"التحالُف المُدنَّس" ومُنقلَبه المفضوح عالميّا!
عبد الجليل الكور
الخميس 11 يوليوز 2013 - 13:29
إذَا ثَبَت أنّ "الإسلاميِّين" يُمثِّلون - بمشروعهم الدّاعي إلى بناء "الحداثة" على قيم "الإسلام" ومبادئه- تحديا كبيرا أمام كل التيّارات التي ترى أنّ "الحداثة" إنما هي الانقطاع أو الانفكاكـ عن "الدِّين"، فإنّ صُعودهم السياسيّ لم يكن مُرحَّبا به بعد انتفاضات «الربيع العربيّ». ولهذا، فإنّ ما وقع أخيرا بمصر لا وصف له - عند كل من صحّ عقلُه وسَلِـمتْ طَوِيَّتُه- إلّا باعتباره «انقلابًا عسكريّا بلَبُوس مدنيّ».
وعلّةُ ذلكـ الوصف لها أربعةُ أوجُه: أوّلُهما أنّ الأمر – فيما وراء كل المَظاهر الخدّاعة- لم يَتعلّق بتاتا بانتفاضة شعبيّة أتتْ في إطار استكمال أو استرجاع الثورة، بل كان نتاجَ تخطيط لأطراف مُتعدِّدة داخليّة وخارجيّة عملتْ عليه جيّدا في أُفق إجهاض أيِّ «تحوُّل دمقراطيّ» سيُهدِّد حتما المَصالح الحيويّة لتلكـ الأطراف ؛ وثانيها أنّ الرئيس "محمد مرسي" قد اختارته أغلبيّةُ الشعب المصريّ في انتخابات حرّة وشفّافة اعتُرف بها مَحليّا ودوليّا على مَضض، بحيث لا سبيل إلى إزاحته إلّا بعد اكتمال مُدّته وبانتخابات حرّة ونزيهة لأنّ هذا هو ما تقتضيه «الشرعيّة الدمقراطيّة» ؛ وثالثها أنّ وُجود رئيس مُنتخَب بشكل دمقراطيّ، بالخصوص في مرحلةٍ انتقاليّةٍ، ضمن شرعيّة دُستوريّة وبرلمانيّة يَمنع الانقلاب عليه حتّى باسم الحَراكـ الشعبيّ (وبَلْهَ التدخُّل العسكريّ) لكي لا تُفتَح أبواب الفوضى والفتنة على مَصاريعها ؛ وثالثُها أنّ اعتقال الرئيس "محمد مُرسي" ومُعظم زُعماء "الإخوان" وإغلاق قنواتهم الإعلاميّة وفسح المجال لخُصومهم ليَستكملوا تشويههم وتضليل الجماهير بشأنهم لا يُعدّ إجراء وقائيّا إلّا بهذا المعنى، بل هو الوصمة الكبرى في الإخراج الإعلاميّ-التمثيليّ الذي صاحب الانقلاب على الشرعيّة.
وبخلاف ما رَوَّجه المُرْجِفون عن كون فشل "محمد مُرسي" وحكومته وحزبه السبب الدّاعي إلى الانقلاب على الشرعيّة، فإنّ اللّافت هو اجتماع قُوى «التّحالُف المُدنَّس» ليس فقط على إفشال الانتقال الدمقراطيّ بمصر (وفي غيرها كذلكـ)، بل أيضا على إعادة إنتاج نظام «الدولة الفاشلة». وإلّا، أفلَا يدعو إلى الارتياب أن يُرحِّب بالانقلاب كل من مُلُوكـ الزّيْت والزّيْف وأُمراء السُّحت والخنا وتُجّار التّضليل والتزوير؟! وكيف يُمكن تصديق أدعياء "العَلْمانيّة" في تكالُبهم على الشرعيّة بمصر وهُم الذين فضّلوا أن يَنْخرطوا في صفّ المُبارِكين والشّامتين بما يجعلهم مُلْتفِّين في «تحالُف مُدنَّس» (أنظمة الخليج، إيران وتوابعها في سوريا ولبنان، والقُوى الغربيّة) جَمعت بين فُرقائه مصالح ظرفيّة و/أو استراتيجيّة؟! وأكثر من هذا كيف يُفهَم تدفُّق ملايير الدولارات من بعض دُول الخليج (الإمارات، السعودية، الكويت) وأيضا من جهات الإقراض الدوليّ على مصر مباشرة بعد الانقلاب العسكريّ؟!
إنّ ما يحدُث حاليّا بمصر يقود إلى تأكيد أنّ قُوى «التّحالُف المُدنَّس» لا تهتمّ بالدمقراطيّة إلّا مُساوَمةً وابتزازا، ولا تدّعي "العَلْمانيّة" إلّا تنكُّرا وتنكيرا في حربها القائمة استراتيجيّا ضدّ الإسلام والمُسلمين. إذْ كيف يكون دمقراطيّا من يَستخفّ بالأغلبيّة الناتجة عن الانتخابات الشرعيّة ويَظلّ صادِحا ونابِحا بمبادئ سرعان ما يَدُوسها أو يَبيعها عند أوّل امتحان؟! وما معنى "العَلْمانيّة" بالنسبة لأُناس قد وطّنوا أنفسَهم وأعمالَهم على تشويه الإسلام وتحقير المُسلمين؟! وأيُّ ذمّةٍ أو عقل لمن يَحتجّ بالفشل منسوبا إلى "الإسلاميِّين" ويَسكُت عن فشل غيرهم من أدعياء "العَلْمانيّة" و"اللبراليّة" على الرغم من كون هؤلاء قد مضت عليهم عُقود وهُم لا يَخرُجون من فشل إلّا ليدخلوا في فشل أشدّ منه (آخر فشل لهم تَكرّر بمصر ستّ مرات مُتواليات عجزوا فيها، رغم كل ما افتعلوه، عن التغلُّب على "الإسلاميِّين")؟!
أخيرا وليس حقيرا، يبدو أنّه لا مَناص لقُوى «التّحالُف المُدنَّس» من إفشال "الإسلاميِّين" كيْدًا مُدبَّرا بالليل والنهار أو خَلْعا مُنفَّذا بالقوة والعنف. ذلكـ بأنّ هذه القُوى قد صارت تَعْلَم علم اليقين أنّها لو تركت "الإسلاميِّين" يعملون إلى تمام مُدّتهم، لَما استطاعت بعدُ التغلُّب عليهم في أيِّ انتخابات تُخاض حُرّةً ونزيهةً. وإنّ ممّا يجب على كل الأحرار والفُضلاء هو أن يَتوافقوا ويَتعاونوا على بناء المجال العموميّ قانونيّا ومُؤسَّسيّا لضمان اشتغاله على النحو الذي يُخيِّب مَساعي تلكـ القُوى ويَفضح، من ثَمّ، سُوء نيّاتها وقُبح أعمالها لأنّه لا سبيل إلى التّمكين للتّدبير الرّاشد من دون ذلكـ. ولا نامتْ أبدا أعيُن كل الذين أُشربتْ قلُوبهم النِّفاق وتوطّدت عزائمهم على الشِّقاق!