الاستبداد والسقوط الحـُر
مركز الراسات المعاصرة
2012-07-22
سارعت الأحداث خلال هذا الأسبوع، وهو الأسبوع الأخير من
شهر شعبان الخير، وعلى أبواب رمضان المغفرة.... والأحداث التي تسارعت فيها
من التداخل الكثير ويجمعها أمر واحد وهو حال وواقع المسلمين
فمن بورما وما تتعرض له الأقلية المسلمة الروهانجية من
إبادة منظمة،إلى المعارك الضارية بين النظام المستبد وبين الثوار والجيش
الحر في دمشق ومحيطها، وحلقات التآمر الشيعي الإيراني –العراقي- اللبناني -
الغربي -الروسي -العلماني العربي، على الثورة، والمؤامرات والمكائد التي
تحيكها بقايا نظام الاستبداد في عهد مبارك ممّا اصطلح عليه بالدولة العميقة
ضد الرئاسة ومجلسي الشعب والشورى، إلى ما أعلنه قاضي العليا المستقيل "
ادموند ليفي " في تقديمه توصيات إلى مكتب رئيس الوزراء حول المكانة
القانونية للمستوطنات "المتنازع عليها" والتي قضى فيها بأن كامل أراضي
الضفة الغربية جزء لا يتجزأ من أرض اسرائيل، وما تلاها من تصريحات
لنتنياهو، التي قال فيها "أولاً، أقدّر كل التقدير العمل الذي قام به
القاضي ليفي وأولئك الذين عملوا معه، لقد قاموا بعمل جاد وهادئ خلال أشهر
طويلة، سأرفع هذا التقرير إلى اللجنة الوزارية لشؤون الاستيطان التي
شكلتُها وسنبحث فيه ونتخذ قراراً بشأنه في هذا المنتدى، هذا هو أمر مهم،
هذا التقرير، برأيي، يتطرق إلى مسألة شرعية مشروع الاستيطان في يهودا
والسامرة بناءً على وقائع وقضايا كثيرة يجب النظر فيها بشكل جدي"... إلى
تصريحات المستشار القضائي بأن الأقصى المبارك جزأ لا يتجزأ من أراضي
إسرائيل، إلى تمزيق النائب اليهودي العنصري عضو الكنيست اليميني المتطرف
ميخائيل بن آري للإنجيل ونشره صور عملية التمزيق عبر الإعلام متباهيا
بفعلته النكراء، إلى عملية التفجير لحافلة تقل سائحين يهودا أمس الأول في
بلغاريا راح ضحيتها ثمانية أفراد،إلى جانب ما يجري في القارة السوداء سواء
في مالي أو شمال افريقيا او النيجر ونيجيريا او السودان.
كل هذه الأحداث وغيرها تجعلنا نقول إن العالم بأسره يمر في لحظات غليان، مع
تفاوت في درجة الحرارة بين منطقة ومنطقة مع التأكيد أن منطقتنا هي الأكثر
حساسية وغليانا، وهو ما يدفعنا للقول إن لحظات ميلاد عسيرة باتت وشيكة في
منطقتنا ستطوى بها صفحات وتفتح أخرى،لكن فتح هذه الصفحات الجديدة سيطول بعض
الشيء وسيحمّل الأمة الكثير.
بتحرير دمشق ستتحرر القدس، وكما علمتنا الخبرة التاريخية فمن بغداد انطلقت
شرارة التحرير في عهد الملك الصالح عماد الدين زنكي، ومن سوريا انطلقت حركة
التحرير ومن القاهرة خرج الجند لتحرير فلسطين وكنس الاستعمار الصليبي
الأول، وفي أواخر الأربعينات خرج الجند من مصر الكنانة لتحرير فلسطين إلا
أنَّ مؤامرات العرب كانت أقوى من المجاهدين... وها هي الأيام تدور دورتها
وقد قارب عهد الخونة على الأفول، أولئك الذين ركبوا موجات الحداثة بمختلف
مسمياتها ليتركوا شعوبهم بعد ستة عقود ونيف قاعا صفصفا، لتنطلق الأمة من
جديد عبر رسالة عالمية ثانية، شعارها كرامة الانسان في ظلال الشريعة،
وتحقيق "التمكين" الإنساني للعربي المسلم في بلدان ما باتت تعرف بعد "سايكس
بيكو "بالشرق الأوسط أو الأدنى تبعا للمنطق "الفكري" المستعمل للمصطلح.
ها هو الاستبداد تتهاوى عروشه، ويسقط سقوطا حرا، وفقا لقواعد الفيزياء وسنن
الاجتماع، وقد بدأ بالجمهوريات، وما ممالك الفحش عنه ببعيد، ثم تتهاوى من
بعده عروش الاستبداد الديمقراطي المتلحف بغشاوات الفكر الافلاطوني
والاسبرطي من جهة،وبضلالات الاستبداد الكنسي من جهة أخرى ومعه بقايا
الاستبداد العربي من ناطقي لغة الضاد، الذين ما زالوا يؤمنون بمقدرات "العم
سام"، وينكرون على الأمة مهام التجديد ويضعون أنفسهم عليها أوصياء... ها
هي أيامهم تتهاوى وفي أقدار الله تتفاعل أحداث عظام مع قضايا لا يدركها
المبصر فضلا عن الباحث، لتسقط أنظمة وعتاة وجبابرة في سياق السنن التي لا
تتبدل ولا تتخلف كسنن العدل والقسط والبر والقوة والغلبة والتداول.
لن يجدي الأصولية الإسرائيلية واليهودية والعالمية من بوذية ومسيحية نفعا،
في حربهم على الإسلام وأهله، فقد جرب المسلمون في أصقاع الأرض معنى
الإبادات الجماعية والتشريد والنفي والقتل على الهوية، وبات المسلم اليوم
أكثر مراسا وصبرا واصطبارا من ذي قبل، وإن بقي في أمتنا شيء دون القلتين،
فإننا في تصاعد نحو تجاوز القلتين ليثبت الطهور الشامل للأمة إن شاء الله،
وهدينا في ذلك نابع من هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم: "إذا كان الماء
قلتين لم يحمل الخبث".