكمة ، ومنذ تلك اللحظة وأصبحت ساحات الرعب وحفلات التعذيب مشهداً لا يغيب عن ذاكرة الثورة بل لا يحال إلى الأرشيف إنما هو يتجدد بتجدد التجمع مرة أخرى ، وتحول الميدان المطالب بالحق في عدالة انتقالية مشروعة إلى مدينة عقابية تطبق العدالة السلطوية المزورة . والآن وبعد مرور أكثر من عامين على بداية الحدث الثوري من بينهما عام في ظل حكم رئيس منتخب وقبلها مرحلة ترأسها المجلس الأعلى للقوات المسلحة بقيادة المشير طنطاوي لازال العقاب العنيف هو الرد السلطوي المستخدم حيال الجماهير ، و لازال الجسد البشري للمواطنين هو الخطاب الإكراهي المعلن لإثبات قوة السلطة وكذلك استهداف نفوس الآخرين ، مما يدلل على عمق العلاقة بين السلطة بأشكالها المختلفة وبين العنف الجسدي والنفسي ، وهو ما يستدعي التنقيب في ذاكرتها والبحث في ماضيها للتوصل إلى تلك العلاقة ومعرفة ماهيتها وآليات الممارسة بل للتمكن من تشريح أحد مدخلات الخطاب السلطوي للمواطن .
وفي هذا الإطار ، تأتي هذه الورقة كمحاولة للبحث في العلاقة بين الجسد والسلطة من خلال الاستعراض التاريخي لتطور مسارات هذه العلاقة واختلافها من العنف المادي إلى العنف الرمزي وما يرتبط بها من ظهور مؤسسات وتحول في الأدوار ، وذلك من خلال محاولة قراءة المشهد وفق نظرة فوكوية وبخاصة كتاب "المراقبة والمعاقبة : ولادة السجن" والذي تعرض فيه لتاريخ التحول في الطرق الجزائية من أجل البحث عن تقنيات صناعة الجسد وإنتاجه من خلال الكشف عن سياسة الاستيعاب والاستبعاد .
ولكن علينا وقبل أي شيء أن نتساءل عن معنى التأريخ السياسي في فكر فوكو أي البحث في المنهجية المستخدمة في كتابه ، فإن النظرة الفوكوية إلى التاريخ تختلف عن تلك النظرة التقليدية القائمة على تتبع تطورات الأفكار ، كما أنه ليس تأريخاً تعاقبياً للأحداث أو تقسيماً للفترات الزمنية المتلاحقة أي ليس تقصياً للأحداث العظمى في الماضي البشري ، فالتاريخ عنده ليس ذاكرة لأحداث الماضي بل جينالوجيا للكشف عن المبادئ والمنطلقات الكامنة خلف الظواهر المختلفة مهما بدت بسيطة والعودة بها إلى مصدرها الأصلي ، فهي على عكس النظرة الكلاسيكية في بحث الظواهر انطلاقاً من الماضي إلى الحاضر فهي تبدأ من الحاضر لتعود إلى الماضي بحثاً عن أوجه التداخل والتشابكات والتأويلات التي اتخذتها عبر مسار تطورها ، وهي لا تبحث عن التجانس والاتصال خلال هذا التطور وإنما عن الاختلال والانقطاع ، فهو يعمد من خلال تلك الآلية إلى تحليل المهمش والمستبعد الذي يصور لاوعي المجتمع والذي يكشف عن الأعراض المرضية التي يعاني منها الجسد الاجتماعي ، ومن ثم يسعى إلى توظيف تلك الأداة المنهجية للتنقيب عن الممارسات التي ساهمت في استغلال وتطويع وتدجين الجسد من قبل السلطة ، بل للكشف عن آليات النسخ والتكييف التي جعلت من السلطة معرفة .
ومن ثم فهو يبحث في تاريخ الأحداث قليلة الشأن والمهمشة ، لذلك ركز على دراسة التهميش والانحراف والجريمة والعنف فهذه الظواهر من شأنها الكشف عن حقيقة ما نحن عليه وطبيعة السلطة الواقفة على رؤوسنا ، فمن خلالها يمكننا أن نرى حقيقتنا الباطنة وعيوبنا التي نسعى إلى إخفائها ، وبالتالي فإن محاولة السلطة لكبت وقمع هذه الظواهر باستخدام العنف لا يؤدي إلى إخفائها وإنما فقط تأجيل الانفجار المحتوم ، فهذا العنف سينقلب يوماً في الاتجاه المضاد لكن بمقدار أشد وأقوى .
ويقدم هذا العرض الجينالوجي الفوكوي نقداً للاستغلال السلطوي للجسد ومحاولات الهيمنة عليه ، فيحاول من خلال هذا العمل تفكيك آليات المجتمع المعاصر ومعاينة كافة أشكال التطويع والعبودية والكبت والتكييف والضبط في المؤسسات المختلفة ، ويبدأ العرض بتفصيل مشهد تعذيبي –منتصف القرن الثامن عشر 1757- تم ممارسته على جسد المعذب (داميان) الذي مثل مرحلة التعذيب المادي المباشر وفق إطار جماهيري معلن ، بدون الخوض في أسباب الحكم أو دوافع الجريمة ذهب مباشرة ليستقرأ هذا المشهد بكافة أبعاده المادية / الجسدية والمعنوية والروحية ، فخلال تلك المحاكمة العلنية أجبر داميان في البداية على الإقرار بذنبه علناً أمام باب الكنيسة في باريس ، ثم ممارسة كافة أنواع التعذيب حياله من قرصه بالقارصة والحرق بنار الكبريت ثم تمزيق جسده وحرقه بالنار حتى تحول إلى رماد ومع ذلك لم يلفظ بأي سباب للمعذبين أو رفض لممارساتهم وإنما عمد إلى الاستعانة بالإله ويسوع . وبرغم هول هذا المشهد وبشاعته وكثرة تفاصيله وتداخل المشاعر فيه ما بين هذا المعذَب والمعذِب ، والمشاهدون والرهبان ، وأصحاب السلطة والقاضون بالحكم ، إلا أن الجزء الذي يجب الاقتراب منه أكثر والوقوف عنده هو هذا الكاهن الذي على الرغم من تقدمه في السن إلا أنه لم يترك لحظة دون مواساة المعذَب وعلى الجانب تلك القبلة التي وضعها على جبهته السيد مارسيلي ومر .. ويظن أن المشهد قد انتهى بتحويل كل شيء إلى رماد ، فقد اختفى هذا الجسد وتحول إلى لا شيء لكن تلك الرواية لم تنته بعد .. إنما لا تزال باقية في الأذهان تدفع السلوك وتوجهه وتسيطر على تفكير صاحبه ، هذا البقاء الذي تم تجسيده في هذا الكلب الذي تمسك بالتواجد في الحقل على الرغم من محاولات طرده المستمرة ، هذا الإصرار الذي فسره فوكو بالشعور بالدفء في ذلك المكان أكثر من غيره ، وهو دفء لم ينجم عن تأثير حرارة نار التعذيب وإنما دفئ الشعور بالرحمة والشفقة ، فقد كان هذا الكلب أكثر جرأةً في الإعلان عن مشاعره دون عقلانية أو منطقية الجماهير المتفرجة . وعلى الرغم من اختفاء ذلك المشهد العقابي ليتحول التعذيب إلى نوع آخر "التعذيب الناعم" مع مطلع القرن التاسع عشر والذي يستهدف النفس وليس الجسد ويختفي فيه دور تلك الجماهير المراقبة وظهرت في المقابل مؤسسات الضبط الاجتماعي وكانت بمثابة أجهزة لممارسة السلطة على الجسد الإنساني في محاولة لتطويعه وإنتاجه وفق مواصفات معينة ، إلا أن تلك المؤسساتية قد فشلت في بلوغ هدفها ولم تخفض من معدل (الجريمة ضد السلطة) فمن الممكن زيادة عدد الاعتقالات وتوسيع السجون إلا أن الاعتقال يستثير التكرار ، مما أدى إلى الشعور بتفكك المجتمع الانضباطي وضعف آلياته وهو ما استدعى الكشف عن الطابع التعسفي من جديد وإسقاط قناع الرحمة الذي ترتديه السلطة باسم الأمن والاستقرار ، فظهرت مرة أخرى ميادين العقاب العلنية ومسارح التعذيب وعاد دور المشاهد المتفرج والأهم هو عودة دور الجلاد بمعناه التقليدي .
ومن خلال ذلك ، ستحاول الورقة تحليل أشكال ومظاهر السلطة في العالم العربي خلال الثورات العربية (حالة الثورة المصرية وما بعدها) ، مستخدمة الجسد ككاشف عن الطابع التعسفي العنيف خلف آلياتها الحديثة والتي مازالت تحمل شيئاً من تاريخ السلطة القديم ، وذلك من خلال اختيار بعض المشاهد من العرض التشريحي الفوكوي لولادة السجن والتوقف عند بعض الأدوار التي أخذت في الاختفاء والظهور بين المراحل التطورية المختلفة ، وتنقسم الورقة إلى إطار نظري يعمد إلى تقديم مفهوم للجسد ودلالاته في العلوم الإنسانية ، ثم تحليل الرؤية الحداثية لهذا الجسد من خلال ثنائية الروح والجسد والبحث في علاقة السلطة الحداثية مع هذا الكيان الإنساني ، ثم الإطار التطبيقي الذي يسعى إلى تحليل المشهد الثوري وما بعده من خلال نص فوكو بتفكيك مكوناته من خلال النظر إلى اختلاف الأدوار عبر المشهد ، ثم محاولة استقراء بعض الأفكار على هامشه والتي تسهم بشكل أو بآخر في أعمال العنف .

أولاً : الإطار النظري :
يحاول هذا الإطار النظري وضع الأسس الفكرية والافتراضات المنهجية لمقاربة الموضوع محل البحث ، وذلك من خلال اتخاذ موقف معين من التعريفات المتعددة والرؤى المختلفة لبعض المفاهيم ، تمهيداً للإجابة على عدة تساؤلات يأتي في مقدمتها :التعرف على أسباب تكرار العنف المادي حيال المتظاهرين في الميادين المختلفة واستمرار مشهد التعذيب على الرغم من الزعم بغيابه منذ القرن التاسع عشر وتحوله إلى العنف الرمزي (في إطار المجتمع الانضباطي الحديث) الذي يستهدف النفس بدلاً من الجسد ؟ ومن هنا أهمية تلك الورقة في الكشف عن أحد جوانب العلاقة بين السلطة والمجتمع ، والسلطة والمواطن ، وهو جانب لم تتعرض له الدراسات الثورية التي عمدت إلى الحكم السريع على الثورة كونها ذلك التغيير العنيف للواقع السياسي والاجتماعي .
وتأتي الإجابة في إطار البحث في العلاقة بين القوة السياسية وممارسة السلطة وبين الفرد والجسد كتعبير عن الوجود الإنساني بجوانبه المختلفة ، فالجسد هو المدخل الرئيسي لإقامة العلاقات المختلفة بين الأفراد بعضهم البعض ، وبين الأفراد والسلطة ، والأمر هنا لا يتعلق بالبحث المادي في التاريخ التطوري لهذه العلاقة أو تاريخ الاستغلال السياسي له والذي يظن أنه انتهى بانتهاء العصر الإقطاعي وبداية ظهور المؤسسات الضبطية التي أصبح يخول إليها مهمة العقاب الجزائي ، بل إن تلك الأيديولوجية التعسفية للسلطة أصبحت تتغلغل إلى سلوك الأفراد وتحكم تفكيرهم عبر ممارسات عديدة تقوم بها من خلال مؤسساتها المختلفة سواء السجن أو المدرسة أو المصانع أو حتى العيادات ، ومن الأهمية أن نؤكد أن هذا الموضوع ليس ضرباً من ضروب الفكر المتعالي وإنما هو على صلة وثيقة بالواقع المعاش فهو يسعى إلى رصد ودراسة مرحلة أعقبت ثورة شعبية أو ما يطلق عليها بـ "دولة الثورة" ، لأنه يستقرأ أحد أبعاد الواقع الوطني مما يستوجب فك الالتباس بين المفاهيم وإيضاح نمط العلاقات مما يمكننا من وضع رؤية قد تساهم في التصور لمستقبل "دولة ما بعد الثورة" . كما يرتبط تقديم الإجابة بافتراض مسبق مؤداه أن السلطة في حقيقتها ليست تنظيم للعلاقات الاجتماعية بين الأفراد وإنما هي حق استعمال القوة من جزاء ومراقبة وتأديب و عقاب و الذي تنازل عنه الفرد شريطة أن ينعم بالأمن . وهو يرتبط بتصور معين للسلطة باعتبار كونها إنتاج لإستراتيجيات الصراع بين القوى ، فلا ينبغي النظر إلى السلطة كملكية مستقرة في يد فرد أو جماعة معينة إنما هي نظاماً وتسلسلاً يتجلى في كافة العلاقات الاجتماعية والسياسية بل والاقتصادية المختلفة ، فهو يرى أن السلطة "حاضرة في كل مكان ، ولكن ليس لأنها تتمتع بقدرة جبارة على ضم كل شيء تحت وحدتها التي لا تقهر ، وإنما لأنها تتولد كل لحظة عند كل نقطة ، أو بالأولى في علاقة نقطة بأخرى ، وإذا كانت السلطة حالة في كل مكان فليس لأنها تشمل كل شيء وإنما لأنها تأتي من كل صوب" وأنها "ليست شيئاً يحصل عليه وينتزع أو يقسم ، شيئاً نحتكره أو ندعه يفلت من أيدينا ، أنها تمارس انطلاقاً من نقط لا حصر لها ، وفي خضم علاقات متحركة ومتكافئة" ، أي أنها تحوي مستويات متعددة للقوة لا تنبع من ذات واحدة ممتلكة لها وإنما تتعدد بتعدد أشكال العلاقات الاجتماعية بين كل نقطة من نقاط الجسم الاجتماعي .
• الجسد ودلالاته الاجتماعية "سوسيولوجيا الجسد" : يعتبر دراسة الجسد ضمن فروع العلوم الاجتماعية من الفروع الحديثة نسبياً يعود إلى ثمانينات القرن الماضي ، فحتى الستينات من هذا القرن لم يكن يشغل هذه المكانة المحورية كأحد فروع المعرفة ، وإنما كان حضوره مقصوراً على الحضور الافتراضي أو كما عبر عنه ميشيل برتلو "كان الجسد مادة سوسيولوجية ذات خسوفات" ، ويعتبر القرن التاسع عشر هو قرن الاهتمام بالجسد بحيث تم توجيه الاهتمام بجسد العمال وما يعانوه من ظروف قاسية كما في دراسة فيليرمي في بحثه القيم الذي يتناول فيه الحالة الجسدية والنفسية للعمال في معامل القطن والصوف ، ثم تزايد هذا الاهتمام مع ظهور مدرسة التحليل النفسي وبخاصة فرويد الذي عمد إلى إدخال الجسد كأحد موضوعات علم الاجتماع باعتباره مادة تصنعها وتنتجها العلاقات الاجتماعية ، فالجسد عرضة لتأثيرات خارجية معقدة ، والحياة المعاصرة تترك أثراً كلياً "فإن صورة الجسد في عالم ما بعد الحداثة أضحت بشكل عام أكثر هستيرية ، نتيجة تعرض الجسد لتأثيرات نمطية مرتبطة بالأحداث الخارجية والطارئة" .
ومع النصف الأول من القرن العشرين ، ظهرت العديد من الدراسات التي ساهمت في تطور هذا الفرع كأحد الفروع العلمية ، وبخاصة كتابات جورج سيمل خاصة في بحثه حول علم اجتماع الحواس ، وكذلك كتب روبرت هرتز عن أسباب تفوق اليد اليمنى ، وتمثل كتابات جورج هربرت ميد إحدى الإرهاصات المبكرة في سوسيولوجيا الجسد ، فضلاّ عن كتاب مهم لبول شيلدر بعنوان "صورة ومظهر الجسد الإنساني" والذي أوضح فيه السمة الاجتماعية لصورة الجسد ، فصورة الجسد هي صورة اجتماعية بالضرورة ، تتشكل وتتطور من خلال العلاقات الاجتماعية . ووصولاً إلى إسهامات المفكر ميرلو-بونتي والذي تعتبر رؤيته إحدى الرؤى الأساسية التي تقوم عليها الورقة ، فقد بدأ باتخاذ موقف معارض من التجاهل للجسد خلال الفكر الفلسفي التقليدي ، فضلاً عن انتقاده للتصور الغربي للجسد باعتباره نظاماً فسيولوجياً مغلقاً ، ومن ثم محاولة تقديم تصور بديل يقدمه باعتباره تعبير عن المخزون الثقافي العام ، فهو يتصور الجسد ككيان حي وفاعل ناشط قادر من خلال مهاراته وقدراته المتنوعة على الاستفادة من الواقع الاجتماعي وتطويع قواه بل واعادة إنتاج بنائه ، أي أن الجسد عند ميرلو-بونتي بمثابة المغير الذي يؤثر في العلاقات الاجتماعية من حوله ويعمل على بناء واقعه . وثمة دراسة أخرى هامة لإرنست كانتروفيتش بعنوان "جسدا الملك" والتي تقدم تحليلاً للتطور التاريخي للسيادة السياسية من خلال السمات الرمزية للجسد ، فمع تطور النظرية السياسية ومؤسسة القوة ظهر هناك نوعين من الجسد للملك أحدهما رمزي والآخر مادي ، والأول هو ذلك الذي يمثل القوة المسيطرة والمقدسة ، بل هو الذي يضمن استمرارية سيادة الدولة ، أما الأخير فهو مادي فاني .
ثم تأتي إسهامات فوكو والتي ترتبط بشكل كبير بكتابات ميرلو-بونتي من حيث نقطة الانطلاق إلا أنهما اختلفا في الرؤية للجسد ذاته ، فإن فوكو كان يرى في الجسد فعلاً سلبياً للسلطة ، بل هو مفعول ناتج عن ممارساتها السياسية ، لذلك كان فوكو منشغلاً بالبحث فيما تقوم به هذه السلطة من محاولات لتقييد وتدجين الجسد واستغلاله ، وعمد إلى تفكيك آليات السلطة المؤسسية التي تستخدمها في محاولة لتطويعه وإنتاجه .
ومن هنا يأتي هذا الكتاب في إطار تلك المحاولات والذي حلل من خلاله نمو هذا الجسد الانضباطي كنتيجة للممارسات العقابية التي اقترنت بالنظرية النفعية للألم ، فقد حل مكان الجسد المعذب على طريقة داميان ، هذا الانضباط الذي يعني السيطرة والرقابة على الفعالية اعتباراً من الجسد الفردي إلى الجسد الاجتماعي .
• في مفهوم الحداثة وتناولها للجسد "المجتمع الانضباطي" : إن المتتبع للدراسات الغربية التي تهدف إلى التأريخ لبدايات الحداثة يمكنه أن يستكشف عدم وجود إجماع حول تلك البدايات ، ويعود غياب هذا الإجماع ، إلى اعتبار الحداثة مفهوماً حضارياً شاملاً يطال كل مستويات الوجود الإنساني ، لكن يمكن أن نستعير عبارة Jean Baudrillard عن نشأة الحداثة بأنها "كبنية تاريخية وجدلية للتغيير لم تظهر إلا في أوربا ابتداء من القرن السادس عشر ، ولم تأخذ معناها الكامل إلا في القرن التاسع عشر" ، وقد لا يكون من المفيد هنا تتبع التطور التاريخي والفلسفي للحداثة وإنما يفضل البحث في إشكالية الحداثة في العلاقة بين الجسد والروح ، ولا يمكن فهم هذه العلاقة دون التعرض إلى مفهوم الذات في إطار العقلانية الحديثة التي مثلت الأساس للمدنية المعاصرة من حيث هي تحقيق للاستقلال والحرية الإنسانية ، وارتبطت الحداثة ، بما هي قيمة ، بمفهوم الحرية والتحرر من كل ما هو تقليدي بما يقتضيه من انفصال عن القديم (الماضي) كسلطة ، بما في ذلك الحرية في الفكر والإرادة .
وفيما يتعلق بالنظرة الحداثية إلى الجسد ، فقد يكون مفيداً التطرق إلى معرفة بعض التطورات التي صاحبت ظهور الحداثة ذاتها بما قد يؤثر في تناولها للعلاقة ما بين الجسد والسياسة (السلطة) ، فالنظرة إلى الحداثة باعتبارها تعبيراً عن نمط الحياة الاجتماعية في أوربا أي إشارة إلى العالم الصناعي من شأنه أنه أدى إلى زيادة تحكم الدول بشكل عام والعلوم الطبية في أجساد المواطنين كما أنها قلصت من تأثير السلطات الدينية عليه . وقد استخدم آنتوني جيدنز وصف "الحداثة العالية" للتعبير عن تراجع القداسة عن الحياة اليومية ، مما أدى إلى تفسخ الأطر الدينية وسقوط اليقينيات الانطولوجية التي تقع خارج الفرد ، وبالتالي أحتل الجسد قدر أكبر كأداة لتشكيل الذات .
وقد جلبت التطورات المصاحبة للعصر الحداثي تغيرات في الفضاءات الاجتماعية وللبيولوجيا السياسية أو بمعنى أدق للخطاب السياسي حيال الجسد الفردي ، بحيث أصبحت السلطة أكثر اهتماماً بالنفس أو العقل من ذلك الجسد الخارجي المادي ، وهو ما جسده أيضاً فوكو عبر عمله هذا ، ففي البداية كان الجسد هو محل الخطاب السلطوي فهي تعرض رسالتها عبره وبشكل معلن في حضور الجماهير وذلك وفق عروض طقسية تؤكد قوة سلطة الملك ومعاقبة انتهاك القانون ، حتى ظهر النظام المؤسساتي مع القرن التاسع عشر حيث نشأة السجون كمؤسسات جزائية تعمل على معاقبة المذنبين وترويضهم على نحو يستهدف الوصول إلى عقولهم ، أي أن هذا القرن مثل بمثابة تغير في هدف الخطاب من الجسد إلى العقل بل أيضا تغير في موضوع هذا الخطاب ذاته ، حيث أصبحت الحكومات أكثر اهتماماً بالأجساد وتحكماً فيها من خلال مؤسساتها المختلفة والتي تدور في نطاق الرعاية الصحية والزيادة السكانية .. وغير ذلك . وأخيراً ، صاحب هذا التحول تغيراً في نطاق هذا الخطاب فلم يعد الاهتمام منصباً على مجموعة الأفراد المذنبين من أجل إعادة إنتاجهم بما يتلائم مع المجتمع الخارجي ، بل أصبح يستهدف الجسد المجتمعي ككل أي كل السكان ، ومن ثم محاولة تطبيق نفس الآلية (السجون) على المستوى الكلي من خلال مؤسسات أخرى كالمدارس والثكنات العسكرية والمستشفيات وغيرها من المؤسسات الأخرى ، خاصة مع التطور الذي لحق بالعلوم المختلفة وثورة المعلومات التي ساهمت في تقديم الآليات والبدائل المختلفة للتحكم في الأفراد .
ومن خلال هذا التصور الخاص بالعلاقة المنضبطة بين السلطة والجسد وتحول السلطة إلى التركيز على أدوات المراقبة الناعمة التي تسعى إلى السيطرة على النفس من أجل التطويع ، نتساءل - كما تساءل أيضاً فوكو عن أسباب فشل السجون في منع حدوث الجرائم – لماذا فشل هذا الخطاب الناعم وتم استعادة العلاقة المادية مع الجسد كما كانت في السابق ؟

ثانياً : الإطار التطبيقي :
تحاول الورقة في هذا الإطار قراءة مشاهد العنف أثناء الثورة المصرية والفترة التي تلتها من خلال النظرية الفوكوية عن التطويع السياسي للجسد أو بمعنى آخر أنها تسعى إلى القراءة في الخطاب السياسي للجسد في الثورة ، واستناداً إلى الجانب النظري السابق يمكن تحليل المشهد الثوري بجانبه العقابي من جانب السلطة وتفكيكه برده إلى مكوناته وعناصره الأولية التي تتمثل في : الجمهور المشاهد ، الأجساد الطيعة (الجلاد) ، الجسد كخطاب ، الرسالة ، تلك العناصر التي يتكون منها المسرح التعذيبي ، ثم الوقوف على بعض الأحداث والأفكار الهامشية التي تلعب دوراً خلفياً بلا شك .
1- الميدان كمسرح للتعذيب
قامت الثورة المصرية 25 يناير ثائرة على النظام السابق برمته وبكافة أشكاله وعلاقاته ، وقد كان شعارها "الشعب يريد إسقاط النظام" لا يمثل شعاراً ضيقاً مقتصراً على الرأس الحاكم وإنما استمرار التظاهرات والوقوف في قلب الميدان بعد التنحي هو تأكيد على أن الشعب كان يمتلك من الوعي والإدراك الكافي حيال متطلبات التغيير المطلوبة وحيال المعنى الحقيقي للثورة ، والتي يعد من أهمها إعادة تعريف العلاقة فيما بين الحكومة والمواطن ، فقد كان اختيار الشعب لمكان وزمان تلك الثورة هو بمثابة قلب لتلك العلاقة السياسية المستبدة التي استمرت لفترات طويلة خاصة في ضوء التوقيت الذي جاء متزامناً مع الاحتفال بعيد الشرطة أي يوم (عيد الأمن) ، فقد صار هذا اليوم تنديداً ورفضاً لانتهاكات السلطة التي ترتكبها ضد الشعب باسم الأمن ، فوقفت القوات الشبابية الثورية بما تمتلكه من أسلحة تكنولوجية متطورة في مواجهة قوات النظام العقيمة بما تمتلكه أيضا من أسلحة لكنها أسلحة تقليدية بدائية لا تعرف سوى العنف . لكن مع الصمود الثوري في مواجهة القوى البوليسية قررت الحكومة أن تغير من شكل تلك العلاقة بحيث يصبح استخدام هذا العنف ليس من قوى النظام الخارجية وإنما قوى داخلية تأكيداً على سيناريو الفوضى الذي طالما هدد به الرئيس ، فتم سحب قوات الأمن ورجال الشرطة واختفوا من المشهد ليحل محلهم البلطجية والمساجين مما أثار الهلع والترويع في نفوس الناس واحدث فراغاً أمنياً ، وقد شاركت وسائل الإعلام في تفخيمه وتهويل حالته ، ثم قامت السلطة باستخدام القوات المسلحة كأداة من أجل تعويض الغياب الأمنى الكامل وللتأكيد على أن هذا الرئيس من تلك المؤسسة فلكي يحفظ الناس أمنهم عليهم التنازل عن بعض المطالب ، إلا أن هذا السيناريو لم يتحقق كما سعوا إليه نتيجة لبعض الأسباب : أهمها تمسك الثوار ببقائهم في الميادين ، وقدرة الناس على تكوين لجان شعبية استطاعوا من خلالها صد هجمات بلطجية النظام وحماية بيوتهم وأنفسهم ، والأهم أن ما قام به هؤلاء البلطجية من عنف ضد المتظاهرين في الميدان جذب عطف المشاهدين وأصبحت هناك رغبة في الأخذ بالثأر لهذا الدم مما أدى إلى تزايد الحشد ونزول الملايين والمناداة برحيل الرئيس حتى تم تسليم السلطة للقوات المسلحة .
إلا أن هذا التسليم أو التنحي لم يحل معضلة تلك العلاقة بل أخذت تزداد تشابكاً وتعقيداً ، فظلت مشاهد العنف حاضرة على المسرح حتى انغمست فيها الشرطة العسكرية وأصبحت في مواجهة القوى الثورية ، حيث شهد حكم القوات المسلحة العديد من مشاهد الاعتداء على المتظاهرين وإطلاق الخرطوش والمولوتوف والرصاص الحي عليهم ، بل الأكثر هو مشهد السحل الذي تعرضت له إحدى الفتيات في أحداث شارع مجلس الوزراء حيث قام بعض أفراد الشرطة العسكرية بتجريد فتاة من ملابسها وسحلها في الشارع وهو المشهد نفسه الذي تكرر مع حمادة صابر أمام قصر الاتحادية في عهد الرئيس مرسي ، والذي تم رده واستخدامه من جانب المتظاهرين فيما بعد ضد أحد مؤيدي الرئيس ، مما يجعل التفكير في حل تلك الإشكالية أمراً ليس بالسهولة التي تجعلها ترتبط بمجرد إسقاط الرئيس ، لكن على الجانب الآخر أراد الشعب عدم الاستسلام أمام تعنت السلطة وعنفها مما أدى إلى الدعوة للنزول في 30-6 من أجل إسقاط الرأس الجديد .
• الشعب كمشاهد : يلعب الشعب منذ القرن الثامن عشر دوراً هاماً على مشهد العقاب وإن لم يكن له دور البطولة بمعناها المعروف ، إلا أنه كان ومازال المستهدف الرئيسي من هذا المشهد ومن مضمون الرسالة الكامنة خلفه ، وهو ما يظهر في البداية من التأكيد على أهمية إعلان المعذَب عن جريمته أمام الجماهير وإقراره بقبول الحكم عليه ، ثم يأتي الاحتفال التعذيبي الذي يجعل من الجرائم واختراق القوانين عبرات وأمثلة ، ويؤكد فوكو على هذا الدور في كتابه بأن "يبدو الشعب كشخصية رئيسية وحضوره الحقيقي مطلوب لاستكمالها .. فالتعذيب حتى وإن جرى بصورة سرية قلما يكون له المعنى والعبرة التي كانت مطلوبة ليس فقط بإيقاظ الوعي في أن أقل مخالفة سوف تلقي العقاب القوي ، بل بإثارة مفعول الرعب بمشهد السلطة وهي تصب سعار غضبها على الجاني" ، ولكن خلال هذا المشهد يظل هناك درجة من الالتباس تحيط بدور الشعب ، فهو مدعو كمشاهد : يستدعي لمشاهدة الاستعراضات والإقرار بالذنب ، فيتوجب ليس فقط أن يعرف الناس ، بل أن يروا بأعينهم لأنهم يجب أن يخافوا وأن يكونوا شهوداً .. فهو حق لهم وهم يطالبون به. فللشعب دوره هنا ، فهو يشارك في توقيع العقاب من منطلق أن الشعب يقدم المساهمة والمساعدة للسلطة عندما يقوم هذا الأخير بالانتقام من الأعداء ، وعند هذه النقطة يصبح بإمكانه رفض توقيع العقاب الذي يظن أنه غير عادل وينتزع المحكوم من يدي الجلاد ، إلا أنه في المقابل تتعرض نفسية الجماهير إلى التأثر بأوجاع هذا المحكوم المعذَب فينال من الشفقة أحياناً والإعجاب أحياناً أخرى مما أدى إلى ظهور نوع من التضامن الشعبي الذي تحول إلى هدف يتقصده القمع الجزائي والبوليسي .
ولعلنا نلاحظ من خلال استعراض مشاهد المسرح الميداني بداية من معركة الجمل التي مثلت تتويجاً لهذا العنف السلطوي ضد المتظاهرين أن أقصى درجات الحشد والاحتجاج تأتي عقب التعسف في استخدام العنف ، ففي البداية قد تختلف الآراء بشأن الهدف من التظاهر ما بين مؤيد ومعارض وكذلك الاختلاف حول النتائج منه إلا أنه يرتبط في النهاية بالتأكيد على الحق ذاته ، لكن وبعد أن تقوم السلطة باستخدام التعذيب والعنف تجاه هؤلاء المتظاهرين من منطلق إرهابهم وإرهاب ذويهم وإيصال رسالة إلى تلك الجماهير مفاداها التجريم ومن ثم القوة من أجل الأمن ، لا تلبث تلك الآراء المشتتة والمختلفة أن تتوحد في رفضها لهذا التسلط الجسدي والاهانة للكرامة الإنسانية وتظهر بشكل لا يدعو للشك تعاطفها مع هؤلاء الذين تعرضوا للتعذيب ، ويمكننا أن نلاحظ بعض القواعد التي تحكم فعل المشاهدين أثناء المشهد العقابي وهي :
1- ربط قبول التعذيب بإقرار الجريمة : بالرغم من الربط بين هذا المشهد التعذيبي الحالي وبينه في حالة العقاب قديماً إلا أن هناك محور هام للاختلاف بينهما وهو "الإقرار بوقوع الجريمة" ، فالمجرم في السابق يعترف بارتكاب الجرم فيكون التعاطف نابع من شجاعته وجرأته على قبول الجزاء وعلى توبته وعودته إلى الرب ، أما تلك الحالة فهي تخلو من هذا الجانب ، فالمجرم -كما تصوره السلطة- لم يرتكب خطأ إنما هو يطالب بحقه في وطنه ، ويتحمل في مقابله عنف السلطة مما يجعله ينال إعجاب الجمهور فيكون موضع إكبار وتعظيم .
2- ارتباط التجمعات الجماهيرية في أغلب الأحيان بوقوع العمل العقابي : بعد وقوع الفعل التعذيبي على أجساد المتظاهرين يسقط أي مبرر من شأنه القول بأولوية الاستقرار وتحقيق الأمن فتشعر الجماهير المشاهدة بأنها قد فقدت الأمن على نفسها وكرامتها في وجه تلك السلطة التي تخطت كل الحدود المسموح بها ، ومن جانب آخر يشعر الشخص صاحب هذا الجسد بالعار وكذلك عائلته ومعارفه مما يجلب لديهم الدافع نحو الأخذ بالثأر ، "فإحساس هذا المعتقل (المواطن) بالظلم هو أحد الأسباب التي يمكن أكثر من غيرها أن تجعل شخصيته مستعصية عندما يرى نفسه هكذا معرضاً لآلام لم يفرضها القانون ولا نص عليها ، فإنه يدخل في حالة معتادة من الغضب ضد كل ما يحيط به ، فلا يرى إلا الجلادين في كل ممثلي السلطة" .
• الجندي كجلاد (نموذج الجسد المنضبط) : لعل من بين الموضوعات الهامة التي أخذت قدراً ليس بالقليل من الاهتمام في أعقاب الثورة هو ظهور تلك الشخصية المنضبطة مرة أخرى على المسرح بعد أن كانت تؤدي دورها في الخفاء خلف جدران المؤسسات العقابية تمارس العدالة الجزائية ، ليكثر الجدل مرة أخرى عن إشكالية الدولة البوليسية أو الدولة القمعية والتي أصبحت تتجلى بشكل يجعلها تقترب من كونها أيديولوجية حاكمة لعقلية السلطة وتتجذر في كافة مؤسساتها ، حتى بدت كأنها تمتلك من البنية المؤسسية والتقاليد السياسية التي تجعل استمرارها غير متوقف على شخصية الحاكم أو طبيعة النظام ، فهي تتشعب في كافة التقاليد والأعراف المؤسسية في الدولة حتى أنها وصلت إلى عقلية المواطن المؤسساتي الحداثوي نفسه ، مما يجعل التفكير في إعادة إنتاج مثل هذه الدولة البوليسية (الانضباطية) أمراً صعب المنال .
وفي إحدى الدراسات التي ظهرت في محاولة لرصد المشهد الثوري تحت عنوان "الثورة وإعادة تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع في مصر" ، ذهبت من ضمن محاورها إلى تتبع الحالة الأمنية في إطار مشهد التغير الذي تحول من حالة العنف التي استخدمت من قبل الرئيس السابق وأدعيائه (معركة الجمل نموذج) إلى حالة اللاعنف التي ولدتها الثورة منذ بدايتها وتمسكها بشعار "سلمية .. سلمية" ، وهذه الحالة اللاعنفية عمدت إلى إعادة تعريف مصادر القوة في المجتمع من خلال التخلص من عنف السلطة المستبدة ، وأصبح المجتمع في موقع الند للنظام السياسي . إلا أن واقع الأمر يفتقد تلك الحالة اللاعنفية التي تحدث عنها الباحث فلا يزال الميدان بالمعنى الواسع له يشهد العديد من حالات العنف التي تراوحت تارة من جانب السلطة بأذرعها البوليسية وتارة أخرى من قبل المتظاهرين بعضهم ضد بعض وهو مشهد كما سبق وذكرنا منفصل عن شخصية الرئيس الحاكم مما جعله حاضراً في ظل النظام العسكري والمدني على السواء ، لذا كان من الأهمية أن نقف عند نتائج هذه الدراسة والتأكد لما ذهبت إليه في ضوء تحليل هذا الدور وتفكيك أسسه .
والآن وبعد مرور عام من حكم الرئيس مرسي وفي إنتظار يوم 30 يونيه التالي لجمعة نبذ العنف التي دعت لها الجماعات الإسلامية ، لازال مشهد العنف متواجد ، ولا تزال السلطة بهذا المعنى حاضرة في كافة الأنحاء للدولة ، فاليوم فقط 28 يونيه تذيع النشرات نبأ وفاة عدد من الأشخاص في مختلف ميادين الجمهورية بالإضافة إلى المصابين ، بل لازال التوقع بنزول الجيش مسيطراً في ضوء انتظار تدخل من قوات الأمن المركزي وجنود الداخلية كالمعتاد . ومن هنا يبقى أن نتوقف عند شخصية هذا الجلاد المتجدد الذي جاء من أصل اجتماعي معين تحكمه عقلية الفلاح ليتحول إلى جندي تحكمه العقيدة العسكرية ، وهو ما يكرس لفكرة (الإنسان الآلة) التي تحدث عنها لامتري مشيراً إلى عملية الاختزال المادي للنفس في ضوء مفهوم الطواعية الذي يضم الجسد القابل للتحليل أو للتطويع ، فهي تقوم على استغلال هذا الجسد الذي يدرب ، ويكيف ، ويطوع ، ويستجيب ، ويصبح ماهراً تتكاثر قواه الجسدية . حيث تقوم الدولة بعد اختيارها لهؤلاء الأشخاص وفق صفات معينة بالعمل على تدريبهم وتقويمهم وضبط سلوكهم من خلال فرض العقوبات وجعل الأجزاء الدقيقة جداً من السلوك تحت طائلة المراقبة والعقاب ، مما يحول الالتزام إلى نمط حياتي ومعيشي بل تتحول السلطة من خلاله إلى عملية معرفية شاملة .
ولكي نفهم تلك العملية علينا بداية أن نعي معنى الأجساد الطيعة كوصف لجلادي السلطة الحديثة ، تلك الأجساد كما يشير لها فوكو تمثل "الصورة المثلى للجندي كما وصفت في مطلع القرن السابع عشر ، بحيث يحمل علامات وصفات طبيعية معينة ، وفي القرن الثامن عشر أصبح الجندي شيئاً ما يصنع ، بحيث يتم الضغط ببطء محسوب على كل جزء من أجزاء الجسم للتحكم به .. وباختصار لقد تم طرد الفلاح وأعطى له مظهر الجندي .. فالانضباط يصنع أجساداً خاضعة ومتمرسة ، أجساداً طيعة" ، فهي تعمل على تكوين منظومة فكرية وحياتية وعقيدية معينة تحكم هذا الإنسان المنضبط كما يشير في قوله "بالنسبة للإنسان المنضبط كما بالنسبة إلى المؤمن الحق ، لا يوجد أي تفصيل عار من الأهمية ، فأي صغير هو درجة للوصول للعظائم ويرفع إلى القداسة الأكثر عظمة وسمواً" ، ومن ثم يصبح كل فعل هو محض عقيدة الانضباط التي تم التدرب والتكيف معها لهذا فإننا قد نجد أنه حتى وإن غابت تلك الأوامر الفوقية كانت الاستجابة من قبل الجنود أنفسهم من منطلق الرؤية الحاكمة تجاه الحشد الثوري ، فهو يتخذ موقف واحد وفي اتجاه واحد أيضاً هو ضرورة المواجهة العنيفة ضد تلك التجمعات غير المفيدة . بل إن المتتبع لنشأة تلك الانضباطات يجد أنها ارتبطت بشكل أساسي بهذه التجمعات الشعبية ، حيث أشار فوكو أن القلب الوظيفي والمطلوب الأول منها هو تحييد المخاطر وتثبيت الجماهير غير المفيدة والمضطربة ، وتفادي مساوئ التجمعات الكبيرة العدد ، ويعمل على تنمية المهارات وزيادة الكفاءة والتنسيق بينها من أجل تلك المواجهة .
وتعتبر الأداة البوليسية والشرطة المركزية منذ وقت طويل وحتى في نظر المعاصرين هي تعبير مباشر عن السلطة المطلقة بحيث تعمل بأوامرها وتكلف بتنفيذ العقاب والاعتقالات ، وتتشعب مهام تلك الأداة لتشمل كل الأشياء التي تحصل كل لحظة ، أي أن الهدف هو هذا اللامجرد من الرقابة بل إنها اللامتناهي في الصغر في السلطة السياسية ، فعن طريق البوليس "الملك الحكيم يستطيع تعويد الشعب على النظام وعلى الطاعة" . وبالتالي تستند تلك العقيدة الانضباطية لهذه المؤسسات على رؤية وتصور معين لا يرتبط بجهاز ولا بشخص إنما هو نمط من أنماط السلطة ونموذج من نماذج ممارستها ، بحيث يشمل مجملاً كاملاً من الأدوات والتقنيات ومستويات للتطبيق .
• الجسد كخطاب في مقابل العنف كلغة : "الجسد كان ومازال ذلك الفضاء الذي وقعت وتقع فيه كل الثورات والتحولات، والدعوة إلى تحرير الخطاب هي أيضا دعوة إلى تحرير الجسد من سلطة الأنظمة : الجسد المقموع، الجسد المكبوت، الجسد المُعاقب، الجسد المنفي، الجسد المستبعد، وكل هذه الأجساد تحدّد علاقتها بالسلطة" ، فإن الجسد خلال المراحل التحولية – بل يمكن القول أنه كذلك بصفة عامة- يمثل الخطاب الحقيقي الذي توجهه السلطة إلى الجماهير بلغة عنيفة تتمثل في آثار التعذيب التي تتركها على سطحه ، فهي لا تجد حرجاً في أن يذاع هذا الخطاب وينشر على الملأ ، بل إن هذا الفعل العقابي يجب أن يصبح مقروءاً للجميع من خلال هذا الجسد ، وهنا نلاحظ أن قوات الأمن تطيل من مشاهد الاحتفال التعذيبي وتتعمد الكشف عن أجساد الثائرين وإصابتهم وعرضها أمام الجماهير رغم مخالفة ذلك ليس فقط للقانون وإنما لأبسط قواعد الإنسانية . والسلطة في هذه الحالة تصبح في حالة دفاع عن سيطرتها ضد الاختراق وتحاول أن تقتنص الفرص لإثبات قوتها ، لذا فإن هذا التعذيب يجب أن يتأكد منه الجميع كما لو كان انتصاراً لها ، فهو من وجهة نظرها إجراء عقابي من أجل إعادة إقرار السيادة بعد جرحها لحظة التمرد والخروج ، أي أن الفعل الجزائي هنا ليس مرتبطاً بالحق وإنما بالقوة ، فهو خطاب قائم على سياسة الترهيب : أي إشعار الجميع من خلال جسم (المجرم) بوجود سلطة قوية غاضبة .. فالتعذيب هنا لا يعيد العدالة إلى نصابها بل يقوي السلطة .
• الوسائل الاتصالية كأداة للترهيب : اتساقاً مع الهدف الأساسي من المشهد التعذيبي وهو إرهاب المشاهدين فلابد من وجود قناة يتم من خلالها ليس فقط توصيل الرسالة المطلوبة وإنما كذلك تضخيمها وتهويلها بما يجعلها تأخذ الشكل المناسب للغرض ، وبالتالي تأتي أهمية الدعاية الإعلانية (الإعلام) كأحد الفاعلين على المسرح والذي يحمل هذه الصورة وينقلها بما يحقق المثالية والعبرة : ترهيب جسدي ، ترويع جماعي ، صور يجب أن تحفر في ذاكرة المشاهدين كالرسمة على كتف المحكوم ، بما يسمح لها من السيطرة على عقولهم والتمثيل الدائم أمام أعينهم بمجرد التفكير في تكرار الفعل فيتم استدعاء المشهد مباشرة فيعمل عمل العقوبة ذاتها .
ومن جانب آخر يؤكد فوكو على دور شيوخ الشعب ومثقفيه ومبشريه الذين ينقلبون إلى وعاظ ودعاة أخلاقيين ينشرون الفضيلة في النفوس ويعملون على تهويل مشهد الرعب وتأجيج الخطاب العقابي من أجل تقويض هالة التمجيد التي تحيط بالمتظاهرين وإسقاط قيمة الفعل الثوري ، في حين يبقى كل من يفكر في ارتكاب هذا الفعل (الشرير) وقد أرعبه رؤية هذا الكثير من الأعداء بما قد يدفعه إلى التخلي عن أفكاره ، وفي المقابل يتم تبرير هذا التراجع والخوف من المواجهة ببعض كلمات الأمن والاستقرار وعجلة الإنتاج والشرعية والمصلحة العامة حتى أضحت جميعها موضع تساؤل ومحل للالتباس مما دعى بالضرورة إلى ظهور دراسات لإعادة توضيح معاني هذه المفاهيم وكأننا نتعرف عليها لأول مرة .
2- على هامش المشهد
لكي نتمكن من معرفة المشهد الثوري بكافة أبعاده علينا أن ننظر إلى كواليس هذا العنف أو الرؤى الأيديولوجية والعقيدية التي تحركه وتحكم سلوكه ، فهناك أفكار تعمل عمل السيناريو المكتوب والمخطط ليس في الإدارة كما نظن وإنما في تكوين المعرفة بشكل يجعل رد الفعل تجاه أي عمل تظاهري أمراً محسوماً ، ومن هنا يمكن تقديم أهمها :
• المؤامرة وهوس التخويف : يعتبر الانتقال من طور تجسيد آليات سلطة الضبط عبر المؤسسات كالسجن والمدارس والمستشفيات والمصانع وغيرها إلى طور جديد تأخذ فيه الممارسة شكلاً جديداً لا مركزياً وبطريقة غير هرمية وغير مباشرة هو أحد سمات الضبط والتطويع اليوم ، بحيث تتمكن السلطة أن تتحكم في السلوك وفي ردود أفعال الجسد ومن ثم تطويعه من خلال توجيه بعض الرسائل وإطلاق الحملات التي تحكم التفكير وقد تبني عليها شرعية واهية ترتبط ببقاء واستمرار تلك الحملات الترويعية ، ومن هنا يمكن أن نفهم كلمات التهويل المبالغ فيها التي يتم استخدامها من قبل حاكمي البلاد بتغيرهم وفق سيناريو متكرر "أنا أو الفوضى" ، فهو خطاب إرهابي واضح تم استخدامه من قبل النظام السابق واستمر مع حكم المجلس العسكري ولازال في حكم الرئيس الإخواني ، فالتخويف من القوى الخارجية التي تعبث بأمن مصر القومي ولا تريد لها الأمان ومن الوجود الإسرائيلي المترصد للأوضاع في مصر واتخاذ من أحداث سيناء تبريراً تقف عليه كبرهان لتلك الدعوات ، وعلى جانب آخر يوجد هوس الثورة المضادة التي ترتبط بالنظام السابق وتريد أن تأخذ بالثأر لها من هذا الشعب وثورته ، بل لم تكتف الأنظمة بهذه الأنواع فكلما تراجع سيناريو ظهر غيره بشكل مرتبط غالباً بأحد أحداث العنف على المشهد من أجل الضغط على الأمن ومن هنا سيناريو الفتنة الطائفية وهوس الأجنبي الذي تعدى ليشمل كل ما هو آخر ، فلم يتوقف الأمر للتخويف فقط من الأجنبي المعادي الذي له مصلحة في إحداث عدم توازن وعدم استقرار بل أصبح يشمل كل آخر مخالف ولعلنا نلاحظ بعد أحداث الفتنة التي ظهرت بشكل جلي في حكم المجلس العسكري صعود خلافات بين الطوائف الإسلامية ذاتها والهجوم على المتصوفين في البداية إلا أنه لم يأخذ قدراً من المشهد فسرعان ما تراجع ليظهر آخر وهو التهويل بخطر المد الشيعي والذي أرتبط بمشهد عنيف في زاوية أبو مسلم مؤخراً ، ويمكننا رصد مثل هذه الحملات الترويعية في خطاب الرئيس مرسي والذي ألقاه في 27-6 بمناسبة مرور عام على توليه الحكم ، فقد بدأ حديثه قائلاً "أقف أمامكم اليوم لأعلن بشفافية كشف حساب عامى الأول بكل ماوعدنا به وماخفقنا و لتدركوا معى الذى استطعنا أن نحققه وما لم نستطع ، حققنا بعض الأشياء وتعثرنا فى بعض الأشياء ، وأعلن معكم ماهى خارطة الطريق فى حياة لكل المصريين وماهى المرحلة ، ولكل ثورة أعداء ولكل شعب منافس وأمام كل أمة تحديات نحن المصريين قادرون على تجاوز المرحلة وكل ما أطلبه منكم أن تستمعوا وأن نتفهم بروح تعلى من شأن الوطن والإيجابيات لنبنى عليها والسلبيات نتجنبها وليست كل الروح التى تسفه وتخون كل شيء." تلك هي البداية التي أفتتح بها الرئيس حديثه حيث أكد على وجود الأعداء ووجود المنافس والتحديات ، ثم حاول خلال باقي الخطاب توضيح كل منهم بالتفصيل ، فهو يستكمل في موضع آخر بقوله "لم يدخر أعداء مصر جهداً في محاولة تخريب التجربة الديمقراطية بل ووأدها بمنظومة من العنف والبلطجة والتشويه والتحريض والتمويل بل واللعب بالنار في مؤسسات شديدة الأهمية.." ثم يقوم بتقسيم وصفه الإجمالي "أعداء" إلى فئات معينة موجهاً إلى كل منهم رسالة واضحة :
(1) أعداء الخارج : يحتل أعداء الخارج المرتبة الأولى ليس فقط في الخطاب وإنما هو العدو الأقدم والأكثر فاعلية وترويعاً ، لذا وعلى الرغم من تأكيد الخطاب على العدو المضاد أنصار النظام السابق بشكل أساسي إلا أنه أراد ألا يترك تلك الورقة التي كثيراً ما تكون لها قوتها وكلمتها ، ومن ثم ذهب في البداية إلى التأكيد على مكانة مصر في العالم الإسلامي والعربي "لا يخفى على عاقل أن هناك من يناصب هذه الثورة عداء سافرا. هناك من يدرك ما تستطيع مصر القوية النامية المتطورة أن تقدمه لأمتها" ، إلا أن تلك الأيدي الخارجية لا تريد لتلك الأمة أن تنهض ومن ثم تسعى إلى الضغط على مصر ومحاولة منع تقدمها ، فهو يؤكد على أننا "نواجه محاولات لمنع إرادتنا وقراراتنا، والتدخل لبعض القوى الخارجية لفرض قرارات وتعطيل السياسيات ونها قرض صندوق النقد الذي هو ليس هبة ولكن حق لمصر" .
(2) بقايا النظام السابق : يؤكد الخطاب على محاولات هؤلاء الحثيثة على الانتقام ، فهم يعز عليهم رؤية مصر تنهض ، مشيراً إلى أن هذا النظام وظف بعض أفراد الأمن رغماً عنهم لحمايته ، أي أن أجهزة الأمن ما هي إلا أذرع تنفيذ أوامر العقل (السلطة) ، فالجسد (أجهزة الأمن) ليس من شأنه التفكير ولا التدبير ، فقط هو منوط بالتنفيذ ، ومن هنا فالشقاق الذي حدث ما بين الشعب من جانب وبين تلك الأجهزة من جانب آخر هو أمراً لا نقول مفتعلاً ، وإنما نقول أنه في جوهره موجه للسلطة وليس لتلك المؤسسات ، ومن ثم قد تتمكن السلطة الجديدة بتفكير جديد إقامة علاقة جديدة !.
(3) المعارضة : سعى الخطاب الى تصنيف المعارضة إلى وطنية أو وفية وغير وطنية ، فالأولى هي تلك التي تقبل بشرعية النظام من منطلق أنه جاء بالانتخاب وبإرادة الشعب من خلال الصندوق ، فهي تقوم بدورها الأساسي انطلاقاً من هذا القبول ، وتسعى إلى التداول للسلطة بالصندوق أيضاً ، أما الثانية فقد وصفها بأنها تلك التي تخلت عن قواعد العملية الديمقراطية وهي الالتزام بالصندوق والشرعية ، ثم حاول بعد ذلك إلصاق بعض أفراد وبقايا النظام السابق بصفوف المعارضة أو بمعنى آخر أنه أراد أن يختزل المشهد برمته في بعض الشخصيات ، متعجباً تظاهرهم بالانضمام من الثورة والثوار!.
• التدابير البانوبتية : البانوبتية عند فوكو تشير إلى التدابير التي تتخذها السلطة عندما يتفشى المرض في مدينة ما ، وقد طبقه في هذا الكتاب على مرضي الجذام والطاعون وكلاهما مرض معد وخطير ، لذا يتخذ المجتمع من التدابير لمواجهتهما ، فبالنسبة للجذام يتم إقصاء المصاب بعيداً عن المجتمع منعاً لانتشار المرض ولاستبعاد خطورته ، أما الطاعون فيتم التعامل معه بطريقة أخرى لأنه يصيب أعداداً كبيرة ، لذا لابد من اتخاذ إجراءات رقابية متشعبة بحيث يحكم على الأفراد بالحبس في بيوتهم كلما ظهرت أعراض هذا المرض وهي الطريقة التي تحتاج إلى درجة عالية من المراقبة الانضباطية ، تلك الإجراءات المتباينة من قبل السلطة في التعامل مع مرضين خطيرين هما في حقيقة الأمر أسلوبان في ممارسة السلطة على الناس والتحكم بعلاقاتهم وفك تركيباتهم الخطيرة ، وهاتان الاستيراتيجيات تشرع الحكومات على الاستعانة بهما في حالات ا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

السلطة ومسرح التعذيب : دراسة للخطاب السياسي للجسد - الميادين المصرين نموذجاً ياسمين كامل منصور الحوار المتمدن-العدد: 4255 - 2013 / 10 / 24 - 14:58 المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

السلطة ومسرح التعذيب : دراسة للخطاب السياسي للجسد - الميادين المصرين نموذجاً ياسمين كامل منصور الحوار المتمدن-العدد: 4255 - 2013 / 10 / 24 - 14:58 المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
»  السلطة ومسرح التعذيب : دراسة للخطاب السياسي للجسد - الميادين المصرين نموذجاً ياسمين كامل منصور الحوار المتمدن-العدد: 4255 - 2013 / 10 / 24 - 14:58 المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
»  عالم من دون إله .! ياسمين كامل منصور الحوار المتمدن-العدد: 3830 - 2012 / 8 / 25 - 14:56 المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
»  قضية ضدّ وجود الله إبراهيم جركس الحوار المتمدن-العدد: 4267 - 2013 / 11 / 6 - 19:20 المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
»  هذا ما جنته براقش على نفسها آمال قرامي الحوار المتمدن-العدد: 4266 - 2013 / 11 / 5 - 20:04 المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
»  رامي أبو شهاب الحوار المتمدن-العدد: 4246 - 2013 / 10 / 15 - 23:50 المحور: الادب والفن

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: اخبار ادب وثقافة-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: