طبيعي جدا أنيسائل المغاربة مغربهم الجديد، وأن يقارعوا الواقع
باستفساراتهم وتساؤلاتهم حول ماهية التغيير، وشكله وانعكاساته التي لم
يتبين بعد منها إلا السلبي فقط. وهم الذين دُعوا جهارا إلى قطاف ثمار
موعودة بعد ربيع مغربنا الاستثنائي.
دستور ممنوح صفق له الجبناء، وحكومة جديدة مزهوة بأضواء المسؤولية
الكاشفة والفاضحة، وقد مُجّت في معمعان هرج سياسي وأوضاع اجتماعية
واقتصادية مفلسة، ومن فوقها وتحتها أشعةُ فوق وتحت ما تبصره الحكومة، تفعل
أفاعيلها الحتمية والقوية في وضح النهار، أراد من أراد و كره من كره.
طارق بوستا
ذاك
هو الاستبداد الذي شاءت إرادته أن لا تسعف حكومة الإنقاذ حتى من مشاهد
ميدانية مفبركة،توثقها كاميرات الإعلام الرسمي، لتسجل باسم الحكومة تغييرا
مزورا قد يحفظ ماء وجهها المتبخر، أو قد يطفئ جمرة الغضب التي لا زال
زنادها في اتقاد.
فمالذي تغيرفي مغربنا الحبيب ؟ وسياسة القمع سليلة العهود الغابرة لا
زالت هي لغة الحوار في الساحات العامة وأمام البرلمان، التي يفحم بها
النظام الأصوات المعارضة والمطالبة بحق من حقوقها.
ماذا تغير ؟ والاعتقالات التعسفية والاختطافات والمحاكمات الصورية تفضح
دعوى الديمقراطية التي نصبت الحكومة الجديدة نفسها مدافعة عنها في المحافل
الدولية كذبا وزورا، ورشحت نفسها للمنافحة عن حقوق المواطنين ادعاءً
وتملقا، والتيتقوض مصداقيتها جحافل المظلومين من المعتقلين السياسيين وذووا
الآراء المعارضة،من زمن ما قبل الدستور إلى ما بعده.
ماذا تغير؟ وسياسة التضييق وحصار الجمعيات الجادة ومنعها من حقها
الطبيعي في التأسيس لا زالت تجثم على صدر مجتمع مدني أريد له أن يبقى
مرتزقا، حتىينكفأ إلى فتات دور ثانوي رسم له.
ماذا تغير؟ومنطق التعليمات لازال سائدا ساري المفعول، يحتل الساحة
السياسية بإذن وأريحية ودونما مواربة، يقنص كل حركة يشتم منها رائحة رأي
معارض أو مخالف، أو سميه العبث بالسلطة إن شئت في حالات قد يكون فيها ممثل
السلطة في مزاج سيئ، عكر صفوه جو الصيف الحار أو خبر يسمعه غير صار.
ماذا تغير ؟ والمفسدون يرتعون في أرض الله الواسعة دون رقيب أو حسيب، بل
حازوا شرفا وقعته حكومة العهد الجديد، لما صاغت لهم قانونا، يوضحلهم الأفق
ويمهد الطريق عنوانه "عفا الله عما سلف".
ماذا تغير؟ والزيادات في الأسعار تلهب جيوب المواطنين، وانعدام الأمن
يقض مضاجع الناس، وحوادث الطرق تيتم شعور الخوف عند المغاربة، والتعليم
يتمادى في فشله المتكرر ويفلح في تخريج أكوام من العاطلين
والمدمنين،...ماذا تغير واللائحة تستعصي على الحصر.
فماذا تغير إن كانت إرادة التغيير نفسها التي يقيس بها السياسي والمتتبع
مدى إمكانية التغيير، تكاد تكون منعدمة، إذا ما قورنت بإرادة القصر
الملكي، الذي ساد بإرادته فوق كل من صفق للدستور الجديد ورحب بحكومة
الإطفاء،والتي تبين أن لا خيار لها إلا أن تهادن وتساكن الاستبداد والفساد.
فإن كان حكمنا قاسيا، فما على الحكومة إلا أن تعترف بضعفها وعجزها
وسلبيتها وترجع القهقرى، فاسحة المجال للشعب يثور ثورته. وإن كان عين الصدق
أن تثور بجانب الشعب ومعه.