ماذا لو حدثت نهاية العالم؟
محمد الراجي
السبت 22 دجنبر 2012 - 07:09
ليلة
يوم الخميس الماضي، نامَ الكثير من الناس واضعين أيديهم على قلوبهم، وربما
كان هناك من لم ينمْ أصلا، لأنّ توقعات بنهاية العالم في تلك الليلة كانت
قد انتشرت في أرجاء العالم، لدرجة أنّ هناك، في بعض الدول الغربية، من
هجرَ بيته في تلك الليلة، وقرر المبيت في الأنفاق الأرضية التي تقع على
بعد عشرات الأمتار من سطح الأرض، خصوصا وأنّ "الحدث" المزعومَ حظي بتغطية
إعلامية مكثفة، وهو ما دفع بكثير من الناس إلى الاعتقاد فعلا، بأن نهاية
العالم آتية لا ريب فيها. هذا الهروب طبعا مصدره هو الخوف من أن ينام
الإنسان وما يْصبْحش!
شخصيا لم أعرْ أي اهتمام لهذا الموضوع،
ونمْتُ، كما هو الحال في الليالي السابقة لليلة "فناء العالم" المزعومة،
قريرَ العين، لإيماني الراسخ بأنّ علم الساعة يوجد عند الله تعالى وليس
عند زعماء وقادة ومنظري حضارة المايا!
وها هو اليوم الذي حدّده
هؤلاء لفناء العالم قد مرّ، وما زالت الدنيا على حالها، لكنّ سؤالين
يطرحان نفسهما بإلحاح. أولا: لماذا يخاف الناس من نهاية العالم، ومن الموت
بالتحديد؟
بدون شكّ ليس هناك من لا يخاف من الموت، ومصدر الخوف
هنا لا يعود فقط إلى حُبّ الدنيا، والرغبة في الاستمرار على قيْدها،
والتمتّع بمُتعها، بل يرجع أيضا إلى الخوف من المستقبل الذي ينتظر الإنسان
في العالم الآخر، فحتى العُصاة الذين لا يُقيمون أيّ اعتبار للدّين
وأوامره ونواهيه يخافون من الموت، وعلى الرغم من أنهم لا يُظهرون هذا
الخوف للناس، إلا أنهم في مثل هذه الحالات تستيقظ ضمائرهم، عندما يشعرون
بأنهم على حافة الآخرة، وهذا طبْع كل إنسان، إذ لا بدّ من أن يرتدع ليخاف،
أو كما يقول المغاربة، "بْنادم كاموني، إيلا ما حْكّيتيهش ما يعطيش
الريحة"!
فحتى فرعون، الذي كان طاغيا قاسيا مغرورا، وحارب الله
ورسوله موسى عليه السلام، وقال لأتباعه (يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله
غيري، فأوْقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرْحا لعلي أطّلع إلى إله
موسى وإنّي لأظنه من الكاذبين)، عندما أدركه الموت قال، كما جاء في
القرآن: (آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من
المسلمين). وإذا كان هذا هو حال فرعون، الذي نصّب نفسه إلها، وحارب نبيّ
الله موسى عليه السلام، فكيف يا ترى سيكون حال باقي البشر؟
ثانيا:
ماذا لو حدثت فعلا نهاية العالم؟ لا شكّ أنّ الكثيرين كان يغيب عن ذهنهم
هذا السؤال، ولا بدّ أنّهم طرحوه على أنفسهم وهم ينتظرون الموعد الذي
حدّدته "المايا" لفناء الدنيا، وإذا كان من حسنة لهذه الخرافة، التي كشفت
عن خوف مزمن تجاه الموت يسكن في أعماق الصدور، فهي أنّها ستجعل الكثيرين
يعيدون ترتيب أوراقهم، ولو إلى حين.
وعلى كل حال، فإنّ المُخيف
ليس هو قيام الساعة، ولا الموت في حدّ ذاته، بلْ ما بعدهما، أي الحياة في
الدار الآخرة، التي قال عنها الله تعالى في القرآن الكريم: "وإنّ الدار
الآخرة لهيَ الحيوان لو كانوا يعلمون".
لذلك، فعلى الخائفين من
فناء العالم أن يفكّروا في تلك الحياة الأبدية والخالدة، (يوم لا ينفع مال
ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم). تلك الحياة هي المرعبة، وهي
المخيفة، وهي التي تستدعي من كل إنسان أن يضرب لها ألف حساب وحساب، يوم
تُعلق كل "معزة مْن كْراعها"!