قد يرى البعض أن الشرطة المغربية التي قامت بإعتقال أطفال على خلفية " قبلة " قد تجاوزت في صلاحياتها ، و أنها ربما أهتمت بشيء تافه فيما تركت الأمور الأهم " و هو ما قد يرونه من قبيل التجاوز في القانون " ، لكن في الحقيقة و برأيي فالشرطة المغربية لم تتجاوز صلاحيتها ، و هي لم تفعل إلا ما كان مرسوما لها ، و إن جئنا للواقع لوجدنا أن الشرطة المغربية بفعلتها تلك إنما دافعت في الحقيقة عن صلب النظام المغربي وهو الهدف الذي أنشأت من أجله .
إن الحقيقة التي لا يمكن التغاضي عنها هي أن جميع الأنظمة في بلادنا أنظمة قائمة على شرعية العنف (العنف بشقية المعنوي و المادي) وعليه فكل فعل مناقض للعنف أو مهدد له (الحب على سبيل المثال ) ، فهو سلوك مخل بالنظام العام ويستحق العقاب ، على هذا فحين تمارس الشرطة دور الرقيب على أعمال الحب ، فإنما هي تمارس دورها في حماية النظام ، وهذا بدهي .
الواقع أن مسألة الحب (وخاصة التعبير العلني عنه و الذي يمثل تحديا إستفزازيا للنظام القائم ) ليست مسألة هينة كما يعتقد البعض ، بل هي مسالة عظيمة ، فالحب عندنا يمثل خطرا وجوديا على النظام الحاكم ، بل هو الخطر الأكبر لأنه و مادام هذا النظام قائم على شرعية العنف ومستمدا لديمومته منه ، فحنيها كل أعمال الحب ( قبلة ، غمزة ، أو عبارة غزل أو علاقة جنسية.. إلخ ) جميعها هي من قبيل الأعمال العدائية الإجرامية وأصحابها مدانون ، وهنا يمكن الإضافة أن الأمر لا يتعلق بسلطة سياسية إستبدادية فقط ، بل هو مسألة بنية اجتماعية شاملة ، فبدا بالأب الذي يمارس العنف بدل الحوار لتربية أبناءه وصولا الى الاله الذي يتوعد الصّادين عنه بالويل و التبور ، جميع هؤلاء يعتمدون على العنف كوسيلة للبقاء ، وكوسيلة لحفظ النظام القائم ، لهذا فحين يقبل صبي فتاة علنا ، فالامر ليس مجرد قبلة ، بل هو عملية إعلان حرب على النظام العام ، وعليه فالجميع يحتشد للدفاع عن ألثوابت .
الواقع أن العنف في بلادنا هو النظام ، لهذا فقد كان من البدهي أن يعتقل الأطفال بسبب قبلة ، بل يمكنني أن أضيف أن إعتقال أولئك الاطفال ربما كان بمثابة الإنذار فقط ، فالجيل الجديد الصاعد وكما نرى بدا ينحو نحو التخلي عن قيم العنف ، لهذا فقد جاء إنذار السلطات و المجتمع الأبوي بأنها حاضرة و أنها تملك عنفا يمكن أن يمارس كوسيلة لضبط الأمور .
في الحقيقة إن ما حدث في المغرب هو مؤشر لحالة قد تطول مستقبلا وقد تتكرر بقسوة ، لأنه و كما يبدو فالمجتمع التقيدي القديم ببناه الإجتماعية قد بدا يتداعى وقد بدأت أساسته تنهار في ظل ما فرضته العمولة ، (الثورة على الاستبداد السياسي مجرد البداية فقط ، فهناك مؤشرات لقيام ثورة على الاستبداد الديني ، وعلى الديكتاتورية الابوية )، وعليه فقد بدأ هذا النظام إستعراض عضلاته ، ومن علمنا أن العجزة عنيفون و شرسون فيمكننا التوقع أن المستقبل يحمل مزيد من الإرهاب والقمع عدى الذي هو موجود أصلا ، فهذا النظام نظام مبني على العنف ، ولا يمكن تخيل لا يمارس عنفا أشد دفاعا عن نفسه