** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالرئيسية  الأحداثالأحداث  المنشوراتالمنشورات  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

 

 جيل دولوز الرسم ومشكلة المفاهيم

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
هذا الكتاب
فريق العمـــــل *****
هذا الكتاب


عدد الرسائل : 1296

الموقع : لب الكلمة
تاريخ التسجيل : 16/06/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 3

جيل دولوز  الرسم ومشكلة المفاهيم  Empty
05112011
مُساهمةجيل دولوز الرسم ومشكلة المفاهيم



جيل دولوز  الرسم ومشكلة المفاهيم  Arton6573-9ef35
مفهوم الكارثة:


يستعمل جيل دولوز مفهوما يعتبره أساسيا في الرسم ألا وهو مفهوم
الكارثة catastrophe ويدل على لحظة في الإبداع يتمّ بواسطتها إخراج شيء
جديد أو توليده من صميم اللوحة. هذا الشيء الجديد يتمثَّل في مزيج من
الألوان أو حسب اصطلاح دولوز نفسه سلسلة من الألوان gamme de couleurs لا
سابق لها. فمرور اللوحة أو العمل الفنّي من الكارثة ضروريّ، لأنها هي التي
تضمن ألاَّ تؤول الألوان إلى ما يشبه الألوان الباهتة أو الرمادية، الكارثة
هي التي تضمن صعود ألوان جديدة لها من القوة ما لا يترك مجالا للألوان
الشاحبة والكئيبة. كلّ رهان الرسم يتلخَّص بحسبه في اللون. فاللون الرمادي
والباهت دليل على فشل الرسام، أمّا اللون القويّ حقّا فهو ذلك الذي ينضح
قوَّةً ويفيض حيوية. ولا تخفى ها هنا آثار فلسفة القوة والحياة لدى نيتشه
على تقييم دولوز للرسم الحديث. ويستشهد بقول مأثور ومشهور للرسام أوجين
دولاكروا مفاده أنّ اللون الرماديّ هو العدوّ اللدود للرسم. كانت معركة بول
سيزان كلها مع اللون لكنه لم يذهب مذهب دولاكروا في قولته عن الرمادي، بل
إنّ دولاكروا يعتبر أن من لم يرسم الرمادي لم يصبح بعد رسَّاما. لأنّ
الرمادي في تصوُّر دولوز نوعان: رماديّ حاصل مزيج الأبيض والأسود، وهو
مؤشِّر فشل فعل الرسم نفسه، ورماديّ ناجم عن مزج كلِّ الألوان، رماديّ مثل
نار الجمر gris du brasier، رماديّ متوهِّج وهو دليل نجاح الرسام. يسمّي
كاندنسكي اللون الرماديّ الأوّل لونا ارتكاسيا، واللون الرماديّ الثاني
فعَّالا. ويأتي هذا التقسيم على غرار تصنيف نيتشه للقوّة إلى قوّة فعالة
وقوّة اارتكاسية.


اللون الإبداعيّ حقّا هو اللون الصاعد، اللّون الذي يخرج من صميم
الفوضى العارمة التي يضعنا الرسم في حمأتها. واللون الرماديّ الفعَّال
والمتوهِّج هو ما منه تصدر كلُّ الألوان الساطعة. وهنا لا بدّ من توضيح
ماذا يعني دولوز بالفوضى أو الكاووس chaos؟


لا مراء في وجود علاقة بين مفهوم الكارثة ومفهوم "الكاووس" الذي لا
يعني قطعا ما يناقض النظام. لا يقاس الكاووس بشيء ولا يناقض شيئا ولا
يُنسب لأيّ شيء، إنّه الفوضى المطلقة أو ما سبق أن وصفته بالفوضى العارمة.
لا يمكن فهمُ فعل الرسم بدون استعمال مفهوم الكارثة التي تضعه على شفا
الهاوية، وما الهاوية سوى هذه الفوضى العارمة التي تسبق فعل الرسم والتي لا
يستطيع الفنان المبدع عنها فكاكا، ومنها يخرج كلّ شيء أو لا يخرج أيّ شيء.
وما يخرج من صميم الكارثة ومن عمق الهاوية هو اللون، إذ لا يقاس الرسم
بالموضوع المرسوم وإنّما بكيفية الرسم التي ليست شيئا آخر سوى اللون ذاته.
وبناءً عليه فالكاووس- وهذا أفضِّل استعمال الكلمة الإغريقية لأنها لا
تعبِّر عن نقيض الفوضى أي النظام- ليس مفهوما ولا مقولة، بل إنه نقيض
المفهوم أو بكلّ بساطة لا-مفهوم non-concept كما يرى بول كليPaul Klee.
والنقطة le point هي ما يرمز إلى الهاوية أو الفوضى أو الكاووس عنده، وهي
نقطة لا أبعاد لها أو نقطة بدون أبعاد. إنّ النقطة هي هذا الوجود المعدوم
أو هذا العدم الموجود، هي هذا المفهوم الذي ليس بمفهوم إطلاقا والذي منه
يخرج كلّ شيء أو لا يخرج أي شيء، ما يصير وما لا يصير، ما يوجد وما لا
يوجد. النقطة حسب تعبير دولوز هي العلامة التشكيلية أو الدلالة التصويرية
على الكاووس بالمعنى المذكور آنفا، وتكتسي لون الرماد الذي هو مزيج من
الألوان جميعها، ويقع في موضع لا هو بالأعلى ولا بالأسفل، لا هو باللون
الدافئ ولا باللون البارد. إنها نقطة بلا أبعاد، لأنها أصل الأبعاد
ويمثِّلها بول كلي بالمركز الأصلي للكون الذي تتحدَّد منه كلّ الأبعاد،
إنها بدء العالم أو كما يدعوها بالبيضة. النقطة تلخِّص النقطة فكرته
التشكيلية عن نشأة الكون. ما فعل الرسم حسب "بول كلي" سوى تحديد نقطة البدء
في اللوحة ومن ثمّ جعلها، وهي النقطة الرمادية، المنبع الذي تخرج منه
الأشياء بواسطة تمديدها وتوسيعها تمهيدا لجعلها تقفز على نفسها. فالنقطة
الرمادية التي لا تقوى على القفز على نفسها تسقط مجدَّدا في الفوضى أو في
"الكاووس"، وبالتالي لا يخرج من صلبها شيء. أمّا الرسّام المبدع حقا هو من
يجعل النقطة تتعدَّى نفسها، ويخرج بها من "الكاووس" إلى الكوسموس.
كلّ الرسامين الأفذاذ واجهوا بشكل أو بآخر تيمة الكارثة وكلُّ
بطريقته: من بينهم تورنر Turner وبول سيزان Cézanne وفان كوخ Van Gogh و
بول كليPaul Kleeفرنسيس بيكون Francis Bacon. لا يقصد جيل دولوز بالكارثة
منظرا كارثيا، بل الكارثة بمعناها التشكيلي أي اختلال التوازن على صعيد
اللوحة ذاتها. كان الرسم دوما رسما لنقط اختلال التوازن، أي تصويرا لشيء في
طريقه إلى السقوط في الهاوية، بمعنى آخر شيء آيل إلى الانهيار، بنية في
طريقها إلى التفكُّك، نقطة ما مهدَّدة بالسقوط. ففي لوحات سيزان يوجد
اختلال ما يترجمه ارتعاد أو ارتعاش الآنية أو مثل اهتزاز الأكواب والكؤوس
في لوحات فان كوخ.


لا تتجسَّد الكارثة في ما تمثِّله اللوحة من مناظر أو أشياء، بل في الاختلال المهدِّد لتوازن اللوحة ذاتها أو لفعل الرسم ذاته.


يتخذ دولوز من الرسام الإنجليزي المشهور في القرن 19 "تورنر" مثالا
على مفهوم الكارثة في الفنّ عموما وفي الرسم تخصيصا، حيث مرَّ هذا الأخير
من مرحلتين: في المرحلة الأولى تجسَّدت الكارثة عنده في رسمه للمناظر
الكارثية مثل الأعاصير والعواصف العاتية، أما في المرحلة الثانية تجسدت
الكارثة عنده في أشكال كارثية، بمعنى أن لا سبيل للأشكال للاكتمال، بل
تتلاشى وتنهار دون أن تُصوِّر أشياء منهارة. لم يرسم في هذه المرحلة سوى
أدخنة وأبخرة وكرات من اللهب والنار بشكل يحول دون تحدُّد معالم أو أشكال
الأشياء. ومن هذه الطريقة في الرسم انبثق لون يعتبر سمة غالبة في لوحاته
ألا وهو الأصفر الذهبي. في لوحة مشهورة بعنوان "نور ولون" رسم موضوع ما بعد
الطوفان. تمثّل لحظة ما بعد الكارثة ميلادا جديدا هو اللون. لماذا اللون؟
لأنّ اللون ليس معطى بل هو ابتكار أو لنقل إنّه إبداع. لكلّ رسام ألوانه
التي لا نعثر عليها عند غيره. بدون تجسيد الكارثة في فعل الرسم، حتَّى
ينبثق اللون، يعني فشل الرسم. ألم يكن جنون فان كوخ ذا علاقة مع وسواس
اللون؟


مفهوم الرسم التخطيطي:


لا يتأتّى فهم إشكالية الرسم –حسب جيل دولوز- إلا باستعمال مفهوم
آخر لا يقل أهمية عن مفهوم الكارثة ألا وهو مفهوم الرسم البياني أو الرسم
التخطيطي diagramme. فانطلاقا منه يحدِّد الرسام إمكانية ما أو انفراج ما،
وبواسطته يتم من جهة تخطِّي أو تجاوز حالة الفوضى وتعديِّ وضعية الكارثة،
ومن جهة أخرى تنظيم العناصر المبعثرة وتنظيف اللوحة من التشويش السابق على
فعل التصوير أو الرسم.


يتكوَّن فعل الرسم من ثلاثة أزمنة أو لحظات:


-الزمن الأوّل هو الزمن السابق على التصوير أو الرسم ويسوده
الكاووس. لمَّا لا يجد الرسام من أين يبدأ ولا من أين ينتهي، ولمَّا يعجُّ
ذهنه بالصور المشوِّشة أو ما يسمّيه جيل دولوز الإكليشيهات clichés-
وسنوضّح معنى الاكليشي- التي تعتبر العدوّ اللدود للرسم. ففي هذه اللحظة
يظهر الرسام العادي أو الفاشل من الرسام المبدع. ذلك أن الرسام المبدع حقّا
هو الذي يسيطر على الصور المعطاة والجاهزة.


- الزمن الثاني هو الزمن التصويريّ أو زمن الرسم الذي يبدأ بطرد
الأشباح أو الأشباه أو الصور الجاهزة، وأثناءه يخطِّط الرسام أو يرسم
خطاطات تمكِّنه من الانفلات من العالم الهلامي، ويبدأ عملية تنظيف فضاء
اللوحة، واضعا كل ما ليس تصويرا جانبا.


- الزمن الثالث هو الذي يخرج فيه شيء ما، وهذا يكون لونا تارة و
نورا تارة أخرى أو هما معا. ما يخرج من الخطاطة أو المخطَّط أو التخطيط نوع
من الحضور présence. وبمقتضاه يضعنا الرسام في حضرة ما أو في حضور ما،
ويكون هذا الحضور مختلفا حسب كلّ رسَّام بحسب منطلقه أو خطاطته فيتَّخذ هذا
الحضور شكل مربَّعات عند ماليفتشMalévitch ، وشكل خطوط أفقية عمودية عند
موندريانMondrian ، أو حتَّى شكل وجوه إذا كان الأمر يتعلَّق بفنان مختص في
تصوير الأشخاص.


الصراع مع الاكليشيه:


وحتى يتأتَّى فهم فعل الرسم باعتباره صراعا مريرا مع الفوضى أو
الكاووس، يميِّز جيل دولوز بين المعطى والواقعة، أو بالتعبير اللاتيني بين
datum و factum، والفاصل بينهما هو الخطاطة diagramme. المعطى يسبق لحظة
الرسم، ولكنه لا يقلّ أهمية عنها، وهو يعجُّ بأنواع السيمولاكر وبضروب
النسخ ويحفل بالاكليشهات التي يتوجَّب على الرسّام المبدع التخلُّص منها
وتنظيف اللوحة من آثارها المدمِّرة بواسطة القيام بعمل المَحْوِ، أي محو
كلّ الشوائب التي من شأنها أن تسقط بفعل الرسم وبعملية الإبداع إلى مستوى
الفجاجة والابتذال والرداءة. وللحيلولة دون ذلك يبدأ الإبداع بعملية خطِّ
واجتراح فضاء جديد للَّوحة. يسمّي دولوز هذه اللحظة بالواقعة التصويرية
التي تتحدَّد فيها معالم اللوحة، ويبدأ فعل الرسم حقّا بعدما يتمّ قهر
الأشباح التي كانت تحوم حول ذهن الفنان وتقضُّ مضجعه وتحول بينه وبين إبداع
أشياء جديدة كل الجدة. وتعتبر هذه اللحظة فارقة وحاسمة لأنها مشوبة بالقلق
والتوتُّر وتفسّر إلى حدّ بعيد معاناة الرسَّامين الكبار. حربهم هي حرب
ضدّ الاكلشيه والسيمولاكر خاصة في العالم المعاصر الذي يتَّسم بإنتاج مفرط
وفائق للصور المنسوخة والمتكرِّرة إلى ما لا نهاية، عالم الأشباح والأطياف،
عالم الظلال حسب تعبير أفلاطون. إنّ عالما مثل هذا هو عالم استهلاكيّ
يسوده إنتاج وإعادة إنتاج النسخ الباهتة بشكل لا يسمح، سوى فيما ندر وخاصة
مع الرسَّامين المبدعين، بانفجار شيء جديد، وبانبلاج أفق غير منتظر،
وبانبثاق سلسة جديدة من اللون والنور.


يحتاج الأمر إلى قوة إبداع تخرج شيئا من الكاووس، ولكن شريطة
المرور من الكارثة التي لا تبقي ولا تذر، والتي تمحو في طريقها الاكليشيه
لأنه حسب تعبير سيزان العدوُّ اللدود للرسم، وهذا ما يفسٍّر لماذا لم يكن
هذا الرسام راضيا قطّ على عمله، ولماذا كانت دوما تحدوه رغبة محمومة
ولانهائية في بلوغ الكمال، ومن ثمّ دارت أعماله على نفس الموضوع ممّا دفع
أحد الرسامين إلى القول بأنّه لم يرسم في حياته سوى نفس اللوحة ( الكلام
منسوب إلى الرسام سورا)Seurat. ولعل أهمّ ما بلغه هو أنه دفع بالاكليشه أو
النسخة إلى الحدود القصوى، ليكتشف في النهاية أنه بلغ ماهية الرسم عندما
أدرك ماهية التفاحة، وفهم أنه لم يعمل شيئا آخر سوى رسم التفاحة أثناء رسم
النساء، أو بعبارة أخرى لم يفعل شيئا سوى رسم المرأة كما لو كان يرسم
التفاحة. وهذا كلُّه ليس بفضل موهبة بل بالعكس بفضل انعدام الموهبة. وكم من
رسّام أضرَّت موهبته برسمه مثل الرسام موكديلياني Mogdiliani وقد باح
سيزان في نهاية حياته بحقيقة أنه أدرك ماهية التفاحة أخيرا. التفاحة هنا لا
ينبغي أن تُفهم بمعنى الموضوع المرسوم في اللوحة، بل التفاحة بالمعنى
التشكيليّ أو بالمعنى البصريّ، فما التفاحة ها هنا سوى ذريعة أو مطية
لإبداع اللون والنور. لا يهمّ الموضوع في الرسم بقدر ما يهمّ الواقع
البصريّ أو الظاهرة التشكيلية باعتبارها لونا ونورا.


الحرب المعلنة على الاكليشه هي في الواقع حرب على المحكيِّ
والمرويّ، حرب على كل ما له علاقة بالتَّشخيص. ليست اللوحة حكاية تُروى بل
ليست حكيا إطلاقا، ولا تصلح لتأريخ حدث ومن ثم ليست اللوحة ولا الفضاء
التشكيلي مناسبة لتشخيص موضوع أو تمثيل شيء. وهنا يتحدَّد عمل الخطِّ أو
التخطيط في حذف ومحو كل أثر تشخيصي. الواقعة البصرية أو الظاهرة التشكيلية
حسب فرنسيس بيكون (وهو رسَّام معاصر) تستدعي أشكالا ووجوها، دون أن تحكي
تلك الوجوه والأشكال قصَّة أو تروي رواية، مثل نساء سيزان أثناء الاستحمام
التي لا يهمّ منها سوى كونها أشكال خالصة خالية من أي أثر مرويٍّ أو
محكيٍّ، هي نساء بل هي كل النساء، أو بالأوْلى هي أشكال قبل أن تكون نساء.


تعتبر اللامبالاة بالموضوع المرسوم هي السمة الغالبة على الفنّ
المُبدع ما دام أنه لا يحكي شيئا ولا يشخِّص شيئا بقدر ما يرمي إلى كشف ما
لا يُرى للعين، وكان بول كليه على صواب عندما قال إنّ خاصية الرسم لا تكمن
في كشف المرئيّ بل في إماطة اللثام عن اللا مرئي. وما لا تراه العين تحديدا
هو القوة أو على الأصحِّ علاقات القوة المضمرة والثاوية خلف الموضوع.
الواقعة البصرية تبرز في علاقات القوة الغير المرئية التي تخترق اللوحة
وتنفذ إلى ماهية الرسم، ومن اكتشفها اكتشف تلك الماهية. ولكن علاقات القوة
تلك لا تنكشف سوى من عمق الكارثة ولا تنبثق سوى من لُجَّة العدم، وذلك
بضربة خطٍّ أو ما يسميه دولوز diagramme. ولكن كيف تنكشف علاقات القوة؟


تصوير علاقات القوة:


لا سبيل إلى انكشاف علاقات القوة سوى عبر تشويه الأشكال
déformation des formes ، وبالتالي فالقوة هي الشَّكل الذي فَقَدَ شكله،
والوجه الذي فقد ملامحه، لا تترك القوة شكلا إلاَّ شوَّهته لأنها عليه
تُمَارَسُ ومن خلاله تتحدَّد. ويشير دولوز إلى أن التَّشويه
déformationأساسي في الرسم – وهو مفهوم يُنسَب إلى سيزان- لأن من دونه لا
تنجلي القوة ولا تكون مرئية. يميِّز دولوز بين التَّشويه الذي يقوِّض الشكل
وبين مفهوم آخر في الرسم ألا وهو التفكيك décompositionالذي يهدم البنية
أو يهدم التركيب ومن ثم وجب عدم الخلط بينهما. فمن حيث الأهمية فإن التشويه
عمل راديكالي به يكون فعل الرسم أو لا يكون. أما التفكيك أو الهدم فيفترض
إعادة الترميم. في الفن لا يهم ابتداع أشكال بل القبض على القوى. حتى في
الموسيقى يتعلَّق الأمر بتحويل القوى إلى أصوات. للقوة علاقة بالحساسية،
ومن أجل أن تتولَّد الحساسية ينبغي أن تُمارَس القوة على الجسد. فالرسم
يكشف النقاب عن المرئي انطلاقا من قوى غير مرئية، والموسيقى تحويل قوى غير
مسموعة إلى أصوات. ألم يفعل سيزان في الرسم غير هذا عندما رسم قوة التكدُّس
force de plissementفي الجبال- وخاصة جبل سان فيكتوار- ورسم قوة
الاختمار والنمو force de germination في التفاحة والقوة الحرارية force
thermiqueفي المناظر الطبيعية. كما اكتشف فان كوخ قوى مجهولة في زهرة
عباَّد الشمس. أما عن فرنسيس بيكون الذي خصص له كتابا كاملا بعنوان "فرنسيس
بيكون ومنطق الحساسية" فيقول دولوز:" يبدو من خلال تاريخ الرسم أن وجوه
بيكون تقدِّم إجابات جيدة للسؤال التالي: ما السبيل إلى تحويل القوى
اللامرئية إلى قوى مرئية. إنها الوظيفة الأساسية للوجوه" (ص 46).



معزوز عبد العلي: أستاذ الفلسفة و الجماليات، كلية الآداب جامعة الحسن الثاني- المغرب
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

جيل دولوز الرسم ومشكلة المفاهيم :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

جيل دولوز الرسم ومشكلة المفاهيم

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
»  المفاهيم الاساسية في النقد الثقافي المفاهيم الأساسية الأنساق المضمرة ينبني النقد الثقافي على نظرية الأنساق المضمرة، وهي أنساق ثقافية وتاريخية تتكون عبر البيئة الثقافية والحضارية، وتتقن الاختفاء من تحت عباءة النصوص، ويكون لها دور سحري في تو
» الوجود الالهي ومشكلة الشر عند سبينوزا
» الفصل الاول مشكلة الإنسان ومشكلة الله
» فكر الاختلاف عند جيل دولوز
» بث مباشر الإسلام السياسيّ ومشكلة الانتماء: هويّات ناجزة في عالم متغيّر

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: دراسات و ابحاث-
انتقل الى: