معركة حلب والسيناريو الليبي
عبد الباري عطوان
2012-07-27
كل
الأنظار مسلطة على مدينة حلب، والمعركة الفاصلة التي لن تحدد مصيرها
والجهة التي ستسيطر عليها فقط، وانما مستقبل سورية برمتها، فالاهتمام بهذه
المدينة التاريخية غطى على الاهتمام بالدورة الاوليمبية التي افتتحت مساء
امس، واحتلت تطورات الأوضاع العسكرية على ارضها صدر الصفحات الاولى، حتى
في بريطانيا مضيفة هذه الدورة.
طرفا الصراع للسيطرة على المدينة يحشدان
قواتهما ويعززان قدراتهما الهجومية والدفاعية، كل حسب موقعه، فالجيش السوري
الحر 'سحب' وحداته من دمشق وبعض ريفها واخرى من حمص وارسلها الى المدينة،
بينما ارسل النظام وحداته الخاصة المدربة على حرب المدن معززة بالدبابات،
اســتعدادا لهجوم ربما يكون حاسما.
الاهتمام بحلب لا ينبع من كونها
العاصمة الاقتصادية والتجارية لسورية، ولا لأن فستقها الذي يحمل اسمها هو
الأجود عالميا، وانما لأنها مفتاح سورية الاستراتيجي، مثلما هي بوابة
تركيا، ومن يسيطر عليها يمكن ان يحقق انجازا استراتيجيا من الحجم الثقيل،
يسهّل الوصول الى دمشق العاصمة (في حالة المعارضة)، او الحفاظ عليها وربما
على سورية بأسرها (في حالة النظام).
النظام السوري قد يستخدم كل ما في
جعبته من اسلحة لمنع سقوط المدينة في يد الجيش السوري الحرّ، لان هذا
السقوط يعني عمليا اعلانها والمدن الاخرى المجاورة لها، مثل ادلب، منطقة
آمنة ونواة لسورية الجديدة، ومقرا لحكومة الوحدة الوطنية التي تتشاور بعض
فصائل المعارضة السورية لتشكيلها، في اجتماعها الحالي.
الجيش السوري
الحرّ يواجه صعوبات كبيرة في تلقي الأسلحة والذخائر التي يحتاجها من قاعدة
التمويل التي اقيمت في مدينة اضنة التركية المجاورة للحدود السورية،
واسستها حكومات المثلث التركي ـ السعودي ـ القطري الذي يقف بقوة خلف
المعارضة السورية، ويوظف كل امكانياته وقدراته المالية والعسكرية والسياسية
لتحقيق هدف اطاحة النظام السوري.
النظام السوري يستخدم كل أوراقه من
اجل البقاء والحاق أقصى قدر ممكن من الأضرار بأعدائه، خاصة الجار التركي،
ولذلك سلمّ خمس محافظات كردية في مناطقه الشمالية لحزب العمال الكردستاني
المعارض، لمنع سقوطها في يد المعارضة اولا، واستخدامها قاعدة لشنّ هجمات في
العمق التركي ثانيا، ومنع استخدامها كممر لوصول الاسلحة السعودية والقطرية
للجيش السوري الحرّ.
' ' '
التواصل الجغرافي بين حلب والمدن
المجاورة الاخرى مثل ادلب من ناحية، وتركيا من ناحية اخرى، يرشح المدينة
لكي تكون 'بنغازي سورية'، وربما احدى الدول الجديدة المستقلة اذا صحت
الاحاديث التي تقول بأن هناك خطة لإعادة مشروع تقسيم سورية الى خمس دول
(حلب، دمشق، جبل الدروز، الدولة الكردية و الدولة العلوية) الذي وضعته
حكومة الانتداب الفرنسي عام 1934 واحبطه شرفاء سورية في حينه.
الصرخات
التحذيرية التي صدرت بالأمس من اكثر عاصمة غربية، وخاصة لندن وباريس
وواشنطن من امكانية ارتكاب النظام وقواته مجازر في حلب في الساعات المقبلة،
في حال تنفيذ هجومه لاستعادة بعض احيائها التي استولى عليها الجيش السوري
الحرّ، هذه الصرخات تذكرنا بنظيرتها التي انطلقت لانقاذ مدينة بنغازي من
مجزرة كانت تعدّ لها كتائب العقيد معمر القذافي الزاحفة نحوها، وهي الصرخات
التي ادت الى اصدار قرار عن مجلس الامن الدولي رقم(1973) بفرض حظر جوي
لحماية المدنيين بكل الطرق والوسائل، وبقية القصة معروفة.
الفيتو الروسي
ـ الصيني المزدوج يقف بالمرصاد لأي محاولة لتكرار هذه السابقة، فالروس
مثلما قال بريماكوف وزير الخارجية الاسبق، لا يمكن ان ينخدعوا ويهانوا
مرتين، ولذلك فإن السؤال هو عن موقف امريكا وتركيا وبقية منظومة 'اصدقاء
سورية' في حال حدوث مثل هذه المجازر فعلا؟
لا نعتقد، وحسب الوقائع
والمعطيات السياسية المتاحة، ان الدول الغربية مستعدة للتورط في حرب جديدة،
ولكن من غير المستبعد في الوقت نفسه استخدام اي سفك للدماء في حلب، كغطاء
او ذريعة للتدخل، فتقرير المعهد الملكي البريطاني للدراسات الأمنية اكد ان
التدخل العسكري واقع لا محالة، وقال واضعه البروفسور مايكل كلارك 'ان هناك
حروبا تسعى اليها وان هناك حروبا تسعى اليك'، والحرب في سورية تصبّ في
الخانة الثانية.
الدول الغربية، ومن بينها تركيا، تخشى من ثلاثة امور رئيسية تدفعها للاضطرار للتدخل عسكريا مكرهة في سورية:
الاول:
اتساع نطاق الحرب الاهلية الطائفية بحيث تشمل دولا مثل تركيا والمملكة
العربية السعودية والاردن ،الحلفاء الرئيسيين للغرب في المنطقة، وبما يؤدي
الى تفتيتها في نهاية المطاف.
الثاني: تحّل سورية الى دولة فاشلة تسودها
الفوضى، بما يهيئ المناخ لتنظيم القاعدة وحركات اسلامية جهادية اخرى
متشددة لتأسيس قواعد فيها.
الثالث: سقوط ترسانة الاسلحة الكيماوية
والبيولوجية السورية في ايدي هذه المنظمات الجهادية، في حال سقوط النظام،
او تسريبها من قبل النظام الى حليفه الاستراتيجي حزب الله في لبنان.
' ' '
التدخل
العسكري لو حدث، ومثلما افاد تقرير المعهد الملكي المذكور، الذي يشكل
العقل المخطط للمؤسسة العسكرية البريطانية منذ عقود، لن يكون من اجل وضع
حدّ للوضع المزري الذي يعيش في ظله السوريون، وانما للحفاظ على المصالح
الغربية، وسلامة دول الجوار الحليفة، ومن بينها قطعا اسرائيل.
معركة
السيطرة على مدينة حلب لن تحسم في يوم او يومين، او حتى اسابيع، ولكنها
ستكون معركة باهظة التكاليف البشرية اولا، والمادية ثانيا، وسيكون اهل
المدينة هم اكبر الخاسرين حتما، ومن غير المستبعد ان تحدث اعمال انتقامية
دموية، ايا كان المنتصر فيها، في ظل اجواء الشحن الطائفي والعرقي والانقسام
الحاد في الولاءات لصالح هذا الطرف او ذاك من طرفي الصراع.
التدخل
العسكري بدأ بشكل تدريجي، فالروس يسلحون النظام، وخبراؤهم يعملون على الارض
منذ وقت طويل لتزويد النظام بخطط مكافحة القوات المتمردة، مستفيدين من
تجاربهم في غروزني عاصمة الشيشان، والتدخل في ساوث استينيا في جورجيا،
والغرب ارسل قواته الخاصة لتدريب الجيش السوري الحرّ، وهناك معلومات مؤكدة
ان وحدات النخبة في الجيش البريطاني SAS تتواجد حاليا في عدة مناطق يسيطر
عليها الجيش السوري الحرّ، حسب تقرير المعهد الملكي المذكور آنفا، وتدرب
وحدات سورية معارضة في قواعد لها قرب الحدود العراقية ـ السورية، بينما
تتلقى وحدات سورية اخرى يزيد تعدادها عن 300 عنصر تدريبات على ايدي هذه
القوات البريطانية الخاصة وعلى فنون القيادة في المملكة العربية السعودية،
هذا غير الدورات التدريبية التي تنظمها الشركات الأمنية الخاصة.
السؤال الأهم هو: هل نرى تكرارا للسيناريو الليبي في سورية؟ ثم ما هو موقف الروس والايرانيين وحزب الله؟
الجميع
يضع اصبعه على الزناد، او هكذا يقولون، والجميع يؤكد انه لن يتخلى عن
حليفه السوري. اصدقاء سورية يقولون انهم سيدعمون المعارضة حتى سقوط النظام
وما بعد ذلك، وحلفاء الرئيس الاسد يقولون انهم لن يسمحوا بسقوطه مهما كلف
الأمر.
معركة حلب ستكون الاختبار العملي للجميع دون استثناء.