** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالرئيسية  الأحداثالأحداث  المنشوراتالمنشورات  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 الجيش ونخب التيار الاسلامي في تركيا

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
حمادي
فريق العمـــــل *****
حمادي


عدد الرسائل : 1631

تاريخ التسجيل : 07/12/2010
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 8

الجيش ونخب التيار الاسلامي في تركيا  Empty
29122012
مُساهمةالجيش ونخب التيار الاسلامي في تركيا

الجيش ونخب التيار الاسلامي في تركيا


لقد اكتسبت معادلة الجيش والتيار الاسلامي (بوصفه طرف) في المعادلة
الرئيسة ، اهمية استثنائية ، نظرا” للدور المتنوع الذي قام به الجيش في
تاريخ الحياة السياسية التركية ، وطبيعي ان يثار تساؤل حول ماهية موقف
الجيش من اية محاولة لتاسيس سلطة سياسية اسلامية ، وماهية التطورات في
اعقاب التعددية الحزبية . ويعالج هذا الفصل موضوعا” سياسيا” امتد لحقبة
تاريخية في الدولة العثمانية وحتى تركيا الكمالية ، ومع ذلك، لازال يتفاعل
سياسيا” وسيعمل على طبع الحياة السياسية التركية لفترة لاحقة قد تطول لمدد
تاريخية اخرى . واستنادا” لذلك ، وبغية معالجة الموضوع معالجة تاريخية
سياسية، فقد قسم الى المحاور الاتية :
المحور الاول: تاريخية الدور السياسي للجيش التركي :

شكل النظام السياسي العثماني نظاما” فريدا” في تكوينه القائم على مزيج
من التقاليد الجهادية والمباديء الاسلامية ، مما افرد مؤسستين الاولى :
وهي النخبة الحاكمة وتضم الجهازين العسكري والبيروقراطي في الدولة ،
وتالفت مراتبها العليا في معظمها من ارقاء سابقين ممن جرى ضم اكثرهم عن
طريق نظام الدوشيرمة ، وفي الوقت عينه لم يكن هؤلاء العنصر الوحيد في اطار
النخبة الحاكمة اذ كانوا يتعايشون مع المحاربين الاسباهين . اما الثانية :
فهي المؤسسة الاسلامية ، وضمت الجهاز الديني والقانوني في الدولة ، وكان
على راس هذه المؤسسة مفتي الاسلام او شيخ الاسلام ، وكانت توفر العناصر
القضائية والمدنية لرئاسة جهاز الدولة المدني (1) .

اندمجت معادلة ( الجيش- المؤسسة الدينية)في مجمل التشكيل العلماني سواء
في وقت السلم ام الحرب . حتى غدت العثمانية انموذجا” للدولة التي يضطلع
فيها الجيش بدور رئيس في الحياة السياسية ، وكان هذا الدور احد التقاليد
التي ارتبطت بالنظم السياسي العثماني (2) ، وكان السلطان العثماني يقوم
باعباء قيادة الجيش ، ويستمد قيادته من نفوذه الديني ، مما انعكس على
طبيعة النظام السياسي العثماني وهي طبيعة متشابكة ومتداخلة تظهر في مظهرين
: الاول ، كان يعد حكما” عسكريا” مباشرا” ، والثاني ، حكما” غير مباشر،
وذلك من خلال الاندماج الكلي بين الاجهزة المدنية والعسكرية ضمن ما كان
يطلق عليه بالديوان الهمايوني (3) .

تعزز دور كل من المؤسستين من خلال توظيفهما لقطاع الاقتصاد بوصفه
قطاعا” فعالا” ورئيسا” في الدولة العثمانية ، الا وهو قطاع الاراضي بمختلف
ملكيتها ، ( سواء كانت مملوكة للدولة ام ضمن الاملاك السنية خاصة السلطان
)، فالمؤسستان ، كانتا تعتمدان في تحقيق الغنائم على تعميق روح الفتح
والاستيلاء الواسع على مزيد من الاراضي ، فيما جرى تكييف لحيازة الاراضي
والادارة العسكرية طبقا” لمتطلبات (الامبراطورية- الدولة). فكان نظام
الجباية حيث تفوض بموجبه الاراضي لموظفي الدولة بوصفه حقا” لاستخراج
وتوليد الفائض الاقتصادي من الفلاحين ضمن مناطق محددة من التيمارات (4) .

اتبعت هذه الحالة طوال القرن الخامس عشر الميلادي ، وغدت المهمة الاولى
للحكومة تتمثل في الاعداد لغزوات الدولة وادارة اقاليمها الجديدة ، وكان
المتفوقون من افراد الجيش وخاصة الانكشارية العثمانية يرشحون للمناصب في
الادارة الحكومية (5) ، مما ادى الى تفوق الدور السياسي للجيش العثماني في
نهاية القرن الخامس عشر ومطلع القرن السادس عشر ضمن اطار دولة مركزية قوية
ومستديمة ، ونظاما سياسيا” يتمتع بسلطة مصدر قوتها جيش نظامي محترف ،
والنخبة السياسية الحاكمة والمدربة تدريبا منظما على فنون الحرب والادارة
البيروقراطية (6) ، وفي تصنيفه لمراحل التاريخ العثماني ، يحدد الباحث
التركي المختص بالشؤون التركية الحديثة المعاصرة (كمال كاربات Kemal
Karpat ) المرحلة الاولى للحقبة الممتدة من (1299-1400م) وهي مرحلة تكوين
الدولة والتي صقلت المراحل الاخرى انطلاقا” من كونها دولة غزو، والمرحلة
الثانية من (1421-1596م) عندما ظهر خلالها صياغة جديدة للدولة حينما غدت
ذا طبيعة مركزية شبه اقطاعية من خلال اعتمادها على قوى الاسباهية في ادارة
الاراضي (7) ، ان طبيعة العلاقة القائمة على وحدانية معادلة الجيش وعقيدة
النظام السياسي العثماني ، ان الجيش كان يعمل ضمن مفاهيم النخبة السياسية
العثمانية ، حتى غدا دوره السياسي ضمن هذه المرحلة انعكاسا” للنظام
السياسي ، بحسبان المؤسسة العثمانية هي احد مؤسسات السلطة السياسية
(الاسلامية) .

بدأت حالات القطيعة تظهر بين الجيش العثماني والادارة المدنية الحديثة
منذ المدة (1603-1789م ) عندما اصبح الاعيان والملتزمين بدلاء عن قوى
(الاسباهية والانكشارية) في تزويد الدولة بالفرسان في حالة الحرب ، من جهة
، وتنامي دورهم في الادارة السياسية من جهة اخرى بوصفهم (8) فئة اجتماعية
حديثة التكوين . واستمرت حالات القطيعة تتعمق خلال المدة (1808-1918) وهي
حقبة البيروقراطية الحديثة ( الاصلاحات والتنظيمات ) (9) ، رغم ما شهده
عهد السلطان محمود الثاني (1808-1839م) من الغاء لنظام الانكشارية ،
وتطوير الجيش في محاولة لتحويل البلاد من دولة تقليدية الى دولة عصرية ،
وغدا الجيش في هذه المرحلة يمثل القوة الابداعية الرائدة في مجال التجديد
والتقدم (10) .

يتضح مما تقدم سلفا” ، ان الوحدة الفكرية- العقيدية ، كانت ولا زالت
قائمة خلال هذه المرحلة بين الجيش العثماني بوصفه ممثلا” رئيسا” للمؤسسة
العسكرية والسلطة المدنية النخبوية، لان السلطان العثماني هو القائد
الاعلى (للجيش السلطاني) . امتدت هذه الوحدة نحو المؤسسات الاقتصادية
والاجتماعية ، واصبح الجيش ليس مدافعا” عن النظام حسب ، بل اصبح ضمن مجمل
المؤسسة الرسمية والدينية للنظام .

بدأت منذ مطلع القرن العشرين ، وبالتحديد عام (1908م) مرحلة جديدة ودور
جذري للجيش العثماني ، فبعد ان كان احد ادوات المؤسسة السياسية العثمانية
، انتقل في هذه المرحلة الى احد اجنحة المعارضة السياسية النخبوية للنظام
العثماني عندما تمثل ذلك بالمعارضة المنظمة لقيادة ( جمعية الاتحاد
والترقي) ، رغم محاولتها الاسراع بالتحديث عن طريق اتباع المركزية الشديدة
(11) ، ويستنتج الباحث في الشؤون التركية ( فيروز احمد F.Ahmed) ” ان هذا
النظام لم يستطع خلق اية مؤسسة جديدة ، وانما اقتصر على استغلال اجهزة
الحكم التقليدية لاهدافه الخاصة ” (12) ، ولعل في المقدمة منها زيادة
فاعلية الدور السياسي للجيش التركي استجابة لمتطلبات التغيير التي شهدتها
الساحة السياسية العثمانية في هذه المرحلة ، علما” ان قيادة جمعية الاتحاد
والترقي ، ورغم السيطرة الفعلية للعسكر على قياداتها من مثل ( احمد نيازي
، وانور بك) ، الا انه كانت الى جانبهم فئات مهنية اخرى برزت حديثا” من
صحافيين و محامين ، وموظفين صغار في الادارة ، وهم جميعا” نتاج المدارس
الحكومية (13) ، ورغم ذلك قام بعض الضباط في عام (1912م) بحركة تمرد على (
جمعية الاتحاد والترقي) لكن لم يمض وقت طويل حتى تحركت الجمعية وعبر
اعضائها العسكريين من امثال ( انور بك وطلعت بك وكمال بك ) واستعادة
السيطرة على الحكم في عام (1913) (14)، وبرزت في هذه المدة ، ثلاثة تيارات
نخبوية تنافست فيما بينها للسيطرة على السلطة السياسية وادارة الدولة ،
وكان انصار التيار الاول يشعرون بان على الدولة ان تبقى متعددة الاثنيات
والاجناس والقوميات وهؤلاء اطلق عليهم (انصار العثمانية) ، اما انصار
التيار الثاني فكانوا يعتقدون ان الاسلام يشكل اساس الدولة ، وتبعا” لذلك
يجب ان تضم المسلمين وقد اطلق على هؤلاء انصار (الدولة الاسلامية ) ، اما
انصار التيار الثالث فقد كانوا يعملون من اجل اقامة دولة تركية تشتمل على
العنصر التركي ، وقد اطلق على هؤلاء انصار ( القومية التركية ) (15)، لقد
حسم التنافس الى حد استبعاد الاسلام من ساحة التنافس السياسي ، والركون
الى المركزية الشديدة في التعليم والجيش والاقتصاد ، اضافة للتتريك لتوحيد
امبراطورية متنوعة الاجناس والقوميات ، ورغم ظهور نشاط للحركة الاسلامية
من خلال بعض الصحف التي اظهرت نبرة اسلامية ، وكذلك في مناقشات (جمعية
الاتحاد والترقي ) فان الاتحاديين لم يتجاوزوا الى حد اتخاذ اجراءات بسيطة
لفسح المجال لنشاط الحركة الاسلامية ، والاكثر من ذلك لم يتزعزعوا في منع
الحركة الاسلامية في ممارسة نشاطها ، مما يعني هيمنة الفكرة التركية
المطلقة (16) .

نستنتج مما تقدم أنفا” ما ياتي :

1. ان الدور السياسي للجيش العثماني ارتبط بمجمل التركيب الاجتماعي
والاقتصادي والعقيدي والنخبوي ، واصبح ذو مصلحة فعلية في الدفاع عن النظام
العثماني في الداخل والخارج .

2. ان حالة التجانس كانت قائمة بين الجيش بوصفه احد مؤسسات النظام
السياسي وبين العقيدة الاسلامية لكل النظام السياسي والاقتصادي العثماني .

3- استمر هذا الوضع متأرجحا” في طبيعة العلاقة ما بين الجيش والتيار
الاسلامي مع احتفاظ الجيش بقدر كبير من النشاط على المستوى السياسي ،
وانحسارالدور السياسي للتيار الاسلامي من طرف اخر .

4- سبب القطيعة المبدئية بين الجيش والتيار الاسلامي يرجع الى مرحلتي
الاصلاحات والتنظيمات التي شهدت تطورات اصلاحية في مختلف القطاعات
العثمانية ومنها الجيش الذي سعى بدوره للحفاظ على مستويات متوازنة لمصالحه
السياسية والاقتصادية والاستجابة لحركتي الاصلاحات والتنظيمات ، واستمر
يمارس نشاطا” سياسيا” مؤثرا” وبعيدا” عن الارتباط او الدفاع (باقل تقدير)
عن التيار الاسلامي في الدولة العثمانية .

5- واثر انتهاء الحرب العالمية الاولى عام (1918) وهزيمة الدولة
العثمانية ، اذ شهدت تركيا في المدة اللاحقة لذلك نشاطا” واسعا” لحروب
التحرير والاستقلال ، وكان للجيش دور رئيس وفعال في تحقيق الاستقلال
واقامة النظام الجمهوري – العلماني مطلع عشرينات القرن العشرين . وغدا
بوصفه النخبة السياسية الاجتماعية المميزة .
المحور الثاني: ابتعاد الجيش عن السياسة :

اقتنع ( مصطفى كمال ) في ظل الهزيمة العسكرية في الحرب العالمية الاولى
واوضاع ما بعدها ، (بان لا العلمانية ولا الجامعة الاسلامية ولا حتى
الطورانية لوحدها ، بامكانهم ان يقدموا الاسس التي تسمح باستمرار السيطرة
على شعوب وقوميات متعددة ومختلفة) . واثارت هذه الهزيمة القاسية العديد من
القضايا كان ابرزها ثلاث : (17).

1- ايجاد هوية قومية ملائمة لتركيا .

2 . اعداد نظام سياسي قابل للحياة يتوافق مع تلك الهوية .

3- الاهتمام بقضية التحديث (18) .

وبغية تحقيق ذلك ، لجأ مصطفى كمال ، وخاصة بعد قيام النظام الجمهوري ،
الى ابعاد الجيش عن الحياة السياسية ، وابقائه بعيدا” عن دائرة الجذب
العقيدي ومعنى ذلك اخراجه مؤقتا” من دائرة تنافس النخب السياسية التركية ،
مفضلا” الاعتماد على ( حزب الشعب الجمهوري Cumhuriyet Halk Partisi )
واجهزته في تحقيق برنامجه في تحديث تركيا (19) . وهي محاولة لخلق نخب
علمانية مدنية تتمكن من خلالها فرض برامجها .
يعود ذلك الى ادراك ( مصطفى كمال ) ، بان تدخل الجيش في السياسة يؤدي الى
اضعافه ، وفي الوقت عينه ، فقد اراد من وراء ذلك ، قطع الطريق على اية
محاولة انقلابية مضادة قد تستخدم الجيش للوصول الى السلطة (20) ، لا سيما
وان بعض قادة الجيش كانوا من المعارضين لالغاء الخلافة من امثال (كاظم قرة
بكيرKazim Karabekier) ،فضلا” عن ذلك ، فان (مصطفى كمال) كان مهتما”
باكساب نظام حكمه صفة ديمقراطية شعبية لا صفة الدكتاتورية (العسكرية) ،
يوحي بها الى الوجود المؤثر للعسكريين في الحكم (21) ، ولاجل ذلك فقد نصت
المادة (23) من دستور عام 1924 على تحييد دور المؤسسة العسكرية وابعادها
عن الحياة السياسية ، واعادة توكيد ذلك في (31 تشرين الاول 1929 ) ببيان
اعلن فيه ” انه من غير المتوافق ان يحتفظ ضباط الجيش بوظائفهم العسكرية مع
وظائفهم السياسية من مثل ممارسة اعمالهم بوصفهم نواب في المجلس الوطني
التركي الكبير TBMM ” ، كما اتبع اسلوب التطهير في الجيش ، وذلك من خلال
ابعاد العناصر غير المرغوب فيها سياسيا” ، وعلى سبيل المثال قام (مصطفى
كمال) عام 1936 باعدام ضباط على رأسهم (كاظم قرة بكير ) لاشتراكهم بمحاولة
القيام بانقلاب عسكري ضد نظامه ، عندما قام بتأسيس ( المجلس العسكري
الاعلى ) ليشكل درعا” واقيا” ضد أي تدخل عسكري في السياسة بوصفه اعلى سلطة
في الجيش يمكنها ان تنسق بين الجيش والوزارة (22) .

يتضح مما تقدم أنفا” ، ان ( مصطفى كمال ) خلال مدة حكمه والمدة اللاحقة
، تمكن من اخراج الجيش كليا” من ساحة العمل السياسي ، ونتج عن ذلك فقدان
الكثير من المزيات التي كان يتمتع بها كبار ضباط الجيش في العهد العثماني
، وخاصة المزيات الاقتصادية الاقطاعية، وامتداد ذلك الى طبيعة المراكز
الاجتماعية لضباط الجيش ، على ان الامر المثير للتأمل ، ان الجيش التركي
خلال هذه المرحلة لم يكن بعيدا” عن مراقبة الاحداث والتطورات السياسية
والاقتصادية التي افرزتها مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية (23) .

المحور الثالث: مرحلة التعددية الحزبية:

حاول عشرة من كبار ضباط الجيش في عام 1946 اقناع العميد (فخري بلن
Fehri Pelen) والذي كان يشغل انذاك منصب امر الكلية العسكرية لرئاسة كتلة
تاخذ على عاتقها الاطاحة بنظام الحكم العلماني ، الا ان الاحداث اللاحقة ،
من مثل قيام تعدد الاحزاب وزوال الخطر الخارجي ، وضمان تأييد الغرب لتركيا
، قد اكدت قناعة هؤلاء الضباط بانتفاء الحاجة الى اللجوء للعنف والثورة ضد
النظام السياسي (24) .

وكان مبدأ الرئيس الامريكي الاسبق (ترومان Truman ) في اذار 1947 قد
احدث تغييرا” في طبيعة الفكر السياسي للمؤسسة العسكرية التركية اذ خرجت من
دائرة الظل السياسي الى قلب الاحداث ، وذلك بسبب ، من مشاركة الجيش التركي
الفعلية في الحرب الكورية عام 1950 ، والتي اكسبت ضباط الاركان مرونة
ذهنية في تعلم فنون الحرب الحديثة من معلمين امريكان هذه المرة ، فضلا” عن
دمج تركيا في حلف شمال الاطلسي NETOعام 1952 (25) .

ان هذه التطورات وما شهدته مدة حكم ( عدنان مندريس 1950-1960 ) ، في
مجال السياسة الاقتصادية ، والتراجع الكبير الذي شهده مبدا الدولتية
وزعزعة مبدأ العلمانية.

ان مجمل هذه المعطيات ، كونت حافزا” قويا” في دفع بعض الضباط للتفكير
وعمل شيء بغية حماية التقاليد الاتاتوركية في البلاد والتي اصبحت مهددة في
نظرهم خاصة منذ منتصف الخمسينات (26) ، وقد انقسموا في مواقفهم من سياسة (
الحزب الديمقراطي D.P.) الحاكم الى فئات ثلاث وخاصة بعد الانتخابات
البرلمانية التي جرت في ايار /مايو 1954،والتي بلورت موقف المؤسسة
العسكرية خلال السنوات اللاحقة من عقد الخمسينات وكما يأتي:

الاتجاه الاول : كان قد تبلور هذا الاتجاه في اعقاب انتخابات ( المجلس
الوطني التركي الكبير) التي جرت في ايار/ مايو 1954 ، اذ وقف الضباط (
الكماليون) الى جانب( حزب الشعب الجمهوري) المعارض ، وغير مقتنعين بسياسة
( الحزب الديمقراطي) الحاكم ، وعدوها ارتدادا” عن المباديء الكمالية وخاصة
مبدأي ( الدولتية والعلمانية) ومثل هذا الاتجاه كبار قادة الجيش وعلى
رأسهم الجنرال ( جمال كورسيل Cermal Gursel ) .

الاتجاه الثاني :تمثل بالضباط من ذوي الرتب الدنيا ، وكانوا غير راضين
عن معظم سياسات ( الحزب الديمقراطي الحاكم) وخاصة فيما يتعلق بارتباطات
تركيا بالغرب ، لكنهم من جهة اخرى كانوا غير منسجمين مع المباديء الكمالية
، اذعدوها معتدلة ولا تتفق مع المباديء القومية المتطرفة ( الطورانية)
التي اعتنقوها ، وكذلك لا تتفق وتربيتهم العسكرية ودعوتهم الى احياء
التقاليد التركية القديمة ، والتراث الاسلامي ، ويمكن وصفهم بانهم كانوا
على الاغلب متعاطفين مع الاتجاهات القومية الدينية (27) ، نلاحظ في هذا
المجال ان التيار الاسلامي داخل المؤسسة العسكرية كان قد نشط خلال مدة
الخمسينات(28) ، الا ان هذا النشاط ما لبث ان توقف ( ولو مؤقتا” ) ، بعد
الاطاحة بحكم ( عدنان مندريس) .

الاتجاه الثالث : مثل هذا الاتجاه مجموعة من الضباط المؤيدين لحكومة (
الحزب الديمقراطي) في مجمل سياستها الداخلية والخارجية ، الا انهم كانوا
يطالبون باجراء اصلاحات جذرية لمعالجة الازمات وخاصة الاقتصادية منها التي
نشأت في البلاد في عقد الخمسينات من القرن العشرين (29) .

كان من نتائج سياسات ( الحزب الديمقراطي) في الخمسينات ، بانها تعد مدة
الاحياء الاسلامي في تركيا(30) ، اذ افرزت هذه النتائج بعد انقلاب 1960،
تطورا” ايجابيا” في طبيعة العلاقة بين الجيش والتيار الاسلامي ليمتد الى
ادراك الجيش التركي ” مدى اهمية الاسلام للروح التركية ومن ثم لم تكن
لديهم نية استعداء الشعب باتخاذ اجراءات غير شعبية، وفي الواقع فان الجيش
كان قد تفهم دور الاسلام في الحياة اليومية وحاول استغلاله بوصفه اداة
لسياسة الدولة ، وفي الوقت عينه ، كان مصمما على ابقاء الدين بعيدا عن
ايدي المحافظين واحزابهم السياسية ( 31) .

ومنذ بداية الستينات حدث وعي جديد في القوات المسلحة ، تمثل في ادراك
القادة العسكريين الكبار ان عليهم تأسيس سيطرة هرمية واجماعا سياسيا في
القوات المسلحة لايقاف التدخلات من صغار الضباط ، وكان قد تم تطهير الجيش
من الضباط المنشقين وشكلت القيادة العامة ( اتحاد القوات المسلحة) في عام
1961 للسيطرة على فعاليات جميع المجموعات في الخدمة وتنظيمها من خلال
مراقبة ( لجنة الوحدة الوطنية MBK) (32) .

استنادا لهذا الادراك اكتسب الاسلام خلال عقد الستينات بعدا عقيديا
جديدا ، هو البعد المعادي للراديكالية والشيوعية (33) ، وكان من نتائج هذا
التحول ان اندمج الفكر الاسلامي باليمين السياسي واندمجت العلمانية
باليسار السياسي (34) ، وغدا المنظور الجديد للاسلام وسيلة دفاعية ضد
الراديكالية بعد ان كان هدفا للهجوم ، وتمثل المعيار الرئيس لهذه التطورات
بتغيير سياسة ( لجنة الوحدة الوطنية) تجاه الدين عندما اعيد ادخال الثقافة
الاسلامية في المدارس (35) ، واصبح الاسلام في ستينات القرن العشرين
مقبولا على المستوى السياسي الرسمي التركي ( ليس في حدود النخبة السياسية
المدنية حسب ، بل تجاوز ذلك الى النخبة العسكرية ، ولم تبذل هذه النخبة أي
محاولة لاعادة عقارب الساعة الى الوراء ، ونتج عنها تطبيع المواقف العامة
ازاء الاسلام واصبح للعامل الديني تاثيره في مواقف الاحزاب السياسية ( ليس
في مرحلة الستينات فحسب بل تعدى ذلك الى المراحل اللاحقة) ، وسيطر على
سياستها الانتخابية .

ان اهتمام الجيش التركي بالبعد العقيدي للاسلام واهميته للحياة التركية
، يرتبط بالدور الاقتصادي والسياسي للجيش التركي ، ففي اعقاب انقلاب ايار/
مايو 1960 بدأ الجيش يلعب دورا” رئيسا” فاعلا” في الحياة السياسية التركية
، الى جانب وجوده الذي اصبح ثابتا” في المؤسسات السياسية من خلال: (36) .

1- رئيس الجمهورية الذي اصبح اختياره يتم بحكم العرف من بين العسكريين , حتى فترة الثمانينات .

2- مجلس الامن القومي التركي الذي يمثل فيه الجيش برئيس الاركان وقادة القوات المسلحة .

3- اعضاء لجنة الوحدة الوطنية ( وهم من العسكريين) معينون بحكم الدستور اعضاء في مجلس الشيوخ .

واستنادا” لذلك اصبح الجيش يتدخل بشكل مباشر(او غير مباشر) لفرض ارادته
السياسية ، من منطق المحافظة على المباديء الكمالية ، الا ان الامر المثير
للتأمل ، ان المؤسسة العسكرية لم تتصدى لتأسيس حزب سياسي اسلامي في اواسط
ستينات القرن العشرين ( حزب النظام الوطني MNP) اذ شكل في حينها حالة في
التطور على مستوى العلاقة بين الجيش والتيار الاسلامي من خلال مشاركةحزب
النظام الوطني في الانتخابات النيابية التي جرت في عام 1969 وفوزه ببعض
المقاعد في المجلس الوطني التركي الكبير ، وهذا التطور لم يشمل النخبة في
مرجعياتها حسب ، وانما امتد الى دورها السياسي ، حتى ان المفهوم الكمالي
للنخبة لم يعد في تركيبة سلطوية مقتصرا” على النخب الحاكمة ( المركز فيها
الجناح العسكري) حسب ، بل امتد ليشمل النخب الاسلامية المعارضة (37) .

يتضح مما تقدم أنفا” ، ان مدة ستينات القرن العشرين كانت قد شهدت
محاولات عدة من قبل المؤسسة العسكرية في تركيا لتطوير العلاقة مع التيار
الاسلامي ، مما يعني ان التحول امتد لمستويات النخبة السياسية التركية من
حيث عناصرها ومستوياتها ومشكلاتها ، واخذت العلاقة بين النخبة الحاكمة
تتبلور نحو تشكيلة اجتماعية ، تمثلت اضافة للعسكر الكماليين ،
البيروقراطية والبرجوازية المدنية من جهة ، وعودة النخب التقليدية كبار
ملاك الاراضي في الريف التركي والمدعومة من قبل علماء الدين من جهة اخرى
(38) .

ونتيجة لما آلت اليه الاوضاع السياسية في اعقاب اول مشاركة سياسية
للجيش (في عهد الجمهورية) من خلال انقلاب 1960، بدأت ملامح سلطة سياسية
للجيش ، فقد ازدادت سلطة مجلس الامن القومي التركي ، نتيجة صدور قانون سمح
لهذه المؤسسة بالتدخل في مشاورات مجلس الوزراء ، وبذلك فقد اصبح عضوا”
مشاركا” وفعالا” في السلطة التنفيذية وفي اليات صنع القرار.

وفي السياق نفسه ، ادت هذه التطورات ، الى استحداث (صندوق تعاضد القوات
المسلحة Army Mutual Assistance Association) والمختصر (اوياك OYAK) (45)
، ان طبيعة المشاركة لضباط الجيش ، والمردودات الاقتصادية المتحققة لهم ،
جعلت للمؤسسة العسكرية مصالح اقتصادية يتوجب الدفاع عنها ، اكثر من دفاعها
عن العلمانية ، وتعاملها مع التيار الاسلامي ، ضمن حدود محسوبة ومعلومة
لكلا الطرفين في معادلة الجيش –التيار الاسلامي .

سعت الحكومات التركية المتعاقبة في محاولتها استيعاب النخب الاسلامية
للسيطرة على المسارات العامة للتيار الاسلامي ، والايحاء للقوى الدولية ،
ان النظام التركي (فريد في بنائه الهيكلي ، يضم وبشكل متوازن قوى علمانية
واخرى اسلامية. وضمن مراقبة وسيطرة العسكر على التيار الاسلامي وعدم تجاوز
الخطوط البرلمانية والا فان العسكر الكمالي على اهبة الاستعداد للتدخل.

تجربة حزب العدالة والتنمية :

اسئلة عدة تثار أزاء هذه التجربة : هل تبقى معايير ضبط معادلة التركيب
البنيوي في تركيا قائمة بين اطراف العلاقة ( التيار الاسلامي ) و ( التيار
العلماني) و( المؤسسة العسكرية ) ، ام يسوق (حزب العدالة والتنمية )
مفهوما جديدا اكثر حداثة وتطور لفهم هذه العلاقة وحل الازمة البنيوية التي
يعيشها النظام السياسي التركي ؟؟ وبالتالي تتغير معايير هذه المعادلة ،
وهل سيتم تحديد مضمون جديد لماهية العلاقة بين التيار الاسلامي والمؤسسة
العسكرية ؟ .
للوقوف على طبيعة هذا المشهد الدراماتيكي في البنية التركية ، لابد من
تحليل حدود الصورة السياسية في تركيا عشية الانتخابات التشريعية التي جرت
في الثالث من تشرين الثاني / نوفمبر 2003 ، وهي كالاتي :

1- تيار علماني يعيش حالة من الصراع بين النخبة التقليدية ( اجويد –
دميرئل ) والاصلاحية (جيم – درويش) ، يركض لاحقا” وراء الحلم الاوربي وقد
ادار ظهره لخيارات تركيا الاسلامية والقومية ، ومدعوم من المؤسسة العسكرية
، وكان قد اثقل كاهل الاقتصاد التركي بازمة طاحنة.

2- تيار قومي متشدد ، يرفض معايير ( كوبنهاكن ) ، ويرى في تطبيقها
تهديد لوحدة تركيا وعليه فقد ادار ظهره لمسألة الانضمام للاتحاد الاوربي ،
ويواجه معارضة المؤسسة العسكرية ، ولم يتمكن من تقديم حلول لأزمة تركيا
الاقتصادية من خلال مشاركته في حكومة ( اجويد ) السابقة .

3- تيار اسلامي ، يعيش حالة من الصراع بين اجنحته ، التقليديين (اربكان
– كوتان) والاصلاحيين (اردوغان – كول) ، ويلقى الاول معارضة بل حتى مطاردة
المؤسسة العسكرية ونخبها العلمانية ، بينما يلقى الثاني مرونة اكثر من قبل
هذه المؤسسة .

ومن خلال تحليل هذه الصورة واطرافها ، نلاحظ أن موقف كل من الجيش
والمؤسسة السياسية العلمانية من التيار الاول ورغم تاييده لتوجيهاته ، الا
انه بدا يشعر ، بان هذه النخب قد تهرأت ولم تعد تلبي المطالب الشعبية ،
كما ان الازمة الاقتصادية وانعكاساتها السلبية على مجمل قطاعات الاقتصاد
التركي، وللجيش مصالح اقتصادية في مختلف هذه القطاعات عبر مؤسسة (اوياك) ،
ولم تعد سياسات هذا التيار تلبي متطلبات المصالح الاقتصادية للمؤسسة
العسكرية ، خاصة ان الحلم الاوربي وقتئذ بدا سرابا . والحال نفسه ينطبق
على التيار القومي والتيار الاسلامي التقليدي (اربكان – كوتان) . ولم يبقى
في المشهد السياسي سوى حزب العدالة والتنمية حينما اعلن طروحاته الفكرية
من الأزمة البنيوية للنظام السياسي التركي وجاءت ( الى حد بعيد ) منسجمة
مع تطلعات قادة المؤسسة العسكرية ، وكانت هذه الطروحات قد اعلنها
(اردوغان) بوصفها المباديء الاساسية للحزب ، وقد حصرها في المحاور الآتية :

1- سوف يعمل الحزب على مجابهة التفسير الخاطئ لمفهوم العلمانية
2- الاحتياجات الاساسية الثلاثة التي تفرض نفسها باستمرار هي العدالة
والحرية ولقمة العيش ، وان الحزب سيبذل جهودا مكثفة لتلبية هذه الاحتياجات
الاساسية .

3- لن يكون في الحزب مكانا ( لسطوة الزعيم ) .

4- ان الحقوق والحريات الاساسية مكفولة .

حيال ذلك كان الناخب التركي يبحث عن بديل اصلاحي عن التيارات التقليدية
الاسلامية والعلمانية والقومية لتحقيق طموحاته السياسية والاقتصادية ويعكس
في الوقت عينه تصوراته الفكرية ، وكانت الانتخابات التشريعية تطل على
الساحة السياسية التركية ، وقد جرت في الثالث من تشرين الثاني / نوفمبر
2002 وحصل ( حزب العدالة والتنمية ) على اغلبية قدرت نسبتها باكثر من 34%
مكنته من تشكيل الوزارة بمفرده ، هذا المشهد ، جعلنا نقف على مشارف خمس
سنوات هي المدة الفاصلة بين انتهاء مشهد دراماتيكي عايشته تركيا الحديثة
بانتكاس التجربة الاربكانية في عام 1997 في ما شبه وقتذاك بـ ( الثورة
البيضاء ) وبين صعود (الاردوغانية) في مشهد ثاني طلته مغايرة في جوهرها
وبنظر الداخل والخارج في ما شبه بـ( الثورة البيضاء المضادة ) .

ان الفاصل الزمني بين الثورتين المتضادتين باتجاهاتهما على رغم ضحالته
مقارنة بالتاريخ ومدده وهو غير ذي شان ، بيد انه دال على تغييرات جذرية
اجتازتها البنية العقلية والعقيدية لاسلاميي تركيا الجدد ، ان جاز التعبير
. ورغم ان التجربة الاردوغانية نهضت من ثنايا الموروث الاربكاني ، الا ان
( اردوغان) يتمتع بشخصية جذابة عكست تطلعات قطاعات واسعة من المجتمع
التركي ، وفي الوقت عينه جعلت منه الكاريزما الشابة للحركة الاسلامية في
تركيا ، كما تمكن من توظيف تأييد العديد من الشخصيات السياسية التركية ذات
التوجه الاسلامي ، من امثال (عبدالله غول) وزير الخارجية الحالي ، و
(عبداللطيف شاينر) عضو برلمان ووزير المالية السابق ، و( عبدالقادر اكسو )
عضو برلمان ووزير داخلية سابق ، ان هذا الاستقطاب الاردوغاني خلف تيارا
معارضا لتيار ( رجائي كوتان) التقليدي ضمن ( حزب الفضيلة ) ، لقد القت
المنافسة الحادة بين الحزبين بضلالها على طبيعة العلاقة بينهم ، رغم
تصريحات (رجائي كوتان) منتصف اب اغسطس 2001 قائلا”( جذع الشجرة الكبير
عندنا …ان الذين انفصلوا عنا سوف يعودون الينا ثانية في الايام القليلة
القادمة ) . جاءت هذه التصريحات للتقليل من اهمية الانقسامات والتجاذبات
التي كان يعاني منها التيار الاسلامي في تركيا ، وبالتالي التقليل من
اهمية الطروحات الفكرية لحزب العدالة والتنمية والتي تم اعلانها من قبل
زعيمه (اردوغان) وقد لاقت تاييدا” من قبل المؤسستين العسكرية والسياسية .

تلك الحال الممزوجة بثقافة اسلامية راسخة وعقلية براغماتية خالصة عبرت
من وضع وسطي ينتمي اليه القطاع الاكبر من الشعب التركي ، فهو ليس يمينا
متطرفا ولا يساريا راديكاليا .

لقد كانت الاردوغانية اقرب الى الشعب التركي من سواها وفي الوقت عينه
غدت نقطة تحول جوهرية في توجهات التيار الاسلامي في تركيا ، خاصة عندما
ساق( اردوغان ) تصورا جديدا لفهم حزب العدالة والتنمية لفكرة العلمانية ،
تنسجم مع دعواته الى استعادة هيبة تركيا التي تلقى صدى طيبا لدى الاتجاهات
القومية التركية ، وهي مناورة تتسم بالذكاء من قبل اردوغان ، اذ تمكن من
اجتياز الفجوة التي تفصل بين القوميين والاسلاميين ، ومن جانب اخر ، عبر
عن فهم جديد للتيار الاسلامي الاصلاحي حول انضمام تركيا للاتحاد الاوربي ،
عندما عد ذلك حالة تفرضها حتمية الارتباطات الشرقية والاسلامية لتركيا ،
ان هذا الفهم سوف يعكس فهما جديدا” لتوجهات التيار الاسلامي يجمع ما بين
العدالة والتطور ة انتمائه الشرقي ، وهي محاولة لاقناع العسكر بان التيار
الاردوغاني لم يعد يعمل ببرنامج متشدد .

ان السماح للحركة الاسلامية بالتحرك (المحدود والمقيد) على الساحة
السياسية التركية كان ذلك عبر الاحزاب ومشاركتها في الانتخابات النيابية ،
يدخل في حجمه ضمن اصول اللعبة البرلمانية ، اذ ستجد هذه المؤسسة قبولا”
لتركيا بغية البحث عن دور اقليمي في الترتيبات القادمة لما يسمى ” بالشرق
الاوسط ” بوصفه نظاما اقليميا ، سواء كان هذا الدور منفردا (زعامة)ام
(مشاركة) مع اطراف اقليمية (الكيان الصهيوني) ام دولية (الولايات المتحدة)
عبر استخدام الورقة الاسلامية في التوجه نحو الاقطار العربية او نحو
الجمهوريات الاسلامية في اسيا الوسطى .

ندرك ما تقدم آنفا” أن هنالك ثلاثية قائمة في تحديد مستقبل العلاقة بين
طرفيها (المؤسسة العسكرية) والحركة الاسلامية ، وهذه الثلاثية متداخلة
ومترابطة مع بعضها ، حيث عكست الوضع المهيمن للمؤسسة العسكرية على مجريات
الاحداث السياسية والاقتصادية داخليا وخارجيا ، من جهة ، واستمرار ازمة
الهوية والصراع مع الذات في المجتمع والدولة في تركيا من جهة ثانية .

الخاتمة :

بغية الاجابة على التساؤلات الواردة في مقدمة الكتاب يتضح ان مفهوم
النخبة في تركيا كان مر بمراحل تاريخية – اجتماعية ، تراوحت ما بين
العثمانية والتحديثية فشهدت المرحلة الاولى – العثمانية – وحدة عضوية بين
النخبة والتيار الاسلامي بوصفه ايديولوجية النظام السياسي في المضمون
والممارسة ، في الداخل والخارج مما عكس حالة توحد مع التمركز السلطوي
للنخبة العثمانية .
بدأت حالة قطع الصلة ما بين النخبة التقليدية والتيار العلماني تتنبأ
بولادة نخبة مركزية جديدة وقد تمحور الصراع حول التمركز السلطوي بين
النخبة العلمانية وتيارها التحديثي من جهة والنخبة الاسلامية وتيارها
السياسي من جهة اخرى وعكس ذلك فشلا” للنخبة العلمانية في الاستحواذ على
المراكز السياسية والاجتماعية بمفردها .
شكلت مرحلة الستينات بداية تشتت التمركز السلطوي للنخبة العلمانية منذ
العودة الفعلية للتيار الاسلامي ونخبته ، ومشاركتها في التشكيلات الوزارية
منذ عقد الستينات وشكلت نخبة سياسية معارضة ، لاسيما عدم نجاحها في احداث
تغيرات جوهرية في التوجهات الاساسية للدولة ، رغم مشاركتها في التشكيلات
الوزارية لهذه المرحلة .
نقطة التحول هذه تبدو جذرية في تفصيلاتها السياسية لمجمل البناء المؤسساتي
التركي، او في بنية النخبة العلمانية في علاقاتها مع التيار الاسلامي ،
حتى امست حالة القطيعة السابقة – عهد الجمهورية الاولى – حالة مهادنة
سياسية ، لكنها ادت في النهاية الى اخراج التمركز السلطوي ووحدانيته – بين
النخبة العلمانية وتيارها – من سيطرتها حتى امسى التيار الاسلامي ونخبته
جزء من النخب السياسية الحاكمة ، والنتيجة النهائية لذلك ، من خلال
الممارسة السياسية – الدستورية ، ستكون ضمن دائرة البرلمانية التركية رغم
حالة عدم التوازن في توزيع النفوذ وتاثيرها الفعال في عملية صنع القرار
السياسي.
ان العلاقة الناشئة بين النخبة الاسلامية ، والجماعة السياسية في مجملها
عكست حالة ايجابية من ازدياد تنامي الشعور الاسلامي في الاوساط الشعبية
التركية ، مما ترك اثرا محدودا في عملية التنميط الاجتماعي العلماني ويظهر
التعبير العملي لذلك من خلال المشاركة الرسمية – للتيار الاسلامي عبر
التشكيلات الوزارية .
وضمن سياقات البحث ، فان البنية الاجتماعية للنخبة السياسية للتيار
الاسلامي قد جاءت تعبيرا عن مصالح قطاعات واسعة من البرجوازية الصغيرة ،
وفقراء مدن الصفيح ، مما يعني ان محاولة تجنيد الاتجاهات الرئيسة الثلاثة
في تحديد مفهوم النخبة ، وتوظيفها ووضعها في المجال التطبيقي لدراسة ظاهرة
النخبة وعلاقاتها بالتيار الاسلامي ، قد اتضح ان الخلفية الاجتماعية
للنخبة الاسلامية في تركيا تتمتع بقيادات من التكنوقراط ، تسعى للتعبير عن
مصالح الفئات الاجتماعية الممثلة لها ، رغم ما يعانيه التيار الاسلامي في
تركيا من حظر قانوني – غير دستوري – لكنها تملك مسالك عدة للتاثير السياسي
والاجتماعي ولسوق تصوراتها بشأن مستقبل الدولة والمجتمع .
مما يعني في المحصلة النهائية ان حالة المهادنة الحالية بين التيار
العلماني ونخبته السياسية والتيار الاسلامي ونخبته لم تكن وقتية او هامشية
، بقدر ما اثبتت تطورات الاحداث انها حالة اجتماعية سياسية قائمة فعلا
عكست حالة من التوازن بين التيار العلماني من جهة ، والتيار الاسلامي
الرسمي ، من جهة اخرى .
وكان المراقبون رشحوا رجب اوردغان وحزبه ضمن النخب الاسلامية الجديدة –
المعتدلة عندما عده هؤلاء المراقبون بديلا” محتملا” عن النخب الاسلامية
التقليدية ، من خلال مفاهيمه عن الحداثة والتطور ، تجعل ليس من النخب
الاسلامية التقليدية حسب بل حتى النخبة العلمانية ، سواء كانت في تشكيلات
الحكم ام خارجه في حالة تحسب وخشية ان يترجم التذمر الشعبي في حالة الخلل
البنيوي للنظام الى اصوات لصالح الاسلاميين في الانتخابات البرلمانية التي
جرت في نهاية عام 2002 ، خاصة ان تيار (اربكان- كوتان) سبق له وان فشل في
تقديم حلول للمشكلات اليومية للناخب التركي في انتخابات عام 1999 مما
افقده الكثير من التأييد الشعبي وخاصة الطبقة الوسطى واصحاب الحرف الذين
يكونوا القواعد الاجتماعية لحزب الرفاه .
نستنتج مما تقدم سلفا” أن هنالك ثلاثية قائمة في تحديد مستقبل العلاقة بين
طرفيها (المؤسسة العسكرية ) والتيار الاسلامي ، وهذه الثلاثية متداخلة
ومترابطة مع بعضها اذ عكست الوضع المهيمن للمؤسسة العسكرية على مجريات
الاحداث السياسية والاقتصادية داخليا وخارجيا من جهة استمرار ازمة الهوية
والصراع مع الذات في المجتمع والدولة في تركيا من جهة اخرى .
يتضح من خلال تتبع تاريخية الازمة ، ان تركيا عاشت منذ عقود مضت ازمة
بنيوية في تشكيل الاطار العام للنظام السياسي ونخبته السياسية ومما تجدر
ملاحظته ان تركيا تعيد انتاج ازمتها بصورة متجددة كل عقد من الزمن .
حيال ذلك ، هل سيتمكن ( حزب العدالة والتنمية من تقديم أنموذج ديمقراطي
حقيقي للدولة الاسلامية ، بحكم ما تملكه تركيا من تجربة في هذا المجال وهل
سيمسك بدفة الاحداث من وسطها أي بمعنىعين على اوربا واخرى نحو العالم
الاسلامي ؟؟ ام انه تيار نخبوي لا يستطيع ان يفي بمتطلبات مشاركة القاعدة
الشعبية الاسلامية ، ام انه حصان طروادة نحو اوربا واحلام الانضمام
للاتحاد الاوربي ؟؟ الاحداث متفاعلة ، والاوراق متداخلة ، والمتغيرات
متسارعة والتجربة الحاكمة في مراحلها الاولى وعليه فان الترقب مطلوب في
هذه المرحلة، لتقدم لنا التطورات اجابات منطقية عن ماهية العلاقة بين
الجيش والتيار الاسلامي الاصلاحي وتجربة حزب العدالة والتنمية .
يتضح من خلال تحليل هذه التجربة ، ان الجيش رغم فاعلية دوره في الحياة
السياسية وموقفه الساند والمؤيد لتجربة التحديث التركية ومحاولته الدفاع
عنها ، قد سعى في هذه التجربة نحو اللجوء الى تدابير واساليب تعد جديدة في
تجربة العمل السياسي للمؤسسة العسكرية التركية ، فقد غدت تركيا وبمرور
الزمن اكثر ليبرالية ، رغم ان تركيبة مجلس الامن في تركيا ليست مناسبة
للنمط الاوربي .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

الجيش ونخب التيار الاسلامي في تركيا :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

الجيش ونخب التيار الاسلامي في تركيا

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: استـــراجيــات متحـــــــــــــــولة يشاهده 478زائر-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: