الــــسلطة الوطنية الفلسطينية وخيار الوصاية الدولية ...
الأستاذ صالح لطفي
2011-08-22
منذ ان اعلن اوباما رفضه طرح مشروع الدولة الفلسطينية في
الامم المتحدة والسلطة تسعى لتجاوز هذا المأزق .من خلال عدة طروحات كان
اخرها الاعلان عن امكانية التوجه لطلب وصاية دولية على أراضي السلطة في
حدود عام 1967 .
كافة التقديرات تشير الى ان هذه الخطوة الاستباقية التي اعلن عنها ستؤدي
الى عدة احتمالات ستضع المنظومة الدولية امام امتحان مباشر كما ستضع
السلطة الفلسطينية امام نفس الامتحان .وفي حالة فشل هذا الخيار فحل السلطة
سيكون الحل الامثل امام الشعب الفلسطيني ليعيد مراكمة نضاله وتحقيق " دولة
المرحلة ".
مدخل تاريخي. لقد سعى الفلسطينيون منذ عام 1948 للاستقلال ففي عام 1948" تشرين
اول/اكتوبر1948" اعلن الفلسطينيون عن قيام الدولة الفلسطينية الا انَّ ضم
الضفة الغربية للاردن وغزة للادارة المصرية حال دون تنفيذ هذا المشروع.وفي
عام 1964 اسست منظمة التحرير الفلسطينية وجاء ميثاقها عام 1968 ليؤكد على
تحرير كامل فلسطين بيد انه بعد سنوات ستة من الميثاق اعلنت المنظمة " مؤتمر
بيروت" عن البرنامج المرحلي القائم على انشاء دولة فلسطينية على أي جزء
محرر من ارض فلسطين ... وفي 15-11-1988 اعلنت منظمة التحرير من الجزائر عن
قيام الدولة الفلسطينية وبناء على هذا القرار قررت الامم المتحدة استعمال
اسم فلسطين في منظومة الامم المتحدة بدلا من منظمة التحرير .وفي عام 1993
وقعت المنظمة اتفاقية اوسلو واعترفت باسرائيل وفي عام 1994 أنشئت السلطة
الفلسطينية وفي عام 1996 صادق المجلس الوطني الفلسطيني بقيادة فتح على
الغاء كافة بنود الميثاف ذات الصلة باسرائيل بما في ذلك المقاومة المسلحة
واكدوا على ذلك عام 1998 في اجتماع للمجلس عقد في غزة حضره الرئيس الامريكي
أنذاك بيل كلنتون. وفي نفس العام منحت فلسطين في الامم المتحدة حق
المشاركة في دورات الجمعية العامة واعمالها .
منظمة التحرير وسياسات الخطوة الى الوراء.. منذ ان اعلنت منظمة التحرير الفلسطينية عن سياسة المراحل وهي في تراجع
مستمر في حق القضية الفلسطينية وكلما ادخلت القضية الى دهليز اخرجت الشعب
الفلسطيني مثخن الجراح ومحمل في بالهموم والرزايا السياسية والاستراتيجية
ويمكن القول إن المنظمة اتقنت فن التفريط الممنهج بالحق الفلسطيني فمن
عقيدة التحرير الكامل الى فلسفة المراحل الى برجماتية الامر الواقع الى
سياسة التعامل مع الواقع الى القبول بما هو قائم ... ومنذ اوسلو والى هذه
اللحظات امتاز السياسي الفلسطيني المفاوض بالعشوائية وعدم الكفاءة
والاستعداد الدائم للتنازل والتراجع ، وكانت الفضيحة الاخلاقية-السياسية
تورط بعضهم امنيا بقضايا ضد شعبه والاخر غرق حتى اذنيه في شبكة مصالح
اقتصادية كشفت عن دونية المفاوض الفلسطيني وتغليبه الشخصي على القومي
والنفعي على الوطني /الاستراتيجي .... هكذا تغلغل وباء السرطان الاستيطاني
حتى تجزأ المجزأ وقُسم المقسم ولم يبق للفلسطيني المفاوض سوى الفتات خاصة
وان الجانب المقابل كلما راى تهاونا تشدد حتى طرح مشاريع وقضايا تنهي
وللابد القضية الفلسطينية . وتغلغلت الخيانة حتى فتكت بقيادات عظيمة من
قيادات الشعب الفلسطيني .وبالعموم فأنَّ منظمة التحرير منذ ان قامت والى
هذه اللحظات دأبت على سياسة الخطوات الى الوراء فما تكاد تتقدم خطوة الا
وتتراجع عشرة وهكذا . فمن قبول بالقرارات الدولية ومرورا بالتنازل عن معظم
فلسطين لليهود مقابل دولة ورقية اسمها السلطة والدخول في متاهة العجل "
الاسرائيلي " الى الاعلان عن التوجه للامم المتحدة التي كانت وراء شرعنت
عذابات الشعب الفلسطيني وبقاء قضيته على هذه الحالة . وقد ابدع المفاوض
الفلسطيني في تضيع الفرص التي تشكل روافع ضاغطة في المفاوضات مع مقابله
الاسرائيلي فلا استثمر الانتفاضة ولا المقاومة ولا تأزم المفاوضات في اكثر
من مرة ذالكم ان استراتيجيته التي انطلق منها هي المفاوضات كخيار استراتيجي
اولاً واخيرًا ، ولذلك عدت القيادة الفلسطينية توجهها في ايلول/سبتمبر
2011 الى الامم المتحدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية خطوة متممة للعملية
السلمية وليس تحركا احادي الجانب كما يفسر ذلك الامريكان واسرائيل .
استحقاق الدولة الفلسطينية. في ظل توقف المفاوضات والتعنت الاسرائيلي المحمي امريكيا واوروبيا ، ودخول
المفاوضات نفقا مظلما ومغلقا والاستمرار في سياسة الاستيطان وبالذات في
مدينة القدس ومحيطها والعمل على تهويد شامل لمدينة القدس واستعمال سياسة
العصا والجزرة مع الشعب الفلسطيني وتعنت الحكومة الاسرائيلية ووضعها شروط
تعجيزية كالاعتراف باسرائيل دولة يهودية والاستمرار في الاستيطان على
الاراضي الفلسطينية ... في ظل هذه الازمة اعلنت السلطة عن عزمها التوجه الى
الامم المتحدة لاستصدار قرار بقيام دولة فلسطينية على حدود عام 1967 والذي
اثار زوبعة عالمية بين رافض ومؤيد ومنتظر ، وقد بذلت السلطة جهودا
دبلوماسية جبارة للحصول على اعتراف من اكبر عدد ممكن من دول العالم لحشد
التأييد في الاجتماع المرتقب للجمعية العمومية للامم المتحدة وقد حصلت على
موافقة 123 دولة من مجموع 193 دولة – تحتاج الى ثلثي الاعضاء ، أي انها
بحاجة الى دعم ست دول أخرى- . ومن الواضح ان الفصائل الفلسطينية كلها غير
معنية بمعارضة هذه الخطوة من السلطة الفلسطينية طالما انها لا تحمل في
طياتها تنازلات عن حقوق فلسطينية .
جاء هذا الموعد تحديدا لمجموعة مناسبات تظافرت معا شكلت دافعا قويا للسلطة ،
الأول:
انتهاء المهلة التي حددها اوباما في اجتماع الجمعية العمومية في ايلول من
العام المنصرم والذي عبر فيه عن رغبته في قيام دولة فلسطينية خلال عام
-الذي عاد ولحس جميع تصريحاته.
وثانيا: وانتهاء خطة العامين التي اعلنتها السلطة لوضع اسس الدولة وبناء المؤسسات
وثالثا: وموعد الجلسة المقبلة للجمعية العامة للامم المتحدة – اجتماع كافة الرؤساء الاعضاء في الامم المتحدة-.
خيار الوصاية . على الرغم من الاعلان المبكر -26-5-2011- رفضه توجه السلطة لامم المتحدة
لاستصدار قرار بقيام الدولة الفلسطينية الا ان السلطة الفلسطينية اعلنت في
جلستها المنعقدة 25-6-2011م عن رفضها اعتراض اوباما وأكدت توجهها للأمم
المتحدة ، ومنذ ذلك الحين جرت مياه كثيرة في نهر الدبلوماسية الفلسطينية
وبات واضحا ان ثمة انجاز يتحقق في هذا المسار سيدفع الاسرائيليين
والامريكيين على حد سواء الى الزاوية وان الفيتو الامريكي المتوقع سيؤدي
الى تداعيات كبيرة على الساحة الفلسطينية والاسرائيلية ومن ثم العربية
...... القيادة الفلسطينية صرحت بانه في حال فشل المشروع الفلسطيني
فسيلجأون الى طلب وضع الاراضي الفلسطينية تحت الادارة الدولية سواء من خلال
احياء مجلس الوصاية الموكل بمواكبة الاراضي المستعمرة واعدادها للا ستقلال
او بوضع الاراضي الفلسطينية تحت الادارة الذاتية او بتطبيق نموذج كوسوفا –
اعلان الاستقلال من جانب واحد تحت رعاية دولية وبوجود قوات اممية وعلى
رأسها الناتو- .
في اللقاء الذي جمع عباس وقيادات من مجلس الشيوخ الامريكي صرح عباس امامهم
من ان قوات من الناتو وبمشاركة عربية بقيادة امريكية ستتولى المسؤولية
الامنية في الدولة الفلسطينية المقبلة .
في شهر ايار/مايو من العام المنصرم" 2010م" كشفت صحيفة المدينة السعودية عن
توقيع اتفاق اولي بين السلطة وكل من قطر وماليزيا والاردن وفرنسا وايطاليا
والولايات المتحدة والناتو على مشاركة هذه القوات ضمن قوات حفظ السلام
الدولية للمحافظة على الامن والسلم في الاراضي الفلسطينية في اعقاب قيام
دولة فلسطينية وذلك بعد ان فشلت جميع الاتصالات والمحاولات بوجود قوات
اسلامية وعربية تشارك في حفظ السلام تحت راية الامم المتحدة .
وفقا للخبر المذكور فان توزيع هذه القوات سيكون على النحو التالي:
الاردن:60%,قطر5%، السلطة الفلسطينية15%، ماليزيا2%، و18% موزعة على الدول
الاعضاء في حلف شمال الاطلسي على ان تكون هذه القوات تحت القيادة الامريكية
.
يكمن خيار الوصاية في انه احد الحلول المطروحة لحل القضية الفلسطينية ،
ومنطقيا الخيارهو : احد الحلول من بين حلول كثيرة قابلة للتطبيق والتنفيذ . ولا يشترط في هذا الخيار تطبيقه بالمطلق بل المهم ان يحدث تأثيرا وتعديلا في السلوك السياسي للاطراف ذات الصلة .
المهم في ان هذا الطرح جاء في ظل ظروف سيئة للغاية اقليميا ودوليا ومحليا
فالواقع العربي مترهل وضعيف للغاية وقضاياه الداخلية تطغى عليه ولواقع
الدولي لا يقل سوءًا فواشنطن غارقة في ازمة الديون وما يترتب على ذلك من
وضعيتها الدولية والاستراتيجية في ظل مطالب فرنسا وروسيا والصين الغاء
الدولار كعملة عالمية حاكمة ، ومحليا على المستوى الفلسطيني ما زالت السلطة
تخش من المصالحة الشاملة مع حماس تحسبا من الغضب الامريكي والاسرائيلي ،
والعلاقة بين السلطة والشعب الفلسطيني في تدهور مستمر .
في حال فشل هذا الخيار فمن الضرورة بمكان ان تعلن السلطة سياسيا عن حل
نفسها وان خيار المفاوضات ما عادته جدوى وبالتالي تفعيل خيارات اخرى وذلك
استنادا الى رؤية استراتيجية تراكم النضال الفلسطيني بكل مركباته لانجاز
وعد الدولة المرحلية .