ربما
أمكن اعتبار العقيدة الرواقية، التي تحتفظ من
الصلفية بفكرة أن السعادة
تكمن في التمايز عن كلِّ حالة خارجية، بأنها
ابتكار جماعي. ولدت الرواقية القديمة على يد
زينون الكيتيومي (335-264 ق م)، الذي كان
قبرصيًّا، ثم جاء إلى أثينا، حيث تتلمذ على يد
فيلسوف صلفي، حتى طفق يعلِّم تلاميذه في ظلِّ
ممرٍّ مكشوف مسقوف بعقود على أعمدة (أو رواق)،
ما أسمى فلسفته بـ"الرواقية" أو "فلسفة
الرواق". ثم تبعه كليانثوس (331-232 ق م)، الذي
كتب نشيدًا إلى زيوس. ثم أتى بعد ذلك، وبشكل
خاص، تلميذه كريسيبوس (280-204 ق م)، الذي وضع
منظومة العقيدة والذي يمكن اعتباره بحق الأب
الثاني للرواقية.
أما
أكابر الفلاسفة الرواقيين إبان القرنين
الأول والثاني الميلاديين (أي ما يُعرَف
بالرواقية الجديدة) فقد كانوا لاتينيين،
أهمهم سينيكا وإبكتيتوس والإمبراطور ماركوس
أوريليوس. وقد طوَّروا، بصفة خاصة، حكمة تقوم
على الجهد والقيمة الأخلاقية للنية.
لأنه
بحسب الشرع أو لِنَقُلْ المنطق الرواقي، فإن
كلَّ معرفة إنما تنبع عن الحواس؛ لكن الذهن
الفعَّال هو الذي يضع أولى معطيات هذا
التوجُّه؛ حيث، مصادقًا على الإحساس،
يتلمَّس وجود الشيء المحسوس؛ ومن ثم، عن طريق
التلمُّس المتفهِّم، يشكِّل أفكارًا عامة،
قبل أن يصل به الأمر إلى العلم الذي هو معرفة
منهجية.
أما
الفيزياء أو فلسفة
الطبيعة عندهم فقد تميَّزتْ بالحلولية
الطبيعية؛ حيث يشكل العالم والألوهة وجهان
لواقع واحد. ويخضع العالم المادي لسلطة عقل
قائم كلِّي (هو الله)؛ وتحرِّكه حياة كونية
خاضعة لصيرورة وقدر إلهيين يجب على الإنسان –
الذي ما هو إلا جزيء من هذا الكون – أن يخضع له.
ونصل
هنا إلى مفهوم الحكيم الرواقي الذي يعيش في
تناغم مع عقله، أي مع الطبيعة، بحيث يجد راحة
نفسه (أو الـ"أتاراكسيا" ataraxia
وفق المصطلح اليوناني) عبر الابتعاد عن كلِّ
ما يكدِّره، وخاصة عبر الابتعاد عن الأهواء،
التي كان الرواقيون يتعاملون معها كنوازع غير
طبيعية، إن لم نقل كعلل نفسية. من هنا تأتي
الفضيلة – المستندة استنادًا أساسيًّا على
انعدام الأهواء أو الـ"أباثيا" apathia
– وما تستدعيه من تحكم بالإرادة
وبالمحاكمة الداخلية من أجل قبول القدر
والترفُّع المتسامي عن الأشياء وسفالات
البشر، الأمر الذي كان يؤكد عليه بقوة
الرواقيون الرومان.
لقد
كان للحكمة الرواقية أثرها الكبير جدًّا على
مرِّ القرون: فالموضوعات المنبثقة من
الرواقية قد ألهمت، إضافة إلى العديد من
الكتَّاب الكبار، كمونتين وكورنيي وألفريد
دُهْ فينيي وميترلينك، العديد من الفلاسفة، كديكارت
وكانط. ونسجل أخيرًا أنه كان
للأخلاق الرواقية أثرها الكبير على الأخلاق
المسيحية، بشكل دفع هذه الأخيرة أحيانًا
باتجاه التشدد، وخاصة حين يتعلَّق الأمر
بقضايا الجنس.
ملاحظة: تم تعريب هذا
النص عن قاموس ناثان الفلسفي، تأليف جيرار
دوروزوي وأندريه روسيل.
تعريب: أكرم أنطاكي.
مراجعة: ديمتري
أفييرينوس.