مصر والديمقراطية المنقوصة مرة أخرى!
محمد مرسي يدلي بصوته في الانتخابات الرئاسية 2012
دخول حزب ديني -كحزب الحرية والعدالة المنبثق من الإخوان المسلمين- سيجعل من الصعب جدًا على أيِّ منافس الوقوف ضده؛ وذلك لعدة أسباب، منها: أن الحزب سيجيِّش الأكثرية المسلمة في مصر، بخاصة غير المتعلمة، وهم كثر، حيث إن نسبة الأمية 26 في المائة حسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في مصر. والمعروف أن المتعلِّم المسلم أفهم بالسياسة من نظيره الأمي، وكل هذا يصب في صالح حزب الحرية والعدالة.
الإخوان المسلمون لهم تاريخ وباع طويل في تاريخ مصر، ولذا دخلوا منظمين وخبيرين باللعبة السياسية. البعض يرى أن هذه هي أصول الديمقراطية، وهذا غير صحيح إطلاقًا، فالديمقراطية يجب ألا تسمح بحزب مؤدلج دينيًّا؛ لأنه لا يقبل برأي المخالف.
في تركيا لم يستطع حزب العدالة الوصول إلى سدة الحكم إلا بعد أن قبل بالدستور العلماني الذي جعل الحزب لا يحمل من الإسلام إلا تصريحات زعمائه وإيمانهم الشخصي فقط. ومن الجانب الآخر كان من الخطأ كتابة الدستور في ظل حكومة مؤدلجة ستفرض -دون شك- بصماتها عليه مهما كان القائمون عليه محايدين.
وبعيدًا عن اتفاقنا مع بعض القوانين أو اختلافنا معها إلا أن مصر تواجه معضلة ما بعد الدستور، فكيف ستتعامل مع حقوق الأقباط وحرية الصحافة والتلفزيون والفن والعلاقة مع القضية الفلسطينية وحقوق المرأة والبنوك والاقتصاد دعونا نتفاءل ولكن) انتهى..
هذا ما كتبته في الثالث عشر من يناير مطلع هذا العام 2013 في مقال لي بالمجلة عنوانه (ديمقراطية منقوصة) متوقعًا فيه ألا ينجح حزب العدالة وممثله الرئيس محمد مرسي في إدارة شؤون البلاد إلا بالديمقراطية التي تحفظ للجميع حقوقه، وهذا لم ولن يتحقق في ظل حزب أيدلوجي مهما كانت مؤشراته عادلة.
قد يرى البعض أن ما صنعه الجيش هو وأد للديمقراطية، أو أن الجيش قد كرر ما حدث في الجزائر وحله لجبهة الإنقاذ الإسلامي بعد فوزها بالانتخابات في مارس 1992 إلا أن الوضع مختلف تمامًا؛ لعدة أسباب منها:
أن من قام بالتغيير فعليًّا ليس الجيش المصري بل هو المظاهرات التي قادها الشعب، ووصفت بأنها الأعلى في التاريخ من حيث الكثافة والعدد، وبالتالي الجيش تدخل بعد أن وصل الأمر إلى ذروته، وخوفًا من أن تشتعل حرب أهلية، أو معارك طاحنة، أو فوضى عارمة.
النقطة الأخرى أن المقارنة بالجزائر أمر خاطئ تمامًا؛ لأن جبهة الإنقاذ تم حلها قبل أن تستلم دفة الحكم، بينما مرت سنة كاملة على اعتلاء الحزب المصري دفة الرئاسة المصرية، مع الأخذ بالحسبان أن جبهة الإنقاذ أتت عن طريق انتخابات حصدت فيها الأغلبية الساحقة، فيما لم يستطع الرئيس محمد مرسي الفوز إلا بعد محاكمات ومداولات واعتراضات وتهم بالتزوير.
عمومًا التحفظ على حزب أيدلوجي لا زال قائمًا، وللعلم فجبهة الإنقاذ الجزائرية -على سبيل المثال- كانت ستعدل في الدستور رافضة عمل المرأة، ومطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية، وفرض الاقتصاد الإسلامي وغير ذلك من القرارات التي كانت تعني اللا ديمقراطية، فمن المسلم به أن حقوق غير المسلمين والحقوق الاجتماعية للنساء والأنظمة الاقتصادية وغيرها لا تُمَس مهما تغير الحزب، بل تتغير بعض الأنظمة الإدارية والتعيينات والسياسة الخارجية دون المساس بالدستور .
وما يعزي حزب العدالة المصري هو أنهم ليسوا من قادوا الثورة في الأساس، بل امتطوا عباءتها مستغلين الاندفاع العاطفي غير المنظَّم للشباب المصري المتحمس من جهة، ومعتمدين على إرثهم الطويل في التنظيمات، ومناشدتهم الأغلبية المصرية باسم الإسلام.
وفوق هذا وذاك كانت هنالك قرارات للرئيس محمد مرسي تتنافى والديمقراطية فضلاً عن الرعب الذي سيطر على المثقفين والفنانين من إمكانية تحول بلادهم إلى كهنوت ديني يجهض بعض أحلام التطور الطبيعي، ناهيك عن المصريين الأقباط الذين يرون أنهم خسروا النظام السابق في عهد الرئيس حسني مبارك (رغم عدم رضائهم عنه) مقارنة بمحمد مرسي.
أحمد الحناكيصحفي وإعلامي سعودي، كتب في صحف عدة كاليوم وعكاظ والاقتصادية وشمس والمدينة وجريدة الشرق الاوسط. يحمل شهادة الماجستير في الصحافة والاتصال الجماهيري من جامعة مارشال في أميركا
More Posts مواضيع مشابهة
جبهة الانقاذ,
عبد الفتاح السيسي,
محمد مرسي,
مصر