** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالرئيسية  الأحداثالأحداث  المنشوراتالمنشورات  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

 

 في السيادة وشرعية السلطة عند الجمهور

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
حمادي
فريق العمـــــل *****
حمادي


عدد الرسائل : 1631

تاريخ التسجيل : 07/12/2010
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 8

في السيادة وشرعية السلطة عند الجمهور Empty
12112011
مُساهمةفي السيادة وشرعية السلطة عند الجمهور

كلمات أعلام العامة الإبهام في أمر السيادة وتحديد
مصدرها ومنشئها، وقد اختلفوا فيها إلى أقوال:


أحدها: ذهب إلى ولاية الأمة.


ثانيها: ذهب إلى ولاية أهل الحل والعقد.


ثالثها: ذهب إلى ولاية الحاكم السابق.


رابعها: ذهب إلى ولاية القوة والقهر.


خامسها: ذهب إلى ولاية الله سبحانه وتعالى.


ووجه هذا الأخير ناشئ من أنهم يتفقون على أن الحاكم هو ولي الأمر
الذي نص عليه الكتاب والسنة من حيث الكبرى، مما قد يستفاد منه الرجوع
إلى النص الشرعي، إلا أنهم من حيث الصغرى جعلوا تعيين الحاكم يتم
بالشورى بين المسلمين تارة، وباختيار أهل الحل والعقد تارة أخرى،
وبواسطة اختياره ممن سبق من الحكام ثالثة، وبواسطة تصديه للسلطة وغلبته
وقهره لغيره وتوليه لها رابعة، وفي الجميع يتوقف الأمر على البيعة،
ومضافاً إلى المناقشات المفصلة والإشكالات التي ترد على هذه الاختيارات
التي ذكروها فإنها توجب الاختلاف الشديد، وتتضمن في طواياها التناقض من
وجوه عديدة، ولتفصيل الأمر في هذا نتعرض إلى كلمات بعض أعلامهم فيها،
فنقول: قال الماوردي في الأحكام السلطانية: والإمامة تنعقد من وجهين:
أحدهما: اختيار أهل العقد والحل. والثاني: بعهد الإمام من قبل. أما
انعقادها باختيار أهل الحل والعقد فقد اختلف العلماء في عدد من تنعقد
الإمامة منهم على مذاهب شتى، فقالت طائفة: لا تنعقد إلا بجمهور أهل
الحل والعقد من كل بلد؛ ليكون الرضا به عاماً، والتسليم لإمامته إجماعاً،
وهذا مذهب مدفوع ببيعة أبي بكر على الخلافة باختيار من حضرها، ولم
ينتظر ببيعته قدم غائب عنها، وقالت طائفة أخرى: أقل من تنعقد بهم
الإمامة خمسة يجتمعون على عقدها، أو يعقدها أحدهم برضا الأربعة
استدلالاً بأمرين:



أحدهما: أن بيعة أبي بكر انعقدت بخمسة اجتمعوا عليها، ثم تابعهم
الناس فيها، وهم: عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح وأسيد بن خضير
وبشير بن سعد وسالم مولى أبي حذيفة.



وثانيهما: أن عمر جعل الشورى في ستة ليعقد لأحدهم برضا الخمسة، وهذا
قول أكثر الفقهاء والمتكلمين من أهل البصرة، وقال آخرون من علماء
الكوفة: تنعقد بثلاثة يتولاها أحدهم برضا الاثنين؛ ليكونوا حاكماً
وشاهدين، كما يصح عقد النكاح بولي وشاهدين، وقالت طائفة أخرى: تنعقد
بواحد؛ لأن العباس قال لعلي(عليه السلام): أمدد يدك أبايعك، فيقول
الناس عم رسول الله بايع ابن عمه، فلا يختلف عليك اثنان؛ ولأنه حكم،
وحكم أحد نافذ[1].



وعن القاضي أبو يعلى: وروي عن أحمد ما دل على أنها تثبت بالقهر
والغلبة، ولا تفتقر إلى العقد، فقال في رواية عبدوس بن مالك العطار:
ومن غلب عليهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين فلا يحل لأحد
يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ولا يراه إماماً براً كان أو فاجراً.
وقال أيضاً في رواية أبي الحرف في الإمام: يخرج إليه من يطلب الملك
فيكون مع هذا قوم ومع هذا قوم، تكون الجمعة مع من غلب، واحتج بأن ابن
عمر صلى بأهل المدينة في زمن الحرة وقال: نحن مع من غلب[2].



وفي الفقه الإسلامي وأدلته للدكتور وهبة الزحيلي قال: رأي فقهاء
المذاهب الأربعة وغيرهم أن الإمامة تنعقد بالتغلب والقهر؛ إذ يصير
المتغلب إماماً دون مبايعة أو استخلاف من الإمام السابق، وإنما
بالاستيلاء، وقد يكون مع التغلب المبايعة أيضاً فيما بعد[3].



ولا يخفى أن مقتضى ما ذكروه من إمامة المتغلب مطلقاً يتضمن تناقضاً
صريحاً؛ بداهة أن الخارج عن الإمام الموجود في أول الأمر يعد باغياً،
ويجب قتاله ودفعه، ثم إذا فرض غلبته انقلب إماماً واجب الإطاعة وإن كان
من الفسقة والظلمة، وهذا تناقض صريح، والملاحظ أن هذه النظريات تقف على
خلاف نظرية النص التي يقول بها الشيعة الإمامية في زمن حضور المعصوم (عليه
السلام)؛ لكونها تعمم مبدأ السيادة والسلطة من بعد رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم) إلى يوم الناس هذا، حيث تنتهي طرّاً إلى أن تعيين
الإمام راجع إلى الأمة المسلمة، وهؤلاء في رأيهم هذا يسيرون وفقاً لما
ذهبوا إليه من وجوب الإمامة على الأمة المسلمة، ومن كونها من فروع
الدين.



فإذاً الإمامة من شؤون الأمة المسلمة وليست من شؤون النص الإلهي أو
النبوي؛ ولذلك تكون الأمة مبدئياً هي المرجع في التعيين، وهي منشأ
السلطة ومصدرها، وربما يثير هذا القول جملة من الأسئلة بسبب الغموض
الذي يكتنفه؛ إذ لسائل أن يسأل كيف تكون الأمة هي المرجع في تعيين
الإمام؟ وهل يجب أن تجمع الأمة المسلمة بأسرها على شخص واحد ليكون هو
الإمام أم أن هناك شكلاً آخر من أشكال التعيين تكون الأمة المسلمة هي
المرجع فيه؟ ثم من هي الأمة التي لها هذه الصلاحية والسيادة؟.



فقد اختلفت كلمتهم في تحديد معنى الأمة، وقد وردت هذه الكلمة في
أحاديث رواها أهل الجمهور عن النبيّ الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم)،
وبغض النظر عن المناقشة السندية فيها فإنها من حيث الدلالة جعلت مصدراً
تشريعياً لما ذهبوا إليه من سيادة الأمة، ومن هذه الأحاديث»لا تجتمع
أمتي على ضلالة«[4] ومنها «لا تجتمع أمتي على خطأ»[5] الدالة على أن
الأمة لو اتفقت على رأي كانت معصومة، وهناك أحاديث أخرى ورد فيها لفظ
الجماعة، كالحديث الذي رووه «يد الله مع الجماعة»[6] إلى غير ذلك من
الروايات.



فهذه الأحاديث في مضمونها تمنح الأمة شرعية وعصمة من الخطأ إذا
أجمعت على أمر من الأمور، وقد فهم البعض من لفظ الأمة ما يدل عليه
ظاهره، فذهب إلى أنه يعتبر في الإمام أن تجمع عليه الأمة بأسرها، وهذا
مذهب الهشاميّة من المعتزلة وأبي بكر الأصم، فقد ذهبوا إلى أنه يعتبر
إجماع الأمة عن بكرة أبيها[7].



هذا وقد ذهب آخرون إلى أن المراد من لفظ الأمة شيء آخر غير ما يبدو
من ظاهره؛ لأنهم رأوا أن اشتراط إجماع الأمة عن بكرة أبيها شرط لا يمكن
تحقيقه، فيستلزم التكليف بما لا يطاق؛ ولذا لم يصححوا هذا، وإنما قالوا:
المراد بالأمة هو جماعة خاصة يناط بها هذا الأمر، وقد سموهم بأهل الحل
والعقد، وفسروا لفظي الأمة والجماعة الواردين في الأحاديث المروية عن
النبي بهذه الطائفة من الناس، فمن اتفقوا على إمامته كان إماماً.




قال التفتازاني: قال الرازي: الإمامة رئاسة عامة في الدين والدنيا
لشخص من الأشخاص، وقال: هو احتراز عن كل الأمة إذا عزلوا الإمام لفسقه،
وتابع التفتازاني تفسير قول الرازي قائلاً: وكأنه أراد بكل الأمة أهل
الحل والعقد، واعتبر رئاستهم على من عداهم أو على كل من آحاد الأمة[8].
وهنا يحدد التفتازاني أهل الحل والعقد بالعلماء والرؤساء ووجوه الناس،
وأضاف النووي إلى هذا التعريف قوله: الذين يتيسر اجتماعهم[9]، الكاشف
عن أن تيسر الاجتماع قيد احترازي لا توضيحي، بمعنى اجتماع أهل الحل
والعقد الذين يمكن أن يجتمعوا فيخرجوا ما لا يمكن اجتماعه ولو كان
كثيراً.



ويسمي أبو الحسن الماوردي أهل الحل والعقد بأهل الاختيار[10]، فمن
ذهب إلى أن الإمامة تثبت بالاتفاق والاختيار وأنها شورى بين المسلمين
يريد بذلك شورى واتفاق أهل الحل والعقد واختيارهم، ولكن هل يعتبر في
الإمام أن يبايعه أهل الحل والعقد في الأمة بأسرها أم يكفي أهل الحل
والعقد في بلد الإمام فقط؟ وإذا اكتفينا بمن في بلد الإمام فهل يشترط
اجتماعهم كلهم أو يكفي اتفاق عدد محدود منهم أم لا يشترط العدد أصلاً،
فتكفي بيعة الواحد؟[11].



هذا غموض وإبهام آخر يضاف إلى الإبهام في معنى الأمة؛ ولذا قد
اختلفت الأقوال فيه منذ قديم الأيام، فقد لخص أبو الحسن الأشعري في
كتابه مقالات الإسلاميين – الذي يبدو أنه ألفه قبل نهاية القرن الثالث
– فقال: واختلفوا في كم تنعقد الإمامة من رجل، فقال قائلون: تنعقد برجل
واحد من أهل العلم والمعرفة والستر، وقال قائلون: لا تنعقد الإمامة
بأقل من رجلين، وقال قائلون: لا تنعقد بأقل من أربعة يعقدونها، وقال
قائلون: لا تنعقد إلا بخمسة رجال يعقدونها، وقال قائلون: لا تنعقد إلا
بجماعة لا يجوز عليهم أن يتواطؤوا على الكذب، ولا تلحقهم الظنة، وقال
الأصم: لا تنعقد إلا بإجماع المسلمين[12].



وذهب أكثر الفقهاء والمتكلمين من أهل البصرة ومنهم الجبائية من
المعتزلة أتباع أبي علي الجبائي إلى أن أقل عدد تنعقد به الإمامة هو
بيعة خمسة من أهل الحل والعقد، كما ذكره الماوردي في الأحكام
السلطانية[13]، ومن العلماء من ذهب إلى كفاية الاثنين لأنهم أقل
الجماعة، وقيل: ثلاثة؛ لأنهم أقل الجمع، وقيل: أربعة؛ لأنهم أكثر نصاب
الشهادة، وقيل: خمسة غير المبايع كأهل الشورى، وقيل: أربعين لأنه أشد
خطراً من الجمعة[14]. وقد تقلص أهل الحل والعقد عند الأشاعرة وهم أكثر
العامة اليوم إلى عدم اشتراط العدد إطلاقاً، فيكفي بيعة الواحد إذا شهد
عليه الشهود كما في أصول الدين[15]، ويمكن القول: إن الرأي المذهبي عند
العامة جميعاً قد استقر على ذلك.



قال عبد القاهر البغدادي المتوفى في 429ه‍: إن الإمامة تنعقد لمن
يصلح لها بعقد رجل واحد من أهل الاجتهاد والورع إذا عقدها لمن يصلح لها،
فإذا فعل ذلك وجب على الباقين طاعته[16].



وقال الإيجي المتوفى في 756ه‍: وإذا ثبت حصول الإمامة بالاختيار
والبيعة فاعلم أن ذلك لا يفتقر إلى الإجماع؛ إذ لم يقم عليه دليل من
العقل أو السمع، بل الواحد والاثنان من أهل الحل والعقد كافٍ[17]،
وقريب منه ما قاله القاضي أبو بكر الباقلاني[18]، والملحوظ في هذه
الآراء ووجوه الاستدلال التي ذكروها لها أن المصدر التشريعي الذي ترجع
إليه هذه الأقوال طرّاً لا يخلو من أمرين:



أحدهما: الاستحسانات والظنون العقلية.


وثانيهما: عمل الصحابة.


فلا يرجع المصدر إلى الكتاب أو السنة كما عرفت من أقوالهم؛ ولذا
ردوا قول من ذهب إلى اشتراط إجماع أهل الحل والعقد في الأمة بأسرها
ببيعة أبي بكر باختيار من حضرها، ولم ينتظر لبيعته قدم غائب، واستند من
ذهب إلى انعقاد الإمامة بمبايعة خمسة إلى أمرين:



أحدهما: بيعة أبي بكر؛ إذ انعقدت بخمسة اجتمعوا عليها، وهم عمر بن
الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح وأسيد بن خضير وبشير بن سعد وسالم مولى
أبي حذيفة.



وثانيهما: ما عمله عمر؛ إذ جعل الشورى في ستة ليعقد لأحدهم برضا
الخمسة، كما أن من ذهب إلى كفاية الواحد استند إلى تصرف عبد الرحمن بن
عوف، حيث انعقدت خلافة عثمان بمبايعته له، ثم تلاه بالبيعة سائر
المسلمين[19].



وقال الإيجي: لعلمنا أن الصحابة مع صلابتهم في الدين اكتفوا بذلك،
كعقد عمر لأبي بكر، وعقد عبد الرحمن بن عوف لعثمان، ولم يشترطوا إجماع
من في المدينة فضلاً عن إجماع الأمة، هذا ولم ينكر عليه أحد، وعليه
انطوت الأعصار إلى وقتنا[20]، واستند الذين اعتبروا اجتماع من في بلد
الإمام من أهل الحل والعقد إلى قولة عمر عن بيعة أبي بكر: أنها كانت
فلتة وقى الله شرها[21]؛ لعدم اجتماع أهل الحل والعقد كلهم؛ إذ تخلف
بنو هاشم وغيرهم عن هذه البيعة[22].



هذا ولا يخفى أن اجتماع أهل الحل والعقد ليس هو الطريق الوحيد
لتعيين الإمام عند العامة ومن تابعهم بالرأي، وإنما هو طريق من طرق عدة،
فقد اختار بعضهم العهد والنص من الإمام السابق طريقاً أيضاً.



واعتبر الماوردي المتوفى في450ه‍أن العهد من الإمام السابق أحد
الوجهين اللذين تنعقد بهما الإمامة، والوجه الآخر هو اختيار أهل الحل
والعقد كما عرفت نص عبارته فيما تقدم، وهو ظاهر كلام أبي الحسن الأشعري
أيضاً المتوفى في 330ه‍، حيث قال في الاستدلال على صحة خلافة أبي بكر:
وإذا ثبتت إمامة عمر وجبت إمامة أبي بكر كما وجبت إمامة عمر؛ لأنه عقد
له الإمامة[23]، وهذا هو الظاهر أيضاً من أبي بكر الباقلاني، حيث قال:
ويوضح ذلك أيضاً أن أبا بكر عقدها لعمر، فتمت إمامته وسلم عهده بعقده
له[24]، وهو ظاهر عبد القاهر البغدادي أيضاً، حيث قال: وإذا صحت بذلك
إمامة عمر صحت إمامة من استخلف عمر، وهو أبو بكر[25]، وقال: واختلفوا
أيضاً في الوصية في الإمامة إلى واحد بعينه يصلح لها، فقال أصحابنا مع
قوم من المعتزلة والمرجئة والخوارج: إن الوصية بها صحيحة جائزة غير
واجبة، وإذا أوصى بها الإمام إلى من يصلح لها وجب على الأمة إنفاذ
وصيته، كما أوصى بها أبو بكر إلى عمر، وأجمعت الصحابة على متابعته
فيها[26].



وقال التفتازاني: الثاني: استخلاف الإمام وعهده وجعله الأمر شورى
بمنزلة الاستخلاف، إلا أن المستخلف غير متعين، فيتشاورون ويتفقون على
أحدهم[27].



هذا ومضافاً إلى ما ستعرفه من الإشكال على هذه النظرية من حيث
الكبرى فإن الإشكال الآخر الذي ربما يرد هنا من جهة الصغرى؛ إذ الإجماع
والاتفاق من قبل جميع الصحابة لم يتحقق في شخص أو إمام حتى يمكن أن
يقال باتفاق جميع الصحابة عليه.



هذا وهناك طريق ثالث للشرعية وهو الدعوة إلى النفس والاستيلاء
والغلبة، ويبدو أن هذا الرأي قد تبلور منذ عهد مبكر جداً، فقد روى
تلاميذ الشافعي المتوفى في 204ه‍أن هذا مذهبه، وتثبت الإمامة من غير
بيعة، وأن كل قرشي استولى على الخلافة بالسيف واجتمع عليه الناس فهو
خليفة، فالعبرة عنده في الخلافة أمران، هما كون المتصدي قرشياً واجتماع
الناس عليه، سواء أكان الاجتماع سابقاً على إقامته خليفة كما في حال
البيعة أم كان الاجتماع تالياً لاستيلائه على السلطة بقوة السيف وغلبة
الشوكة[28].



وعن احمد بن عبد الله القلقشندي المتوفى في 821ه‍ الطريق الثالث من
الطرق التي تنعقد بها الإمامة القهر والاستيلاء، فإذا مات الخليفة
فتصدى للإمامة من جمع شرائطها من غير عهد إليه من الخليفة المتقدم ولا
بيعة من أهل الحل والعقد انعقدت إمامته؛ لينتظم شمل الأمة، وتتفق
كلمتهم، وإن لم يكن جامعاً لشرائط الخلافة بأن كان فاسقاً أو جاهلاً
فوجهان لأصحابنا الشافعية، أصحهما انعقاد إمامته أيضاً؛ لأنا لو قلنا
لا تنعقد إمامته لم تنعقد أحكامه، ويلزم من ذلك الإضرار بالناس من حيث
إن من يلي بعده يحتاج أن يقيم الحدود ثانياً، ويستوفي الزكاة ثانياً،
ويأخذ الجزية ثانياً[29].



وقريب منه ما قاله أبو حامد الغزالي وغيره[30].


وقال الباجوري في طرق تعيين الإمام ثالثها: استيلاء شخص مسلم ذي
شوكة متغلب على الإمامة ولو غير أهل لها، كصبي وامرأة وفاسق وجاهل،
فتنعقد إمامته لينظم شمل المسلمين، وتنفذ أحكامه للضرورة[31].



والملحوظ على هذا الرأي أنه يرتضي إمامة القائم بالقوة والقهر من
باب العنوان الثانوي لا الأولي، وهذه هي الطرق المعتمدة في الفكر
الكلامي والسياسي عند العامة من المسلمين في مسألة مبدأ الشرعية وطريقة
تعيين الحاكم، ولا يشذ عن هذه الطرق التي ذكرناها أحد من الباحثين منهم
من الذين تعرضوا في أبحاثهم لهذه المسألة، والذي نستخلصه من مجموع هذه
الكلمات والأقوال هو أن كل من خالف الإماميّة الذين يقولون بأن تعيين
الإمام يرجع إلى النص من الله سبحانه ورسوله(صلى الله عليه وآله وسلم)
يجمعهم أمر واحد أيضاً من الناحية الجوهرية والمضمونيّة، وهو أن المرجع
في التعيين هو الأمة، إلا أن لهم تفسيرات مختلفة للأمة، فبعضهم يرى أن
المراد من الأمة هو ظاهرها باللفظ كما عرفت من الهشاميّة والأصمّ[32]،
وبعضهم يرى أن المراد من الأمة من سماهم بأهل الحل والعقد، وهذا يتضمن
أن ما عدا أهل الحل والعقد من أفراد الأمة المسلمة لا حق لهم في اختيار
الإمام وتعيينه، فرأيهم ملغى، اما لانصراف لفظ الأمة عنهم، أو لتمثيل
أهل الحل والعقد لهم، ثم رأينا أيضاً أن الكثرة الغالبة من هؤلاء
يجعلون الحق في تعيين الإمام لأهل الحل والعقد، ويخرجون عن هذا المبدأ
خروجاً واسعاً نحو الفردية وتركيز السلطة العليا في يد واحدة أو أيد
قليلة، فنرى مثلاً من لا يشترط اجتماع أهل الحل والعقد في جميع الأمة،
بل يكتفي بمن وجد فيهم في بلد الإمام، ونرى بعضهم لا يشترط اجتماع أهل
الحل والعقد في بلد الإمام كلهم، بل يكتفي ببعضهم، كما نرى هذا المبدأ
عند الجبائي ومن ذهب مذهبه، حيث جعل الحد الأدنى خمسة منهم، ويزداد
انكماشاً عند أبي الحسن الأشعري حيث اكتفى بالواحد، واضمحل هذا المبدأ
تماماً عند ابن حزم الأندلسي حيث قرر في الطريق الرابع من طرق تعيين
الإمام أن عقد الإمامة يصح بواحد يبايع طالب الإمامة حتى ولو لم يكن من
أهل الحل والعقد[33]، بعد هذا نلاحظ أن مبدأ الفردية تجسد تجسداً تاماً
عند الزيديّة، حيث رأوا أن من نهض بالإمامة مطالباً بها تعينت إمامته،
ووجبت طاعته، ولا يحتاج إلى سلطة أعلى منه تكون أساساً لشرعية سلطته،
وهكذا عند العامة الذين جعلوا التسلط والتغلب بالقوة مبدأ معترفاً به
لشرعية السلطة[34].خو الإمام زيد بن علي ابن الحسين عليهما السلام وبعد
مقتله ثار ولده يحيى بن زيد وفي عهد الإمام الصادق حدثت ثورة عبد ا



ويظهر مما تقدم أن الآراء المختلفة على الرغم من إبهامها ترجع إلى
جوهر واحد في مبدأ السيادة وشرعية السلطة، وهو سيادة الأمة.



تقديم مبدأ التعيين على غيره


يظهر من كلماتهم أن مبدأ التعيين والوصية من شخص إلى شخص يأخذ صفة
الأفضلية عند الجميع، فقد صرح ابن حزم بجعله أفضل الوجوه وأصحها، كما
صرح بذلك الغزالي، وقدمه على أهل الحل والعقد أيضاً، وكذلك الكمال بن
أبي شريف، والإيجي في شرح المواقف في باب الإمامة، وحق الاختيار هنا
ينحصر في الخليفة فقط دون اعتبار لغيره، سواء أكانوا من أهل الحل
والعقد أو من غيرهم. يقول ابن حزم في هذا المبدأ: أولها وأصحها وأفضلها
أن يعهد الإمام الميت إلى إنسان يختاره إماماً بعد موته،[35] وليس في
هذا النص ما يوحي بأن صحة اختيار الإمام منوطة بأن يستشير أهل الحل
والعقد.



ويقول الغزالي في تقرير هذا المبدأ: إن ذلك لا يسلم لكل أحد، بل لا
بد فيه من خاصية، وذلك لا يصدر إلا من أحد ثلاثة. إما التنصيص من جهة
النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، وإما التنصيص من جهة إمام العصر بأن
يعين لولاية العهد شخصاً معيناً من أولاده أو من سائر قريش، أما الثالث
فهو الرجل ذو الشوكة الذي يقتضي انقياده وتفويضه متابعة الآخرين
ومبادرتهم إلى المبايعة [36].



ونلحظ في هذا القول انه جعل راي أهل الحل والعقد في الرتبة الثالثة
من الطرق، وينص الشيخ محمد الشربيني على أنه لا يشترط في الاستخلاف رضا
أهل الحل والعقد في حياة الإمام أو بعد موته إذا ظهر له واحد جاز بيعته
من غير حضور غيره، ولا مشاورة أحد، ويجوز العهد إلى الوالد والولد، كما
يجوز إلى غيرهما، وقد جزم به صاحب الأنوار وابن المقري[37]، وذهب إلى
أن أهل الحل والعقد لو اختاروا بعد موت الإمام غير من استخلفه الإمام
فليس لهم ذلك. قال: وإن مات الخليفة وبقي الثلاثة أحياء فيما لو جعل
الخليفة ثلاثة أولياء متتابعين للعهد مثلاً وانتصب الأول كان له أن
يعهد بها إلى غير الأخيرين، لأنها لما انتهت إليه صار أملك بها، بخلاف
ما لو مات ولم يعهد إلى أحد فليس لأهل البيعة أن يبايع غير الثاني،
ويقدم عهد الأول على اختيارهم [38].



ويقول أبو الحسن الماوردي في هذه المسألة: فإذا أراد الإمام أن يعهد
بها فعليه أن يجهد رأيه في الأحق بها والأقوم بشروطها، فإذا تعين له
الاجتهاد في واحد نظر فيه، فإن لم يكن ولداً ولا والداً جاز له أن
ينفرد بعقد البيعة له، وبتفويض العهد إليه وإن لم يستشر فيه أحد من أهل
الاختيار، لكن اختلفوا هل يكون ظهور الرضا منهم شرطاً في انعقاد بيعته
أو لا؟ فذهب بعض علماء البصرة إلى أن رضا أهل الاختيار لبيعته شرط في
لزوم الأمة؛ لأنه حق يتعلق بهم، فلم تلزمهم إلا برضا أهل الاختيار
لبيعته، والصحيح أن بيعته منعقدة، وأن الرضا بها غير معتبر؛ لأن بيعة
عمر لم تتوقف على رضا الصحابة، ولأن الإمام أحق بها، فكان اختياره فيها
أمضى، وقوله فيها أنفذ، وإن كان ولي العهد ولداً أو والداً فقد اختلف
في جواز انفراده في عقد البيعة له على ثلاثة مذاهب:



الأول: لا يجوز أن ينفرد بعقد البيعة لولد ولا لوالد حتى يشاور فيه
أهل الاختيار فيرونه أهلاً لها، فيصح حينئذ عقد البيعة له؛ لأن ذلك منه
تزكية له تجري مجرى الشهادة، وتقليده على الأمة يجري مجرى الحكم، وهو
لا يجوز أن يشهد لوالد أو لولد، ولا يحكم لواحد منهما للتهمة العائدة
إليه بما جبل من الميل إليه.



الثاني: يجوز أن ينفرد بعقدها لولد أو والد؛ لأن أمير الأمة نافذ
الأمر لهم وعليهم، فغلب حكم المنصب على حكم النسب، ولم يجعل للتهمة
طريقاً على أمانته، ولا سبيلاً إلى معارضته، وصار فيها كعهده بها إلى
غير ولده ووالده.



الثالث: يجوز أن ينفرد بعقد البيعة لوالده، ولا يجوز أن ينفرد بها
لولده؛ لأن الطبع يبعث على ممايلة الولد أكثر مما يبعث على ممايلة
الوالد، فأما عقدها لأخيه ومن قاربه من عصبته ومناسبيه فكعقدها للبعداء
الأجانب في جواز تفرده بها[39].



وهذا الكلام ظاهر في الاستحسانات الظنية أيضاً؛ إذ لا يرجع إلى دليل
ومستند واضح، ومن ناحية أخرى نرى أن العامة يصححون خلافة بني أمية وبني
العباس على الرغم من أن هؤلاء كانوا يعهدون إلى أولادهم دون أن يرجعوا
إلى أهل الحل والعقد مطلقاً، فجعلوا الحكومة وراثية. وإذا رجعنا إلى
النصوص الواردة في هذه المسألة كما في شرح المقاصد وحجة الله البالغة
وحاشية الباجوري على شرح الغزي والمسامرة في مباحث الإمامة ومباحث
البغاة نرى أن هؤلاء أطلقوا القول بصحة الاستخلاف من دون أن يذكروا
لذلك قيدا، أو شرطاً[40].



وكيف كان، فالظاهر أن هذا الرأي الذي يستند إلى تعيين الإمام
السابق لمن بعده من الحكام ينتهي إلى تخطئة رسول الله (صلى الله عليه
وآله وسلم) ـ والعياذ بالله - أو تكذيب فعل الصحابة، وكلاهما لا
يلتزمون به؛ وذلك لأنه اعتبر أصح الطرق في شرعية السلطة العهد والنص من
الإمام السابق، مع أنهم ينفون أن يكون قد فعله النبي الأعظم (صلى الله
عليه وآله وسلم)، حيث أنكروا نصه لعلي أمير المؤمنين (عليه السلام) في
أمر الخلافة، فيدور الأمر بين أمور:



أحدها: أن يكون نفيهم لنص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) صحيحا
عندهم، فيثبت بطلان هذا الرأي؛ لأنه لو كان هذا الطريق هو الأصح من
الطرق الأخرى لفعله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).



ثانيها: أن يكون هذا الرأي هو الأصح فعلاً فيثبت لزوم فعل النبي (صلى
الله عليه وآله وسلم) له، وحينئذ يمكن أن يسأل هل فعله النبي بالفعل أم
لا؟ إن قيل: فعله، فيثبت صحة ما تقوله الامامية من نصه (صلى الله عليه
وآله وسلم) على علي أمير المؤمنين (عليه السلام) بالخلافة، وبطلان فعل
الصحابة في تعيين الخليفة دون الالتزام بنص من رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم)، وإن قيل: لم يفعله، فيلزم منه نسبة النقص إلى رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؛ وذلك لرجوع السؤال عن سبب عدم فعله (صلى
الله عليه وآله وسلم) له، مع أنه أفضل الطرق وأصحها، والاحتمالات
العقلية المتصورة لعدم فعله عديدة حينئذ؛ إذ تدور بين الجهل والظلم
والتشفي والإضلال ونحوها نسبة إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)،
وكلها تتنزه ساحته المقدسة المعصومة عنها [
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

في السيادة وشرعية السلطة عند الجمهور :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

في السيادة وشرعية السلطة عند الجمهور

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» يعارض فوكو، في نظريته في السلطة، التصور الماركسي الكلاسيكي ونظريات الحق الطبيعي. لا وجود لذات أو لفاعل يملك السلطة، مثلما لا وجود لجهاز (الدولة) ينفرد لوحده باستعمال السلطة. يقترح فوكو نموذجا استراتيجيا للسلطة، فلا ينبغي النظر إلى السلطة كملكية قارة ومستق
» كتاب نخب المملكة: بحث في تنظيم السلطة بالمغرب لعلي بنحدو النظام العشائري وآليات تناسل السلطة
» الإعلام وثقافة الجموع (8) حيث إنّ السلطة هي السلطة أوّلاً
» الإنسان بين شِرعة الاستخلاف وشرعية الاختلاف؛ مقدمتان ونتيجتان
»  » السيادة السيادة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: دراسات و ابحاث-
انتقل الى: