استخفّوا أقوامهم فأطاحوا بهم!!!
مركز الراسات المعاصرة
2011-11-14
غدت الثورات العربية مدرسة للشعوب المقهورة, لا بل ولشعوب
العالم قاطبة, بما فيها الشعوب الأوروبية والأمريكية. ثورات الشعوب العربية
هذه نفضت غبار الذل والمسكنة والظلم عن أمة العرب, لمَ لا وقد راهن
الكثيرون على إفلاسها استراتيجيا وحضاريا؟!
هذه الثورات أطاحت بعروش حكام وزعماء تمرّدوا على أرادات
شعوبهم, وأهملوا أصوات ونداءات المنادين بالإصلاح والتغيير منهم ؛ لقد
تعامل القادة الموصوفون بعقلية"أنا الدولة والدولة أنا", لا بل طبّقوا
مقولة"أحلام سيادتك أوامر", عميت بصيرتهم فلم يروا الحق, وغدو لا يصدّقون
إلا أنفسهم وكان لسان حالهم يقول: "هؤلاء رعاع, جرذان, إرهابيون, طلاب
سلطة, أولاد لا يفقهون نقيرا".
هذه هي السلطة, وهذا هو المنصب,تعمي جاذبيته الإبصار, ويغرّر بصاحبه,
فيقنعه هوسه السياسي أو الإعلامي أنه وفقط هو صمّام أمان شعبه, إن غاب عن
الساحة هلك شعبه. إن قاعدة "الراحة في التغيير" لم تطلق جزافا, ولم تأت من
فراغ البتة, فبقاء الحكام أو أصحاب المناصب المتنفذة متمسكين بكراسيهم لمدد
تجاوزت الحد المعقول, أكثر من عشرين عاما، لا بل وصلت في بعض البلدان
لأربعين ونيف, أجج في الناس أو الشعوب روح الثورة والخروج على هؤلاء ممن
يطلق عليهم أولي الأمر؛ فصالت الجماهير وجالت في الشوارع والميادين وفي
جبهات القتال وهي ترفع شعار الإصلاح والتغيير,بدءا من قمة الهرم إلى أصغر
موظف في النظام.
إن الشعار المذكور هذا, كلّف الشعوب العربية ولا يزال إعدادا كثيرة من
القتلى والجرحى, فسالت الدماء الزكية في الشوارع والساحات والصحاري, وقد
كان بالإمكان حقنها لو تعامل الحكام بحكمة ومسؤولية, لكنهم ركبوا رؤوسهم,
وكشروا عن أنيابهم, وأشعلوا نار الفتن, وجيّشوا الفرق والكتائب العسكرية
لذبح أبناء شعوبهم.
إن السلطة لا يفلت من فتنتها إلا القليل, ممن آتاهم الله الحكمة والزهد فيها والطمع فيما عند الله وليس الناس, وهؤلاء قليل قليل.
إن الأمة العربية وهي تعيش مرحلة الربيع العربي , قد أغلقت ملفا وإن كان لم
يكتمل بعد, وفتحت أخر جديدا يبشّر بالخير والتمكين وعودة الكرامة لها
بعدما داسها الأقارب والغرباء بإقدامهم.
إن الربيع العربي ثمرة الثورات العربية هذه, غدا مؤشرا وعلامة إنذار وتحذير
لكل من تسوّل له نفسه الاستخفاف بشعبه وقومه, والمتاجرة بهم في بورصة
الشعوب, أو بناء أمجاد على حسابهم, أو الزج بهم في متاهات لا أول لها ولا
آخر, إرضاء لنزواته وتسطيرا لانجازات يحتسبها وطنية أو ثورية وحتى تاريخية.
لقد أعادت الثورات العربية الأمة إلى جادة الطريق, لا بل الخيرين والأحرار
والصادقين من حركات وأحزاب وأفراد, بعدما هضمت حقوقهم وعلّقوا على أعواد
المشانق , وشكت السجون والمعتقلات كثرتهم, ونفوا أو هجّروا من الأرض. أشرقت
أخيرا شمس الحرية وغاب نجم الظلم والقهر والعبودية.