** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 قراءة سيكولوجية لكتاب “الكينونة والعدم”. نقولا المتيني

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
هذا الكتاب
فريق العمـــــل *****
هذا الكتاب


عدد الرسائل : 1296

الموقع : لب الكلمة
تاريخ التسجيل : 16/06/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 3

قراءة سيكولوجية لكتاب “الكينونة والعدم”.  نقولا المتيني Empty
27092012
مُساهمةقراءة سيكولوجية لكتاب “الكينونة والعدم”. نقولا المتيني

قراءة سيكولوجية لكتاب “الكينونة والعدم”.

نقولا المتيني

…. الإشكالية الأساسية التي
تفرض نفسها للوهلة الأولى، إنما هي إيجاد شروط إمكان قراءة سيكولوجية لبحث
أنطولوجي فنومينولوجي يرتكز على خلفية وجودية. لا يكفي القول إن سارتر
يقوم، في بعض الفصول، باستعمال مصطلحات سيكولوجية لمقاربة موضوعات مفصلية
قي علم النفس كالتحليل النفسي واللاوعي والخداع النفسي والحب والرغبة
والسادية والمازوشية وعقدة النقص…، ولا يكفي القول إنه يلجأ في بعض الأحيان
إلى مؤلفاته السيكولوجية المتعلقة بالانفعال والمخيلة، بل ينبغي التأكيد
أن المقاربة الفلسفية الأساسية في هذا الكتاب، تتناول تركيبة الوعي في
علاقته مع ذاته ومع الآخر، وتستخدم لغة فلسفية -وسيكولوجية في بعض الأحيان–
لصياغة رؤية جديدة “للواقع الإنساني” في كل تفاصيل حياته النفسية
الملموسة. الكينونة المفصلية في هذا المؤلف، إنما هي كينونة الوعي
الإنساني، والعدم ملازم لنشاط الوعي من حيث إنه يعدّم المعطى الذي يموضعه
ويتجاوزه؛ وفعل التعديم هذا ملازم للكائن الإنساني المحكوم بالحرية بمقدار
ما يكوّن ذاته وزمنيته النفسية عبر تجاوز مستمر لما هو معطى. الحرية هي
محور هذا المؤلف لأنها تشكل الخاصية الأساسية لهذا الكائن الواعي، فكل
الموضوعات تتمحور حول هذه المسألة. من هنا، فإن الانتقادات التي يوجهها
سارتر باستمرار لنظريات اللاوعي والحتمية النفسية، مستبدلاً مفهوم اللاوعي
بمفهوم الخداع النفسي، والتحليل النفسي الفرويدي بالتحليل النفسي الوجودي،
وإن نظريات الحب والرغبة والسادية والمازوشية والفعل الإرادي وغيرها من
النظريات السيكولوجية تهدف إلى إثبات حرية الاختيار الملازمة للواقع
الإنساني من حيث هو كائن يعي كلَّ ما يعيشه نفسياً في علاقته مع ذاته ومع
الآخرين. غير أن سارتر يميّز بين وعي الذات

1- بنية الوعي و”النفس“.

…. إن السيكولوجيا السارترية
المتأثرة بالكوجيتو الديكارتي وبالقصدية الفنومينولوجية ومعرفة الذات. أما
أهم الموضوعات السيكولوجية في هذا المؤلف فأهمها: للوعي (عند هوسرل بشكل
خاص) هي في جوهرها سيكولوجيا الوعي التي تردّ المعيش النفسي

*-هذا الكتاب من تأليف جان بول سارتر وترجمة د. نقولا متيني صاحب هذا البحث

إلى أفعال الوعي القصدية، وترفض
أي محتوى وأي معطى نفسي “داخل” الوعي، أو قابعاً في أي كيان للاوعي أو
للأنا العميق. الوعي هو فعل يستهدف دائماً موضوعاً ما، ويحدد علاقته
النفسية به بفعل قصديته، وهو الذي يعطي دلالة ومعنى للموقف المعيش. ويقدم
سارتر تصوراً “جشطلتيا” للإدراك الحسي عندما يصف العلاقة بين صديقه “بيار”
الذي ينتظره في المقهى، بحيث يجعله وعيه شكلاً بارزاً في الحقل الإدراكي
وبين المقهى الذي يعدّمه وعيه هذا، فيحوله إلى عمق خلفي (57).

… من ناحية أخرى، فان الوعي في
تركيبته الإنعكاسية، هو إدراك حدسي شفاف لذاته، فالعلاقة بينه وبين ذاته هي
علاقة بين الوعي المنعكس على ذاته وبين الوعي المنعكس. هذا التمييز هو
تمييز نظري بين لحظتين: المنعكس على ذاته يجب أن يكون وأن لا يكون في الوقت
نفسه، هو المنعكس الذي هو المعيش النفسي. مثلاً، إن وعيي بخجلي هو خجلي
ذاته، وليس هو في الوقت نفسه، هذا الخجل كما هو في ذاته.

… هكذا فان الوعي ينسلخ عن ذاته
حين ينعكس على ذاته، وحين يخرج من ذاته مستهدفاً الموضوع الخارجي، والآخر
بشكل خاص. إنه يعيش حالة نفسية من “التشتت الاصلي”في بحثه عن ذاته في مكان
آخر، في العالم الخارجي. ولكنه يحاول دائماً، بواسطة انعكاسه على ذاته، أن
يستعيد وجوده الذي يعيشه خارج ذاته، ليشكل به كيانه النفسي (ماهيته). انه
“كائن الابعاد”، يعيش خارج اللحظة الراهنة، في الماضي والمستقبل، فيولّد
هكذا زمنيته النفسية التي هي نسيج من الوقائع النفسية المتتابعة.

… انطلاقا من كل هذا، يقدم
سارتر تحديدا لمصطلح “النفس” فيقول إن كلمة “نفس” (psyché) تعني لنا الأنا
الشخصي (je) من حيث هو ضمير المتكلم، وتعني الأنا (moi) الذي يمثل شخصنا من
حيث هو وحدة نفسية. إن صفات الأنا تمثل مجمل القوى الكامنة التي تشكل
خلقنا (caractère)، أما الحالات فهي عواطف وانفعالات معاشة. ان وحدة
الظاهرة النفسية ناتجة عن وحدة الكائن الواعي الذي يحدد معاشه النفسي:
الكره ليس مؤلفا من أجزاء وليس حصيلة حالات الوعي، بل يتجلى لنا من خلال
التصرفات ووعي الذات. حين يعتبر “برغسون” أن الوعي الذي يعيش في الديمومة
هو كثرة متداخلة ببعضها، فهو يجعل الحالة النفسية كثرة مستدخلة، اي معطيات
موجودة بطريقة سلبية في الأنا العميق، من دون أن نعيها. كذلك فان “سارتر”
ينتقد نظرية فرويد الميكانيكية التي تعتبر الحالات النفسية نتاجاً لصراع
بين قوى من طاقة، والمذهب الفكراني (intellectualisme) الذي يربط الحالات
النفسية بسببية “عقلانية” وميكانيكية، ويوجه انتقاداً جذرياً لكل اختزال
اعتباطي بعض الشيء، يقوم على إرجاع الأشكال النفسية الكبرى إلى عناصر اكثر
بساطة مما يحوّل النفس إلى شيء معطى ويقلص دينامية الوعي من حيث هو فعل
(245). إن العلاقات بين الأشكال النفسية، يحكمها نوع من “التأثير عن بعد”
بفعل نشاط الوعي: “إن الشكل النفسي السابق عليه أن يولد، شكلاً نفسيا من
طبيعته ذاتها، ينتظم عفوياً متخذاً مظهر مجرى زمني” (244). هكذا يتكون
الوعي المنعكس على ذاته كوعي بالديمومة. هذه الزمنية النفسية هي إسقاط
للزمنية الاصلية على وقائع وحالات نفسية قائمة بذاتها، مرتبطة بالتكون
النفسي الزمني الذي يدركه الانعكاس على الذات؛ إنها تتكون انطلاقا من
الماضي المعاش. حين نضع أنفسنا على مستوى الانعكاس على الذات الذي يحاول ان
يحدد الكائن الذي هو أنا، يظهر عالم بأكمله، ويسكن الزمنية. هذا العالم،
إنما هو العالم النفسي أو النفس. إن وجوده هو، بمعنى من المعاني، ذهني محض،
وهو بمعنى آخر موجود لانه “قد كان”، ولأنه ينكشف للوعي، انه ظلي، وإنه
ينكشف لي عندما أريد أن أرى نفسي” (247).

… الكيان النفسي ليس بنية
محدَّدة بشكل نهائي، إنه يتجاوز نفسه باستمرار عبر تجاوزه للماضي باتجاه
المستقبل. الكائن الواعي يوجد على مسافة من نفسه عبر مشاريعه الإرادية
وممكناته: إنه ليس ما هو عليه وليس هو ما هو عليه. إنه موجود خارج ذاته عبر
علاقاته بالآخر، وعبر أفعاله الحرة الإرادية. إن الفعل الإرادي ليس فعلاً
اعتباطياً معزولاً عن مكوّنات الشخصية أي الدوافع والحوافز. الدافع هو
واقعة ذاتية تشمل الرغبات والإنفعالات والأهواء الشغفية، أما الحافز فهو
المبرر الموضوعي للقيام بعمل معين، أي مجموع الاعتبارات العقلية التي
تبرره، ومجموعة الظروف الموضوعية والمصالح الشخصية التي تخدم هدفاً معيناً
وتبرره. الدافع والحافز متلازمان مع بعضهما كما يتلازم وعي الذات العفوي
والوعي النظري بالموضوع. “كما أن الوعي بشيء ما هو وعي بذاته، كذلك فان
الدافع ليس سوى إدراك للحافز من حيث إن هذا الإدراك واعٍ بذاته”. (577).
وينتج عن ذلك أن الفعل الإرادي يفترض تلازم الحافز والدافع والغاية التي
تكوّن وعياً حيوياً حراً يندفع نحو ممكناته ويحدد ذاته بهذه الممكنات.
والنشاط الإرادي لا يتطلب مداولة لان المداولة تفترض اعتبار الدوافع
والحوافز كأشياء وقوى كمية لها وزن قابل للقياس. والواقع أن المشروع الحرّ
أي الانتاج الحرّ للغاية ولكيفية تحقيقها، هو الذي يعطي وزنا وقيمة لتلك
الدوافع والحوافز، وأن العفوية الإرادية الحرّة هي التي تنظم عملية
الاختيار مع مجمل الحوافز والدوافع والغاية، وعندما تتدخل المداولة يكون
القرار متخذاً، فهي تعلن لي ما صممت عليه، ومن ثمة ما أنا عليه. بالمقابل
فان العفوية غير الإرادية تفترض عدم وعي بالحوافز والدوافع: “إن بنية الفعل
الإرادي تقتضي ظهور وعي منعكس على ذاته بحيث يدرك الدافع كموضوع تقريبي،
أو يستهدفه قصدياً كموضوع نفسي من خلال الوعي المنعكس” (579)

2- العلاقة النفسية بالآخر

إن اندفاع الوعي القصدي
خارج ذاته، يجعلني في مواجهة مع الآخر؛ وتحكم سيكولوجيا النظرة هذه
المواجهة بيني وبين الآخر. إن الواقعة الأساسية هي كوني منظورا إليه أي
كوني موضوعاً لنظرة على خلفية عالم لا متمايز، وإنني أعيش هذه الواقعة في
حالة من القلق. إن الآخر ليس هو بالفعل من أراه فحسب، بل هو أيضاً من
يراني، وبالتالي أبدو له موضوعاً أي إنه يحدّدني ويجمّدني كشيء يحكم عليه.
إن “المسألة هي إجراء مقارنة بين ما أنا عليه بالنسبة إليه، وما هو عليه
بالنسبة إليّ، وما أنا عليه بالنسبة إليّ، وما هو عليه بالنسبة إليه”
(333).

… ومن أجل توضيح سيكولوجيا
النظرة، يقدم سارتر مثل الحديقة العامة حيث يظهر رجل في عالمه المحيط به:
“إن ظهور عنصر يفكك وحدة عالمي المحيط بي، وسط المواضيع المشكلة لهذا
العالم، هو ما أدعوه ظهور إنسان في عالمي” (360).

إن وجود الآخر هو
“سقوطي الأصلي” (359)، فهو يسرق العالم مني، فيخترقه ويجذبه إليه؛ إلا أنني
أستعيد هذا العالم لمجرد أن أنظر إلى هذا الآخر، وأحوله إلى موضوع مجمّد،
مجرد من ذاتيته. هكذا، فان العلاقة بيني وبين الآخر هي علاقة صراع بين
حريتين، بين ذاتية وأخرى، وهو صراع يجعلني أعيش تناقضاً بين وضعيتي كذات
فاعلة تنظر وتحكم، ووضعيتي كموضوع لنظرة الآخر وحكمه. إن نظرتي إلى ذاتي
تتغير بمجرد أن أصبح موضوعاً لنظرة الآخر، فالوعي المنعكس على ذاته يكشف
الأنا كموضوع له. ولكن، تحت تأثير نظرة الآخر، فان وعيي المنعكس على ذاته
يدرك الأنا من حيث هو موضوع بالنسبة إلى الآخر. ولعل حالة الخجل هي نموذج
للواقعة النفسية التي تكشف الارتباط بين علاقتي بذاتي وعلاقتي بالآخر،
فالخجل يتيح اكتشاف الذات كموضوع عبر الآخر وبواسطته. بالمقابل، هناك شعور
بالافتخار والكبرياء حين أحوّل الآخر إلى موضوع موجود ضمن موقف مؤلف من
أدوات وعقبات واهداف، أي حين أجعله جزءاً من نظام الأدوات في العالم،
وبالتحديد في عالمي الذي هو “صورة إسقاطية لإمكانياتي” (394) منعكسة على
العالم، إذ “إننا لا نجد في الاشياء إلا ما وضعناه فيها” (317). إذا كان من
الممكن معرفة الآخر كموضوع، فلا يمكن معرفته من حيث هو ذات فاعلة: الذاتية
تفلت مني، فهي ما ليست عليه وليست ما هي عليه، ولديها غايات وممكنات لا
يمكن حصرها وضبطها.

… إن العلاقة بالآخر كموضوع
تتضمن العلاقة به من حيث هو جسد، إذ إن نفسيته تنكشف كلياً للإدراك الحسي،
ولا يمكن تصورها خارج الوضعية الجسدية، وخارج موقف محدد. إنني “أعيش جسدي
كوجود”، وإن وجودي كجسد يجعلني أنكشف للآخر. وخلافا للسلوكانية، فان
الإدراك الحسي للجسد ضمن موقف، أي في إطار يحمل دلالات، يختلف نوعياً عن
الإدراك الحسّي للجسد كموضوع فيزيولوجي. إن التجليات البدنية للخوف –
والانفعالات عامة – ليست مجرد استجابات فيزيولوجية ميكانيكية يمكن تحديدها،
بل هي تعبير عن سلوك غائي يهدف بطريقة سحرية إلى إلغاء خطر يتعذر تجنبه.
إن انكشافي كجسد هو مصدر استلاب؛ فجسدي هو أداة عمل من بين الأدوات وهو
موضوع لنظرة الآخر الذي يعيد تشكيله من دون أن اعرف الشكل الذي يراني فيه؛
إنه يجمدني كشيء مادي محصور في اللحظة الحاضرة.

…. إن علاقتي بالآخر تتكون على
خلفية علاقاتي وعلاقاته بالآخرين، خاصة ضمن مجموعات حيث الفرد “يوجد” مع
الآخرين، وينتمي إليهم ويعبّر عن ذلك بكلمة “نحن”. وينتقل الصراع بين فرد
وفرد، إلى صراع بين مجموعة يعيش أفرادها الشعور بالـ “نحن” كذات فاعلة
(مثلاً الطبقة العاملة حين تتمرد على البورجوازية) ومجموعة يعيش أفرادها
الشعور بـ “نحن” كموضوع (مثلاً الطبقة العاملة حين تخضع لاستغلال
البورجوازية لها). انطلاقاً من هذا التصور، يحاول سارتر التأسيس لسيكولوجيا
اجتماعية عبر تطبيق سيكولوجيا النظرة والصراع.

….إذا كانت العلاقة بين الأنا
والآخر هي علاقة صراع، إذا كان “الآخرون هم الجحيم “كما يقول سارتر في
مسرحيته” الأبواب المقفلة”، فكيف يمكن تفسير الحب؟ بعبارة اخرى، إذا كانت
العلاقة بين الأنا والآخر مدفوعة بغرائز الحفاظ على الذات وبالليبيدو
النرجسي، ومشحونة بدفاع عدواني عن “الأنا” وفقاً للغة الفرويدية، فكيف يمكن
للحب، أي لليبيدو الغيري (objectale) ان يجد مكاناً له في هذه العلاقة؟

….يقدم سارتر تحليلاً للحب
والرغبة الجنسية والسادية والمازوشية في ضوء سيكولوجيا النظرة والصراع تلك:
إن العاشق يهدف أساساً إلى أن يحبه الآخر، كي يجعل حرية الآخر خاضعة
لحريته. إنه يريد امتلاك المعشوق بوصفه ذاتا حرة وليس بوصفه أداة وموضوعاً،
لأنه يريد ان يكون هذا المعشوق قد اختاره بملء إرادته الحرة، وليس تحت
تأثير الظروف والحتمية النفسية. إنه يريد أن يجعله المعشوق غاية مطلقة،
فيستعيد بذلك ذاتيته الحرة وقيمته كشخص إذ يصبح مركزاً مرجعياً تنتظم حوله
أشياء العالم وعناصره وأدواته، ومحوراً لكل اهتمامات المعشوق. غير أن هذا
المشروع محكوم بالفشل لأن الامتلاك يحوّل الشخص المملوك إلى موضوع، ولأن
المعشوق حين يحبه كذاتية حرة، يحوِّل نفسه إلى أداة تابعة. من هنا لا يمكن
لهذا المعشوق أن يكون، في هذه الحال، ذاتية حرة. يريد كل واحد منهما أن
يحبه الآخر ولا يحب غيره، لكنه يطلب في الوقت ذاته، من الآخر حباً غير
مشروط بالتبادل، أي أن لا يكون الحب وسيلة يستخدمها كي يكون محبوباً، بل أن
يكون هذا الحب غاية بحدّ ذاته، وأن يكون المعشوق قيمة مطلقة. غير أن هذا
العاشق يجعل نفسه موضوعاً بالنسبة إلى المعشوق حين يحب هذا المعشوق كذاتية
حرة. هكذا يبقى كل عاشق معزولا داخل إطار ذاتيته. من هنا، يحمل الحب بذور
انهدامه وهذه الإنهدامية ثلاثية (479): أولاً لأن الحب في ماهيته مشروط
بالتبادل، فهو خداع ودخول في حلقة مفرغة لأنني حين أحب، أريد أن أكون
محبوباً، إذاً أريد أن يريد الآخر أن أحبه. من هنا الشعور المستمر بعدم
الرضى. ثانياً يحاول العاشق، بين لحظة وأخرى، أن يجعل المعشوق موضوعاً له،
من هنا شعور العاشق بعدم الاستقرار. ثالثاً لأن الحب مطلق، لكن العاشقين
يجعلانه نسبياً بشكل متواصل. وأخيراً يتضمن الحب تناقضاً آخر، لأن العاشق
يريد أن يحتفظ بالمعشوق كذاتية حرة مستقلة، ويريد في الوقت نفسه، أن يدمجه
داخل ذاته، وهذا الاندماج النفسي يتجلى عبر الامتلاك الجنسي. إن الرغبة
الجنسية هي سلوك سحري قائم على اجتذاب الآخر، إنها رغبة في الجسد ضمن موقف
له دلالة ويشكّل الوعي عمقه الخلفي. انها المحاولة الاصلية لامتلاك ذاتية
الآخر وتحويله إلى أداة جنسية؛ فهي وعي يتجسد كي يمتلك جسد الآخر، من أجل
تحقيق تجسّد الآخر كأداة جنسية من لحم، أي أن يوجد الآخر كلحم مثير للرغبة.
غير أن هذه الرغبة تفشل في أهدافها لأن الآخر يفلت من حيث كونه كائناً
حراً، وذاتية يتعذر امتلاكها لأنه لا يمكن امتلاك سوى الأشياء والأدوات.
كذلك فإن السادية تفشل حين تحاول أن تستعبد الآخر كموضوع وأداة، وكذاتية
مجسّدة في اللحم. انها تسعى لتجسيد الآخر أي لتحويله إلى لحم بواسطة العنف
وعبر الوجع والإذلال. إنها تحمل بذور فشلها: ثُمة تناقض عميق بين إدراك
الجسد بوصفه لحماً واستخدامه بوصفه أداة: “في اللحظة التي تصل فيها السادية
إلى هدفها، تحلّ الرغبة مكانها، فالسادية هي فشل للرغبة والرغبة فشل
للسادية… ولا يمكن الخروج من الدائرة إلا عبر الإشباع والإمتلاك البدني
المزعوم… وإذا كانت اللذة تتيح الخروج من الدائرة، فذلك لأنها تقتل في
الوقت ذاته، الرغبة والشغف السادي من دون ان تشبعهما” (524). ويزداد شعور
السادي بالفشل حين تنظر اليه ضحيته، وتجعله يحسّ بأنه لم يستطع امتلاك
ذاتيتها. ان الإشباع الحقيقي للسادية يكمن في امتلاك حرية الآخر، حتى لو
أُجبرت الضحية على إذلال نفسها، لكن، كلما أصرّ السادي على معاملة الآخر
كأداة، يتجرّد هذا الآخر من ذاتيته الحرة، فلن تكون للسادي حينئذٍ القدرة
على امتلاك الآخر من حيث هو ذاتية، بل من حيث هو أداة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

قراءة سيكولوجية لكتاب “الكينونة والعدم”. نقولا المتيني :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

قراءة سيكولوجية لكتاب “الكينونة والعدم”. نقولا المتيني

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» قراءة سيكولوجية لكتاب “الكينونة والعدم”. نقولا المتيني
» العدم النسبي والعدم المطلق.
» قراءة تحليلية لكتاب المعرفة والسلطة في المغرب للأنثروبولوجي ديل ف. إيكلمان
» إيريك فروم جذور التملك وآفاق الكينونة
» ميكانيكيا كم الوجود والعدم

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: دراسات و ابحاث-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: