** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالرئيسية  الأحداثالأحداث  المنشوراتالمنشورات  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

 

 سؤال من وحي استمرار نكباتنا: لماذا يحطم الغرب نهضاتنا؟ (2)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
تابط شرا
فريق العمـــــل *****
تابط شرا


عدد الرسائل : 1314

الموقع : صعلوك يكره الاستبداد
تاريخ التسجيل : 26/10/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 3

سؤال من وحي استمرار نكباتنا: لماذا يحطم الغرب نهضاتنا؟ (2)  Empty
09062012
مُساهمةسؤال من وحي استمرار نكباتنا: لماذا يحطم الغرب نهضاتنا؟ (2)




دراسات





سؤال من وحي استمرار نكباتنا: لماذا يحطم الغرب نهضاتنا؟ (2)  EmailButton


سؤال من وحي استمرار نكباتنا: لماذا يحطم الغرب نهضاتنا؟ (2)  PrintButton


سؤال من وحي استمرار نكباتنا: لماذا يحطم الغرب نهضاتنا؟ (2)  Pdf_button






2- المشروع العراقي:

ودارت الأيام ليقع العراق في نفس
المعضلة بين طموحه نحو مكان لائق بين الأمم ورغبة غربية جامحة للهيمنة على
هذه البلاد، وبدأ كما بدأت غيره من القيادات الثورية، راغبا في علاقات
متوازنة مع الغرب أو كما قال الوزير سعدون حمادي لوزير الخارجية الأمريكي
هنري كيسنجر سنة 1975: "العراق ليس مغلقا بوجه الولايات المتحدة





وليس هناك اعتراض على تطوير
العلاقات مع الولايات المتحدة على المستويين الاقتصادي والثقافي، ولكن فقط
على أساس عدم التدخل في الشئون الداخلية"،(1)
ويجب ملاحظة أن هذا الكلام كان أثناء انقطاع العلاقات السياسية بسبب
الكيان الصهيوني وحرب 1967، وقد استعان العراق في بناء نهضته بجهات غربية
مختلفة(2) لم تبطئ في المساعدة
وبخاصة أثناء المواجهة العراقية الإيرانية التي كرر الغرب فيها موقفه من
المواجهة المصرية العثمانية زمن محمد علي باشا حين منع الغربيون اتفاق
الطرفين وصبوا الزيت على نار الحرب بينهما، وهذا لا يبرئنا من التبعة أو
يعفينا من المسئولية التي يجب أن تتوجه نحو تحديد أكثر دقة للأعداء وتوجيه
أكثر فاعلية للقدرات، وقد أدركت القيادة العراقية هذه الحقيقة عندما كشر
الغربيون عن أنيابهم فحاولت مد الجسور مع إيران لمواجهة العدو المشترك منذ
الغزو الصهيوني للبنان سنة 1982 ثم جددت محاولتها بعد اندلاع أزمة الخليج
سنة 1990، ولكن لم يشخص الطرف الإيراني مصالحه بنفس الاتجاه مع الأسف وفضل
التعامل مع العراق بمنطق الثأر حتى لو أدى هذا إلى الاصطفاف مع الشيطان
الأكبر ومردته الصغار، وقد أثبتت وثائق المخابرات الأمريكية أن السي آي
إيه حاولت العمل مع أول رئيس حكومة في إيران بعد الثورة، كما حاولت
التأثير فيه "وتعبئته ضد صدام حسين" و"إنه تم إجراء محادثة ما حساسة،
وحساسة جدا وسرية على مستوى رئيس الوزراء، وبلغنا في الواقع حد الجلوس
معهم وإعطائهم معلومات استخباراتية سرية للغاية عن العراق" كما أفاد
القائم بأعمال السفارة الأمريكية في طهران بروس لينغن،(3)
والغريب أن تتبع القيادة الإسلامية فيما بعد خطى القيادات التي وصفتها
بالعلمانية والخيانة وأقصتها من مناصبها بعد كشف صلاتها وتخابرها مع
الأمريكان، واستمرت حرب طويلة وطاحنة مع العراق أهدرت فيها الأرواح
الغالية والإمكانات الثمينة، ولما خرج الطرفان ضعيفين من المعركة سنحت
الفرصة للغربيين للاستفراد بكل واحد منهما على حدة لمنع طموحاته الضارة
بالهيمنة الغربية، وقد نجحت هذه السياسة حتى الآن لسوء حظنا.


وقد انتهت سياسة غض النظر الغربي
عن النهضة العراقية مع بداية أزمة الخليج سنة 1990 التي نظر إليها
الغربيون من زوايا النفط والكيان الصهيوني وامتلاك أمتنا ناصية قوة غير
موجهة من البعد الغربي، أما موضوع الكويت فلسنا بحاجة لكثير من التأمل
لنعرف أنه لم يكن على قائمة الاهتمامات الغربية إذا تذكرنا السخرية التي
تحفل بها الثقافة الغربية عموما بشخصية العربي وردائه التقليدي وسلوكه
الترفي وغناه المالي واستهتاره الخلقي والتي صنعت إسقاطا نموذجيا لرؤاها
الاستشراقية هذه على الفرد الخليجي، وقد دلت بعض المواقف النادرة في
صراحتها على هذه الأمور.


أما زاوية النفط فقد سبق مبدأ
كارتر سنة 1980 أزمة 1990 بجعل تهديد الخليج ونفطه تهديدا للولايات
المتحدة، ومع أن العراق لم يمنع النفط فإن الرؤية الأمريكية تعارض امتلاك
جهة واحدة في بلادنا الناصية النفطية وتفضل التعامل مع شراذم متفرقة من
الباعة، وقد جاء في تقرير لجنة الطاقة والموارد الطبيعية في مجلس الشيوخ
الأمريكي في 1979/11/7 المقدم إلى الرئيس كارتر: "يجب ألا نسمح بظهور دولة
عربية قوية سياسيا واقتصاديا قد تفرض سياسات وطنية على دول الخليج وترفع
من أسعار النفط، كما يجب ألا نسمح باستقرار الأحوال السياسية والعلاقات
العربية- العربية"،(4) ولهذا
صرح الرئيس الأمريكي السابق ريتشارد نيكسون قبل اندلاع الحرب سنة 1991
بأيام بحقيقة الموقف لصحيفة الهيرالد تريبيون وفند الأقوال المرائية بشأن
الدافع الأمريكي: "إنه من الرياء الإيحاء بأننا نأمل بهذا الأمر إقامة
الديمقراطية في الكويت... كذلك كون صدام قائدا مستبدا لايبرر تدخلنا... إن
الولايات المتحدة تجيء إلى الخليج لسببين رئيسين: الأول أن لصدام أطماعا
غير محدودة في السيطرة على أهم المناطق الاستيراتيجية في العالم، وإذا كان
السيناتور بول قد قال بأن النفط هو سبب مجيئنا إلى الخليج وعد وزير
الخارجية بيكر أننا في الخليج لأداء واجبنا، وإذا كان قد جرى انتقادهما
لتبريرهما تصرفاتنا على أسس أنانية، فإنني أقول إنه ليس علينا أبدا
الاعتذار لدفاعنا عن مصالحنا الاقتصادية الحيوية، إننا لا يمكن أن نسمح
لصدام حسين بأن يبتزنا ليكرهنا على القبول بغاياته وتركه يمسك بصمام
الطريق الحيوية لنفطنا"،(5)
ويتضح من هذا الكلام أن الغرب يعارض أية حالة تمسك فيها جهة محلية واحدة
صمام "نفطه"! وهذا ما يعيدنا إلى التعارض الموضوعي بين مصالحنا في التجمع
والنهوض ومصالحهم في شرذمتنا ونهبنا متفرقين.


وأما الزاوية الصهيونية في الحرب
فقد عبر عنها قائد قوات التحالف الجنرال شوارتزكوف حين قال في حديث مع
مراسل إذاعة الجيش الصهيوني في واشنطن: "لقد قدمت إسرائيل لنا مساعدات
قيمة وهامة جدا في حربنا ضد صدام حسين، ولا أريد الكشف عن تفاصيل مثيرة
ولكني أقول إن إسرائيل قدمت لنا أكثر بكثير مما طلبنا منها... إن الحرب
التي خاضها رجالنا في منطقة الخليج ضد صدام حسين كانت من أجلكم... من أجل
إسرائيل، وقد عمل الرجال على تحطيم عدوكم، العدو الرئيسي لكم في المنطقة"،(6)
أما زاوية رفض امتلاكنا ناصية قوة ما فقد استبق الكيان الصهيوني الموقف
الغربي عندما دمر المفاعل النووي العراقي سنة 1981 أما بعد ذلك فإنه لا
تحرير الكويت ولا حماية جيران العراق كان يتطلب إرجاع العراق إلى عصر ما
قبل الصناعة كما هدد جيمس بيكر، وتم تنفيذه في حرب 1991 وما بعدها، ولكن
ما يتطلب ذلك هو ما كان تعلنه وتطبقه دول الغرب بكل وضوح ودون مواربة من
ضرورة احتفاظ الكيان الصهيوني بالتفوق النوعي على مجموع العرب، مع الحفظ
في الذاكرة الدور الأمريكي في صب الزيت على نار الحرب العراقية الإيرانية
بأسلحتها التي مُنحت للطرفين، كما صرح الرئيس بوش في يوم 2 نوفمبر 1990
أثناء احتدام الأزمة في الخليج: "إننا نسعى إلى إزالة خطر القوة العراقية
من المنطقة أساسا... وإن هذا الهدف لن يتغير حتى إذا قرر صدام أن يسحب
قواته من الكويت".(7) ويجب أن
نتذكر هذا دائما وأن إنقاذ الكويت ليست من أولويات الرئيس كما يصرح بنفسه
لأن عينه كانت على صمام "نفط الغرب"! كيف لا وأدبيات الأصولية المسيحية
تدخل الكويت ضمن الأرض الموعودة التي تضمها حدود إسرائيل الكبرى وتنادي
بذلك أمام الملايين(8) ولا
يعترضها أحد هناك، فهل كان الرئيس الأمريكي سيهب لنجدة الكويت لو كان
الصهاينة هم الذين احتلوها بأمر التوراة؟؟ أم "سيسارع المعلقون إلى القول
بأن صيانة مملكة شرق أوسطية من طراز القرون الوسطى في بلد اقتطعه السادة
البريطانيون الاستعماريون من العراق، قضية غريبة جدا لا تستدعي المخاطرة
بالأرواح الأمريكية" كما تخيل الاقتصادي الأمريكي لستر ثورو تسلسل الأحداث
لو وقعت أزمة الخليج بظروف مختلفة عما حدث فعلا.(9)


تكشفت العوامل السابقة بشكل واضح
بعد خروج القوات العراقية من الكويت ومع ذلك استمرت الحرب بقصف الجيش
المنسحب واستمرار الحصار والقصف بعد ذلك لمدة ثلاثة عشر عاما تحسنت
أثناءها علاقة العراق بمعظم جيرانه الذين يدعي الأمريكان الحرص عليهم ورفض
غالبيتهم المشاركة في غزوه في سنة 2003 على الأقل بالكلام مما يؤكد عدم
شعبية التعاون مع أمريكا آنذاك، وسقطت معظم الأقنعة ومنها قناع القرارات
الدولية التي كانت ضد احتلال الكويت فإذا بها تضفي الشرعية على احتلال
العراق ولم يبق في الساحة سوى العوامل الحقيقية في تدمير النهضة العراقية
وهي العامل الصهيوني والنفط وعرقلة قوة عربية إسلامية يمكن أن يتفاقم
أمرها في مسار مضاد للهيمنة الغربية الساحقة، أي المجالات التي سيتخذ أي
نظام محلي مستقل إجراءات فيها ضد المصالح الغربية كما شخصها الغربيون وهذا
ما أسميناه التعارض الموضوعي الذي ينشأ بين المصالح الشرقية والغربية ولا
يعتمد على النوايا الذاتية.


استمر العامل الصهيوني نشطا
أثناء فترة الحصار، ويجب الإشارة هنا إلى أن فكرة حصار العراق نشأت قبل
أحداث الكويت وحض عليها زعيم الأقلية الجمهورية آنذاك في مجلس النواب
الأمريكي نيوت غينغريتش، صاحب المواقف الصهيونية الشهيرة والمستمرة إلى
اليوم، في مؤتمر اللوبي الصهيوني، الإيباك، في يونيو 1990 وطلب من اللوبي
"حث الكونغرس والإدارة الأمريكية على فرض حصار اقتصادي وسياسي شامل ضد
العراق "لأن" العدو الأول والأخير لإسرائيل هو العراق" كما جاء في تقرير
الصحفي تمام البرازي من الاجتماع،(10) بل إننا نجد أن تقسيم العراق
وإضعافه كان بندا رئيسا على جدول "خطة إسرائيل في الثمانينات" كما نشرت في
الكيان الصهيوني سنة 1982 قبل الخلاف على الكويت بزمن طويل.(11)


ولما استمر الحصار بعد انتهاء
مشكلة الكويت ظل الصهاينة يحاولون جر العراق إلى حظيرتهم، ويكشف الناشط
الحقوقي إسرائيل شاحاك في مقال نشر في 21/2/ 1994 أنه بعد نهاية الحرب سنة
1991 تألف في الكنيست الصهيوني ائتلاف واسع من الاتجاهات السياسية كافة
يقترح الاعتماد على الخيار العراقي وذلك خشية قيام امبراطورية شيعية تمتد
من إيران إلى الأراضي المحتلة ونقل عن معلقين محاولة الكيان الصهيوني
استغلال نفوذه في واشنطن لإقناع الولايات المتحدة بالموافقة على
الخطة،(12) أي محاولة تكرار مناخ الحرب العراقية الإيرانية ثانية، وترافق
ذلك مع طرح مشروع توطين لاجئي لبنان الفلسطينيين في العراق منذ سنة 1993
مقابل الحصول على مساعدة اللوبي الصهيوني في رفع الحصار عنه،(13) ورغم ما
في هذه العروض من بريق ذهبي لقيادات عربية أخرى، سابقة وحالية، تحس بنشوة
مسكرة لو تطلع الأمريكي أو حتى الصهيوني إليها بعين القبول وتستميت لنيل
الرضا الغربي وتتحرق للقيام بخدمات للصهاينة فقد جاء رفض القيادة العراقية
آنذاك قاطعا في رسالة نشرها الدكتور خير الدين حسيب، رغم أنه ممن لحقهم
الأذى من حكم البعث، في كتابه العراق من الاحتلال إلى التحرير ص 462
وتاريخ الرسالة 15/5/1994 أي بعد طرح مشروع التوطين سنة 1993 وبعد كتابة
مقال الدكتور شاحاك عن المحاولات الصهيونية لاستخدام العراق ضد إيران، وقد
جاء في رد الرئيس صدام خطيا على كل ما سبق: "ضياع في وهم التصور أن هناك
إمكانية لتغيير موقفنا من الصهيونية تحت التلويح بإمكانية أن يأتي الفرج
عن طريقهم ألا خسئوا وخابوا... ولذلك يعتبر هذا الباب مغلقا إلا إذا حاول
شقيق بطرس (غالي) فتحه فلا مانع من اللقاء به ولكن بشرط عدم طرح موضوع
اللوبي الصهيوني معنا أبدا" أي أن القيادة مستعدة لبحث رفع الحصار دون
التطرق للوبي الصهيوني الذي كان يعول على الخيار العراقي لصد التوسع
الشيعي كما سبق ذكره وكان من الممكن أن يجد استجابة من قيادات عربية كثيرة
أخرى، ولو قدرت إيران آنذاك هذا الموقف العراقي لما كنا اليوم قد سقطنا في
هوة الفتنة المذهبية التي حفرها الغربيون لنا.


وقد استمر الإصرار الأمريكي
الصهيوني على طرح موضوع التوطين والانضمام إلى عملية السلام بصفتهما شرطين
من شروط رفع الحصار إلى سنة 1998، ولكن القيادة العراقية استمرت بالرفض
مدعومة برفض القيادة الفلسطينية آنذاك،(14) مما جعل بعض الباحثين يربطون
بين عدوان ثعلب الصحراء على العراق في ذلك العام وحنق الإدارة الأمريكية
على موقفه من التوطين،(15) والغريب أن محاولات الضغط الصهيونية استمرت على
الرئيس صدام حتى بعد أسره والحكم عليه وعرضت عليه تخفيف حكم الإعدام مقابل
التخلي عن الدفاع عن القضية الفلسطينية ولكنه رفض بكل إباء كما يؤكد
محاميه بديع عارف.(16)




التناقض الموضوعي ينفي أوهام التقاء المصالح:



ربما اتصفت القيادات العربية
الثورية بالفردية كما اتصفت بذلك قيادة الخديو إسماعيل ومن قبله محمد علي
باشا، وهي فردية اقتضتها ظروف البناء السريع الذي حاولت هذه الأنظمة
إنجازه،(17) ولهذا فإننا يجب أن
نفرق جيدا بين مآخذ شعوبنا ومآخذ الغرب على تلك القيادات، فكما نقل الكاتب
الصهيوني تسفي بار إيل عن جهات في الاستخبارات الأمريكية والصهيونية في
صحيفة دافار 24/7/1994 إن سعي الولايات المتحدة إلى تغيير النظام في
العراق لم يكن بسبب ما نسب إليه من خرق لحقوق الإنسان، بل لأنه يمثل
تهديدا لمصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط،(18)
وهذا ما يجب أن نعيه جيدا: الغرب يغضب من إيجابيات حكامنا في حين أن
شعوبنا تغضب من السلبيات، وهذا ليس غضبا مشتركا لأن أي نظام محلي مستقل
سيقدم على ما أقدمت عليه تلك القيادات لمصلحة شعوبها وأمتها وضد مصالح
الغربيين، الذين يطمعون في الهيمنة ومصادرة الموارد لصالحهم، وهو ما لن
تقبل به شعوبنا وأي نظام ينبثق من اختياراتها الحرة ويكون أكثر التصاقا
بالجماهير ممن سبقه، ولهذا فإن أي تعاون بتوهم التقاء المصالح محكوم عليه
بالفشل كما فشل فيما سبق كل من حاول التعامل مع الغرب بتكافؤ بدءً من محمد
علي وأحمد عرابي وإلى اليوم، وسينتهي طريق التعاون إلى مفترق بين اثنتين،
بين الذلة والسلة، ومن يرفع شعار هيهات منا الذلة ستكون أمامه المقصلة
الغربية، ومن يرضى بالذلة فلن يضيف إلى تاريخ أمتنا إلا رقما جديدا في
لائحة ملوك الطوائف وإن تمتع أياما معدودة على عرش مزيف.


لقد دمر الغرب محاولاتنا
النهضوية لابسبب فردية حكامنا، فقد كانت الحجج الاستشراقية تدور مع
المصالح حيث دارت: فإذا كان الزعيم هو الذي يضر بمصالح الغرب، فالغرب
حينئذ ضد الدكتاتورية والفردية والاستبداد ومع الديمقراطية، فيصبح الرئيس
جمال عبد الناصر من هذا المنظور هتلر النيل والرئيس صدام حسين أسوأ من
هتلر... إلخ، وليس للغرب عداء مع الشعوب، ولكن في الحقيقة يداس الشعب كما
يقاتَل رئيسه ويصبح قتل مئات الآلاف مبررا للتخلص من الرئيس كما جاء على
لسان وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت، وكأن هذه الآلاف
ليست من الشعب الذي يدعون حمايته والحرص عليه!، وإذا كان الشعب هو الذي
يقف في وجه هذه المصالح، فإنه يصبح شعبا شرقيا متخلفا غير خليق بمُثل
الغرب وديمقراطيته كالشعب الفلسطيني الذي رصد للإبادة والتهجير، في نفس
الوقت الذي يدعي الغربيون الصهاينة حرصهم عليه وعدم معاداته، ولكن الوقائع
تكشف حقيقة الموقف، بل ربما وقف الغرب إلى جانب المستبد الدكتاتور في وجه
الشعب المطالب بالحرية المناقضة للمصالح الغربية كما حدث مع الخديو توفيق
والشعب المصري وتجارب أخرى إلى هذا اليوم حين دعم الغرب استبداد مبارك
لعشرات السنين انتهت ببكاء ديمقراطيي الصهيونية عليه بحرقة شديدة لما خلع،
وقد دافع كيسنجر في مقاله آنف الذكر (في الجزء الأول من هذه الدراسة)
عن هذه الممارسة الغربية والأمريكية في "التعاون مع أنظمة غير ديمقراطية
في المنطقة من أجل أهداف أمنية" وذلك لأنها أحدثت "تحولات استيراتيجية
حاسمة"، للغرب طبعا وليس لنا، كتخلي مصر عن تحالفها مع الاتحاد السوفييتي
ثم توقيع اتفاقيات كامب ديفيد، وتذوب حينئذ كل دعاوى الحرية ودروس
الديمقراطية، ولا يخلو الجراب الاستشراقي من حجج تبرر المصالح حتى لو كان
اللجوء إلى الكذب الصريح كما فعلت أمريكا قبل احتلال العراق عندما ألقت
الإدارة الأمريكية ما يقارب 935 بيانا كاذبا كما أكدت دراسة لمركز السلامة
العامة في واشنطن،(19) وقد صنف ثلاثة من المؤلفين الأمريكيين هذه الأكاذيب
تحت خمسة عناوين وألفوا فيها كتابا مستقلا هو كذبات بوش الخمس الكبيرة
التي أخبرنا بها عن العراق،(19) وهذا استمرار للأكاذيب التي أطلقها
الأمريكيون منذ أزمة 1990 وأُنفق عليها الملايين فكان لها أثر حاسم في
مجرى الأحداث، ورغم أنها فضحت رسميا فإن هذا حدث بعد فوات الأوان كالعادة
ودون أي اعتذار أو تراجع عما جنته هذه الأكاذيب علينا، ككذبة الصور
المزورة عن وجود الحشود العراقية على الحدود السعودية التي جُلبت القوات
الأجنبية إلى المنطقة بموجبها، وكذبة حاضنات الأطفال التي هيأت الكونجرس
والرأي العام الأمريكي لفكرة شن الحرب على العراق، وكذبة التلوث في الخليج
التي شيطنت القيادة العراقية أمام الرأي العام إلا من اكتشف أنها صورت
طيورا لا تعيش في منطقتنا أصلا، وهكذا بنى الغرب مشروعه التدميري في
بلادنا على الكذب علينا مما يؤكد تناقض الرؤى والمصالح بين الطرفين.


وليس هناك ما يدل على أن الساسة
الغربيين يقيمون وزنا لشعوب المنطقة أكبر من الوزن الذي أقاموه للشعب
الفلسطيني لما اقتضت المصالح الغربية إبادته وتهجيره وسلبه لزرع الصهاينة
مكانه، وإذا كان شعب فلسطين هو الأكثر تضررا، فهذا لا يعني عدم سريان
المصالح الغربية بأشكال مختلفة على بقية الشعوب كما دلت على ذلك الأشكال
المختلفة من الاحتلال والانتداب والتجزئة والحصار والحروب ونهب الثروات
والديون ودعم المستبدين وتدمير الإنجازات وعرقلة النهوض، والاستتباع
وتقييد الاستقلال وغير ذلك، كما لا يوجد ما يدل على اختلاف النظرة الغربية
عن النظرة الصهيونية التي ترى مصلحتها في تفتيت بلادنا وإضعافها،(21) يثبت
ذلك الموقف الغربي من تقسيم السودان بالإضافة إلى إحياء النعرات التي قد
تتبعه بتقسيمات جديدة فيه وفي بلاد أخرى، أو كما علق بن غوريون يوما على
بيان لأحد الفلسطينيين في سنة 1949 يطالب بوحدة الأمة وتعزيز الصناعة
والتعليم وتوحيد الجيوش وفتح مصانع الأسلحة وتنظيم الدعاية، فقال في
يوميات الحرب: "هذا هو الطريق الذي ينشده العرب، وأنا أتخوف من أن يقوم
زعيم عربي بقيادة العرب على هذا الطريق"،(22) ويلاحظ أن الزعيم الصهيوني
يعترف في هذه الملاحظة بالتناقض الموضوعي لا مع قائد بعينه لدكتاتوريته أو
استبداده أو دمويته كما حاول إسحق شامير أن يخدع الوفود العربية في مؤتمر
مدريد، بل بتناقض مشروعه مع الطريق الذي "ينشده العرب"، ولتذهب
الديمقراطية إلى الجحيم إذن مادامت ضد مصلحة قومه، كما لا يوجد دليل على
مناهضة غربية جدية لمشاريع التفتيت الصهيونية التي تمارس ضدنا بدعم أية
حركة انفصال، إن لم يكن هناك دعم غربي ظاهر لهذه الخطط كما حدث في
السودان، ولا ننسى أن الكيان الصهيوني هو ممثل الحضارة الغربية في بلادنا
وسلوكه هو سلوك غربي وسياسته مكون رئيس من مكونات السياسات الغربية تجاهنا
بل هي مؤشر للإرادة الغربية التي لا يحيا الكيان الصهيوني بلا دعمها،
وللغرب السبق في فصل أجزاء أمتنا عن بعضها مما لا نزال نعيشه إلى اليوم،
والخلاصة أن هناك تعارضا موضوعيا بين مصالح أمتنا ومصالح الغرب كما يراها
ولن يتغير الموقف ما لم يغير القوي الغربي صاحب الإرادة والمبادرة رؤيته
للآخر وتشخيصه مصالحه أو يتغير ميزان القوى فيصبح الضعيف اليوم قويا غدا
والقوي ضعيفا، ولن يتحول الشيطان إلى ملاك بين عشية وضحاها.


ولهذا فإن أية تجربة جديدة تنطلق
من حسن النوايا بالغرب والولايات المتحدة خاصة، سيكون مصيرها الفشل وذلك
لأنها ستجرب المجرب ولن تعتبر بالماضي المرير، فلن تقبل أمريكا يوما
بالعلاقات المتكافئة، ولن ترضى بالتبادل على قدم المساواة، ولن تقبل أن
تتركنا وشأننا، ولن تتردد في استعمال القوة باختلاف أنواعها حسب الحالة ضد
من لا ينصاع لإرادتها، ولكنها تقبل أن تستغل من يثق فيها ويصدق شعاراتها
لتصل إلى تحقيق أهدافها، فهي لا تعرف الصداقة مع من هو أضعف منها، فإما أن
يكون عميلا لها أو يكون عدوا ضدها، وعلينا ألا نقع في الفخ من جديد بعد
الأهوال التي مرت بنا والخسائر التي دفعنا ثمنها، لأن المشكلة ليست مشكلة
أشخاص جانحين في الولايات المتحدة، بل هي مشكلة "نظام لا يملك إلا أن يسير
في هذا الطريق، لأنه هكذا بدأ، وهكذا نما وتوسع، وهكذا يتحتم عليه أن
يسير"(23) كما يقول الدكتور فؤاد زكريا.




مؤامرة؟



يجدر بنا تسجيل ملاحظة مهمة كي
لا يغضب منا أعداء نظرية المؤامرة، فتكرر ظاهرة تدمير المحاولات النهضوية
لا تستلزم وجود مؤامرة أزلية غربية ضدنا، ونلجأ في هذا المجال إلى تفريق
المفكر الراحل عبد الوهاب المسيري بين المؤامرة والمخطط، فالمؤامرة كما
يشرحها هي خطة سرية يضعها في الظلام أفراد دوافعهم شريرة ويحاولون الحفاظ
عليها طي الكتمان، أما المخطط فهو خطة تعبر عن مصالح دولة أو دول وتتبدى
من تكرر ظاهرة لها مسار يعبر عن منطق داخلي يمكن فهمه والتصدي له،(24)
ورغم حضور المؤامرات السرية في تاريخ تعاملنا مع الغرب في أكثر من حادثة،
كاتفاقية سايكس- بيكو السرية سنة 1916 والاتفاق بين أطراف العدوان الثلاثي
سنة 1956، فإن المخطط هو الحاضر الدائم الذي يكرر التاريخ في مسار واحد في
كل مواجهة لأنه يعبر عن منطق المصالح الغربية كما تصورها أصحابها، ولهذا
فإن إنكار وجود المؤامرة لا يستدعي إنكار وجود المخطط كما يقول المسيري
رحمه الله، فمحاولة أي نظام حاكم في موسكو سواء كان قيصريا أم شيوعيا
الوصول إلى المياه الدافئة لا يعني وجود مؤامرة أزلية بهذا الخصوص بل وجود
مصالح مستمرة بالوصول إلى تلك المياه نتيجة الحتمية الجغرافية التي أحاطت
روسيا بمياه متجمدة معظم أيام السنة مما يدفع أي نظام مستقل ومسئول
للتعبير عن هذه المصالح باستمرار المحاولات للوصول إلى البحار الدافئة،
ونفس الكلام ينطبق على الغرب معنا، فإدانة الغرب في موضوع أزمة 1990 مثلا
لا تستلزم أن يكون مجموعة من الأشرار الغربيين قد اجتمعت في غرفة مظلمة
لتوريط العراق مع الكويت ثم الهجوم عليه وتدميره، ولسنا أيضا في حاجة
للدخول في متاهة تصريحات السفيرة الأمريكية في بغداد، التي اكتشفت بعد
ثمانية عشر عاما من الأزمة أنها يجب أن تغير أقوالها الموثقة فتنفي
اليوم،(25) بعد صمت طويل، ما تواتر عنها في الأمس،(26) أي استدراج العراق
لدخول الكويت، إذ يكفينا الطريقة التي تعاملت بها الولايات المتحدة مع حدث
الخلاف بين الطرفين لفضح نواياها المدمرة، وكيف سدت، أمام عيون العالم
كله، كل منافذ الحلول العقلانية – بما فيها الاقتراحات التي نبعت من دول
مؤيدة للكويت مثل السعودية كمبادرة الأمير سلطان- بغطرسة لا يفتقدها أي
باحث في يوميات الأزمة وذلك بسبب واضح هو أنها لم تكن تبحث عن إقرار
السلام بل عن المصالح التي شخصتها بالسيطرة على النفط وتدمير قوة عربية
إسلامية والحفاظ على الكيان الصهيوني، كما جاء في اعتراف كيسنجر، ولهذا
قامت أيضا بقصف الجيش المنسحب وفرض حصار قاتل ثم احتلال العراق نفسه مما
لا علاقة له بسيادة الكويت وتحريرها بل يناقض المنطلق الذي جيّش العالم
سنة 1990 ضد احتلالها ثم ما لبث "المحرر" أن قام بعملية احتلال بنفسه سنة
2003!، إن الخلافات تحدث يوميا بين الدول المختلفة في العالم، ولكن
الطريقة التي يعالج بها أي خلاف هي التي تئده أو تنميه حسب مصالح الأطراف
المعنية، ووأد الخلاف العراقي الكويتي، وإن كان في صالحنا، فإنه لم يكن في
صالح الغرب وبخاصة الولايات المتحدة كما دلت على ذلك سياستها التصعيدية
منذ 2 أغسطس على الأقل، هذا إذا أهملنا المقدمات الاستفزازية الواضحة قبل
ذلك كما مر في أقوال سيء الذكر غينغريتش.


هذا المخطط الأمريكي الذي كفانا
كيسنجر عبء إثباته، ليس من الضروري أن ينطبق على جميع دول العالم، فما هو
متبع مع اليابان قد يختلف عما هو متبع مع الهند أو الصين وعما هو متبع مع
البرازيل وغيرها من القوى الصاعدة كل حسب ظروفه الاستيراتيجية ووزنه في
ميزان المصالح الأمريكية، مع التسليم بأن السياسة الأمريكية تسعى للبقاء
في موقع القطب الأوحد دون منافسة حتى من شركائها الأوروبيين والحؤول دون
ظهور أية أقطاب جديدة بعد زوال الخطر السوفييتي.(27)




الخلاف بين الغربيين داخلي وأخوي ولا ينال عناصر الإجماع وبخاصة في أزمان الأزمات:



ليس الغرب كتلة واحدة بالطبع،
وهناك تعدد في الآراء داخل معسكره، ولكن هذا يجب ألا يضيعنا في دوامة
اختلاف الآراء طمعا في مكسب لديهم، فما يجب أن نعيه، أن الخلاف بين
الغربيين داخل الدولة الواحدة لا يؤثر على التزامهم جميعا المصلحة العليا
للبلاد، ففي الحرب الكبرى الأولى (1914- 1918) اختلفت دوائر الحكومة
البريطانية على السياسة واجبة الاتباع تجاه العرب، فالبعض يفضل التعامل
معهم والبعض يراهم غير أهل للثقة، وهو ما تجسد في الخلاف بين وزارة الهند
ووزارة الخارجية،(28) ولكن كما
هو واضح ليس الخلاف على تجسيد المصالح البريطانية بالهيمنة العالمية بل
على طريقة الوصول إلى هذه الهيمنة، وهذا الكلام يقال عن الخلاف على سياسة
أوباما الحالية التي يمثل كيسنجر الرأي المناقض لها، فهل الخلاف بين
الرأيين على فكرة الهيمنة من أساسها أم على الوسائل لتحقيق التفوق
الأمريكي المطلق الذي لا يمكن أن يتحقق إلا على حساب الآخرين؟ ويمكننا أن
نضع في هذه الخانة أيضا معارضة بريجينسكي مستشار كارتر للأمن القومي
لاحتلال العراق لأن هذا الاحتلال أثبت ضرره على الزعامة الأمريكية، وهي
ليست موضع خلاف عنده، أما الأصوات المثالية والإنسانية فلا قيمة لها في
السياسة وليس أمام أصحابها سوى الاستقالة تاركين عجلة القتل تدور بلا
منغصات كما فعل وزير الدفاع الفرنسي زمن عدوان 1991 أو وزير الخارجية
البريطاني زمن عدوان 2003 وكما استقال قبل ذلك وزير الخارجية البريطاني
زمن العدوان الثلاثي وقبله الوزير جون برايت من وزارة غلادستون عندما ضربت
الاسكندرية في بداية الاحتلال سنة 1882، وقد نسمع نغمات المعارضة المثالية
من سياسيين خارج المنصب ولكنهم ما أن يباشروا مهامهم الرسمية حتى تتغير
وجوههم وتزول أقنعتهم، مثلما فعل اللورد كرومر الذي كان في بداية حياته
السياسية مناصرا الديمقراطية في المستعمرات فلما تسلم حكم مصر صار مستبدا
أوحد،(29) ولعل الرئيس أوباما أقرب مثل على ذلك عندما صور نفسه أمام
العالم في بداية أمره بصورة المهدي المنتظر الذي سيملأ الأرض قسطا وعدلا
بعدما ملأها أسلافه ظلما وجورا، وخدع العالم بمكر إلى درجة أن حصل على
جائزة نوبل لأول مرة في تاريخها على مجرد أقوال ووعود وليس أفعالا
وإنجازات، ولكنه ما لبث أن سار على سيرة أسلافه ناكثا وعوده زائدا في
ظلمه، ومثله رئيس الوزارة البريطانية زمن الاحتلال البريطاني سنة 1882
وليم غلادستون الذي كان يعارض التدخل المسلح في مصر ولكنه تنازل عن رأيه
أمام ضغط الوزارة إبقاء على منصبه،(30) وهناك أصوات يصحو ضميرها بعد ترك
المناصب وزوال المسئولية، ولا ندري أين كانت عندما كان الحل والعقد بيدها
ولماذا لم تنفذ شيئا مما أصبحت تبشر به فيما بعد، فهل كانت اتفاقيات كامب
ديفيد التي عقدت تحت رعاية الرئيس كارتر تمهد فعلا لمشروع السلام في
فلسطين وإزالة التفرقة العنصرية الذي ينادي به اليوم؟ وهل يكفي اعترافه
بعد خروجه من الحكم بعدم تنفيذ الصهاينة وعودهم بشأن فلسطين في الاتفاقية
لتبرئة ساحته من جريمة تمكينهم من ذلك وهو في سدة السلطة؟ وهل لو عاد إلى
السلطة سيحتفظ بآرائه الأخيرة أم ستعود حليمة إلى عادتها القديمة؟


كما ثبت لدينا في الصراع مع
الكيان الصهيوني عقم المراهنة على الخلافات الداخلية بينهم لأنها لا تمس
ما يطلق عليه المفكر الراحل عبد الوهاب المسيري الإجماع الصهيوني على عدة
عناصر كوحدة "الشعب اليهودي" وحقه في "أرض إسرائيل" والهجرة إليها وعرضية
الوجود الفلسطيني فيها ووجوب اتباع سياسة الأمر الواقع مع العرب ومكانة
القدس الموحدة بصفتها عاصمة أبدية وأهمية الدعم الغربي وغير ذلك من
العناصر التي قد يختلفون في وسائل تحقيقها ولكنهم لا يختلفون فيها، كما قد
تهتز هذه العناصر في مواجهة المقاومة ولكنها تظل رؤية الغالبية العظمى من
سكان الكيان.(31)


أما فيما بين الدول الغربية فلم
يصل الخلاف يوما إلى حد التصادم فيما بينها لأجلنا ولإنقاذ مشروع من
مشاريعنا، فماذا فعلت فرنسا لأجل مشروع محمد علي باشا الذي ساندته في
البداية بقوة ثم تغير موقفها في مواجهة الإجماع الأوروبي ضده؟ نعم اصطدم
الغربيون فيما بينهم، ولكن على اقتسام الغنائم المادية وليس على حماية
المبادئ الإنسانية، وهذا ما حصل في الحربين الكبريين (العالميتين) وفي
العدوان الثلاثي سنة 1956، وهي على كل حال مراحل انتهت بمعرفة كل دولة
غربية حدودها وإمكاناتها في مواجهة القطب الأوحد، وهذا ما حدث فيما بعد:
فماذا فعلت المعارضة الأوروبية لاحتلال العراق؟ وماذا فعلت المعارضة
الفرنسية لفرض مناطق حظر الطيران فوق العراق قبل احتلاله؟ وماذا فعلت
الولايات المتحدة لثني الصهاينة عن ضرب مصر سنة 1967؟ وذلك رغم تعهداتها
السابقة بعدم القبول بتغيير حدود الدول في "الشرق الأوسط"؟ ورغم تظاهرها
بمعارضة الحرب وتوسطها لنزع فتيل الأزمة فإن الرئيس جونسون نظر إلى الكيان
الصهيوني كما ينظر أب فاسد بعجز وقبول ضمني إلى ابنه المدلل وهو يسيء
الأدب في حق الآخرين: "لقد فشلت، سيفعلونها، سيبدءون الهجوم ولا يمكننا
القيام بشيء إزاء ذلك"،(32) وحتى عندما ضربت السفينة الأمريكية ليبرتي
"تدافعت المقاتلات الأمريكية من حاملات الطائرات في الأسطول السادس، ثم
أُمرت بالانسحاب عندما تحقق للأمريكان أن الزوارق والطائرات المهاجمة كانت
إسرائيلية"!!(33) وماذا فعلت
لنا بريطانيا عندما اصطدمت سياسة الوطن القومي بأطماع الصهاينة المدعومة
أمريكيا بالتفرد في فلسطين؟ وهل أزعجت نفسها بالوقوف إلى جانبنا في الوقت
الذي كان فيه الصهاينة يقتلون جنودها ويعلقونهم على الأشجار؟ ألم تقلّ
فترة "حردها" عن سنة واحدة امتنعت أثناءها عن الاعتراف بالكيان الصهيوني
الوليد ثم ما لبثت أن سلمت بالأمر الواقع(34) وانسجمت معه إلى حد التحالف؟
وماذا فعلت المعارضة الأمريكية لانتشار أسلحة الدمار الشامل في "الشرق
الأوسط" وهي ترى النشاط الصهيوني في هذا المجال منذ ستينات القرن العشرين،
ماذا فعل الأمريكيون إزاء ذلك غير محاولات مستمرة لإرضاء وطمأنة الصهاينة
بسيل دافق من الأسلحة التقليدية ليقتلوننا بها؟ نعم هكذا يحلون خلافاتهم
على حسابنا: فإذا أراد الأمريكيون دفع الصهاينة للمفاوضات فإنهم لا يملون
عليهم ما يجب فعله بل يسلكون معهم سبيل الإرضاء بتزويدهم بالأسلحة حتى
يصبح كيانهم قويا ولا يخشى التفاوض، ولكن ليس قويا إلى الحد الذي يغنيهم
عن المفاوضات،(35) فأي دلال هذا وإلى أي حد يختلف عن سياسة الإملاء العنيف
علينا؟ وإذا أرادت الولايات المتحدة لجم الاندفاع الصهيوني لضرب إيران
فرضت العقوبات على إيران، لإرضاء الصهاينة وإشباعهم، وليس على الكيان
الصهيوني حتى لو كانت مختلفة معه، وذلك لأن الأمريكيين يعاملون نظراءهم من
"السادة المحترمين" معاملة تختلف عن تعاملهم مع من يرونهم مخلوقات من
الدرجة الثانية ليست جديرة سوى بالتبعية وتلقي الأوامر، ولهذا ردوا على
احتلال الكويت، الذي لم يأمروا به، بالطائرات والقنابل خلافا لردهم على
احتلال الأراضي العربية - الذي ارتكبه أبناؤهم المدللون- بعمليات سلام
لانهائية تهتم بإرضاء الجاني أكثر من إنصاف المظلوم، وذلك رغم تشابه
الحالتين من منظارهم القانوني، وتعاملوا مع شبح أسلحة الدمار الشامل في
العراق بالاحتلال والقصف خلافا لتعاملهم مع وجودها فعلا لدى الصهاينة
بالدلال الذي لا يعرف حدودا، ثم ألم نعتبر من مصير كل المراهنات الفاشلة
على توتر العلاقات بين أجزاء الغرب وبخاصة بين الولايات المتحدة والكيان
الصهيوني(36) في كل مرة تعود العلاقات أكثر التصاقا وحميمية بعد سحب الصيف
العابرة التي كنا ننتظر سيولها الجارفة؟ ألم نلحظ أنهم يحلون الخلافات
فيما بينهم على حسابنا وبضربنا بدل ضرب بعضهم بعضا كما يحدث في الأفلام
الفكاهية عندما يضرب متنازعان قويان طرفا ثالثا ضعيفا بينهما ربما لم يكن
أكثر من عابر سبيل ساقه حظه العاثر إلى طريق الذئاب؟




الهزيمة ليست قدرا أبديا



رغم كل ما سبق من هزائم حاقت
بنا، فإنه باستلهام تجارب غيرنا يمكننا القول إن الهزيمة لن تكون قدرنا
إذا أحسنا التصرف وتعلمنا من التجارب وبخاصة في ظروف ثورات شعوبنا التي
يمكن لها أن تتواصل وتمتد لتصل إلى رأس الأفعى الغربية التي تحاول أن تجير
ما يحدث لصالحها كما تدخلت من قبل بعنف كاسح ضد الثورة البلشفية لنصرة
النظام القيصري ولكن مقاومة الشعب العنيدة التي اتخذت عمقا جغرافيا واسعا
استطاعت صد الهجمة الغربية وقام نظام مهما قيل فيه فلا يمكن إنكار أنه نقل
البلاد السوفييتية إلى دولة عظمى في مدة قياسية اعترف فيها حتى ألد أعداء
ستالين، وهو الثائر ليون تروتسكي، بأهمية الإنجازات التي حصلت تحت
حكمه(37) (وهو درس في المعارضة الشريفة التي تهدف للحصول على الأفضل
لبلادها بغض النظر عن الأشخاص)، كما لا يمكن إنكار أن روسيا التي انقلبت
على الشيوعية مازالت تتمتع بالإنجازات العلمية التي وصل إليها الحكم
الشيوعي، ولولاه لكانت روسيا اليوم مثل تركيا التي قامت الثورة الكمالية
فيها في وقت مقارب لقيام الثورة البلشفية ومن موقع كانت فيه الدولة
العثمانية قريبة من موقع روسيا في الاعتماد على الاقتصاد الزراعي، والتخلف
الصناعي وكون البنية التحتية في بدايتها، وفي الوقت الذي انشغلت فيه
الثورة الكمالية الاجتماعية بتوافه الأمور، كإحلال القبعة مكان الطربوش،
وركزت على تبديل الهوية التركية أكثر من التركيز على الإنجاز المادي
مستخدمة العنف كنظام ستالين ولكن لأهداف مختلفة، كما تخلت عن القاعدة
الجغرافية العثمانية العريضة، انشغل السوفييت بالعمل والمقاومة وبناء
الذات وتوسيع القاعدة الجغرافية فكان شتان بين النتيجتين، فقد جعل العنف
الستاليني الاتحاد السوفييتي دولة عظمى ترعب الغرب، ولم تحصل تركيا حتى
على درجة ذيل لأوروبا حتى اليوم.


وقد عانت الثورة الصينية سنة
1949 من الغرب أيضا ولكنها فرضت نفسها باعتمادها على عمقها وبنت دولة
أصبحت اليوم كابوسا يؤرقه، وهذا القول ينطبق على الثورة الكوبية والثورة
الفيتنامية التي لا يمكن إنكار إنجازاتها لبلادها رغم العوائق العالية
ورغم تراجع الاشتراكية.






الخلاصة:



تغيرت المصالح الغربية في منطقة
الشرق العربي الإسلامي على مر السنين، ولكن ذلك لم يؤد إلى فقدانها
أهميتها، بل إن ما حدث هو تطور وزيادة في تشبث الغربيين بها، وإذا قبلنا
المبدأ القائل إن المصالح هي التي تدير السياسة وتوجهها، فيمكننا القول
جازمين بأن الغرب لا يرى مصلحة له في نهضة بلادنا كما تدل على ذلك سياسته
في العصر الحديث الذي ضربت فيه جميع محاولاتنا النهضوية، وذلك لأن هناك
تعارضا موضوعيا وبعيد المدى بين مصالح بلادنا في استثمار مواردها
الاقتصادية والاستيراتيجية والجغرافية بطريقة تساعدها على الخروج من حالة
التخلف الحضاري أو على الأقل بطريقة تحفظ لها حقها في التصرف بعوائدها
وبين المصالح الغربية التي تسعى للهيمنة على هذه الموارد وعوائدها مع
استمرار تصريف صناعاتها بيننا، كما يوجد تناقض بين مصلحة أمتنا في الخروج
من حالة الفرقة والتبعية والاستغلال إلى حالة تشبه بقية أحوال الأمم
المتكتلة وبين سياسة الغرب تجاهنا والتي تسعى لإدامة التجزئة واستحداث
المزيد منها لكي لا يعترض كيان قوي منا على نهب ثرواتنا واحتلال أرضنا في
فلسطين أو في أية بقعة تجثم عليها قاعدة أجنبية أخرى، كما يرفض الغرب
تمسكنا بحقنا في مقاومة احتلاله أرضنا ويصر على دعم كيان غاصب يستولي على
حقوقنا ويقف لحراسة مصالح غيرنا في بلادنا، فيقوم المسئولون الأمريكيون
خاصة والغربيون عامة بمواصلة الإعلان عن تمسكهم بالتفوق الصهيوني النوعي
على مجموع الدول العربية ضمانا لأمن الكيان، وفي هذه السياسة وحدها إقرار
غربي جماعي بالسعي الدءوب لإبقاء بلادنا ضعيفة متخلفة.


ولا يخفى كذلك التناقض الواضح
بين الحضارة الغربية بأبعادها المادية الداروينية وما يسميه الدكتور
المسيري رحمه الله العلمانية الشاملة التي تفصل القيم عن الحياة وبين
الحضارة الإسلامية القائمة على الإيمان والتي تقيم الحياة على أساس القيم
التي تحتقرها حضارة الغرب، ومهما قيل عن صراع بين الحضارات عموما فمن
الواضح أن إرث حروب الفرنجة الصليبية مازال حيا كما أثبت لنا اللنبي عند
دخوله القدس في الحرب الكبرى الأولى وغورو عند دخوله دمشق بعدها بقليل
وبوش عند احتلاله كابول وبغداد في بداية هذا القرن ومازال هذا الإرث
مهيمنا على العقلية الغربية بعد تخليها عن المسيحية التقليدية وتبنيها
الصيغة المهوّدة منها وأن عداء مراكز اتخاذ القرار في الغرب تجاه الحضارة
الإسلامية، بكل مكوناتها الديمغرافية بما فيها المسيحية الشرقية التي نالت
حصتها من الاحتقار الغربي الاستشراقي، لا تدانيه نظرتها المتحفية تجاه
البوذية أو الطاوية أو الكونفوشيوسية أو الهندوسية أو السيخية مثلا
والدليل على ذلك أن عالم الإسلام هو الذي ورث العداء الذي كان موجها للمد
الشيوعي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، ولن يتغير هذا التناقض مادام القوي
مصرا على الهيمنة والضعيف متمسكا بحقه رغم كل التدخلات الغربية المسلحة
التي حالت حتى الآن دون تبوء بلادنا المكانة التي تتيحها لها إمكاناتها
المادية والمعنوية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

سؤال من وحي استمرار نكباتنا: لماذا يحطم الغرب نهضاتنا؟ (2) :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

سؤال من وحي استمرار نكباتنا: لماذا يحطم الغرب نهضاتنا؟ (2)

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: استـــراجيــات متحـــــــــــــــولة يشاهده 478زائر-
انتقل الى: