مي
جبران**
"عندي جسد".
والأفضل: "أنا جسدي". كم هو غريب ومجهول
هذا الجسد الذي نحمله – الذي هو أنا، أنتِ،
أنتَ. هو خيالي، هُوامي. هل نحن داخله أم
خارجه؟ نحمل في ذاتنا مشاعر الجسد وحدوده. هو
الذي يحتوي حياتنا؛ لكننا نجهل بأن جسدنا هو
حياتنا. كأننا نؤكد ذاتنا دائمًا خارج و/أو في
غير أجسادنا.
يُبنى "أنا الجسد"
moi
corporel
، حسب
شيلدر Shilder
، من خلال حاجات
الشخصية؛ وهناك نشاط دائم يحدِّد أنا الجسد،
وهو الاختيار والرفض. إن صورة الجسد تنمو
وتتغذى وتغتني من التجارب العديدة التي تتأثر
بالعلاقة مع العالم والمحيط الخارجي.[1]
تؤكد ف. دولتو أن "صورة الجسد هي لاوعيه"؛
وبعبارة أخرى، أن صورة الجسد تخص كلَّ فرد،
وتتعلق بقصته هو بالذات، وتتعلق بالنزوات
الليبيدية وتفاعلها مع الأنا. وهذا يعني أنه
توجد علاقة جدلية بين الهو das Id
والأنا. إذًا هي خلاصة حية لتجاربنا
الانفعالية، التي تُكتَب على أجسادنا أو
تُحفَر عليها، مع تجارب الرغبة والحاجة، بحسب
تقويمها.
تُبنى صورة جسدنا
وتتطور من خلال النرجسية. وهذا ما سمَّاه
فرويد، في المرحلة الطفلية، "النرجسية
الأولية"، وفسَّره بأن الليبيدو لها توظيف
في الجسد. صحيح أنها واحدة، لكنها غير جامدة:
تتغير. أحاسيسنا ومشاعرنا كلُّها تساهم
مساهمة مستمرة في خلق "صورة الجسد".
وتوجد علاقة وثيقة بين صورة الجسد والأنا،
وبين الأنا والعالم؛ وتتغير هذه الصورة بحسب
الصيرورة النفسية.
هكذا يدرس التحليل
النفسي كيفية انعكاس العالم والحياة في جسد
الفرد. الجسد هو تعبير دائم عن الأنا وعن
الشخصية وهو في العالم. لماذا عندما نتلفظ
بكلمة "جسد" نرى الوجوه تتكلم؟! انتبه!
ممنوع الاقتراب، إنه محرم! عن أيِّ جسد نتكلم؟
بشكل عام، نعتقد أنه يجب إنكار الجسد. هذا ما
أدخلتْه الأديانُ في لاوعينا ووعينا: الجسد
يختلف عن الروح التي هي بعيدة عنه: هي، في
ماهيتها، إلهية وأبدية، والجسد شهواني يموت.
ومن بعدها ساهمت الثقافات والحضارات والتطور
الشخصي في بناء اللاجسد non-corps،
من خلال الضغوط الإنسانية، حتى سيطر الذهن
والفكر. كيف نحدد الإنكار؟
الإنكار déni
هو وسيلة يلجأ إليها الشخص الذي يبوح بإحدى
رغباته أو أفكاره أو مشاعره التي كانت مكبوتة
حتى تلك اللحظة، ولكنه يستمر، في الوقت نفسه،
في الدفاع عن نفسه من خلال إنكار تبعيَّتها له.
لقد خصَّص فرويد مقالة تشرح "البعد
اللاواعي للإنكار" (1925). يتم الوعي
بالمكبوت، في أثناء العلاج، عندما يقول
المحلَّل: لم أفكر هكذا، أو في صورة أفضل، لم
أفكر بهذا قط. "حيال غياب العضو الذكري عند
البنت ينكر الأطفال هذا النقص، ويعتقدون، رغم
ذلك كلِّه، برؤية عضو ذكري... إذًا هناك إنكار
وجود أعضاء تناسلية أنثوية تحت وطأة قلق
الخصاء. هنا ينكر الفرد الرؤية الواقعية
ويرفض الاعتراف بغياب القضيب عند المرأة." (قاموس
التحليل النفسي) استعمل فرويد هذا التعبير
لكي يتكلم على إنكار الواقع ونفيه، أي رفض
رؤيته كما هو. ينفي إنكار الخصاء عند الطفل
الذكر الذي هو أساس الإنكار وكلِّ أنواع
إنكار الواقع الأخرى. فرويد يقول بأن
الليبيدو ذكرية أو حيادية. الطاقة تميل إلى
جهة الرجل؛ إذ لا توجد إلا libido
واحدة، وهي ذكورية. كما
أنه يحدد الإنكار بـ"رفض الواقع، وهو أسلوب
دفاعي يتخذ شكل رفض اعتراف الشخص بواقعيته.
إدراك ذو تأثير رضيٍّ، يتمثل أساسًا بواقع
غياب العضو الذكري عند المرأة".
إن قصة الجسد طويلة
وصعبة أصلاً. فكيف إذا حاولت أن تتلمس الجسد
الأنثوي المكبوت، المُنْكَر والمنفي. ما هي
علاقة الجسد الأنثوي بالطبيعة الإنسانية؟
إنه طبعًا يعني الحياة، وهذا يعني الإنسان. من
هو هذا الإنسان؟ إنه حيادي، عالمي، لا جنسي asexué.
أما إذا فحصنا لغويًّا عن معنى الإنسانية،
تبيَّن لنا بأنها طبيعة ترضخ للمفاهيم
الذكورية من ناحية المحتوى والمعنى، واللغة
أيضًا.
الأنوثة هي العدم Néant،
لأنها السلبي بالنسبة إلى الذكورة؛ لكنْ من
العدم يولد الوجود! فإذا كانت المرأة–الأنوثة
تحتِّم استحالة التفكُّر فيها، لا يُعقَل
إذًا أن توجد كامرأة؛ إنها منفية، مُنكَرة.
كيف يمكننا أن نفسِّر السلبي، وبأيِّ معنى؟ –
إلا من خلال ما لا تملكه. وهذا ما يعود بنا إلى
نظرية فرويد عن غياب القضيب (الخصاء).
لا، لا! سأتكلم بلغتي
الخاصة من منطلق مختلف، بعيدًا عن التكرار
وعن كلِّ ما قيل من قبلُ، وما هو إلا صدى
للآخر، له، لأفكاره. هل كان يجب أن يكون
الكلام والفكر والتحليل دائمًا ذكوريًّا،
مهيمنًا على أقوالنا وتعبيراتنا؟ اسمحوا لي
أن أقدِّم لكم هذا البحث حول الجسد الأنثوي،
المُنكَر والمنفي حتى الآن. طبعًا سأحاول،
لأنني لم أجد حتى الآن دراسة تطاول جسد الأنثى
من زاوية الإنكار و/أو النفي، حتى تصل المرأة
نفسها إلى أن ترفضه. كما رأينا سابقًا، كلُّ
ما يتعلق بصورة الجسد والإنكار يبقى على
المستوى اللاواعي ويطاول خاصة الجسد الأنثوي
المكبوت.
أفتش طبعًا عن قول –
عن كلام – لأعبِّر عن هذا المكبوت الذي يطاول
جسدي الأنثوي. هل سأفشل في الحديث، كما تقول
مونترولاي Montrolay، لأن الجنسوية
الأنثوية لم تُكتشَف بعدُ، وهي تحمل في
طياتها "الفشل في الخطاب". هذا يعني أن
الإنكار للجسد الأنثوي يؤثر على خطابنا، على
قولنا الغائب، مثل أجسادنا. يقول لاكان Lacan: "لا
توجد إلا امرأة مستبعَدة عن الأشياء، وهي
طبيعة الكلام... بكلِّ بساطة، لا يعرفن ماذا
يقلن؛ وهنا يكمن الفرق بيني وبينهن."
سأنتبه خلال هذه المحاولة للقول الأنثوي،
لئلا أنزلق من جديد نحو التيار النَّسَوي féministe
الذي يرفض الاختلاف بين البنت والصبي من حيث
الآثار النفسية للفروق التشريحية؛ وهذا ما
يعني إنكار جسد المرأة. فتابعات هذا التيار
غالبًا ما يبتعدن كلَّ البعد عن الأنثوي، أي
حتى رفضه. (وأيضًا لئلا تجرني وجهة النظر
الذكورية عند فرويد.)
إلى أيِّ مدى سأتمكن،
من خلال حديثي، من ألا أعيد الخطاب الذكوري،
أن أفلت منه، مع أنني مجبرة على الرجوع إليه
لكي أوصِل لكم ما أريده، ولأنه لا يوجد بعدُ
نظام يمكن لي أن أستعمله خارج النظام الرمزي
الأبوي السائد. عندما أتوجَّه إليكم لا يمكن
لي إلا أن أرضخ للكلام وللُّغة السائدة
المسيطرة. لكنني سأحاول – كامرأة – أن أفكر
تفكيرًا مغايرًا، بجسد مختلف. لكن بما أن جسدي
مُنكَر، لا أجد لغة، ولا فكرًا، خاصين بي. إني
أتخبط!
أشعر وكأني أدور حول
ذاتي – أنوثتي الغائبة – لأفسر جسدي
اللاموجود، المُنكَر، المرتبط بالجسد الرمزي.
لا يمكنني الخروج إلا بالعودة إلى طفولتي
كأنثى. كيف تربيت؟ ماذا جرى لكي تتوصل الفتاة
إلى رفض جسدها وإلى اعتباره خصمًا لها،
وحِملاً ثقيلاً مليئًا بالمشاكل المتعبة، لا
تتجرأ على أن تتركه يعبِّر عن اللذة؟! – ترفضه.
كيف تُبنى صورةُ
الجسد عند الأنثى؟ ماذا يلقِّنها المحيط
والعالم، كما يقول شيلدر؟ إنها ليست نهائية،
تنمو وتبنى وتتغير. إذا تتبَّعنا نموَّها في
مراحل حياتها كلِّها، سنرى أن القوانين
الدينية والمدنية كلَّها تُسَنُّ دائمًا
وفقًا لجسد المرأة، لكي لا يعبِّر، لكي
يُقمَع جنسيًّا على جميع الأصعدة: في اللباس،
مثلاً، الذي يُفرَض عليه الحجاب أو العري؛
فهو دائمًا بحسب رغبة الرجل وقناعاته. المرأة
غير مسؤولة عن جسدها، وليست حرة في التعاطي
معه كما تريد. فهي تارة تغريه، وهي طورًا لا
تغري الرجال، بل زوجها الذي يملك جسدها. ومن
بعدها ستنمحي، إذ تنفي رغباتها الأنثوية
لإشباع الرغبات الذكورية. لا يوجد الجسد
الأنثوي إلا للآخر: الأب، الزوج، الطفل. هذا
يعني أن الأدوار التي يُسمَح لها بأن تلعبها،
أي تُفرَض عليها اجتماعيًّا، لا تتعدى
الثلاثة:
-
العذراء: غير
موجودة في حدِّ ذاتها، مبتورة رغبتها؛ تبقى
ملك الأب الذي تحمل اسمه وشرفه؛ لكنها تحمل
قيمة التبادل بين الرجال، كونها بضاعة مرغوبة.
-
الأم: وهي آلة
للإنجاب، تحمل اسم الزوج ولا تصلح للتبادل
بين الرجال: لم تعد بضاعة.
-
العاهرة: موجودة
ومقبولة قبولاً ضمنيًّا، لكنها مرفوضة من
النظام الاجتماعي؛ قيمتها في جسدها الذي يصلح
للتبادل.
إذًا لا يحق لها أن
تشعر باللذة في الحالات الثلاث. فكيف تبني
صورتها عن جسدها، عن ذاتها؟!
"البنات هَمُّنْ لا يبات، ولو كانوا
ستَّات فوق المرتبات."
مثل لبناني
"جابت بنت
وسمُّوها نصطه." إن هذا المثل يعني أنها غير
مرغوب فيها. عندما يولد الصبي تفرح كلُّ
الأسرة وتتكاثر الأعياد. تؤثِّر الأمثال
الشعبية تأثيرًا لاواعيًا على صورتها عن
ذاتها. يلعنون ولادة البنت، ويفضلون الصبي –
حتى ولو كانت ملكة. والأمثال كثيرة: "المذلة
ولادة البنت، ولو مريم العدرا"، "غنِّج
حية، ولا تغنج بنيَّة"...[2] منذ
ولادتها تشعر، من خلال النظرات (حتى ولو لم
يعبَّر عنها تعبيرًا مباشرًا) بالفرق بينها
وبينه. هناك تقويم واضح من خلال الطقوس التي
تُفرَض عليها والممنوعات التي تطاول جسدها:
"اقعدي منيح"، "لا تتحركي"، "وطِّي
صوتك"، إلخ.
منذ طفولتها تعيش
مأساة لأن جسدها لا يشبه أحدًا: لا تملك لا
قضيب الأب ولا جسد الأم (ثديين، ردفين...)،
وكأنها لا تتميَّز بشكل جنسي. هي لعبة، عضوها
الجنسي منفي، مُلغى، مخفي، لا نراه ولا تراه.
كلُّ شيء يبدأ من هنا – هو إنكار الأنوثة، أي
الجسد الأنثوي. وهذا يعني، بحسب المفهوم
الفرويدي، إنكار المهبل، لأن القضيب ناقص،
غير موجود. فلكي تحقق أنوثتها يجب أن تمرَّ
بمراحل مهمة، وهي: ترفض نشاطها الجنسي
الذكوري، بحسب فرويد، فتتجه نحو الأب وتترك
موضوع حبِّها الأول، الأم؛ من سادية تصير
مازوخية، ومن ناشطة تصير متلقِّية، وتقبل
بعقدة الخصاء: من فاعل تصبح مفعولاً به.
لن أدافع عن نظرية
فرويد عن مفهوم الأنوثة، بل سأحاول أن أصف
الواقع المرير الذي يحيط به والذي فرضته
الأديان والقوانين والمعايير الاجتماعية على
الأنثى. إنها ثقل موروث موجود في لاوعينا،
نساءً ورجالاً. القوانين الدينية والمدنية
تفصَّل على جسد المرأة، وتهدف دائمًا إلى
نفيه وقمعه على جميع الأصعدة. تنشأ غربة بينها
وبين جسدها هذا؛ لا تستجيب لمتطلَّباته،
تنكره وترفضه. هكذا يصبح التعبير عن الرغبة
معدومًا، ولا تعود تتمكن من أن تعيش حياة
جنسية بعد الزواج؛ تصبح باردة، لا تشعر
باللذة (لا رغبة = لا لذة). جسدها، كما نرى،
يسهل امتلاكه، كونه مروضًا ومعتادًا على
الرضوخ. هكذا يتحكَّم الرجل بجسد المرأة كما
يطيب له. تاريخيًّا هو الذي يحرِّم ويمنع داخل
الأسرة، ويحق له أن يتملك جسدها، كما ورغبتها
وعملها...
تُبنى صورة جسدها
وذاتها في شكل واعٍ ولاواع. هل تشعر المرأة
منذ ولادتها بأنها فعلاً مسجونة، كما تقول
سيمون دو بوفوار S.
de Beauvoir؟ كما
أنها لا تحظى، مثل الصبي، بالاهتمام بأعضائها
التناسلية؛ بمعنى آخر، لأنها لا تملك العضو
الجنسي. تتربى الفتاة بالـ"لا" – بالسلب
وبالنفي – عكس الطبيعة. تراقَب دومًا؛ وممنوع
عليها الخروج إلى الشارع.
-
لا تركبي دراجة
ولا حصانًا!
-
ماما، هل أفقد
عذريتي؟!
عند البلوغ تبدو
جاهلة لما يتحوَّل في جسدها. تعرف فقط أنها
يجب أن تستر فخذيها عندما تجلس، وأن لا تتكلم،
وأن تَسكت، وتُسكِت غرائزها ورغباتها
الجنسية. تُربَّى بهدف أن تصبح أمًّا صالحة
تحت الضغوط والممنوعات والحرمان. لا يحق لها
أن تكون أنثى، امرأة، بل تتنقل من العذرية إلى
الأمومة، دون أن تأخذ نَفَسًا. هي ليست امرأة
بكلِّ معنى الكلمة. لا تشعر بأنها ممتلئة إلا
عندما يأتي الصبي: فهو الذي يجرِّدها من جسدها
ومن ذاتها؛ حتى إنها تفقد هويتها وتصبح "أم
فلان"!
هكذا تتلقى الفتاة
تربية مليئة بالإحباط والكبت والإنكار
لجسدها الأنثوي منذ ولادتها. تتقبَّل الأم،
من خلال جسدها، طفلها، وفي شكل لاواع، كلَّ
المفاهيم والمعايير. "الحوار الحقيقي هو
الحوار القديم مع الأم."[3]
فإذا كانت الأم اللبنانية ترفض جسدها، فكيف
ستنقل لابنتها حقَّ التمتع واللذة؟ هكذا تأخذ
البنت الصغيرة الممنوعات والمحرمات من خلال
لمسات الأم، أولاً؛ ومن بعدُ، من حديثها عن
الجسد: "تتم التربية من خلال تحركات الجسد
وليس الكلام فقط."[4]
ولا تُحضَّر المراهقة لفهم وظائف أعضائها
التناسلية. لذا، عندما تبلغ، تشعر بخوف وخجل
وتتقوقع، وكأن دم الحيض هو تكفير عن ذنب
اقترفته. هذا ما عبَّرت بعض النساء من
العيِّنة[5]: "قالت لي
أمي: سترين يومًا دمًا... لا تخافي، إنه وسخ."
(رولا، 25 سنة) "خفت، ما كنت بعرف شي. قالت لي
أمي: لا تخبري حدا إنها إجتك، وبس..." (حنان،
23 سنة) "هذا دم! لأنك بتعذبيني الله جازاك:
إنه دم وسخ يخرج منك." (بلندا، 27 سنة)
إن دم المرأة هو
دلالة على التابو، لأن المحرَّم الذي نزل على
المرأة في فترة الحيض هو أول تابو رآه الإنسان
من حيث النموذج وأساس المحرَّمات كلِّها: "ويسألونك
عن المحيض قُلْ هو أذى فاعتزلوا النساء في
المحيض ولا تقربوهنَّ حتى يطهرن..." (سورة
البقرة 222).
هكذا تعيش الفتاة (مسلمة
كانت أو مسيحية) فترة المراهقة بجسد غير
مقيَّم، محرَّم، مليء بالذنب، ترفضه لأنه
يصبح عليها عبئًا. لا تفهم ماذا يجري لها. فإما
أن تبدأ بأخذ الوزن لأنها تلجأ إلى الأكل
بشراهة، أو بالعكس ترفضه حتى تصير قَمِهة anorexique
.
وهذه حالة المراهقات حاليًّا، يرفضن أجسادهن
الأنثوية. هل يمكننا تفسير هذه الظاهرة إلا من
خلال رفض التغيير الفسيولوجي في البلوغ وبروز
علامات الأنوثة. لقد تعودت منذ صغرها ألا
يُعترَف بها كجسد أنثوي؛ تود أن تبقى البنت
الصغيرة، ترفض مفاهيم الجمال والأنوثة
كلَّها، وتعيش بحسب مفاهيم تساعدها على
الهروب من أن تُرغَب. لذا نرى أن هذه
المراهقات يَمِلْنَ غالبًا إلى الانتحار،
ويعتبرن أن الجسد هو مكان للاستلاب من خلال
نظر الآخر.[6]
كيف يتم التحضير
للزواج؟ يبدأ بالرضوخ للممنوعات والمعايير
الاجتماعية والدينية في مجتمعنا اللبناني، التي
تفرض عليها العذرية، أولاً، وعدم إقامة
علاقات جنسية أخيرًا. هكذا عبَّرتْ بعض نساء
العينة:
"من وقت ما كان
عمري 3 سنوات وأنا عم أسمع: لازم البنت تحافظ
على حالها قبل الزواج... أنا ضد، لكن... العذرية
مرتبطة بشروط اجتماعية. في بنات تقطب حالها...
أنا بعرفهم." (رولا، 25 سنة) "يفتش الشاب
اللبناني الخبيث على بنت عذراء، لذا أخاف أن
أعطيه نفسي قبل الزواج." (بلندا، 27 سنة) "إذا
خسرتها قبل الزواج أُعتبَر وسخة؛ العذرية
مهمة جدًّا." (سامية، 22 سنة) لقد عبَّرتْ
غالبية الشابات بأن الجنس وسخ، مقرف، مخيف،
عيب، مزعج، ضد الطهارة. ماذا يبقى إذًا من
الجسد الجنسي/الأنثوي؟
"الجنس شيء مقرف
ووسخ، لا يخيفني..." (جين، 23 سنة) "أعرف
الشاب اللبناني: يرفض البنت الفاقدة بكارتها؛
لهيك بخاف." (ناهدة، 22 سنة) "أول بوسة
قرفتني وزعجتني..." (ج.، 28 سنة) "لقد تألمت
أول مرة، خفت من الدم." (ناديا، 24 سنة). "تزوجت
وعمري 22 سنة، وكنت أقرف من الجنس." (هبة، 27
سنة)
هناك رفض للجسد
الأنثوي من كثرة الضغوط التي تمارَس على
الفتاة. فهو يجب أن يكون صالحًا للإثارة، إنما
ليس الآن؛ هو يحضَّر للإنجاب فقط. جسدها
الأنثوي ليس لها، هو ملك والدها، المسؤول عن
شرف الأسرة؛ ومن بعده ملك الزوج الذي تحمل
اسمه.
"المرأة بكاملها تابو."
فرويد