في سنة 2002 احتدّ النقاش حول حرف كتابة اللغة الأمازيغية في المدرسة
العمومية، وانقسم الناس إلى شيع وفرق بين من دعا إلى الحرف اللاتيني ومن
فضّل الحرف العربي ومن تشبّث بالحرف الأمازيغي "تيفيناغ"، وفوجئنا أيامئذ
بنفر من الناس ظهروا فجأة لينتحلوا صفة الحركة الأمازيغية ويطالبوا بالحرف
العربي ويعتبروا من دعا إلى غيره مسخرا من قبل الصهيونية والاستعمار،
وشاهدنا كيف تناسلت أعداد كبيرة من الجمعيات التابعة لحركة التوحيد
والإصلاح ـ والتي تساهم كلها في الحملة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية ـ
لترفع باسم الأمازيغ شعارات
غريبة
عن النهج النضالي للحركة الأمازيغية. أصبح كلّ الإسلاميين مناضلين من أجل
الأمازيغية، وذوي غيرة على لغتهم بعد أن كانوا في معظمهم يعتبرون الدعوة
إلى إنصافها مؤامرة أجنبية، وكيدا لـ"لغة القرآن"، فانقلبوا بين عشية
وضحاها إلى أمازيغ، لكن بعمامة سلفية.
طبعا لم تنجح جحافل الإسلاميين في انتحال صفة الحركة الأمازيغية ذات
القيم الديمقراطية الأصيلة، ولم يفلحوا في فرض الحرف العربي على اللغة
الأمازيغية، ولم يكن لهم لينجحوا لأنهم استعملوا وسائل غير شريفة لبلوغ
أغراضهم.
بعد هذا التاريخ بسنوات ظهر من جديد من تذكر أمازيغيته سنة 2011 ليكون
ضدّ ترسيمها في الدستور، وتشكلت جمعيات "أمازيغية" جديدة تجعل من القضية
الفلسطينية أداة مزايدة إيديولوجية تحت زعم وجود أمازيغ يسعون إلى
"التطبيع"، رغم أن موقف الحركة الأمازيغية من القضية الفلسطينية و قضايا
الشعوب المضطهدة والمحتلة واضح لا لبس فيه، ورغم أن الذين أسسوا هذا النوع
من الجمعيات المشبوهة لم يتحركوا أبدا ضدّ المطبّعين من داخل أحزابهم
السياسية والأحزاب المقرّبة منهم، وضد برلمانيي التيار الذي ينتمون إليه،
كما أنهم لم يخبرونا حتى الآن من هم الثمانية والعشرون ألفا من المغاربة ـ
أو ما يقرب من هذا العدد أكثر أو أقل قليلا ـ الذين يزورون إسرائيل كل عام.
وقبل أسابيع، وبعد أن تصاعد النقاش حول القانون التنظيمي للغة الأمازيغة
الرسمية، ظهر من أسّس جمعية بهدف "تمثيل" الحركة الأمازيغية من جديد، هذه
المرة من أجل الحيلولة دون أن يصدر قانون منصف لهذه اللغة داخل المؤسسات
وفي كل قطاعات الحياة العامة.
وفي هذه الأيام باغتنا مرة أخرى من يسعى من جهات مشبوهة إلى تلطيخ سمعة
الحركة الأمازيغية باختراع "لجان " أو "محاكم شعبية" وهمية داخل جامعة
مراكش، هدفها بتر أعضاء الطلبة وأيديهم وأرجلهم، وطبعا باسم الأمازيغية ومن
أجلها (كذا !)، يجعلنا هذا نطرح الأسئلة التالية:
ـ متى كان بتر الأعضاء من ثقافة الأمازيع وقيمهم ؟
ـ ألم تعمل القبائل الأمازيغية منذ قرون طويلة على تعطيل الحدود الشرعية
وتجنّب ما كان يتمّ في "بلاد المخزن" وداخل المحاكم الشرعية التابعة للحكم
المركزي ؟ ألم تكن تعوّض بتر الأعضاء بالغرامات في قوانينها العرفية تجنبا
لإهانة الإنسان والمسّ بكرامته ؟
ـ ما هي المرجعية المعروفة ببتر الأعضاء وتقطيع الأيدي والأرجل "من خلاف" ؟ وما هي المرجعية التي تُشرعِن "العُنف الثوري" الأحمر؟
ـ من الذي يدعو اليوم جهارا إلى "إقامة الحدود" باعتبارها شريعة سمحة ونصوصا قطعية وأمرا إلاهيا ؟
ـ من الذي عُرف داخل الجامعة بإقامته للمحاكمات وإصداره لأحكام القتل والإعدام منذ عقود ؟
ـ ما هي الوثائق المرجعية لدى الحركة الأمازيغية، والتي تدعو إلى هذا السلوك المُشين ؟
كان هناك بين الطلبة الأمازيغيين والطلبة القاعديين صراعات عنيفة عصفت
بالتنسيق الذي كان بين الطرفين فيما قبل، حيث انتصر الغلو الإيديولوجي على
النظرة النقدية وملكة الحوار والنقاش العلمي والسياسي المسؤول، وذهب ضحية
هذا العنف من قتل من الطلبة في ظروف غامضة اختلط فيها الحابل بالنابل، كما
ذهب ضحيته من ألقي في غيابات السجون بعد تلفيق التهم له في محاكمات غير
عادلة، وبفبركة شهود مزوّرين لإغلاق الملف، لكن تلك الصراعات لم تصل أبدا
إلى الإعلان عن "محاكم شعبية" لبتر الأعضاء والتمثيل بالأجساد الآدمية، بل
ندّد الفاعلون الأمازيغيون بالعنف داخل الجامعة، وحمّلوا مسؤوليته للسلطة
التي عملت على مدى عقود على محاصرة الجامعة، وعزلها عن المجتمع، بهدف
إفراغها من محتواها وتحريف رسالتها التنويرية، وتحويلها إلى ساحة للإقتتال
والعنف لإلهاء الطلبة عن النضال المؤسّس والمشترك من أجل التغيير. كما تمّ
التوقيع على ميثاق شرف ضدّ العنف داخل الجامعة لم تحترمه العديد من الأطراف
.
على الحركة الأمازيغية اليوم والطلبة على وجه الخصوص الوقوف ضد هذه
الأساليب الوحشية والغامضة، الرامية إلى تشويه سمعة الفاعلين الأمازيغيين
وتغويلهم، وفضح المتسترين وراء هذا المخطط الهادف إلى إجهاض مشروع المأسسة
النهائية والحاسمة للأمازيغية، وإطلاق سراح المعتقلين ظلما من الطلبة
الأمازيغيين، وإقرار كل الحقوق اللغوية والثقافية والتنموية للسكان في كل
مناطق المغرب، وإنصاف الجهات المهمّشة والتوقف عن نهب الثروات الوطنية،
ووضع الأسس النهائية لبناء دولة القانون التي تتسع لجميع أبنائها مهما
اختلفت العقائد والألوان والأعراق والأنساب. هذا هو المشروع الذي يُراد
طمسه بافتعال "لجان" أو "محاكم" العنف الهمجي، التي لن تفلح في تغطية الشمس
بالغربال.