جاء في خبر نشرته الوكالة الفرنسية للأخبار أن الرئيس التونسي المنصف
المرزوقي - قدم يوم الخميس 4 أكتوبر 2012 "اعتذار الدولة" التونسية لفتاة
اغتصبها شرطيان في الثالث من سبتمبر الماضي، في حادثة هزت الرأي العام في
تونس التي تحظى فيها المرأة بحقوق فريدة من نوعها في العالم العربي. كما أن
المرزوقي التقى الفتاة التي كانت مرفوقة بخطيبها وبالناشطة الحقوقية سهام
بن سدرين رئيسة المجلس الوطني للحريات، حيث أعلنت رآسة الجمهورية أنه "عبر
للشابين عن تعاطفه الكامل معهما واعتذار الدولة جراء ما تعرضا له من أذى
بالغ الخطورة مس كل التونسيين والتونسيات".
وأضافت الرئاسة ان المرزوقي "أبدى أسفه البالغ وإدانته الشديدة لتصرفات
لم تمس إلا من شرف مرتكبيها، وحيا أعوان الأمن الأمناء الذين رفضوا التستر
على زملائهم مما يعتبر دليلا على أن الخلل ليس في المؤسسة الأمنية وإنما في
عقلية بعض أفرادها الذين لم ينتبهوا إلى أنه قد حصلت ثورة في البلاد من
أجل أن يعيش كل أبناء وبنات تونس أحرارا ومكفولي الكرامة".
هذه الكلمة الأخيرة، الكرامة، بوجودها تتحقق إنسانية الإنسان وبغيابها
تفقد الحياة البشرية معناها وجدواها، في المغرب، منذ بضعة أسابيع، أصدر
رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران بيان اعتذار ولكنه اعتذار من نوع خاص، إنه
اعتذار للملك ولمستشاريه، وذلك بعد تصريحاته (أي بنكيران) للصحافة التي
تناول فيها نوعية علاقته مع الديوان الملكي.
الغريب أن بنكيران اعترف في نفس الوقت أنه لم يصدر منه أي فعل يوجب
الاعتذار، بل إنه صب جام غضبه على الصحافة متهما إياها بالتلاعب بتصريحاته
والسعي لإفساد علاقته بالملك. في بيانه الشهير هذا، الذي جاء مغرقا في
الذلة والمسكنة، برهن بنكيران مرة أخرى أنه لا كرامة له، ولا تهمه كرامة
المغاربة في شيئ، وهو الذي ما فتئ يردد في كل خطبه بمناسبة وغير مناسبة
محاسن الملكية في المغرب وأفضالها اللا متناهية.
ذلك أن فلسفة الدولة في المغرب بنيت ولا تزال على إلغاء كرامة البشر مما
يستحيل معه أي اعتذار منها إلى المواطن الذي يتعرض للظلم من طرف الدولة
وممثليها.
عندما كانت لجنة الإنصاف والمصالحة تشتغل على ملفات الانتهاكات الجسيمة
لحقوق الإنسان طالبت هيئات حقوقية اعتذارا رسميا من الملك باسم الدولة،
فرفـض، بل إنه لم يكلف نفسه حتى عناء شرح أسباب رفضه، إمعانا في الاحتقار
والتجاهل.
ذلك أن البنية الذهنية المخزنية التي يسعى القصر لاستمرارها ضدا على
المنطق السليم والأخلاق الحميدة وصيرورة التاريخ، ذهنية استعلائية بامتياز
تحتقر المغاربة التي تنظر إليهم كرعايا وخدام أعتاب شريفة و"عبيد مشرطين
لحناك".
عندما كشف الرأي العام وقائع التعذيب ومنه الاغتصاب الذي تعرض له و ما
يزال العديد من المعتقلين – حالة بوشتى الشارف نموذجا- لم نسمع أحدا من
المسؤولين الرسميين يقدم اعتذاره للضحايا.
عندما وقعت أحداث تازة وبني بوعياش ودوار الشليحات على سبيل المثال،
والتي عرفت أشكالا وألوانا من القمع والترويع واقتحام البيوت وسلب
للممتلكات، لم يتبعها لا محاسبة المسؤولين الأمنيين الذين قاموا بارتكاب
تلك الأفعال الإجرامية ولم يتبعها أي اعتذار.
عندما قام الأجهزة القمعية بإجهاض حفل الولاء للحرية والكرامة بالرباط
يوم 22 غشت الماضي مستعملة العنف المفرط، طالب النقيب عبد الرحيم الجامعي
رئيس الحكومة أن يأمر وزير العدل باعتقال وزير الداخلية نظرا لمسؤوليته.
منذ أربعة سنوات، أطلق حسن اليعقوبي زوج عمة الملك، الرصاص من مسدسه على
شرطي مرور بالدار البيضاء اخترقت ساقه، لأن الشرطي قام بواجبه وأوقف
اليعقوبي عندما لم يحترم إشارات المرور. لكن القانون لم يطبق على اليعقوبي
بل إن الشرطة التي حضرت لعين المكان، بدل اعتقاله، قامت بمرافقته لبيته
معززا مكرما.
ولذلك فالمقارنة البسيطة بين الاعتذار التونسي والاعتذار المغربي، هو
الفرق بين بلد عاش ثورة حقيقية على الاستبداد، وانتزع كرامته من مغتصبيها،
وبلد عاش ثورة مزيفة يسميها بنكيران ثورة الصناديق.
إنها صناديق مملوءة بالمهانة.